
22-05-2024, 07:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة :
|
|
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)
حرصه على العلم والحديث
- قال عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه)).رواه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى.
- وقال محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: (كان أبو هريرة جريئاً على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياءَ لا نسأله عنها). رواه ابن حبان.
حفظه وضبطه
- قال سفيان بن عيينة: حدثني الزهري، أنه سمعه من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنتُ رجلاً مسكيناً، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وقال: «من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي؛ فلن ينسى شيئا سمعه مني؟!».
فبسطت بُردةً كانت عليّ؛ فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه). رواه البخاري ومسلم.
- وقال محمد بن إبراهيم بن دينار، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه؟
قال: «ابسط رداءك» فبسطته.
قال: فغرف بيديه، ثم قال: «ضمَّه» فضممته، فما نسيت شيئاً بعده. رواه البخاري.
- وقال عثمان بن عمر العبدي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! أسمع منك أشياء فلا أحفظها!
قال: ((ابسط رداءَك فبسطتُ، فحدّثَ حديثاً كثيراً، فما نسيتُ شيئاً حدّثني به)). رواه الترمذي.
- وقال مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة، قال: (إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى}إلى قوله {الرحيم}إنَّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون). رواه أحمد والبخاري، وروى مسلم نحوه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
- وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال يا أبا محمد! أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟!! نسمع منه ما لا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟!!
قال: (أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع عنه، وذاك أنه كان مسكيناً لا شيءَ له، ضيفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنّا نحن أهلَ بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، لا أشك إلا أنَّه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والترمذي في سننه واللفظ له من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به، ثم قال: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، وقد رواه يونس بن بكير، وغيره عن محمد بن إسحاق).
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث: ((من شهد جنازة فله قيراط)).
فقال ابن عمر: (انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن النبي).
فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة فقال: (أخبريه كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
يقول: فصدَّقت أبا هريرة.
فقال أبو هريرة: (يا أبا عبد الرحمن! والله ما كان يشغلني عن النبي صلى الله عليه وسلم غرس الودي، ولا الصفق بالأسواق!).
فقال ابن عمر: (أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظنا لحديثه). رواه ابن سعد بهذا السياق، ورواه الترمذي في جامعه من هذا الطريق مختصراً إلا أنه قال: (يا أبا هريرة! أنتَ كنتَ ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه).
- وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة أنه قال: إن الناس قد قالوا: قد أكثر أبو هريرة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فلقيت رجلاً فقلت: أيَّة سورةٍ قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟
فقال: لا أدري!
فقلت: ألم تشهدها؟
قال: بلى.
قال: قلت: (ولكني أدري! قرأ سورة كذا وكذا). رواه ابن سعد.
قلت: وهذا إن كان محفوظاً بهذا السياق؛ فقد كان الإنكار عليه في كثرة التحديث من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر أن إنكار من أنكر عليه كان الحامل عليه التعجب والاستغراب من كثرة حديثه؛ فلما تبيّن لهم حفظه وضبطه لم يُنكروا عليه، بل أقرّوا له بالحفظ والضبط.
- وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده سعيد بن عمرو، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ما سمعته منه.
فقال أبو هريرة: (يا أمَّه! طلبتُها وشغلك عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء!). رواه ابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة.
- وقال إسماعيل ابن أبي أويس: حدثني ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلاً؛ فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه؛ فيعرفه بعضهم، ثم يحدّثهم ولا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه بعض، حتى فعل ذلك مراراً؛ فعرفتُ يومئذٍ أنَّ أبا هريرة أحفظَ الناسِ عن النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والحاكم في المستدرك.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا عمرو بن عبيد، قال: حدثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أنَّ مروان«دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير، وجعل يسأله، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به، فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر». رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح: (كان أبو هريرة رضى الله عنه من أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بأفضلهم).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي رحمه الله: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره).
صبره وتعفُّفّه
- قال محمد بن فضيل بن غزوان الضبي: حدثني أبي، عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (*كنت *في *سبعين من أصحاب *الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إنما كانوا يربطون أُزُرَهم في أعناقهم؛ فمنهم من يبلغ نصف الساقين، ومنهم ما يبلغ الكعبين، يقول بيده كراهية أن تُرى عورته).رواه البزار، وابن خزيمة، وأبو نعيم في الحلية، وأصله في صحيح البخاري من حديث *يوسف بن عيسى قال: حدثنا *ابن فضيل، عن *أبيه، عن *أبي حازم، عن *أبي *هريرة قال: «رأيت *سبعين من أصحاب *الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته».
- وقال *حماد بن زيد، عن *أيوب، عن *محمد [بن سيرين] قال: «كنا عند أبي *هريرة، وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط، فقال: بخ بخ، أبو *هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتُني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون، وما بي من *جنون، ما بي إلا *الجوع». رواه البخاري، والترمذي، والبيهقي في شعب الإيمان، والبغوي في شرح السنة.
- وقال أبو هلال الراسبي: حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: (لقد رأيتني أُصرعُ بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، فيقول الناس: إنه مجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال عبد الرزاق قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة قال: كنا عنده وعليه ثوبان ممشقان، فتمخط ثم مسح أنفه بثوبه قال: « الحمد لله يمتخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحجرة عائشة مغشيا علي من الجوع، فيجيء الرجل فيقعد على صدري، فأقول ليس بي ذلك إنما هو من الجوع».
قال: وقال: «إني كنت أجيراً لابن عفان، وابنة غزوان على عقبة رجلي وشبع بطني - أو قال: بطعام بطني - أخدمهم إذا نزلوا، وأسوق بهم إذا ارتحلوا».
قال: « فقالت يوماً: لتركبنه قائماً، ولتردنه حافياً».
قال: « فزوَّجنيها الله تعالى؛ فقلت: لتردنه حافية، ولتركبنه وهو قائم».
قال: (وكانت فيه مزاحة، يعني أبا هريرة).رواه عبد الرزاق في المصنف.
- وقال هوذة بن خليفة البكراوي: أخبرنا ابن عون، عن محمد [بن سيرين]، عن أبي هريرة قال: (أكريتُ نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي).
قال: (فكانت تكلّفني أن أركبَ قائماً، وأن أردي أو أورد حافياً؛ فلما كان بعد ذلك زوَّجنيها الله فكلفتُها أن تركبَ قائمةً، وأن ترد أو تردي حافية). رواه ابن سعد.
- وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة أنه قال: كنت أجيرَ ابن عفان، وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوقُ بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا؛ فقالت لي يوماً: لتردنَّه حافياً، ولتركبنّه قائماً.
فزوَّجنيها الله بعدُ فقلتُ: (لتردنّه حافية، ولتركبنه قائمة).رواه ابن سعد.
- وقال عارم بن الفضل: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: تمخّط أبو هريرة وعليه ثوبٌ من كتان ممشق؛ فتمخط فيه؛ فقال: (بخ بخ!! يتمخّط أبو هريرة في الكتان!! لقد رأيتني أخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجيء الجائي يرى أنَّ بي جنوناً، وما بي إلا الجوع، ولقد رأيتني وإني لأجيرٌ لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ارتحلوا، وأخدمهم إذا نزلوا.
فقالت يوما: لتردنّه حافياً، ولتركبنه قائماً.
قال: (فزوّجنيها الله بعد ذلك؛ فقلت لها: لتردنه حافية ولتركبنه قائمة). رواه ابن سعد.
- وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي: حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن مضارب بن حزن قال: بينا أنا أسير من الليل إذا رجل يكبّر فألحقته بعيري؛ فقلت: مَن هذا المكبر؟
قال: أبو هريرة.
قلت: ما هذا التكبير؟
قال: شكراً.
قلت: على مَهْ؟
قال: على أني كنت أجيراً لبسرةَ بنت غزوان بعُقْبَةِ رجلي وطعام بطني؛ فكان القوم إذا ركبوا سُقْتُ لهم، وإذا نزلوا خدمتُهم؛ فزوَّجنيها الله؛ فهي امرأتي اليوم؛ فإذا ركب القوم ركبتُ، وإذا نزلوا خُدِمت). رواه ابن حبان، وأبو نعيم في الحلية.
بعض أخباره في زمان النبوة
- قال أبو نعيم الأصبهاني: (وهو أشهر من سكن الصفة واستوطنها طولَ عمرِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينتقل عنها، وكان عريفَ من سكن الصفة من القاطنين، ومن نزلها من الطارقين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع أهل الصفة لطعام حضره تقدّم إلى أبي هريرة ليدعوهم ويجمعهم، لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم).
- وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عامر، عن أبي هريرة قال: (كنت في الصفَّة - يعني من أصحاب الصفة - فبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة؛ فكنّا نقرن التمرتين من الجوع؛ فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن هلال بن أبي هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرجت من بيتي يوماً ما أخرجني إلا الجوع؛ فجئتُ المسجد فوجدتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: ما أخرجك هذه الساعة؟
فقلت: أخرجني الجوع.
قالوا: ونحن ما أخرجنا إلا الجوع؛ فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((ما أخرجكم هذه الساعة؟)).
قلنا: أخرجنا الجوع؛ فدعا بطبق فيه تمر؛ فأعطى كلَّ رجلٍ تمرتين؛ فقال: ((كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليه من الماء؛ فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا)).
قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرة وخبأت تمرة في حجري؛ فرآني لما رفعت التمرة فسألني؛ فقلت: رفعتُها لأمّي.
قال: ((كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين)). رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال عمر بن ذر الهمداني: حدثنا مجاهد، عن أبي هريرة قال: حدثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول: ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشدّ الحجرَ على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليُشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ فلم يفعل، ثم مرَّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «الحقْ» ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟»
قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة.
قال: «أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «الحق إلى أهل الصفّة فادعهم لي».
قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءَني ذلك؛ فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحقَّ أنا أن أصيب من هذا اللبن شربةً أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بُدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت.
قال: «يا أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «خذ فأعطهم».
قال: فأخذتُ القدح، فجعلتُ أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسَّم، فقال: «أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «بقيتُ أنا وأنت».
قلت: صدقت يا رسول الله.
قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت.
فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً.
قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة). رواه أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، ووقع في رواية أحمد والترمذي: (إلا ليستتبعني) مكان ( إلا ليُشبعني).
- وقال حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: يا رسول الله! ادع الله فيهنَّ بالبركة، فضمهنّ، ثم دعا لي فيهنّ بالبركة.
فقال: ((خذهنَّ، واجعلهنّ في مِزوَدك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أنْ تأخذ منه شيئاً فأدخل فيه يدك؛ فخُذه ولا تنثره نثراً)).
فقد حملتُ من ذلك التمرِ كذا وكذا من وَسْقٍ في سبيل الله، فكنَّا نأكل منه ونُطْعِم، وكان لا يفارق حِقْوِي حتى كان يوم قُتل عثمان فإنّه انقطع). رواه الترمذي.
- وقال أبو زياد سهيل بن زياد: حدثنا أيوب السَّخْتياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابهم عَوَز من الطعام، فقال: ((يا أبا هريرة عندك شيء؟!!)).
قلت: شيء من تمر في مزود لي.
قال: ((جئ به)).
قال: فجئت بالمزود.
قال: ((هاتِ نطعاً)).
فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة، ثم قال: ((بسم الله)).
فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى أتى على التمر؛ فقال به هكذا؛ فجمعه؛، فقال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادع فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، وفضل تمر، فقال لي: ((اقعد))؛ فقعدت.
فأكلَ وأكلتُ، وفضلَ تمرٌ؛ فأخذه فأدخله في المزود، فقال لي: ((يا أبا هريرة! إذا أردتَ شيئاً فأدخل يدك فخُذْ، ولا تَكفأ فيُكفأ عليك)).
قال: (فما كنتُ أريد تمراً إلا أدخلتُ يدي، فأخذتُ منه خمسين وَسْقاً في سبيل الله، وكان معلقاً خلف رجلي؛ فوقع في زمانِ عثمان بن عفان فذهب). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال يزيد بن أبي منصور البصري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: (أصبت بثلاث مصائب في الإسلام، لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود.
قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فقال:
يا أبا هريرة! هل معك شيء؟
قلت: نعم، تمر في مزود معي.
قال: ((جئ به)).
قال: فأخرجت منه تمراً، فأتيته به، فمسَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا فيه، وقال: ((ادع عشرة)) فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: ((ادع لي عشرة))؛ فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكلَ الجيش كلهم، وبقيَ من تمر المزود، فقال: ((يا أبا هريرة! خذه فأعده في المزود، فإذا أردت أنْ تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبّه)).
قال: (فأكلت منه حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلتُ منه حياة أبي بكر كلها، وأكلتُ منه حياة عمر كلها، وأكلتُ منه حياة عثمان، فلما قُتل عثمان انتُهب ما في بيتي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلتُ منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وَسْق). رواه أبو نعيم في دلائل النبوة، وتمام في فوائده، والبيهقي في دلائل النبوة، وأبو منصور البصري مجهول الحال، لكن يشهد له ما قبله.
أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان من أجلّ أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كلفه النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك بأعمال.
منها: أنه كان يكل إليه حفظ الصدقات أحياناً.
ومنها: أنه بعثه مع أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم للحجّ عام تسعة للهجرة يؤذنون في مكة ألا يحجّ بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان.
ومنها: أنه بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين؛ فكان يؤذن له، ويعينه على أعماله.
- قال أبو عمرو عثمان بن الهيثم العبدي: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة.
قال: فخلَّيت عنه، فأصبحت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟».
قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته، فخلّيت سبيله.
قال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود».
فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال لا أعود، فرحمته، فخلَّيت سبيله، فأصبحت؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك؟».
قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخلّيت سبيله.
قال: «أما إنه قد كذبك وسيعود» فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود.
قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها!
قلت: ما هو؟
قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} حتى تختم الآية، فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح، فخلَّيت سبيله؛ فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟».
قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها؛ فخلَّيت سبيله.
قال: «ما هي؟».
قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟!!».
قال: لا.
قال: «ذاك شيطان». رواه البخاري.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة، قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى: "أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، فأمره أن يؤذن ببراءة.
قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر: « لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان». رواه البخاري.
- وقال جرير بن عبد الحميد الضبي، عن مغيرة، عن الشعبي، عن محرَّر بن أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: (كنتُ أنادي مع عليّ حين أذّن للمشركين، وكان إذا صَحَل صوتُه، أو اشتكى حلقَه، أو عيي مما ينادي دعوت مكانه).
قال: فقلت: يا أبه! بأي شيء كنتم تقولون؟
قال: (كنا نقول: لا يحجنَّ بعد عامنا هذا مشرك - فما حج بعد عامنا ذاك مشرك - ولا يطوفنَّ بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة؛ فإنَّ أجله إلى أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر فإنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله).
قال: (فكان المشركون يقولون: بل شهر، يضحكون بذلك).رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه بأن لا يسبقه بآمين». رواه عبد الرزاق.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا كثير بن يزيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أنه كان مؤذناً بالبحرين، فقال للإمام: «لا تسبقني بآمين». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين أنَّ أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين؛ فقال للإمام: (لا تسبقني بآمين). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة، أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي، فقال له أبو هريرة: «لتنظرني بآمين أو لا أؤذن لك» رواه عبد الرزاق.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|