عرض مشاركة واحدة
  #82  
قديم 10-05-2024, 11:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,484
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (85)


-الإسلام يهدم ما قبله


من رحمة الله تعالى بعباده أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، ودعاهم إليه، وحثهم عليه بأنواع المرغبات من تكفير السيئات، وتبديلها حسنات، ودخول الجنات، وبيان أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده إليه.
ومن أنواع الترغيب في الإنابة والإقلاع عن المخالفات بيان أن الإسلام والحج والهجرة والتوبة تهدم ما قبلها كما قال تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحًا ثم اهتدى}(طه- 82)، وقال صلى الله عليه وسلم :« ويــتــوب الله على من تاب» متفق عليه.
فدخول الإسلام يهدم ما فعله الإنسان من ذنوب ومعاصي قبل ذلك، كما قال تعالى:{40 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ ﯔ }، (الأنفال- 38) يبين الطبري المراد بالانتهاء:«إِنْ يَنْتَهُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَقِتَالك وَقِتَال الْمُؤْمِنِينَ فَيُنِيبُوا إِلَى الْإِيمَان, يَغْفِر اللَّه لَهُمْ مَا قَدْ خَلَا وَمَضَى مِنْ ذُنُوبهمْ قَبْل إِيمَانهمْ وَإِنَابَتهمْ إِلَى طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله بِإِيمَانِهِمْ وَتَوْبَتهمْ».
ويبين اِبْن الْعَرَبِيّ الحكمة الربانية من ذلك فيقول:«َهَذِهِ لَطِيفَة مِنْ اللَّه سُبْحَانَهُ مَنَّ بِهَا عَلَى الْخَلْق; وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقْتَحِمُونَ الْكُفْرَ وَالْجَرَائِم, وَيَرْتَكِبُونَ الْمَعَاصِيَ وَالْمَآثِمَ; فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُوجِب مُؤَاخَذَةً لَهُمْ لَمَا اِسْتَدْرَكُوا أَبَدًا تَوْبَة وَلَا نَالَتْهُمْ مَغْفِرَة، فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَبُولَ التَّوْبَة عِنْد الْإِنَابَة, وَبَذْل الْمَغْفِرَة بِالْإِسْلَامِ, وَهَدْم جَمِيع مَا تَقَدَّمَ; لِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْرَب لِدُخُولِهِمْ فِي الدِّين, وَأَدْعَى إِلَى قَبُولهمْ لِكَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ, وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ لَمَا تَابُوا وَلَا أَسْلَمُوا».
وفي قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه دليل آخر على هذه الفضيلة، حيث قال:«لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ابْسُطْ يمينك فلأبايعْك، فبسطَ يمينه، قال : فقبضتُ يدي، فقال:«مالك يا عمرو؟» قال: قلتُ: أردتُ أن أشْتَرِطَ، فقال: «تشترطُ بماذا»؟ قلتُ: أن يُغْفَر لي، قال:«أما علمتَ أن الإسلامَ يهدِم ما كان قبله؟ وأن الهجرةَ تهدِم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟» أخرجه مسلم، ومعنى (الإسلام يهدم ما كان قبله) قال النووي: «أي يسقطه ويمحو أثره». فلا يطالب به.
وعَنْ ابن مسعود قَالَ : قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ» أخرجه البخاري وعند مسلم:«أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام».
ذهب ابن حجر إلى إن المراد بالإساءة في الحديث هي (الكفر)؛ لأنه غاية الإساءة وأشد المعاصي، فإذا ارتد ومات على كفره كان كمن لم يسلم فيعاقب على جميع ما قدمه، وإلى ذلك أشار البخاري بإيراد هذا الحديث بعد حديث «أكبر الكبائر الشرك»، وأورد كلا في أبواب المرتدين.
وأيد ذلك بقول ابن بطال:«عرضته على جماعة من العلماء فقالوا: لا معنى لهذا الحديث غير هذا، ولا تكون الإساءة هنا إلا الكفر للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية».
ويذهب النووي مذهبا قريبا من اختيار ابن حجر فيقول:«الصحيح فيه ما قاله جماعة من المحققين أن المراد (بالإحسان) هنا الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعا، وأن يكون مسلما حقيقيا، فهذا يغفر له ماسلف من الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح «الإسلام يهدم ما قبله» وبإجماع المسلمين، والمراد (بالإساءة) عدم الدخول في الإسلام بقلبه، بل يكون منقادا في الظاهر مظهرا للشهادتين، غير معتقد للإسلام بقلبه، فهذا منافق باق على كفره بإجماع المسلمين، فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام، وبما عمل بعد إظهارها؛ لأنه مستمر على كفره».
وقد أثار القرافي مسألة مهمة وهي ما الحقوق التي تسقط بالإسلام والحقوق التي لا تسقط بل يؤاخذ بها الإنسان؟
والجواب: هو التفريق بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد، فيقول: «أما حقوق الله تعالى فلا تلزمه وإن كان ذميا مما تقدم في كفره لا ظهار ولا نذر ولا يمين من الأيمان ولا قضاء الصلوات ولا الزكوات ولا شيء فرط فيه من حقوق الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام « الإسلام يجب ما قبله».
أما حقوق العباد فيقول:«فيلزمه ثمن البياعات، وأجر الإجارات، ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك، ولا يلزمه من حقوق الآدميين القصاص ولا الغصب والنهب». ثم ثم يبين الفرق أن حقوق العباد قسمان:
1- منها ما رضي به حالة كفره واطمأنت نفسه بدفعه لمستحقه فهذا لا يسقط بالإسلام؛ لأن إلزامه إياه ليس منفرا له عن الإسلام لرضاه .
2- وما لم يرض بدفعه لمستحقه كالقتل والغصب ونحوه فإن هذه الأمور إنما دخل عليها معتمدا على أنه لا يوفيها أهلها فهذا كله يسقط ؛ لأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام، فقدمت مصلحة الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق .
وأما حقوق الله تعالى فتسقط مطلقا رضي بها أم لا ، والفرق بينها وبين حقوق الآدميين من وجهينأحدهما) أن الإسلام حق الله تعالى والعبادات ونحوها حق لله تعالى، فلما كان الحقان لجهة واحدة ناسب أن يقدم أحدهما على الآخر، ويسقط أحدهما الآخر لحصول الحق الثاني لجهة الحق الساقط.
وأما حق الآدميين فجهة الآدميين والإسلام ليس حقا لهم، بل لجهة الله تعالى فناسب أن لا يسقط حقهم بتحصيل حق غيرهم.
(وثانيهما) أن الله تعالى كريم جواد تناسب رحمته المسامحة، والعبد بخيل ضعيف فناسب ذلك التمسك بحقه، فسقطت حقوق الله تعالى مطلقا وإن رضي بها كالنذور والأيمان أو لم يرض بها كالصلوات والصيام، ولا يسقط من حقوق العباد إلا ما تقدم الرضى به فهذا هو الفرق بين القاعدتين .
وثبت في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّين» رواه مسلم، قال الإمام النووي:«وأما قوله صلى الله عليه وسلم إلا الدَّين) ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى».
وكذلك الحج فقد ورد في فضله ما يدل على أنه يمحو الذنوب، ويرجع منه الإنسان كيوم ولدته أمه، لكن هذا الفضل والثواب لا يعني سقوط الحقوق الواجبة ، سواء كانت حقوقا لله تعالى، كقضاء الصلاة والصيام، وما ثبت في ذمته من زكاة وكفارات ونذر، أو كانت حقوقا للعباد كالديون ونحوها.
قال ابن تيمية:«أجمعَ المسلمون أنه ـ أي: الحج ـ لا يَسقُط حقوقُ العباد كالدَّيْن ونحوِ ذلك، ولا يَسقُط ما وجب عليه من صلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وحق المقتول عليه وإن حجَّ ، والصلاة التي يَجبُ عليه قضاؤُها : يَجبُ قضاؤُها، وإن حَج ، وهذا كلُّه باتفاق العلماء».
وكذلك التوبة لا تسقط حقوق العباد، قال ابن كثير:«حقوق الآدميين وهي لا تسقط بالتوبة، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه، والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الآدميين، فإن الإجماع منعقدٌ على أنها لا تسقط بالتوبة، ولا بد من أدائها إليهم في صحة التوبة، فإن تعذر ذلك فلا بد من الطلابة يوم القيامة، لكن لا يلزم من وقوع الطلابة وقوع المجازاة، وقد يكون للقاتل أعمالٌ صالحةٌ تصرف إلى المقتول أو بعضها، ثم يَفضلُ له أجرٌ يدخل به الجنة، أو يعوض اللهُ المقتولَ من فضله بما يشاء، من قصور الجنة ونعيمها، ورفع درجته فيها ونحو ذلك».
وفي الختام يستفاد مما تقدم الأدلة والأقوال أن واجب العبد أن يتوب إلى الله تعالى من جميع الذنوب والخطايا، ومن شروط التوبة أداء حقوق العباد إذا أمكن ، وإلا عوضهم بما يقدر عليه من صدقة أو دعاء أو ثناء ونحو ذلك، كما يستفاد أن الأدلة لا تفهم بمجرد اللغة العربية، بل لابد من الرجوع إلى أقوال أهل العلم، واستعمال الضوابط الشرعية والقواعد الكلية لحسن الفهم وتجنب الزلل حتى لا يقع العبد في القول على الله بغير علم، وبالله التوفيق.



اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]