السياسة الشرعية (43)
– دعوة ابن عبدالوهاب لمشايخه
بعد انتهاء حروب العثمانيين وحملاتهم على الجزيرة العربية بهدف إخماد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب, اتضح أن الأمر ما هو إلا جانب سياسي لا دخل للدين فيه, وأن ما أرادته الدولة العثمانية مجرد مكاسب سياسية عسكرية وأطماع استعمارية زائلة, وأن الدعوة السلفية هي الدعوة التصحيحية التي تسير وفق الكتاب والسنة وآثار الصحابة الكرام والسلف الصالح، وأن كل تلك الافتراءات والشائعات التي تُثار من حين لآخر تجاه دعوتنا المباركة ما هي إلا غثاء كغثاء السيل لا نفع منها ولا طائل, وهذا ما دفع أيضاً بعض الأشخاص ممن تعارضت مصالحه الدنيوية مع دعوة الشيخ إلى مخالفته, بل محاولة التشهير به كذباً وافتراءً, فألصقوا به التهم كما بيّنا في الأعداد السابقة بهدف تشويه الدعوة من جانب, والخوف على المصالح والأطماع الدنيوية من جانب آخر.
وإن من يقرأ ما كتبه خصوم الدعوة من افتراءات وأكاذيب سيجد أنه لا أصل لها, ولكنها مجرد مجادلات لا نفع منها، وبالرغم من هذا قام الشيخ بالرد عليها كلها في كتبه ورسائله؛ لكي يوضح لتلاميذه ومريديه زيف تلك الأقاويل.
هذا هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الذي أدرك منذ أن كان طالباً حقيقة التوحيد والعقيدة الصحيحة التي تسير وفق ما أنزله الله عز وجل على قلب نبيه [, فبدأ ينمي الشجاعة في نفسه ويبين للناس أخطاءهم العقائدية كلما دعت الحاجة لذلك, فحينما كان يدرس في العيينة, وكان أحد معلميه إذا أراد أن يبدأ درسه بدأهم بدعاء يستعين فيه بزيد بن الخطاب ويطلب منه المدد؛ حيث كان ضريحه بجوار المنطقة التي يسكن فيها الشيخ ـ فكان محمد يرد بصوت لا يسمعه إلا أستاذه لينبهه: الله أقدر من زيد, ومع الزمن ترك المعلم تلك العادة حينما شعر بخطورتها على سلامة العقيدة ومبادئ التوحيد الأساسية, وهي: إذا استعنت فاستعن بالله, فطلب منه أستاذه أن يثبت على ما هو عليه, وأن يتسم بالرفق واللين في دعوته؛ لأن تغيير ما ألفه الناس وإن كان باطلاً يحتاج إلى علم مصحوب بصبر وشجاعة.
واليك مثالا آخر تتضح فيه نية الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تصحيح عقائد المسلمين التي ألفت العادات غير الصحيحة التي تحولت فيما بعد إلى عبادات, فعندما كان يدرس الشيخ في مكة, كان معلمه كلما أراد أن يقوم قال: يا كعبة الله، فسمعه محمد, فإذا به يطلب من شيخه في صباح اليوم التالي قبل حضور باقي طلبة العلم أن يقرأ عليه سورة قريش, فرحب معلمه, فقرأ محمد: فليعبدوا هذا البيت, متعمداً الخطأ، قرأها ثلاث مرات بالخطأ نفسه, إلى أن رده أستاذه قائلاً: إن العبادة لله لا للبيت, فرد محمد: عذرًا يا شيخنا لقد تأثرت بقولتك: «يا كعبة الله», حينها علم أستاذه الخطأ العقدي الذي وقع فيه, وقال ما هي إلا عادات ورثناها عن آبائنا وأجدادنا, وأستغفر الله من ذلك.
هذه هي دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب دعوة خالية من الشرك والرياء، وإنما أراد أن يحيي الدين في نفوس المسلمين بعد انتشار أعمال الشرك على سبيل أنها من العادات التي ألفها الناس, أراد في كتبه ورسائله أن يبين خطورة تلك العادات البالية, وأن أولياء الله ما هم إلا بشر مثلنا, ولكن مَنَّ الله عليهم بالعلم والإيمان, قال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (يونس:62) فهذا ليس معناه أن نتبرك ونستعين بهم من دون الله عز وجل, ولا نشد إلى قبورهم وأضرحتهم الرحال, بل نسأل الله لهم الجنة ونترحم عليهم, وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته إنه على كل شيء قدير.
والله الموفق والمستعان.
اعداد: محمد الراشد