
26-05-2024, 08:39 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (262)
صــــــــــ 167 الى صـــــــــــ 172
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع فأبت أن تنزع وثبتت على الاعتراف فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت.
(قال الشافعي): فبكتاب الله ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم فعل عمر نأخذ في هذا كله وإذا تزوج الرجل حرة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو لم يجد طولا فتزوج أمة ثم أصابها بعد بلوغه فهو محصن وإذا تزوجت الحرة المسلمة أو الذمية زوجا حرا أو عبدا فأصابها بعد بلوغها فهي محصنة وأيهما زنى أقيم عليه حد المحصن بمحصنة أو بكر أو أمة أو مستكرهة وسواء زنت المحصنة بعبد أو حر أو معتوه يقام على كل واحد منهما حده. وحد المحصن والمحصنة أن يرجما بالحجارة حتى يموتا ثم يغسلا ويصلى عليهما ويدفنا.
ولا يحضر الإمام المرجومين ولا الشهود؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجم رجلا وامرأة ولم يحضرهما ولم يحضر عمر ولا عثمان أحدا رجماه علمنا ولا يحضر ذلك الشهود على الزاني. أقل ما يحضر حد الزاني في الجلد والرجم أربعة لقول الله عز وجل {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}. .
وشهود الزنا أربعة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن زنى بكر بامرأة ثيب رجمت المرأة وجلد البكر مائة ونفي سنة. ثم يؤذن له في البلد الذي خرج منه وينفي المرأة والرجل الحران معا إذا زنيا ولا يقام الحد على الزاني إلا بأن يشهد عليه أربعة شهداء عدول.
ثم يقفهم الحاكم حتى يثبتوا أنهم رأوا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة فإذا أثبتوا ذلك حد الزاني والزانية حدهما أو باعتراف من الزاني والزانية فإذا اعترف مرة وثبت عليها حد حده، وكذلك هي وإن اعترف هو وجحدت هي أو اعترفت هي وجحد هو أقيم الحد على المعترف منهما ولم يقم على الآخر. ولو قال رجل قد زعمت أنها زنت بي أو المرأة قد زعم أني زنيت به فاجلده لي لم يجلده؛ لأن كل واحد منهما أقر بحد على غيره نفسه يؤخذ به وإن كان فيه قذف لغيره.
(قال الشافعي): فمتى رجع المعترف منهما عن الإقرار بالزنا قبل منه ولم يرجم ولم يجلد. وإن رجع بعدما أخذته الحجارة أو السياط كف عن الرجم والجلد ذكر علة أو لم يذكرها وقال الله عز وجل في الإماء فيمن أحصن {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
(قال الشافعي) فقال من أحفظ عنه من أهل العلم إحصانها إسلامها فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت خمسين؛ لأن العذاب في الجلد يتبعض ولا يتبعض في الرجم. وكذلك العبد وذلك أن حدود الرجال والنساء لا تختلف في كتاب الله عز وجل ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا عامة المسلمين وهما مثل الحرين في أن لا يقام عليهما الحد إلا بأربعة كما وصفت في الحرين أو باعتراف يثبتان عليه لا يخالفان في هذا الحرين واختلف أصحابنا في نفيهما فمنهم من قال لا ينفيان كما لا يرجمان ولو نفيا نفيا نصف سنة وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه (قال الربيع) قول الشافعي أنه ينفي العبد والأمة نصف سنة (قال الشافعي): ولسيد العبد والأمة أن يقيما عليهما حد الزنا فإذا فعلا لم يكن للسلطان أن يثني عليهما الحد ولا نحكم بين أهل الكتاب في الحدود إلا أن يأتونا راغبين فإن فعلوا فلنا الخيار أن نحكم أو ندع فإن حكمنا حكمنا بحكم الإسلام فرجمنا الحرين المحصنين في الزنا وجلدنا البكرين والحرين مائة ونفيناهما سنة وجلدنا العبد والأمة في الزنا خمسين خمسين مثل حكم الإسلام. .
ما يدرأ فيه الحد في الزنا وما لا يدرأ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا استكره الرجل المرأة أقيم الحد ولم يقم عليها؛ لأنها مستكرهة ولها مهر مثلها حرة كانت أو أمة فإذا كانت الأمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئا قضي عليه مع المهر بما نقص من ثمنها، وكذلك إن كانت حرة فجرحها جرحا له أرش قضي عليه بأرش الجرح مع المهر، المهر بالوطء والأرش بالجناية، وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة وقيمة الأمة والمهر ولو أن رجلا أخذ مع امرأة فجاء ببينة أنه نكحها وقال نكحتها وأنا أعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من زوج أو أنها ذات محرم وأنا أعلم أنها محرمة في هذه الحال أقيم عليه حد الزاني، وكذلك إن قالت هي ذلك فإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا أو أنها في عدة أحلف ودرئ عنه الحد وإن قالت قد علمت أني ذات زوج ولا يحل لي النكاح أقيم عليها الحد ولكن إن قالت بلغني موت زوجي واعتددت ثم نكحت درئ عنها الحد وفي كل ما درأنا فيه الحد ألزمه المهر بالوطء. .
باب المرتد الكبير
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} وقال عز وجل {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله {فخلوا سبيلهم} وقال الله تبارك اسمه {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} الآية وقال تعالى {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس» (قال الشافعي): فلم يجز في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث»: إحداهن الكفر بعد الإيمان إلا أن تكون كلمة الكفر تحل الدم كما يحله الزنا بعد الإحصان أو تكون كلمة الكفر تحل الدم إلا أن
يتوب صاحبه فدل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» إذا لم يتب من الكفر وقد وضعت هذه الدلائل مواضعها وحكم الله عز وجل في قتل من لم يسلم من المشركين وما أباح جل ثناؤه من أموالهم ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتل بالكفر بعد الإيمان يشبه - والله تعالى أعلم - أن يكون إذا حقن الدم بالإيمان ثم أباحه بالخروج منه أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرا محاربا وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال والمرتد به أكبر حكما من الذي لم يزل مشركا؛ لأن الله عز وجل أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدم قبل شركه وأن الله - جل ثناؤه - كفر عمن لم يزل مشركا ما كان قبله وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان أن من لم يزل مشركا ثم أسلم كفر عنه ما كان قبل الشرك «وقال لرجل كان يقدم خيرا في الشرك أسلمت على ما سبق لك من خير» وأن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم، ومن على بعضهم وفادى ببعض وأخذ الفدية من بعض فلم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل. والله أعلم.
باب ما يحرم به الدم من الإسلام
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} إلى " يفقهون " (قال الشافعي): فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى أظهر الإيمان وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره في أي هذين الحالين كان وإلى أي كفر صار كفر يسره أو كفر يظهره وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدين الذي له أعياد وإتيان كنائس إنما كان كفر جحد وتعطيل وذلك بين في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الله عز وجل أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة يعني والله أعلم من القتل ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الإيمان كفرا إذا سئلوا عنه أنكروه وأظهروا الإيمان وأقروا به وأظهروا التوبة منه وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر قال الله جل ثناؤه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} فأخبر بكفرهم وجحدهم الكفر وكذب سرائرهم بجحدهم وذكر كفرهم في غير آية وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان وكانوا على غيره قال جل وعز " {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأخبر عز وجل عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به كاذبين لهم جنة من القتل وهم المسرون الكفر المظهرون الإيمان وبين على لسانه - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أنزل في كتابه من أن إظهار القول بالإيمان جنة من القتل أقر من شهد عليه بالإيمان بعد الكفر أو
لم يقر إذا أظهر الإيمان فإظهاره مانع من القتل وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حقن الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين من الموارثة والمناكحة وغير ذلك من أحكام المسلمين. فكان بينا في حكم الله عز وجل في المنافقين ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ليس لأحد أن يحكم على أحد بخلاف ما أظهر من نفسه وأن الله عز وجل إنما جعل للعباد الحكم على ما أظهر لأن أحدا منهم لا يعلم ما غاب إلا ما علمه الله عز وجل فوجب على من عقل عن الله أن يجعل الظنون كلها في الأحكام معطلة فلا يحكم على أحد بظن. وهكذا دلالة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كانت لا تختلف. أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها» (قال الشافعي): - رحمه الله -: فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله حرم دم هذا بإظهاره الإيمان في حال خوفه على دمه ولم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذا من القتل بالإسلام (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «أن رجلا سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ندر ما ساره به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال بلى. ولا شهادة له. قال: أليس يصلي؟ قال بلى ولا صلاة له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين نهاني الله عنهم» (قال الشافعي): فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المستأذن في قتل المنافق إذا أظهر الإسلام أن الله نهاه عن قتله وهذا موافق كتاب الله عز وجل بأن الإيمان جنة وموافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم أهل الدنيا. وقد أخبر الله عنهم أنهم في الدرك الأسفل من النار. أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبين أنه إنما يحكم على ما ظهر وأن الله تعالى ولي ما غاب لأنه عالم بقوله وحسابهم على الله وكذلك قال الله عز وجل فيما ذكرنا وفي غيره فقال {ما عليك من حسابهم من شيء} وقال عمر - رضي الله عنه - لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه " أمؤمن أنت؟ " قال نعم قال " إني لأحسبك متعوذا " قال أما في الإيمان ما أعاذني؟ فقال عمر بلى «وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجل هو من أهل النار فخرج أحدهم معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه». ولم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما استقر عنده من نفاقه وعلم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الإيمان.
تفريع المرتد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: فأي رجل غم لم يزل مشركا ثم أظهر الإيمان في أي حال كان لا يمتنع فيها بقهر من لقيه فغلبه له أو إيسار أو حبس أو غيره حقن الإيمان دمه وأوجب له حكم الإيمان ولم يقتل بظن أنه لم يؤمن إلا مضطرا خائفا وفي مثل حاله من أنه يحقن دمه ويوجب له حكم الإيمان في الدنيا من آمن ثم كفر ثم أظهر الإيمان فسواء شهد عليه بالكفر فجحد وأقر بالإيمان أو شهد شهادة الحق بعد الشهادة عليه أو لم يشهد عليه فأقر بالكفر ثم أظهر الإيمان فمتى أظهر الإيمان لم يحلف على ما تقدم منه من القول بالكفر شهد عليه أو لم يشهد وحقن دمه بما أظهر من الإيمان (قال الشافعي): - رحمه الله -: وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد مرة أو مرارا أو قل في حقن الدم وإيجاب حكم الإيمان له في الظاهر إلا أني أرى إذا فعل هذا مرة بعد أخرى أن يعزر وسواء كان مولودا على الإسلام ثم ارتد بعد عن الإسلام أو كان مشركا فأسلم ثم ارتد بعد الإسلام وسواء ارتد إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو جحد وتعطيل ودين لا يظهره فمتى أظهر الإسلام في أي هذه الأحوال كان وإلى أي هذه الأديان صار حقن دمه وحكم له حكم الإسلام ومتى أقام على الكفر في أي هذه الأحوال كان وإلى هذه الأديان صار استتيب فإن أظهر التوبة حكم له حكم الإسلام وإن امتنع منها وأقام على الكفر قتل مكانه ساعة يأبى إظهار الإيمان
ولو ترك قتله إذا استتيب فامتنع ثلاثة أيام أو ستة أو أكثر ثم أظهر الإيمان حقن ذلك دمه وحكم له حكم الإسلام. ولو ارتد وهو سكران ثم تاب وهو سكران لم يخل حتى يفيق فيتوب مفيقا، وكذلك لا يقتل لو أبى الإسلام سكران حتى يفيق فيمتنع من التوبة مفيقا فيقتل وإذا أفاق عرض عليه الإيمان فإذا امتنع من التوبة مفيقا قتل، ولو ارتد مغلوبا على عقله بغير السكر لم يحبسه الوالي ولو مات بتلك الحال لم يمنع ورثته المسلمون ميراثه لأن ردته كانت في حال لا يجري فيها عليه القلم وهو مخالف للسكران في هذا الموضع والسكران لو ارتد سكران ثم مات قبل أن يتوب كان ماله فيئا ولو تاب سكران ثم مات ورثه ورثته من المسلمين، ولو تاب سكران لم أعجل بتخليته حتى يفيق فيتوب مفيقا وأجعل توبته توبة أحكم له بها حكم الإسلام حتى يفيق فإن ثبت عليها فهو الذي أطلب منه وإن رجع بعد الإفاقة إلى الكفر ولم يتب قتل (قال الشافعي): ولو ارتد مفيقا ثم أغمي عليه أو برسم أو خبل بعد الردة لم يقتل حتى يفيق فيستتاب فإن امتنع من التوبة وهو يعقل قتل ولو مات مغلوبا على عقله ولم يتب كان ماله فيئا (قال): وسواء في الردة والقتل عليها الرجل والمرأة والعبد والأمة وكل بالغ ممن أقر بالإيمان ولد على الإيمان أو الكفر ثم أقر بالإيمان
(قال الشافعي): والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجع عنه قتل.
(قال): ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف دين محمد - صلى الله عليه وسلم - أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا عند الإسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الإسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا (قال): وإنما يقتل من أقر بالإيمان إذا أقر بالإيمان بعد البلوغ والعقل (قال): فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل إن لم يفعله وإن أقر بالإيمان وهو بالغ سكران من خمر ثم رجع استتيب فإن تاب وإلا قتل ولو كان مغلوبا على عقله بسوى السكر لم يستتب ولم يقتل إن أبى التوبة ولو أن رجلا وامرأته أقرا بالإيمان ثم ارتدا فلم يعرف من ردتهما إقرارهما كان بالإيمان أو عرف وتركا على الشرك ببلاد الإسلام أو بلاد الشرك ثم ولد لهما ولد قبل الإقرار بالإيمان أو بعد الردة أو بعدما رجعا عن الردة فذلك كله سواء إذا شهد على إقرارهما بالإيمان بديئا شاهدان فإن نشأ أولادهما الذين لم يبلغوا قبل إسلامهما على الشرك لا يعرفون غيره ثم ظهر عليهم قبل البلوغ وبعد العقل أمروا بالإيمان وجبروا عليه ولا يقتلون إن امتنعوا منه فإذا بلغوا أعلموا أنهم إن لم يؤمنوا قتلوا لأن حكمهم حكم الإيمان فإذا لم يؤمنوا قتلوا وهكذا إذا لم يظهر عليهم إلا بعد البلوغ وسواء أي أبويهم أسلم ثم ارتد أو ولد بعد إقرار أحد الأبوين بالإسلام والمقر بالإسلام منهما على الإقرار به أو مرتد فحكمه حكم الإسلام وهكذا إذا أسلم قبل بلوغ الولد أحد الأبوين أو هما (قال): ويقتل المريض المرتد عن الإسلام والعبد والأمة والمكاتب وأم الولد والشيخ الفاني إذا كانوا يعقلون ولم يتوبوا ولا تقتل المرأة الحامل حتى تضع ما في بطنها ثم تقتل إن لم تتب فإذا أبى الرجل أو المرأة المرتدان الرجوع إلى الإيمان قتل مكانه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال «من بدل دينه فاقتلوه» وقال فيما يحل الدم «كفر بعد إيمان» كانت الغاية التي دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يقتل فيها المرتد أن يمتنع من الإيمان ولم يكن إذا تؤني به ثلاثا أو أكثر أو أقل إلا في حال واحدة هي الامتناع من الإيمان لأنه قد يمتنع من التوبة بعد ثلاثة ويتوب مكانه قبل ما يؤخذ وبعدما يؤخذ ومن كان إسلامه بإسلام أبويه أو أحدهما فأبى الإسلام هكذا يعلم أنه إن لم يسلم قتل ولو تؤني به ساعة ويوما كان أحب إلي أن يتأنى به من المرتد بعد إيمان نفسه.
الشهادة على المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهد شاهدان أن رجلا ارتد عن الإيمان أو امرأة سئلا فإن أكذبا الشاهدين قيل لهما اشهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرآ مما خالف الإسلام من الأديان فإن أقرا بهذا لم يكشفا عن أكثر منه وكان هذا توبة منهما ولو أقرا وتابا قبل منهما.
مال المرتد وزوجة المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام وله زوجة، أو امرأة عن الإسلام ولها
زوج فغفل عنه أو حبس فلم يقتل أو ذهب عقله بعد الردة أو لحق بدار الحرب أو هرب عن بلاد الإسلام فلم يقدر عليه فسواء ذلك كله فيما بينه وبين زوجته لا تقع الفرقة بينهما حتى تمضي عدة الزوجة قبل يتوب ويرجع إلى الإسلام فإذا انقضت عدتها قبل يتوب فقد بانت منه ولا سبيل له عليها وبينونتها منه فسخ بلا طلاق ومتى ادعت انقضاء العدة في حال يمكن فيها أن تكون صادقة بحال فهي مصدقة ولا سبيل له عليها إن رجع إلى الإسلام فإن قالت بعد يوم أو أقل أو أكثر قد أسقطت ولدا قد بان خلقه أو شيء من خلقه ورجع إلى الإسلام فجحد كان القول قولها مع يمينها قال الربيع وفيه قول آخر أنها إذا قالت أسقطت سقطا بان خلقه أو بعض خلقه لم يقبل قولها إلا بأن تأتي بأربع نسوة يشهدن على ما قالت لأن هذا موضع يمكن أن تراه النساء فيشهدن عليه. 
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|