عرض مشاركة واحدة
  #79  
قديم 06-05-2024, 05:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,513
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (82)


- المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده



اشتلمت النصوص الشرعية على مدح أسماء جميلة، والثناء على ألقاب جليلة؛ مما يدل على أن الله تعالى يحبها ويحب من اتصف بها، ويأمر بالتحلي بها والتخلي عن ضدها، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، وزاد الترمذي: «والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»، وزاد البيهقي: «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله».
قال الشيخ ابن سعدي: «ذكر في هذا الحديث كمال هذه الأسماء الجليلة التي رتب الله ورسوله عليها سعادة الدنيا والآخرة؛ وهي الإسلام والإيمان والهجرة والجهاد، وذكر حدودها بكلام جامع شامل».
ومن المقرر أن الإنسان لا بد أن يعرف حقيقة الأشياء قبل طلبها والعمل بها، فالعلم قبل القول والعمل، فمن الأهمية أن يعرف المسلم حدود الأسماء الدينية والألقاب الشرعية كما قال ابن القيم: «ومعلوم أن الله سبحانه حدّ لعباده حدود الحلال والحرام بكلامه، وذمّ من لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، والذي أنزله هو كلامه، فحدود ما أنزل الله هي الوقوف عند حدّ الاسم الذي علق عليه الحلّ والحرمة»، وقال أيضا: «ولهذا كان معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله أصل العلم وقاعدته وآخيته التي يرجع إليها، فلا يخرج شيئا من معاني ألفاظه عنها، ولا يدخل فيها ما ليس منها، بل يعطيها حقها ويفهم المراد منها»، ولهذا العلم فضيلة ومزية كما قال ابن القيم: «فإن أعلم الخلق بالدين أعلمهم بحدود الأسماء التي علق بها الحلّ والحرمة».
فمن الأسماء الشرعية المذكورة في الحديث (الإسلام)، والإسلام في اللغة: هو الانقياد والخضوع والإذعان والاستسلام، وفي الاصطلاح: له معنيان:
الإسلام بالمعنى العام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، فالإسلام هو التعبد لله بما شرع على ألسنة رسله، وهو بهذا المعنى دين جميع الرسل كما قال تعالى عن نوح عليه السلام: {وأمرت أن أكون من المسلمين}، وقال عن إبراهيم عليه السلام: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}، وقال عن موسى عليه السلام: {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}، وقال عن عيسى عليه السلام: {قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون}.
وأما الإسلام بالمعنى الخاص: فهو الدين المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله، قال الله تعالى: {ِإنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام}، وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين}، وهذا الإسلام هو الإسلام الذي امتن به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}.
وفي الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة المسلم فقال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده»، قال النووي: «معناه: من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل، وخص اليد بالذكر؛ لأن معظم الأفعال بها، وقد جاء القرآن العزيز بإضافة الاكتساب والأفعال إليها لما ذكرناه»، وقال ابن حجر: «قوله (المسلم) قيل: الألف واللام فيه للكمال، نحو زيد الرجل أي: الكامل في الرجولية، قال الخطابي: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين»، ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يبين علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده كما ذكر مثله في علامة المنافق.
ويحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه؛ لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه، من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
تنبيه: ذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب؛ لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدا، ولأن الكفار بصدد أن يقاتلوا وإن كان فيهم من يجب الكف عنه، والإتيان بجمع التذكير للتغليب، فإن المسلمات يدخلن في ذلك، وخص اللسان بالذكر لأنه المعبر عما في النفس، وهكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها، والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد؛ لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد، بخلاف اليد، نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة وإن أثرها في ذلك لعظيم، ويستثنى من ذلك شرعا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك، وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة فيدخل فيه اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق.
قال ابن سعدي: «وذلك أن الإسلام الحقيقي هو الاستسلام لله، وتكميل عبوديته والقيام بحقوقه وحقوق المسلمين، ولا يتم الإسلام حتى يحب للمسلمين ما يحب لنفسه، ولا يتحقق ذلك إلا بسلامتهم من شر لسانه وشر يده، فإن هذا أصل هذا الفرض الذي عليه للمسلمين، فمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده كيف يكون قائما بالفرض الذي عليه لإخوانه المسلمين؟! فسلامتهم من شره القولي والفعلي عنوان على كمال إسلامه».
وأما (الإيمان) فهو في اللغة التصديق، كما جاء في قوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} أي: لست بمصدق لنا، وفي الشرع: يختلف معناه بحسب إطلاقه، وله حالتان أيضا:
- الحالة الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام فحينئذ يراد به الدين كله كقوله عز وجل: {الله ولي الذين آمنوا} وقوله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق؛ ولهذا أجمع السلف على أنه: «تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية».
- والحالة الثانية: أن يطلق الإيمان مقرونا بالإسلام؛ وحينئذ يفسر بالاعتقادات الباطنة كما في حديث جبريل في قوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره».
وقوله في الحديث: «والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» يبين حقيقة المؤمن وهو الأمين العفيف، قال في شرح الترمذي: «والمؤمن: أي الكامل، من أمنه الناس: أي جعلوه أمينا وصاروا منه على أمن على دمائهم وأموالهم لكمال أمانته وديانته وعدم خيانته».
قال ابن سعدي: «وفسر المؤمن بأنه الذي يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم؛ فإن الإيمان إذا دار في القلب وامتلأ به أوجب لصاحبه القيام بحقوق الإيمان التي من أهمها: رعاية الأمانات، والصدق في المعاملات، والورع عن ظلم الناس في دمائهم وأموالهم، ومن كان كذلك عرف الناس هذا منه، وأمنوه على دمائهم وأموالهم، ووثقوا به؛ لما يعلمون منه من مراعاة الأمانة، فإن رعاية الأمانة من أخص واجبات الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له».
وأما (الهجرة) فمَعْنَاهَا في اللغة الِانْتِقَال مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع , وفي الاصطلاح: هي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام.
وذكر ابن القيم أن الهجرة هجرتان: الأولى: هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، والثانية: الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره إلى خوفه.
وحكم الهجرة باق إلى يوم القيامة، وهو قول عامة أهل العلم، ولهم في ذلك أدلة منها قوله عليه السلام: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فقد قال ابن حجر: «والمهاجر هو بمعنى هجر، وإن كان لفظ المفاعل يقتضي وقوع الفعل من اثنين، ولكنه هنا للواحد كالمسافر، ويحتمل ان يكون على بابه؛ لأن من لازم كونه هاجرا وطنه مثلا أنه مهجور من وطنه.
وهذه الهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة، فالباطنة: ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان، والظاهرة الفرار بالدين من الفتن، وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه. ويحتمل أن يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبا لقلوب من لم يدرك ذلك، بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه، فاشتملت هاتان الجملتان على جوامع معاني الحكم والأحكام».
قال ابن سعدي: «وفسر الهجرة التي هي فرض عين على كل مسلم بأنها هجرة الذنوب والمعاصي، وهذا الفرض لا يسقط عن كل مكلف في كل حال من أحواله، فإن الله حرم على عباده انتهاك المحرمات والإقدام على المعاصي، والهجرة الخاصة التي هي الانتقال من بلد الكفر أو البدع إلى بلد الإسلام والسنة جزء من هذه الهجرة وليست واجبة على كل أحد، وإنما تجب بوجود أسبابها المعروفة».
وأما (المجاهد)؛ فالجهاد في اللغة: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللسان أو ما أطاق من شيء. وفي الاصطلاح للجهاد إطلاقان:
- الأول: بالمعنى الأعم: هو اسم جامع لكل سبب يحقق ما يحبه الله ودفع ما يبغضه سبحانه، كما قال شيخ الإسلام: «الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان»، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، قال ابن سعدي: «بذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته» وقوله صلى الله عليه وسلم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله».
الإطلاق الثاني للجهاد بالمعنى الأخص: وهو قتال مسلم كافرا غير ذي عهد بعد دعوته للإسلام وإبائه إعلاء لكلمة الله.
ويبين ابن القيم حقيقة الجهاد الشرعي ومراتبه المتعددة فيقول: «فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافق.
فجهاد النفس أربع مراتب أيضا:
- إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين.
- الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
- الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
- الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربانيين؛ فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السموات.
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان: إحداهما: جهاد على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، والثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعده الصبر، قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب: بالقلب واللسان والمال والنفس، وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب: الأولى باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه، فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، ومن مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق.
قال ابن سعدي: «وفسر المجاهد بأنه الذي جاهد نفسه على طاعة الله؛ فإن النفس ميالة إلى الكسل عن الخيرات، أمارة بالسوء، سريعة التأثر عند المصائب، وتحتاج إلى صبر وجهاد في إلزامها طاعة الله وثباتها عليها، ومجاهدتها عن معاصي الله، وردعها عنها، وجهادها على الصبر عند المصائب، وهذه هي الطاعات: امتثال المأمور، واجتناب المحظور، والصبر على المقدور.ومن أشرف هذا النوع وأجله مجاهدتها على قتال الأعداء ومجاهدتهم بالقول والفعل، فإن الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الدين».
فهذا الحديث قد اشتمل على ذكر أوصاف حميدة، وألقاب كريمة، على المسلم أن يفحص نفسه بحثا عنها، فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فليجتهد في التحلي بها والتخلق بحقائقها؛ ليفوز بآثارها وثمراتها العاجلة والآجلة، والله الموفق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.44%)]