عرض مشاركة واحدة
  #306  
قديم 22-05-2024, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (299)

صـــــ(1) إلى صــ(16)


شرح زاد المستقنع -‌‌ باب الربا والصرف [1]
الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع العلماء، وقليله وكثيره في التحريم سواء، إلا أن هناك من لبس عليهم الشيطان فاستجازوا لأنفسهم بعض صور الربا بشبه واهية ضعيفة رادين بذلك نصوص الكتاب والسنة الواضحة.
والربا يجري في الأصناف التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، وهي: الذهب والفضة والبر والتمر والشعير والملح، ويقاس غيرها عليها بجامع الثمنية في الذهب والفضة، والطعم مع الكيل أو الوزن في المطعومات
‌‌تعريف الربا وأدلة تحريمه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب الربا والصرف].
الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل:92] أي: أزيد وأكثر عدداً.
وأما في الاصطلاح فهو: زيادة مخصوصة في أشياء مخصوصة.
والربا ينقسم إلى قسمين: 1 - ربا النسيئة.
2 - ربا الفضل.
فأما ربا الفضل: فإنه يكون في الأصناف المنصوص عليها، والملحقة بالمنصوص عليها.
وأما ربا النسيئة: فإنه يكون بزيادة الأجل فيما يجب فيه التقابض.
وهذا الباب عظيم؛ لأنه يشتمل على محظور شرعي عظم الله أمره ونهى عباده عنه، وزجرهم عنه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279]، فنهى سبحانه وتعالى عن الربا وحرمه، وتوعد صاحبه بالحرب، ومن حاربه الله عز وجل فلا يسأل عن حاله، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافينا من ذلك، وأن يعيذنا منه؛ لأن الله إذا حارب العبد ابتلاه في نفسه وعذبه في دنياه، فأشقاه في نفسه وماله وأهله وولده، فلم تقر له عين في دنياه، ثم ما ينتظره في الآخرة أشد وأعظم.
لقد توعد الله تعالى على هذا الأمر بهذا الوعيد الشديد، ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حينما جعله من كبائر الذنوب، وكما نهى الله عز وجل في هذه الآيات من سورة البقرة
‌‌شبهة وجوابها
كذلك نهى الله عنه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، وهذه الآية فيها شبهة يحتاج طالب العلم إلى أن ينتبه لها k وهذه الشبهة هي: أن الله تعالى حرم الربا إذا كان أضعافاً مضاعفة، أما إذا كان يسيراً فلا بأس، وهذا هو المدخل الذي أجاز به بعض المعاصرين في فتواه حل شهادات الاستثمار من فئة (ج)، وهي الدرجة الثالثة من استحقاق الربوي، يقولون: لأن نسبتها ضعيفة، ولأن مالها يسير، وليس من الأضعاف المضاعفة، ويتذرعون بهذه الشبهة؛ بل تذرع بعضهم إلى أن الربا المحرم: أن يأخذ أجلين، أما لو أخذ زيادة على أجل واحد فلا بأس، وزين لهم الشيطان هذا كله، نسأل الله السلامة والعافية: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25].
فإذا انطمست البصيرة ينقاد صاحبها إلى الهوى، وإذا انقاد إلى الهوى أحل ما حرم الله، وحرم ما أحل الله، واستحل حدود الله بأدنى الحيل، ولذلك لعن الله بني إسرائيل وطبع على قلوبهم، حينما استحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل.
وشهادات الاستثمار من فئة (ج) يدور عليها الكلام في بعض الأحيان كثيراً، وحاصلها: أن يتقدم المستثمر فتحدد أولاً النسبة المدفوعة للاستثمار في هذه الفئة، مثلا: ً من ريال إلى مائة ريال، أو من مائة ريال إلى خمسمائة، وغالباً في هذا النوع من الربا تكون المبالغ بسيطة جداً، لأجل أن تجلب العوام ويكون الاستثمار منها أكبر، والمشاركون فيها أكثر، فتجعل المبلغ الذي يدفع زهيدا، ً على فترة ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر، فيقولون له: ادفع كل شهر مائة، ثم إذا تمت ثلاثة أشهر ودفعت مائة مائة، فأدخل اسم هذا المستثمر في القرعة، ثم إذا خرج اسمه فإنه حينئذٍ يعطى جوائز معينة لعدد معين، فهم يقولون: هذا ليس بربا؛ لأنه ليس ربحاً محضاً، مثل الاستثمار الذي يكون بالفوائد والعوائد الربوية المعروفة، فيقولون: هذا أشبه ما يكون بالمضاربة.
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه: الوجه الأول: أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، فللآية منطوق ومفهوم، فمنطوق الآية: تحريم أكل الربا أضعافاً مضاعفة، والاستدلال الذي ذكروه من باب المفهوم وليس من باب المنطوق، ففهموا منه أنه يحل أكل الربا إذا كان بغير أضعاف، فنقول: هذا من المنطوق الذي لا مفهوم له، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون:117]، فإنه ليس معناه أن هناك من يدعو مع الله إلهاً آخر له برهان، وفي القرآن آيات لها منطوق ومفهوم، وآيات لها منطوق وليس لها مفهوم، وهذه الآية من ذلك؛ بدليل تصريحه سبحانه وتعالى بتحريم الربا عموماً.
الوجه الثاني: لو سلمنا فرضاً أن الآية الكريمة لها منطوق ومفهوم، وأنه يحتج بالمفهوم على الجواز، فنقول: إن هذا المفهوم قد عارضه المنطوق من العموم في آية البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة:278]، ولم يفرق بين الأضعاف وغير الأضعاف، فإذا تعارض المنطوق والمفهوم، قدم المنطوق على المفهوم.
الوجه الثالث: نقول: آية البقرة حاظرة، وآية آل عمران مبيحة، وهذا على قولهم بالمفهوم، والقاعدة: أنه إذا تعارض الحاظر والمبيح، قدم الحاظر على المبيح.
وبناءً على ذلك نقول: إنه لا يحل الاستدلال بهذه الآية على هذا الوجه، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الربا، حتى عده من السبع الموبقات، فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات -وذكر منها-: أكل الربا)، والعياذ بالله! وقد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم الربا، وأنه من كبائر الذنوب، وأن صاحبه موعود بالنار إذا لم يتب، قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275]، قال طائفة من المفسرين: إنهم يقومون يوم القيامة ولهم بطون كالبيوت الضخمة، كلما وقف صاحبهم تكفأ على وجهه، والله على كل شيء قدير، فإن الله لا يعجزه شيء، إن شاء خلقهم على هذه الصورة، وإن شاء خلقهم على غيرها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (الذي خلقه يمشي على رجليه يخلقه يوم القيامة يمشي على وجهه)، فالله على كل شيء قدير، كما قال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [الإسراء:97]، فالله على كل شيء قدير، والمقصود: أنه محرم بهذا

‌‌الفرق بين القراض المشروع والربا الممنوع

وهنا مسألة: إذا كان الربا محرماً فنريد أن نتعرض لمسألة شبهات جواز الربا، وهي مسألة مهمة، حيث إن هناك شبهة تعتبر من أدق الشبهات التي يحتاج طالب الفقه إلى دراستها، ومعرفة جوابها، وهي باختصار أنهم قالوا: فوائد الربا كفوائد القراض، فتجوز فائدة الربا كما تجوز فائدة القراض وهذا يحتاج إلى شرح وتوضيح.
وحاصله: أنهم يقولون: هناك عقد شرعي وهو المضاربة أو القراض، وهو جائز شرعاً، والفوائد المصرفية والبنكية والعوائد الربوية بمنزلة العوائد من المضاربة.
وهذا يحتاج أولاً إلى أن نعرف ما هي المضاربة، ثم كيف قيست الأسهم والفوائد والعوائد الربوية على المضاربة.
قالوا في المضاربة: حقيقتها أن يدفع رب المال مائة ألف مثلاً لعامل، ويقول له: اذهب واضرب بها، فإن ربحت فالربح بيني وبينك مناصفة، فإذا ربح خمسين ألفاً، فيأخذ خمسة وعشرين ألفاً، ويعطي صاحب المال مائة وخمسة وعشرين ألفاً، قالوا: فكما أن رب المال أخذ مائة وخمسة وعشرين ألفاً، فإنه يجوز لمن أودع مائة ألف أن يأخذ فائدة عليها عشرة آلاف، أو عشرين ألفاً، على حسب المتفق، فالبنك والمصرف بمثابة العامل الذي عمل بالمضاربة، والعميل بمثابة رب المال في المضاربة.
وما الفرق بين الاثنين؟! واعجب فما تنفك من عجائب! حينما يأتي بعض من لا يحسن النظر في الفقه، ويتسمى بأنه فقيه، أو عنده إلمام بالفقه، ويقول: إن المضاربة عقد ليس فيه نص من الكتاب ولا من السنة، فيختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة! وحينئذٍ نقول: هذه العوائد البنكية هي مضاربة عصرية؛ لأننا اجتهدنا فيها باجتهاد العصر الملائم، وهذا كما قال تعالى: {زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [الأنفال:48]، انظر كيف يزين الشيطان لهم، وحينئذٍ نحتاج إلى أن ندرس هذه الشبهة باختصار.
وحاصل ذلك أن نقول: إن المضاربة ثبتت بدليل السنة، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة، فقال: إن بعض الفقهاء يقول: المضاربة ليس فيها نص من الكتاب والسنة، وقد أخطأ في ذلك، فإن المضاربة كانت معروفة في الجاهلية، وأقرها الإسلام، فبسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عليها كانت مشروعة بدليل أنه ضارب بمال خديجة، وهذا ثابت ولا إشكال فيه، وكان في القديم رحلة الشتاء والصيف، قال تعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش:1 - 2]، فكانوا يتاجرون بالمضاربة، ويعطون من يقوم على هذه التجارة والعير، من وجهاء قريش كـ أبي سفيان ونحوه، فقد يخرج بها ويضارب ثم يأخذ نسبة من الأرباح على التجارة، وعلى هذا قال: إنها ثابتة بالسنة، فمن قال: إنه لا نص فيها بالكتاب والسنة، فهذا جاهل، هذه المسألة الأولى.
المسألة الثانية: أن فيها إجماع الصحابة، وحاصلها قصة عمر المشهورة مع ابنيه عبد الله وعبيد الله، فإن عبد الله وعبيد الله خرجا إلى أبي موسى الأشعري في الكوفة، وكان أبو موسى والياً عليها، فقال لهما: ليس عندي من شيء، ولكن خذا هذه الإبل، واضربا بها، وأديا إلى أمير المؤمنين رأس المال، وخذا الربح، فمضيا وتاجرا في الطريق حتى قدما على عمر، فلما قدما على عمر، قال عمر رضي الله عنه: ما هذا؟ قالا: يا أمير المؤمنين! هذا لك وهذا لنا، فقال: سبحان الله! وكيف ذلك؟ قالا: إن أبا موسى فعل كذا وكذا، فقال: وهل أعطى كل المسلمين مثلما أعطاكما؟ قالا: لا، فقال: أديا المال إن كنتما ابني أمير المؤمنين، أما عبد الله فاستحى منه، وسكت ولم يعترض، وأما عبيد الله فقال: يا أمير المؤمنين! أرأيت هذا المال لو أنه تلف أكنت تغرمنا إياه؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: إذن ليس من حقك؛ لأن الخراج بالضمان، فما دمنا نحن الذين نضمن، فالسنة ثابتة عن أن من يخسر يضمن، فقال الصحابة: اجعله يا أمير المؤمنين قراضاً، فقسم الربح بينهما وبين بيت مال المسلمين.
فهذا قراض، وهو إجماع من الصحابة.
إذا عرفنا مشروعية المضاربة، فإنه يرد

‌‌السؤال
هل أخذ الفائدة والعائدة منزل منزلة القراض؟ أولاً: لماذا شرع الله المضاربة؟

‌‌الجواب
شرع الله المضاربة؛ لأن عندك مثلاً مائة ألف، وأنت مشغول بطلب علم، أو مشغول بعمل آخر، وغير متفرغ لضربه، أو ليست عندك خبرة في التجارة، وهناك عامل عنده خبرة، فالشريعة رفقت بالمجتمع من هذا الباب، فهذا العاطل الذي ليس عنده عمل اتفق مع هذا الغني، فأخذ المال، فاستفاد الناس من عمله، وخبرته، وتجارته، واستفاد هو من النماء، واستفاد رب المال من الربح، فحصل الرفق للمجتمع بوجود التجارة، والرفق لرب المال بوجود جزء الربح، والرفق للعامل بوجود الكسب الذي يكون من جزء الربح، فشرعت من أجل هذه المقاصد العظيمة، واليسر والرحمة والتخفيف على الأمة.
أما بالنسبة للمال الذي يدفع للبنك والمصرف إذا وردت عليك شبهة، وقيست على شيء، فقرر الأصل وادرسه من كل جوانبه، ثم انظر فيما قيس عليه، هل الشبه كامل أو ناقص؟ فنقول: أولا: ً بالنسبة للمضاربة يقول العلماء: أن يدفع رب المال للعامل المال على أن يتجر به، والربح بينهما على ما شرطا، فعندما يدفع العميل للبنك أو المصرف هل يقوم البنك بالعمل والتجارة؟ الجواب: لا.
وليس هناك أي مادة تخول لهم أن يدخلوا إلى الساحة ويتعاملوا مع الناس؛ لأن أصل تجارة البنك تقوم على حفظ الأمانة، وإنما رخص لهم بالحفظ، ولا يؤذن لهم بأن يقوموا أنفسهم بالتجارة أو منافسة التجار، هذا معلوم وثابت، نتاجهم إنما يكون بأن يأخذوا منك مليوناً، ومن الثاني مليونين، ومن الثالث مائة ألف، ثم تؤخذ هذه وتعطى لأشخاص ديناً على أن يردوها بعوائدها، فأصبح لا حقيقة للعمل، أما المضاربة ففيها ضرب، وتجارة، ولكن الإيداع ليس فيه ضرب ولا تجارة، فأصبح قياساً مع الفارق.
ثانيا: ً في المضاربة الشرعية يدفع رب المال للعامل المال على أن يتجر به، والذي يضمن الخسارة هو رب المال، لكن البنك إذا تاجر بمال العميل، فإنه يلتزم برده كاملاً، ولذلك فإن جميع المواد تنص على أن الوديعة المصرفية دين على البنك وليست بمجال للاستثمار، حتى في القانون ينصون على أنها تأخذ حكم القرض، وهذا موجود، ومن رجع إلى المواد يجد هذا جلياً واضحاً.
إذاً: ليست بيد تجارة، وإنما هي يد ضمان، ويد العامل في المضاربة يد أمانة، وبالإجماع: لا يضمن العامل إلا إذا فرط، فلو أعطيت عاملاً مائة ألف وذهب وتاجر، ثم احترق المال بدون تفريط منه، فلا يضمن، كأن كسد السوق بدون تفريط منه، ونحو ذلك.
لكن لو قصر، كما لو اشترى التجارة من أرض بعيدة، وبإمكانه أن يحضرها عن طريق البر وعن طريق البحر، وفي طريق البحر الموج هائج، وفي زمان شديد البرد، وكثير الرياح، فجاء وخاطر وأدخل السفينة في البحر فغرقت، فإنه يضمن؛ لأنه قصر.
إذاً: العامل لا يضمن في المضاربة؛ لكن إذا دفع العميل المال للمصرف، فإن المصرف يلتزم برد المبلغ كاملاً إن خسر، إذاً: هناك شبه وفارق مؤثر.
ثالثاً: حينما يعطي رب المال للعامل مائة ألف على أن يتجر بها، فإنه يدخل والربح محتمل؛ لكن بالنسبة للعقود المصرفية يلتزم المصرف بإعطاء هذا الاستحقاق الذي هو (5 %) أو (10 %)؛ حتى إن العميل إذا لم يأخذ الاستحقاق قاضاهم قضاءً وقانوناً في قانونهم، وطالبهم بهذا الذي تم الاتفاق عليه.
إذاً: هناك اختلاف بين هذا وذاك.
رابعاً: المضاربة يكون نتاجها من معاملة شرعية، فلو ضارب بحرام لحرمت الأرباح، وأما بالنسبة للمصرف فإنه يأخذ هذه العوائد من الديونات بالفوائد المركبة، فلو كانت مضاربةً فإنها ناشئة من معاملة محرمة، كما لو أخذ المضارب المال وتاجر به في الميتات، أو في المحرمات؛ لحرمت تجارة المضاربة.
كذلك أيضاً لو سلمنا فرضاً أنها مضاربة، أو في حكم المضاربة كما يقولون: إن المضاربة تختلف باختلاف الحال؛ فلو قال: إن هذه الأحكام كلها اجتهادية، وليس فيها نص، فنقول: إذا كانت اجتهادية فأنت بالخيار بين أمرين: - إما أن تبقى على الأصل المجمع عليه بالمضاربة.
- وإما أن تلغي المضاربة من أصلها.
فإن بقيت على المُجْمَع عليه فلا يتفق مع ما ذكرت، وإن ألغيتها من أصلها فهو عقد تقيس عليه، وما قيس على باطل فهو باطل حقيقةً.
وعلى هذا: فإن هذه الشبهة غير واردة؛ لأنه لا يصح لا من جهة تركيب أركان المضاربة وشروطها الشرعية، ولا من جهة النتاج، وما يؤخذ أو يركب على العوائد
‌‌الأصناف التي يجري فيها الربا
لقد قامت مسائل الربا على أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك أحاديث يعتبرها العلماء رحمهم الله أصولاً لهذا الباب، من ضبطها وألم بمسائلها فإنه يستجمع كثيراً من الأحكام المتعلقة بالربا.
ومن أشهر هذه الأحاديث؛ بل هو أشهرها وأوسعها، ويعتبره العلماء رحمهم الله قاعدة هذا الباب، حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، والتمر بالتمر، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد).
وفي رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن زاد أو استزاد فقد أربى)، وهذا الحديث يعتبر قاعدة لباب الربا.
ونحتاج إلى مقدمة لابد من ضبطها حتى تسهل المسائل التي سنتكلم عليها إن شاء الله فنقول: هناك أصناف حرم الله عز وجل على المسلم أن يبيعها إلا إذا تماثلت، فإذا بعت هذا الصنف بمثله فلابد أن يكونا متماثلين، إما بالوزن إن كانا موزونين، وإما بالكيل إن كانا مكيلين، وهذه الأصناف يسميها العلماء بالأصناف الربوية.
وهناك أصناف وسع الله على عباده، فيجوز أن تأخذ الشيء بأكثر منه، فتأخذ الواحد بالاثنين، وتأخذ الشيء بأضعافه، ولا بأس في ذلك ولا حرج.
فإذا حرم الله عليك أن تبيع هذا الصنف بأكثر منه وزناً أو كيلاً فهذا يسمى بالصنف الربوي، وإذا أباح الله لك أن تأخذ هذا الشيء بأكثر منه وزناً أو كيلاً فهذا صنف غير ربوي، فانقسمت الأشياء التي يتبايع بها الناس إلى قسمين: 1 - أصناف ربوية.
2 - أصناف غير ربوية.
والأصناف الربوية: هي التي لابد فيها من أمرين: 1 - التماثل.
2 - التقابض.
فإذا بعت هذا الشيء بهذا الشيء من الأصناف الربوية فإن الشرع يوجب عليك أن تستلمه يداً بيد، فتأخذ بيد وتعطي بأخرى، وهذا ما يسمى بالتقابض.
إذاً: كل ما يشترط فيه التماثل والتقابض يوصف بكونه صنفاً ربوياً، فإن أسقط الشرع المؤاخذة وأجاز لك أن تبيع الشيء بأكثر منه، وأجاز لك أن تؤخر أحد المبيعين، فهذا صنف غير ربوي.
إذا عرفنا أن الأصناف منها الربوي ومنها غير الربوي، فإن الأصناف الربوية التي سنبينها لا تخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون أصنافاً منصوصاً عليها.
الحالة الثانية: أن تكون أصنافاً مقيساً عليها، أو ملحقة بالمنصوص عليه.
وتوضيح ذلك: أن الأصناف التي يحكم العالِم بعدم جواز بيع بعضها ببعض متفاضلة: إما أن يكون فيها نص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمى ذلك الشيء بعينه، فحينئذٍ يسميه العلماء صنف منصوص، أي: أنه من الأصناف الربوية المنصوص عليها.
وهناك صنف ثانٍ ربوي لكنه قيس على هذا ولم ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ألحق به.
أما الأصناف المنصوص عليها فإنها قد جاءت مجتمعة في حديث عبادة السابق، ولذلك يسميه العلماء: حديث الأصناف الربوية، أو حديث الأصناف الستة، وهذا الحديث قاعدة باب الربا، فتفرعت عليه مسائل ربا النسيئة والفضل.
وهذه الأصناف الستة هي كالآتي: الذهب، والفضة، والبر، والتمر، والشعير، والملح، وإذا جئنا نبحث مسائلها سنبحثها على مرحلتين: المرحلة الأولى: أن تباع مع اتحاد الجنس والصنف؛ كبيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح.
المرحلة الثانية: نبحث في بيعها مختلفة الجنس أو مختلفة الصنف.
وهذه الأصناف الستة سنقسمها إلى قسمين: القسم الأول: غير المطعوم، وهو جنس الأثمان الذهب والفضة.
القسم الثاني: جنس المطعوم، وهو الأربعة الباقية
‌‌الذهب والفضة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب)، والذهب: هو المعدن المعروف، ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعله قيماً وثمناً للأشياء، وهذا المعدن إذا بيع بمثله -كذهب بذهب- فلابد فيه من التماثل والتقابض، والذهب كما هو معلوم له حالات: الحالة الأولى: أن يكون على أصل خلقته، ويسمونه: الخام، وهو الذي استخرج من معدنه، والخام سواء صفي، وهو الذي يسمى بالسبائك، أو بقي فيه الشوب تابع لأصل خلقته.
الحالة الثانية: أن يصنع فيضرب دنانير، فيعتبر نقداً مثلما هو موجود في الدنانير، أو يضرب جنيهات من الذهب، فتكون عملة.
الحالة الثالثة: أن يكون حلياً، كالأسورة والقلائد ونحوها مما تتحلى به النساء، وفي جميع هذه الأحوال بيّن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا يجوز بيع الذهب إلا مثلاً بمثل، يداً بيد.
إذاً: هذا الصنف الأول من الأصناف الستة الربوية إذا بيع بمثله فلابد فيه من أمرين: الأمر الأول: التماثل.
الأمر الثاني: التقابض.
فإذا بعت الذهب بالذهب، سواءً كان خاماً أو مضروباً كالدنانير، أو كان حلياً، أو مصنعاً من حلي أو غيره؛ فلابد من التماثل والتقابض، فمثلاً: امرأة جاءت بحلي قديم وتريد أن تستبدله بحلي جديد، فنقول: لابد أن يكون مثلاً بمثل، ويداً بيد، فلا يجوز أن يبيعها غرامات أقل بغرامات أكثر، فيقول لها مثلاً: هذا الذي عندك قديم فأشتري المائة غرام منك بتسعين من الجديد الذي عندي، فلو استفضل غراماً واحداً آخذاً أو معطياً فهو ربا الفضل.
كذلك لابد من التقابض، فلو قلت: سوف أعطيك الذهب الآن، فقال: وأنا سوف أحضر الذهب الذي عندي بعد ساعة، أو بعد خمس دقائق سأذهب وأحضره، فإنه ربا، ويسمى: ربا النسيئة.
إذاً: لابد من الأمرين: الأمر الأول: التماثل: وهو يتحقق بالوزن، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (مثلاً بمثل)، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (وزناً بوزن (، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض).
الأمر الثاني: التقابض: وذلك بأن تعطيه وتأخذ، فلا يفترقا عن بعض إلا وقد أخذ كل منهما السلعة من الآخر، أو المدفوع من الآخر.
لكن هنا مسألة: وهي أن الذهب من حيث هو هناك عيار ثمانية عشر، وهناك عيار واحد وعشرون، وهناك عيار أربعة وعشرون، ففيه الأجود، وفيه الجيد، وفيه الرديء، وقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب)، وهذا اللفظ عام يشمل جميع أنواع الذهب إذا بودلت، فينبغي فيها التماثل.
فلو قال قائل: إن هذا الذهب من عيار ثمانية عشر، وهذا الذهب من عيار أربعة وعشرين، فأنا سأدفع الفرق بين عيار أربعة وعشرين وعيار ثمانية عشر، فنقول: لا يجوز بيع الذهب بالذهب ولو اختلفا في الجودة إلا مثلاً بمثل، بدليل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عامله على خيبر ومعه تمر، فلما وضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أعجبه، فقال صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا نبيع الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال صلى الله عليه وسلم: أوه -وهي كلمة التوجع- عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً).
ووجه الدلالة: أن التمر صنف ربوي، فنظر إلى التفاضل في الجودة والرداءة في التمر، فباع الرجل الجيد بالرديء متفاضلاً لقاء الجودة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (عين الربا، لا تفعل)، ثم ذكر له الحيل الشرعية؛ لأن الحيل منها ما هو شرعي جائز، ومنها ما هو محرم، فأعطاه البديل، وقال له: (بع الجمع -أي: الرديء- بالدراهم، ثم اتبع بالدراهم جنيباً) أي: الجيد والصنف المطلوب.
فهذا يدل على أنه إذا أراد أن يبادل صنفاً من الأصناف الربوية مطعوماً أو مثموناً، فلابد أن يكون مثلاً بمثل، ولو اختلفا في الجودة أو الصنعة أو العيار، فلابد من التماثل والتقابض؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم عتب على عامله أن فاضل من أجل الجودة، فدل على أنه لابد من التماثل بين الطرفين.
والقول في الفضة كالقول في الذهب، فالفضة صنف من الأصناف الستة المنصوص عليها في الحديث، فإذا باعها بفضة مثلها فلابد من التماثل والتقابض، سواءً كانت الفضة خاماً، أو مضروبة دراهم، أو كانت مصنّعة حلياً أو غيره، فلابد من التماثل في جميع ذلك، ولا يجوز أن يستفضل فيبادل بعضها ببعض متفاضلاً.
فيستوي في ذلك أن تكون الفضة معدناً، أو حلياً، أو نقداً يتعامل به كالدراهم، وفي زماننا الريال، فإن ريال الفضة القديم وجد بدله الريال الورق، فينزل منزلة أصله، ولذلك سمي باسمه، وأعطي مستنداً لأصله؛ بغض النظر عن المنتزع الذي يذكر من كونه يتوصل إلى رصيده أو لا يتوصل، فالعبرة بالأصل، فأصله دين، فيرد النظر عن القدرة على استيفائه أو عدم القدرة على ذلك.
وبناءً على هذا: لو سأل سائل عن مبادلة الفضة بعضها ببعض؛ كامرأة عندها حلي من الفضة قديم، وتريد أن تستبدله بحلي من الفضة جديد، فنقول: لابد أن يكون مثلاً بمثل، يداً بيد.
هذا بالنسبة للذهب والفضة، وبناءً على ذلك نكون قد انتهينا من جنس الأثمان
‌‌المطعومات
أما جنس المطعومات، فهناك أربعة أصناف نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي: البر، والتمر، والشعير، والملح.
- فالبر والشعير جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم أصلاً للحبوب.
- والتمر جعله أصلاً للحلويات؛ كالعسل والزبيب ونحوه.
- والملح جعله أصلاً لما يستصلح به الطعام؛ كما يقع في الأدقة ونحوها.
فهذه الأصناف تسمى بالأصناف المطعومة، فلو أخذنا البر، بأن يبيع البر بالبر، فينبغي أن يكون مثلاً بمثل، يداً بيد، سواءً كان كلا البرين جيداً، أو كان أحدهما جيداً والآخر رديئاً، أو كان أحدهما جيداً والآخر أجود منه، فلابد أن يبيع مثلاً بمثل.
ولو قيل: كيف أبيع الجيد بما هو أردأ منه مثلاً بمثل؟ فيقال: إذاً بعه بالنقد، ثم اشتر بذلك النقد بديله وما تريد مقامه.
فإذا قيل: هذا تعب وتكليف للناس، فيقال: هكذا جاءت السنة، ولا يسعك إلا أن تسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً)، فدل على أنه يعدل إلى الحيلة الشرعية التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما قلنا في الذهب والفضة: يستوي الجيد والرديء، ولابد من التماثل والتقابض، فلو قال له: خذ البر الآن وأنا آخذ منك غداً، أو آتيك بعد ساعة، فإنه يعتبر ربا نسيئة، ولا يجوز إلا إذا كان يداً بيد مثلاً بمثل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مثلاً بمثل، يداً بيد).
وكذلك التمر: فإذا بادل التمر بالتمر فلابد أن يكون مثلاً بمثل بالكيل.
والفرق بين التمر والذهب والفضة: أن الذهب والفضة تتحقق المماثلة فيهما بالوزن، وأما بالنسبة للتمر والبر والشعير والملح، ففي الأعراف المشهورة في العهد القريب تتحقق المماثلة فيها بالكيل، فلابد إذا باع طعاماً من تمر أن يماثله بصاعٍ مثله، فلو باعه الصاع بالصاعين أو الصاع بالصاع والنصف، فهذا هو الربا الذي حرم الله، وهو ربا الفضل

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]