عرض مشاركة واحدة
  #265  
قديم 26-05-2024, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (265)
صــــــــــ 185 الى صـــــــــــ 190



قال وإذا اشترك في الجناية من عليه عقل ومن لا عقل عليه ضمن من عليه العقل وطرح حصة من لا عقل عليه كما وصفنا في الإنسان يجني على نفسه هو وغيره فترفع حصته ويقضى على غيره ومثل الإنسان والسبع يجنيان على الإنسان فيموت والجناية خطأ من الجاني فنصف عقل المجني عليه على عاقلة الجاني وحصة السبع منها هدر

(قال الشافعي): فإن كانت سفينتان اصطدمتا فانكسرتا فكان لا يمكن كل واحد من أهل السفينتين المصطدمتين صرفها عن صدم الأخرى بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال لا بإضرار بها وبركبانها أو بلا إضرار بها ولا بركبانها فالقول فيها كالقول في الفارسين يصطدمان فإن كان لا يمكنهم ذلك بحال من الأحوال أبدا فما صنعا هدر. قال وإذا كان في السفينة أجراء يعملون فيها عملا غرقت بسببه فإن كان رب السفينة معهم فأمرهم بذلك العمل ولا شيء فيها إلا لرب السفينة فلا شيء على الذين مدوها ولا على رب السفينة فإن كان فيها شيء لغيره فإن كان ما أمرهم به عند أهل العلم بالبحر من صلاح السفينة ونجاتها لم يضمن ولم يضمنوا وإن كان من غير صلاحها ضمن في قول من يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمن صاحب السفينة إذا كان أخذ عليها أجرا ولم يضمن الأجراء لصاحب السفينة ما هلك له من قبل أنهم بأمره فعلوا. ولو كان رب الطعام مع الطعام فأمرهم بذلك الفعل لم يضمنوا لأنهم فعلوه بأمره في واحد من القولين قال: وإن كان في السفينة أجراء وليس فيها ربها ففعلوا هذا الفعل فمن ضمن الأجير ضمنهم ومن لم يضمن الأجير لم يضمنهم إلا فيما فعلوا مما ليس فيه صلاح لها فيكون ذلك جناية يضمنونها.
مسألة الحجام والخاتن والبيطار
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته فتلفوا من فعله فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح وكان عالما به فهو ضامن

وله أجر ما عمل في الحالين في السلامة والعطب قال أبو محمد " وفيه قول آخر: إذا فعل ما لا يفعل فيه مثله فليس له من الأجر شيء لأنه متعد والعمل الذي عمله لم يؤمر به فهو ضامن ولا أجر له وهذا أصح القولين وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي): ولا أعلم أحدا ممن ضمن الصناع يضمن هؤلاء وإن في تركهم تضمين هؤلاء لما وجه به من لا يضمن الصناع الحجة عليهم لأنهم إذا ألغوا الضمان عمن لم يبعد من هؤلاء لزمهم إلغاؤه عمن لم يبعد من الصناع وما علمت أني سألت أحدا منهم ففرق بينهما بأكثر من أن قال هذا أذن للصانع قلما وكذلك ذاك أذن للصانع وما وجدت بينهما فرقا إلا فرقا خطر ببالي فقد يفرق الناس بما هو أبعد منه وأغمض وما هو بالفرق البين. وذلك أن ما كان فيه روح قد يموت بقدر الله عز وجل لا من شيء عرفه الآدميون فلما عالج هؤلاء فيه شيئا فمات لم يكن الظاهر أنه مات من علاجهم لأنه يمكن أن يموت من غيره فلم يضمن من قبل أنه مأذون له فيما فعل وغير ذوي الأرواح مما صنع إنما جعل إتلافه بشيء يحدثه فيه الآدميون أو بحدث يرى. ومن فرق بهذا الفرق دخل عليه أن يقال فأنت لو كان هؤلاء متعدين جعلتهم ماتوا بهذا الفعل وإن كان يمكن غيره فكذلك كان ينبغي أن تقول في الصناع كلهم
(قال): وإذا استأجر الرجل الرجل أن يخبز له خبزا معلوما في تنور أو فرن فاحترق الخبز سئل أهل العلم به فإن كان خبزه في حال لا يخبز في مثلها باستيقاد التنور أو شدة جمرته أو تركه تركا لا يترك مثله فهذا كله تعد يضمن فيه بكل حال عند من يضمن الأجير ومن لم يضمنه وإن قالوا الحال التي خبز فيها والتي تركه فيها والعمل الذي عمل فيه إصلاح لا إفساد لم يضمن عند من لا يضمن الأجير ضمن عند من يضمن الأجير
(قال): وإذا استودع الرجل الرجل إناء من قوارير فأخذه المستودع في يده ليحرزه في منزله فأصابه شيء من غير فعله فانكسر لم يضمن وإن أصابه بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصير إلى البيت أو بعد ما صار إليه فهو له ضامن.
مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو كبحها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما يفعل العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل في الكبح والضرب مثل ما يفعل بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقة ولا شيء عليه وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع يكون بمثله تلفا أو فعله في الموضع الذي لا يفعل في مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد. والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد.
فأما الرائض فإن من شأن الرواض الذي يعرف به إصلاحهم الدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر مما تفعل الركاب غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعنات بين لم يضمن إن عيبت وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن (قال

الربيع) قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «العرية مضمونة» مؤداة وهو آخر قوليه (قال الشافعي): والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به ومما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها وما إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة يفعله الراعي لم يضمن وإن تلف وإن فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شيء ضمنه عند من لا يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه في كل حال.
جناية معلم الكتاب
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومعلم الكتاب والآدميين كلهم مخالف لراعي البهائم وصناع الأعمال فإذا ضرب أحد من هؤلاء في استصلاح المضروب أو غير استصلاحه فتلف المضروب كانت فيه ديته على عاقلة ضاربه ولا يرفع عن أحد أصاب الآدميين العقل والقود في دار الإسلام إلا الإمام يقيم الحد فإن هذا أمر لازم ولا يحل له تعطيله، ولو عزر فتلف على يديه كانت فيه الدية والكفارة وإن كان يرى أن التعزير جائز له وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى. وقد كان يجوز تركه ولا يأثم من تركه فيه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت غير حدود فلم يضرب فيها، منها الغلول في سبيل الله وغير ذلك ولم يؤت بحد قط فعفاه.

والموضع الثاني: الذي يبطل فيه العقل والقود رجل يعطي الختان فيختنه والطبيب فيفتح عروقه أو يقطع العرق من عروقه خوف أكلة أو داء فيموت في ذلك فلا نجعل فيه عقلا ولا قودا من قبل أنه فعله بصاحبه بإذنه ففعله كفعله بنفسه إذا كان الذي فعل به ذلك بالغا حرا أو مملوكا بإذن سيده فإن كان مملوكا بغير إذن سيده ضمن قيمته.
فإن قال قائل: كيف يسقط عن الإمام أن يقتص في الجرح ويقطع في السرقة ويجلد في الحد فلا يكون فيه عقل ولا قود ويكون الإمام إذا أدب وله أن يؤدب ضامنا تلف المؤدب. قيل: الحد والقصاص فرض من الله عز وجل على الوالي أن يقيمه فلا يحل له ترك إقامته والتعزير كما وصفت إنما هو شيء وإن رأى بعض الولاة أن يفعله على التأديب لا يأثم بتركه. وقد قيل بعث عمر إلى امرأة في شيء بلغه عنها فأسقطت فاستشار فقال له قائل أنت مؤدب فقال له علي - رضي الله عنه - إن كان اجتهد فقد أخطأ وإن كان لم يجتهد فقد غش، عليك الدية. فقال عزمت عليك لا تجلس حتى تضربها على قومك وبهذا ذهبنا إلى هذا وإلى أن خطأ الإمام على عاقلته دون بيت المال وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا من مات في حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه فديته إما قال على بيت المال وإما قال على الإمام وكان معلم الكتاب والعبيد وأجراء الصناعات في أضعف وأقل عذرا بالضرب من الإمام يؤدب الناس على المعاصي التي ليست فيها حدود وكانوا أولى أن يضمنوا ما تلف من الإمام
فأما البهائم فإنما هي أموال حكمها غير حكم الأنفس. ألا ترى أن الرجل يرمي الشيء فيصيب آدميا فيكون عليه فيه تحرير رقبة لم يقصد قصد معصية والمأثم مرفوع عنه في الخطأ ويكون عليه دية وأن الله عز وجل وعد قاتل العمد النار وليس البهائم في شيء من هذا المعنى والآدميون يؤدبون على الصناعات بالكلام فيعقلونه وليس هكذا مؤدب البهائم فإذا خلى رب البهيمة

بينها وبين الرجل بما يجوز له ففعله فإنما يفعله عن أمره أو بأمر الحاكم فيه أنه كأمره إذا كان ذلك غير تعد وهو لو أمره في البهيمة بعدوان فأمره بقتلها فقتلها لم يضمن له شيئا من قبل أنه إنما فعله عن أمره فلا يضمن له ماله عن أمره ولو كان آثما ولو أمره بقتل أبيه فقتله لم يسقط عنه ذلك كما يسقط عنه في البهيمة.
مسألة الأجراء
" أخبرنا الربيع " قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال الأجراء كلهم سواء فإذا تلف في أيديهم شيء من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ الكراء على شيء كان له ضامنا حتى يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على ما دفعت إليه وإعطائي هذا الأجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشيء على منفعة له فيه إما مسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله وإما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس بهذا سنة علمتها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي فيه شيء عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - ليس يثبت عند أهل الحديث عنهما ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الأجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعية وحمل المتاع والأجير على الشيء يصنعه لأن عمر - رضي الله عنه - إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا فكل من أخذ أجرا فهو في معناهم وإن كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ضمن القصار والصابغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرا وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن ضمن الأجير بكل حال فكان مع الأجير ما قلت مثل أن استحمله الشيء على ظهره أو استعمله لشيء في بيته أو غير بيته وهو حاضر لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا الأجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ولو غاب عنه أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل وقد تعديت، وبينهما بينة أو لا بينة بينهما فإذا كانت البينة سئل عدلان من أهل تلك الصناعة فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر وإذا لم يكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذي أجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله وإذا ادعى ما لا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله ومن ضمن

الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لأنه كان عليه أن يؤديه إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني أو تضمين الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذه من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال أن يرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال.
قال وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولي الوزن والكيل قلنا في الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن النقص كما زعم أهل العلم بلا جناية ولا آفة فلما كان النقص يكون ولا يكون قلنا إن شاء أحلفنا لك الحمال ما خانك ولا تعدى بشيء أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إن كانت الزيادة قد تكون لأمر حادث ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها فهي لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أوفينا رب المال ماله تاما ولم نسلم لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كانت زيادة لا يزيد مثلها أوفينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا أمين له معك قلنا لرب الطعام هو مقر بأن هذه الزيادة لك فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمله منه لأنه متعد إلا أن ترضى بأن تأخذه في موضعك فلا يحال بينك وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان. وإن قلت رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد الطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى فمن رأى تضمين الحمال ضمنه ما نقص عن المكيلة لا يدفع عنه شيئا ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان، والله أعلم.
باب خطأ الطبيب والإمام يؤدب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قلت للشافعي - رضي الله عنه - فما تقول في الرجل يضرب امرأته الناشزة فتؤتى على يديه فتموت والإمام يضرب الرجل في الأدب أو في حد فيموت أو الخاتن يؤتى على يديه فيموت أو الرجل يأمر الرجل يقطع شيئا من جسده فيموت أحد من هؤلاء في شيء من ذلك أو المعلم يؤدب الصبي والرجل يؤدب يتيمه فيموت وما أشبه ذلك؟ (قال الشافعي): أصل هذه الأشياء من وجهين يكون عليه في أحدهما العقل ولا يكون عليه في الآخر العقل فأما ما لا يكون فيه من ذلك عقل فما كان لا يحل للإمام إلا أخذه ممن عاقبه به فإن تلف المعاقب به منه لم يكن على الذي عاقبه به

شيء والمقيم عليه مأجور فيه وذلك مثل أن يزني وهو بكر فيجلده أو يسرق ما يجب فيه القطع فيقطعه أو يجرح جرحا فيقتص منه أو يقذف فيجلد حد القذف فكل ما كان في هذا المعنى من حد أنزله الله تعالى في كتابه أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن مات فيه فالحق قتله فلا عقل ولا كفارة على الإمام فيه والوجه الثاني الذي يسقط فيه العقل أن يأمر الرجل به الداء الطبيب أن يبط جرحه أو الأكلة أن يقطع عضوا يخاف مشيها إليه أو يفجر له عرقا، أو الحجام أن يحجمه أو الكاوي أن يكويه أو يأمر أبو الصبي أو سيد المملوك الحجام أن يختنه فيموت من شيء من هذا ولم يتعد المأمور ما أمره به فلا عقل ولا مأخوذية إن حسنت نيته إن شاء الله تعالى وذلك أن الطبيب والحجام إنما فعلاه للصلاح بأمر المفعول به أو والد الصبي أو سيد المملوك الذي يجوز عليهما أمره في كل نظر لهما كما يجوز عليهما أمر أنفسهما لو كانا بالغين فأما ما عاقب به السلطان في غير حد وجب لله وتلف منه المعاقب فعلى السلطان عقل المعاقب وعليه الكفارة ثم اختلف في العقل الذي يلزم السلطان فأما الذي أختار والذي سمعت ممن أرضى من علمائنا أن العقل على عاقلة السلطان وقد قال غيرنا من المشرقيين العقل على بيت المال لأن السلطان إنما يؤدب لجماعة المسلمين فيما فيه صلاحهم فالعقل عليهم في بيت مالهم وهكذا الرجل يؤدب امرأته فتؤتى على يديه فتتلف العقل على عاقلته وهكذا كل أمر لا يلزم السلطان أن يقوم به لله تعالى من حد أو قتل ولم يبحه المرء من نفسه على معنى المنفعة له فناله منه سلطان أو غيره فلا يبطل العقل به.
فإن قال قائل لم زعمت أن للسلطان أن يؤدب وأن يحد ثم أبطلت ما تلف بالحد وألزمته ما تلف بالأدب؟ قلنا فإن الحد فرض على السلطان أن يقوم به وإن تركه كان عاصيا لله بتركه والأدب أمر لم يبح له إلا بالرأي وحلال له تركه ألا ترى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ظهر على قوم أنهم قد غلوا في سبيل الله فلم يعاقبهم.» ولو كانت العقوبة تلزم لزوم الحد ما تركهم كما قال - صلى الله عليه وسلم - وقطع امرأة لها شرف فكلم فيها فقال: «لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها» وقد قال الله تبارك وتعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} والذي يعرف أن الخطأ أن يرمي الشيء فيصيب غيره وقد يحتمل معنى غيره.
(قال الشافعي): ولم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن للرجل أن يرمي الصيد وأن يرمي الغرض وأنه لو رمى واحدا منهما ولا يرى إنسانا ولا شاة لإنسان فأصابت الرمية إنسانا أو شاة لإنسان ضمن دية المصاب إذا مات وثمن الشاة إذا ماتت فوجدت حكمهم له بإباحة الرمية إذا تعقب فمعناه معنى أن يرمي على أن لا يتلف مسلما ولا حق مسلم ووجدته يحل له أن يترك الرمي كما وجدته يحل للإمام أن يترك العقوبة وكان الشيء الذي يفعله الإمام وله تركه بالرمية يرميها الرجل مباحة له وله تركها فيتلف شيئا فيضمنه الرامي أشبه به منه بالحد الذي فرض الله عز وجل أن يأخذه بل العقوبة أولى أن تكون مضمونة إن جاء فيها تلف من الرمية لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة وقد يختلف الناس في العقوبات فيكره بعضهم العقوبة ويقول بعضهم لا يبلغ بالعقوبة كذا ويقول بعضهم لا يزاد فيها على كذا وفي مثل معنى الرامي الرجل يؤدب امرأته لأنه كان له أن يدعها وكان الترك خيرا له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد الإذن بضربهن

«لن يضرب خياركم» وكان الضارب إذا كان الترك خيرا له أولى أن يضمن إن كان تلف على المضروب لأنه عامد للضرب الذي به التلف في الحكم من الرامي الذي لم يعمد قط أن يصيب المرمي.
(قال الشافعي): فإن قال قائل فهل من شيء يعنيه سوى هذا؟ فهذا مكتفى به وقد قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما من أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا المحدود في الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن مات منه فديته لا أدري قال في بيت المال أو على الذي حده، شك الشافعي.
(قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]