عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 08-05-2024, 12:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 141,692
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 4 ) باب: فضل المساجد


اعداد: الفرقان



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فهذا تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

244.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهن : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا».

الشرح: قال المنذري: باب فضل المساجد.

وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، وبوب عليه النووي باب: فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد.

عن عبدالرحمن بن مهران مولى أبي هريرة رضي الله عنه ، ويقال: مولى الأزد، أبو محمد المدني، تابعي، قال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، روى له مسلم والنسائي.

والمولى يطلق ويراد به العبد الرقيق، ويطلق ويراد به السيد، ويطلق على ابن العم والناصر وغير ذلك، والمراد هاهنا أنه كان رقيقا لأبي هريرة.

قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها» وجاء بلفظ: «أحب البقاع إلى الله المساجد»، وذلك أن المساجد هي محل الصلوات المفروضة والمسنونة، ومحل قراءة القرآن، والدعاء والذكر، وحضور الملائكة واستماع الصالحين، ومحل حلقات العلم والتدريس، وتحفيظ كتاب الله، وغير ذلك من فضائلها، فهي بيوت الطاعات وبيوت العبادات، وهي مؤسسة على البر والتقوى، فهذه هي المساجد قد أسست لأجل العبادة والطاعة، فهنيئا لمن وفقه الله لعمارتها.

ويدل على شرف المساجد أدلة كثيرة منها: أن الله تعالى نسبها إلى نفسه، فقال {وأنّ المساجدَ لله فلا تَدعوا مع الله أحداً} (الجن: 18).

وأن الله عز وجل أمر ببنائها ورفعها، ومدح من يعمرها بالبناء وبالصلاة والذكر، ووعدهم الأجر الحسن، فقال: {في بُيوتٍ أَذن الله أن تُرفعَ وُيذكر فيها اسمُه يُسبّح له فيها بالغُدو والآصال رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكرِ الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوبُ والأبصار ليَجزيهم اللهُ أحسنَ ما عملوا ويزيدهم منْ فضله} (النور: 37 -38).

وأيضا فإنّ عمارة المساجد من علامات الإيمان، كما قال الله تعالى: {إنما يَعمرُ مساجدَ الله منْ آمنَ بالله واليوم الآخرِ وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أُولئك أنْ يكونوا من المهتدين} (التوبة: 18).

وعمارة المسجد تكون عمارة حسية وعمارة معنوية، أما العمارة الحسية: فهي بناء المساجد وتشييدها وصيانتها، وأما العمارة المعنوية: فهي أن تعمر بيوت الله بالصلاة فيها، وبالاعتكاف فيها، والجلوس فيها بعد الصلاة ولانتظار الصلاة بعد الصلاة، وبقراءة القرآن، بعض الناس يهجر المساجد، فلا يكاد يدخل بيوت الله، ولا يعمر مساجد الله، وهذا ضد الإيمان، فالإيمان أن تعمر مساجد الله.

ومن عمارة المساجد: إحياؤها بالدروس العلمية، وحلقات تحفيظ القرآن واجتماع الصالحين، وإقامة الندوات والمحاضرات العلمية، وما أشبه ذلك فكله من تعمير المساجد.

وكانت المساجد في عصور الإسلام الأولى، معمورة بالصلوات وبالذكر وقراءة القرآن، والدروس والخطب ونشر العلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد الاجتماعات في مسجده الشريف، فيشاور المسلمين فيه، ويرسل منه القادة، وتنطلق منه الجيوش، ويعزي الناس في المسجد إذا جاء خبر وفاة بعض أصحابه وقادته، ويهنئ الناس بما يسرهم فيه من النصر والبشارات، وهكذا، فقد كان المسجد هو قاعدة الأمة الذي تنطلق منه، وقلبها النابض، وليس مكاناً لمجرد أن يصلي فيه الإنسان ركعتين أو ثلاثا، ثم يخرج ويغلق ويهجر!

وعقوبة تعطيل وهدم المساجد من أشد العقوبات عند الله تعالى، كما قال الله عز وجل: {ومنْ أظلم ممن مَنعَ مساجدَ الله أنْ يُذكر فيها اسمُه وسَعَى في خرابها أولئك ما كان لهم أنْ يَدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم} (البقرة: 114).

فمن يغلق المساجد ويمنع الناس من الصلاة فيها والذكر، وإقامة شعائر الدين، وعقد الدروس العلمية وتعليم الناس ما يجهلون من أمور دينهم، فهذا تخريب معنوي عظيم للمساجد، وفيه عقوبات عظيمة في الدنيا والآخرة، أما التخريب الحسي فهو أن يهدم المسجد ويخرب، كما يفعل أعداء الله عز وجل اليوم من النصيرية الكفرة الملاحدة بالشام، فيضربون المساجد بالمدافع، ويقصفون المآذن بالدبابات وبالطائرات، فلا إيمان لهم يردعهم عن ذلك، ولا تعظيم للرحمن جل جلاله في قلوبهم، ولا دولة إسلامية قوية ترهبهم؛ ولذا تجرأوا على الله عز وجل، وعلى بيوته، وتجرأوا على دماء المؤمنين وأعراضهم، والله سبحانه وتعالى سيخزيهم ويذلهم عاجلا أو آجلا، ويجعلهم عبرة وآية لخلقه وللناس أجمعين {إنَّ ربّكَ لبالمرصاد} (الفجر: 14).

وأيضا مما يدل على شرف المساجد: أنّ منْ تعلّق قلبه بالمساجد، أظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، كما في الحديث: «ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد» أي: كلما خرج منها عاد إليها، حتى لو سافر فإنه أول ما ينزل بالمكان، يسأل: هل هناك مسجد قريب؟ لأن قلبه متعلق ببيوت الرحمن، لا يستطيع مفارقاتها سواء كان في الحل أو الترحال.

قوله: «وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا» وأما الأسواق فإنها أبغض البقاع إلى الله تعالى؛ لأن الأسواق محل الغفلة عن ذكر الله وعن الصلاة، ولأن الأسواق فيها الغش والخداع، والأيمان الكاذبة، فيحلف أحدهم بالله وهو كاذبٌ من أجل أن يروّج سلعته، وفي الأسواق أيضا أكل الربا، وإخلاف الوعد، وغير ذلك، وأما في زماننا فالأسواق اليوم صارت محلا لتبرج النساء وتعريهن! وخروجهن بملابس غير ساترة، واختلاطهن بالرجال، وكأنها تعرض نفسها على الناس في الأسواق، والعياذ بالله! وهذا ما زاد بلاء الأسواق بلاء!

ومن البلاء الحادث في الأسواق اليوم: وجود البائعات المتبرجات في المحلات التجارية بالأسواق! فيدخل الإنسان إلى المحل التجاري وإذا الباعة كلهم من النساء المتبرجات المائلات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

فهذه الأمكنة حريٌ أن يخسف الله بها وبأهلها؛ لكثرة المعاصي التي تقع فيها، عافانا الله جميعا من كل شرٍ وبلاء.

47- باب: فضل كثرة الخُطى إلى المساجد

245. عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ الصَّلَاةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَتَوَجَّعْنَا لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ مِنْ الرَّمْضَاءِ، وَيَقِيكَ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي مُطَنَّبٌ بِبَيْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا، حَتَّى أَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يَرْجُو فِي أَثَرِهِ الْأَجْرَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ».

الشرح: يقول المنذري رحمه الله: باب كثرة الخطى إلى المساجد. وهذا الحديث في كتاب المساجد في صحيح مسلم، وبوب عليه النووي رحمه الله: باب فضل الصلاة المكتوبة في جماعه وفضل انتظار الصلاة وكثرة الخطى إلى المساجد وفضل المشي إليها.

عن أبي بن كعب هو ابن قيس بن النجار الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر الصحابي المشهور الذي هو من سادة قراء القرآن وحفظة الكتاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف في سنة موته اختلافاً كثيرا، فقيل: سنة 19 هـ، وقيل: 32 هـ، وقيل غير ذلك، روى له الستة.

يقول: «كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة» أقصى بيت يعني: أبعد بيت في المدينة عن المسجد النبوي، ومع ذلك «كانت لا ُتخطئه الصلاةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم » سبحان الله! أبعد شخص في المدينة عن المسجد النبوي، مع ذلك كانت لا تفوته ولا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجده الشريف.

قوله: «فتوجعنا له» أي: تألمنا له وتوجعنا؛ لأن المسافة البعيدة ذهابا وإيابا.

قوله: «فقلت له: يا فلان، لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء، ويقيك من هوام الأرض» قال له: لو أنك اشتريت حمارا يحملك في ذهابك وفي إيابك، ويخفف عنك المشي، ويعينك على الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . والرمضاء: هي شدة الحر، أو الرمل الحار الذي يكون في شدة الحر في الظهيرة، وهوام الأرض: أي الحيات والثعابين والعقارب.

قوله: «أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم » أي قال لهم: ما أُحب أن يكون بيتي مشدودا بالأطناب، والأطناب معروفة واحدها طنب، وهي الأوتاد التي تشدّ بها الخيمة، يقول: أنا ما أحب أن يكون بيتي قريبا من المسجد بجوار بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، كأن بيتي مشدود بأطناب بيت رسول الله، وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت ملاصقة لجدار مسجده، ومقصده أن تكثر خطاه إلى المسجد، فيكثر ثوابه بالمشي.

قال: «أبي بن كعب: فحملت به حملاً» أي لما قال هذه الكلمة، لما قال: ما أحب أن أكون بجوار بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ! كأنما ثقلت على أبي بن كعب رضي الله عنه هذه الكلمة، ورآها كبيرة بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب أُبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالكلام الذي سمعه من الرجل.

فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له مثل ذلك، وذكر له أنه يرجو في أثره ومشيه إلى المسجد الأجر والثواب في ذهابه وإيابه.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «لك ما احتسبت» يعني أن الله عز وجل أعطاك ما احتسبت، مما رجوت من الأجر الجزيل، والثواب الجميل، إن احتسبت الأجر والثواب في ذهابك وإيابك.

وقد وردت أحاديث في فضل المشي إلى المساجد:

في حديث لجابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ بعض الأنصار على عدم الانتقال بقرب المسجد، يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: خلت البقاع حول مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم - أي صار هناك أماكن خالية حول المسجد - فأراد بنو سلمة - وهم قبيلة معروفة من الأنصار - أرادوا أن يتحولوا إلى قرب المسجد، أي أرادوا أن يغيروا سكنهم ويسكنوا بقرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بني سلمة، دياركم ُتكتب آثاركم، دياركم ُتكتب آثاركم» أي: ابقوا في محلكم وسكنكم، لتكتب لكم خطواتكم في ممشاكم إلى المسجد. فقالوا رضي الله عنهم: «ما كان يسرّنا أنا كنا تحولنا» يعني الحمد لله أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ننتقل، وإلا كان فاتنا الأجر والحسنات، لو أنّا تحولنا بقرب المسجد، لفاتنا الأجر والثواب، فيقولون: ما كان يسرنا، أي ما كان يفرحنا، لو أننا فاتنا هذا الأجر والثواب.

وقوله: «دياركم تكتب آثاركم» يعني إلزموا دياركم، لتكتب آثاركم، أي آثار خطواتكم للمسجد إذا لزمتوها.

وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج عامدا إلى الصلاة، فإنه في صلاةٍ ما كان يَعمدُ إلى الصلاة، وإنه يُكتب له بإحدى خطوتيه حَسنةٌ، وُيمحى عنه بالأخرى سيئةٌ، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسعَ، فإنّ أعظمكم أجرا، أبعدُكم داراً» قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: منْ أجلِ كثرةِ الخُطى» متفق عليه.

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أعظمَ الناسِ أجراً في الصلاة، أبعدُهم إليها ممشى فأبعدهم...» متفق عليه.

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ راحَ إلى مسجد الجماعة، فخطوةٌ تمحو سيئة، وخطوةٌ تكتب له حسنة، ذاهباً وراجعا «رواه أحمد وابن حبان.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخَطايا، ويَرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغُ الوضوء على المكاره، وكُثرةُ الخُطى إلى المساجد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة، فذلكم الرباطُ، فذلكم الرباط» رواه مالك ومسلم.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ غَدا إلى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلاً، كلما غدا أو راح» متفق عليه.

وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بَشّر المشّائين في الظُّلم إلى المساجد، بالنّور التام يوم القيامة» رواه أبو داود والترمذي.


وغيرها من الأحاديث النبوية.
والله تعالى أعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]