عرض مشاركة واحدة
  #329  
قديم 30-05-2024, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (316)

صـــــ(1) إلى صــ(12)



‌‌عدم صحة الرهن إلا بدين ثابت مستقر
وقوله: (بدين ثابت) أي: مستقر، ومثال الدين الثابت: كأن يأتي ويأخذ منك مائة ألف، أما الدين غير الثابت، فهو كالحقوق التي تتوجه ولا تثبت إلا بعد شرط أو بعد صفة، فقبل ثبوت الشروط وهذه الصفة لا يجوز الرهن على مثل هذا الدين.
مثال ذلك: لو أن شخصاً ضرب إنساناً مثلاً خطأً، أو صدم بسيارته رجلاً خطأً، فأتلف عليه أحد الأعضاء المثناة، أتلفها إتلافاً كلياً فحينئذٍ تستحق نصف الدية، كما سيأتي -إن شاء الله- في باب الديات، فإذا لزمت الجاني نصف الدية، فإن على العاقلة أن تتحمل فوق الثلث، كما هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والعاقلة: هم عصبة الجاني، فهؤلاء العصبة لا يثبت الدين والاستحقاق عليهم إلا بعد ثبوت الجناية، أما قبل ثبوت المطالبة على العاقلة، فإنه حينئذٍ لا يستقر الدين، ولا يثبت الحق، فلو أن شخصاً يعلم أنه إذا ثبتت هذه الجناية في المستقبل، أنه سيصير غارماً بعشرٍ من الإبل، أو خمسٍ من الإبل، فذهب إلى المجني عليه، وجعل الرهن لقاء هذا الدين، لم يصح للشخص المجني عليه أخذ الرهن لقاء حقه؛ لأن المجني عليه لم يثبُت حقه بعد، وحينئذٍ ليس من حقه أن يطالبك بالرهن إلا بعد ثبوت دينه، فإن العلماء يقولون: لا يكون الرهن إلا في دين ثابت مستقر، وعليه فإذا كان الدين غير ثابت وغير مستقر فإنه لا يصح الرهن؛ لأنه إيقاع للشيء قبل سببه، والأشياء لا تقع إلا بأسبابها، وذلك كما لو أدى الزكاة قبل الحول، وذلك فيما لو كان في غير التعجيل، فمثلاً: لو أن شخصاً قبل أن يحول الحول الأول الذي تثبُت به الزكاة قدَّم زكاته، لم يصح؛ لأن السبب لم توجد، وكذلك لو أخرج زكاة الفطر قبل غروب يوم السابع والعشرين من رمضان، فإنه لا يصح؛ لأنه لا يصح إخراجها إلا قبل العيد بيوم أو يومين، فإذا أخرجها قبل وقتها الموجب فإنه لا يصح؛ لأنه إنما يعتبر الإخراج مجزئاً إذا تم الشرط المعتبر لصحة الإخراج.
فهنا بالنسبة للرهن لا نحكم بصحّته إلا بعد صحة الدين وثبوته، فإذا كان الدين لم يثبت فإن الرهن يتركب من الدين، وعليه قالوا: إنه لا بد من وجود دينٍ مستقر، وإذا لم يكن هناك دين مستقر، وأعطاه رهناً فليس برهن، وإنما هو دينٌ آخر.
فلو أن شخصاً ارتَهَن قبل ثبوت الدين واستقراره؛ فإنه في هذه الحالة يصير ديناً لا رهناً، ولا يجري عليه حكم الرهن
‌‌لزوم بقاء الرهن في حق الراهن دون المرتهن
قال رحمه الله: [ويلزم في حق الراهن فقط] ذكرنا فيما سبق مسألة العقد اللازم، والعقد الجائز، وبيّنا العقود اللازمة من أول الحال، والعقود الجائزة في أول الحال اللازمة في آخر الحال، والعقود الجائزة في الحالين بيّنا هذا في أول الكتاب عند بياننا لأحكام الخيارات.
فقوله رحمه الله: (ويلزم في حق الراهن) هذا هو العقد اللازم، وقد قلنا: هو الذي لا يملك أحد الطرفين فسخه دون رضا الآخر، وأما العقد الجائز: فإنه يملك كلٌ من الطرفين فسخه ولو لم يرض الآخر، كالشركة مثلاً، فلو جئت في أي يوم من الأيام وقلت: يا فلان! افسخ الشركة التي بيني وبينك، فهذا من حقِّك، بخلاف البيع، فإنه لو باعك رجل داراً بعشرة آلاف وافترقتما دون خيارٍ بينكما، ثم جاءك وقال: لا أريد هذا البيع، فنقول: ليس من حقه أن يفسخ ما تم الاتفاق عليه بينكما؛ لأن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود، فهذا عقد لازم.
فإذا دفع الشخص إليك الرهن وقبضته فإنه يلزمه، وحينئذٍ ليس من حقه أن يسترد هذا الرهن.
فمثلاً: لو أن رجلاً قال لك: أعطني مائة ألف دَيناً إلى نهاية السنة، فقلت له: ماذا تعطيني رهناً؟ فقال: أعطيك سيارتي هذه، فقلت له: قبلت.
وتم بينكما الاتفاق على هذا، فأعطاك مفاتيح السيارة وقبض منك المائة ألف، وبعد أن خرج وافترق إذا به يأتيك في اليوم الثاني ويقول لك: قد رهنتك سيارتي الفلانية، وهذه سيارة مثلها، أو أريد سيارتي وسأعطيك بدل السيارة العمارة، سواءً كانت مثلها أو كانت أكثر أو أفضل منها، فإنه ليس من حقه أن يسحب هذه العين، أو أن يُخليها من اتفاق الرهن الذي بينكما إلا برضاً من صاحب الدين.
إذاً: معنى قوله: (يلزم) أي: أنه ليس له خيار، حتى يرضى الطرف الثاني، فلو أبيت وقلت له: لا أريد رهناً إلا هذه السيارة التي جئتني بها، ولا أقبل بدلاً عنها، فهذا من حقك، وليس من حقه أن يسحب هذه السيارة أو أن يأتي بعوض عنها، وتبقى مرهونة إلى أن يتم السداد
‌‌صحة رهن المشاع
قال رحمه الله: [ويصح رهن المشاع].
الأشياء المملوكة كالأراضي والسيارات والأطعمة والأكيسة ونحو ذلك، لا تخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون ملكاً لشخص واحد، كأرضٍ يملكها زيد، أو عمارة يملكها عمرو، فحينئذٍ لا إشكال، فاليد واحدة وهي ملك لصاحبها.
الحالة الثانية: أن يشترك فيها اثنان أو أكثر، فإذا اشترك فيها اثنان أو أكثر، فهذا يسمى: المشاع، وفي بعض الأحيان هذا المشاع أو المشترك، يكون سبب الشيوع والاشتراك فيه: إما أن يكون من الطرفين؛ كأن يدفعا مبلغاً ويشتريا أرضاً، فلو أنهما اشتريا أرضاً بمائة ألف، هذا دفع خمسين وهذا دفع خمسين، فالاشتراك والمشاع جاء من جهة الطرفين، فقد دفعا المبلغ واشتركا.
وإما أن تكون هذه الشراكة بدون اختيارك؛ كالإرث، مثاله: شخص توفي عنه والده وترك له ولأخٍ ذكر معه داراً، ولا وارث له غيرهما، فحينئذٍ تكون الدار بينهما، وهذا المشاع وقع الاشتراك فيه بدون اختيار من الطرفين، إنما هو بحكم شرعي، فالله عز وجل جعل هذه الدار ملكاً لهما، فلو أن ابنين اشتركا في دار والدهما، حيث انتقلت ملكية الدار إليهما بعد موت أبيهما، فاحتاج أحد الابنين إلى مبلغ ما، كمائة ألف، فقال له صاحب الدين: أعطني رهناً، فقال: ليس عندي إلا إرث والدي، وهو نصف المزرعة، أو نصف العمارة، أو نصف هذه السيارة، أو نحو ذلك، فقال له: قبلت، فحينئذٍ هذا رهن المشاع، فكما يصح رهن غير المشاع، يصح رهن المشاع؛ لأن الحكمة والعلة تدور حول إمكانية رد الحق عن طريق الرهن، فهذا النصف الذي تركه الوالد للولد يمكن بيعه وسداد الحق منه، كما لو ترك له مالاً منفرداً.
وكما أنك إذا ملكت الشيء لوحدك يمكن بيعه والسداد منه، فكذلك إذا كانت الأرض مشاعة بينك وبين إخوانك، فإنه يجوز الرهن؛ لأنه يمكن سداد الحقوق منها، كما يمكن سدادها من المملوكات التي لا اشتراك فيها ولا شيوع
‌‌الأسئلة
‌‌مشروعية كتابة الدين وعدم وجوبها

‌‌السؤال
هل كتابة الدين حالاتها مثل الرهن، وذلك أن من يؤمن السداد منه لا ينبغي له أن يطالبه بالكتابة، ومن خشي عدم سداده فإنه يطالبه بالكتابة، أم أن كتابة الدين مسنونة، وتُشرع مطلقاً أثابكم الله؟


‌‌الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى شرع كتابة الديون؛ لأن هذا أمكن لأهل الحقوق، وأبعد عن الجحد والكذب، وكذلك النسيان، وقد يكون الرجل الذي تعامله أميناً ديناً صالحاً، ولكنه ينسى، وحينئذٍ قال العلماء: إنها تشرع، والأصل أنها مشروعة، ولا شك أنها سنة، فالسنة أن يكتب المديون الدين الذي عليه للناس، ويوثق هذا الدين بشاهدين عدلين ممن ترضى شهادته، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن يُرضى للشهادة.
وأما بالنسبة لأحوال الناس من حيث الإنكار وعدمه، فكتابة الدين من حيث الأصل هي للاستيثاق، فإذا أمكن أن يستوثق لدَينه بكتابة المديون في وصيته ونحو ذلك فالأمر أخف، ولذلك قال بعض العلماء: تجب الوصية، ويجب أن يكتب وصيّته إذا كانت عليه ديون لم يستوثق أهله فيها.
مثال ذلك: لو جئت إلى صاحب بقالة، وأخذت منه بريال، فإنه لا يجوز لك أن تبيت تلك الليلة إلا وقد كتبت أن لفلان عليك ريالاً؛ لأنك لا تأمن الأجل، وهذا الريال الذي يتساهل فيه الإنسان تتعلق نفسه به، كما ورد في الحديث: (نفس المؤمن مرهونة بدينه)، وقال أبو قتادة رضي الله عنه في قصة الدينارين، حيث أُتي عليه الصلاة والسلام برجلٍ وعليه ديناران، أي: ديناً عليه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (هل ترك وفاءً؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة رضي الله عنه: يا رسول الله! هما عليَّ، فصلَّى عليه عليه الصلاة والسلام، فلمّا مضت الأيام قال أبو قتادة: فلم يزل يلقني عليه الصلاة والسلام ويقول: هل أديت عنه؟ فأقول: لا بعد، فيقول: هل أديت عنه؟ حتى لقيني ذات يوم فقال: هل أديت عنه؟ قلت: نعم، قال: الآن بردت جلدته).
فهذا أمرٌ عظيم، حتى إن قوله: (نفس المؤمن مرهونة بدينه) اختلف فيه بعض العلماء، فبعضهم يقولون: إنه يُرهن عن النعيم، بمعنى: أنه لا يُنعم، بل يُوقف عنه النعيم حتى يُسدد عنه، لأن قوله: (مرهونة) أي: محبوسة؛ لأن الرهن أصله الحبس والمنع، فإذا عبّر بالرهن فمعناه أنها محبوسة عن شيء، ونفس المؤمن لا تُحبس إلا عن خير، ولا تُحبس إلا عن فضل؛ لأن السياق سياق تخويف وتهويل، ولذلك قالوا: إنه يُمنع عن النعيم أو عن شيءٍ من النعيم.
لكن ظاهر النص أنها مرهونة، أي: محبوسة في هذا الدَّين، بل قال بعض العلماء: جرّبت الدين فوجدت فيه البلاء وحبس النفس حتى في الدنيا، فإن الرجل يكون عليه الديون وعليه حقوق الناس، فلربما تأخر في السداد فدعا المظلوم عليه، ولربما سها في السداد، أو جاءته النفس الأمارة بالسوء، فأخَّر السداد وهو قادر، فدعا عليه صاحب الدين دعوة، وهو مظلوم؛ لأن مطل الغني ظلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (مطل الغني ظلم)، فإذا امتنع من السداد وهو قادر، فقد ظلم، والمظلوم مستجاب الدعوة، قال: فيدعو عليه دعوة قد تكون سبباً في حرمانه من كثير من الخير.
وكان بعض يقول العلماء: وجدت في نفسي وجرّبت هذا أنني ما استدنت إلا وجدت غم الدين على قلبي، حتى أؤدي حقوق الناس، ويقول: إنني في بعض الأحيان لا أجد نشاطاً لطلب العلم، ولا أجد راحة في العبادة، لما تتعلق نفسي بحقوق الناس، ولكن ما إن أنفك منها وأسدد للناس حقوقهم، إلا وجدت الانشراح، ووجدت أنني في نعمة؛ فلا أحد يطالبني، وليس لأحد علي من حق.
فالبعد عن حقوق الناس ما أمكن هذا أفضل وأكمل.
وهذا لا يعني أن الدين مذموم أو محرّم، بمعنى: مذمومٌ ذماً يصل إلى التحريم، لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استدان، وهو خير الأمة، واستدان أصحابه والصالحون من بعده، وقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: (والله لا أدع الدين منذ أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)، لكن إذا كان للغير عليك حق، وتعلم أنه لا سبيل لإثبات حقه إلا بالكتابة، فعليك أن تكتب في وصيتك، وهكذا إذا تعاملت مع إخوانك وأصحابك، فعليك أن تكتب ما لهم عليك من الحقوق، أو تستعير كتاباً من أخيك، أو تستعير شيئاً من أخيك، فتكتب أن لأخيك كذا وكذا، وإلا ضاعت حقوق الناس.
وانظر إلى رجل يأخذ أموال الناس دَيْناً ولا يكتب دينه، حتى إذا توفاه الله عز وجل جاء أصحاب الدين يسألون حقوقهم، فقال لهم الورثة: لا نعرف شيئاً، ما ترك مورِّثنا وصيّة نعلم بها حقوقكم، فماذا سيقول أصحاب الديون؟ سيشتكون إلى الله عز وجل، وربما دعوا على الميت، نسأل الله السلامة والعافية! وهذا لا شك أنه خطرٌ عظيم على العبد، فالواجب على المسلم أنه يحتاط لدينه ويستدرك، فإذا علم أن حقوق الناس لا سبيل لإثباتها إلا بالكتابة كتب، وإذا علم أن ورثته ربما أنكروا، أو ربما زيفوا الكتابة، أو امتنعوا من إعطاء الحقوق، كتب لكل صاحب دينٍِ كتاباً يستوثق به حقه إن جاء يطلبه يوماً من الأيام، والله تعالى أعلم
‌‌توضيح صورة الرهن بعد الدين وحكمها

‌‌السؤال
ذكرتم -حفظكم الله- أن هناك ثلاثَ صور للرهن مع الدين، وذكرتم صورتين، وبقيت صورة: وهي الرهن بعد الدين، فما توضيح هذه الصورة أثابكم الله؟


‌‌الجواب
الرهن بعد الدين كما ذكرنا: أن يتفق معه مثلاً على دين عشرة آلاف ريال، ثم من الغد يعطيه رهناً، فهو في أثناء الدين لم يأخذ منه شيئاً، وبعدها بيوم أو يومين أعطاه الرهن، فإن هذا جائز ومشروع، سواءً وقع أثناء العقد أو بعد العقد، وأما قبل العقد ففيه التفصيل الذي ذكرناه، وإن كان الأصح والأقوى في غالب الصور مشروعية ذلك وجوازه، والله تعالى أعلم
‌‌حكم التصرف في الرهن عند استيفاء أجل الدين

‌‌السؤال
من الذي يتصرَّف في الرهن عند استيفاء أجل الدين، هل هو الدائن أم المدين؟ وإذا كان الدائن هو الذي يتصرف، فربما لا يُحسن التصرُّف في الرهن كأن يبيعه مثلاً بأبخس الأثمان، فهل هناك من قيد لهذا التصرُّف أثابكم الله؟


‌‌الجواب
الأصل أنه إذا أعطاه الرهن فهناك حالتان: الحالة الأولى: أن يقول له: هذه الدار رهنٌ عندك، فإذا لم أسددك فبعها، وخذ حقك منها.
فهذا إذنٌ مسبق، وحينئذٍ من حقه إذا انتهى الوقت ولم يعطه حقه أن يبيعها مباشرة، وأن يأخذ حقه.
الحالة الثانية: أن لا يأذن له، أو يسكت عن الإذن، فحينئذٍ يُنتظر إلى تمام المدة، ثم يُرفع الأمر إلى القاضي، والقاضي ينظر إلى من لهم معرفة وخبرة، ومن بعد ذلك يحكم، أو يأذن لنفس الشخص إذا كان عنده خبرة ومعرفة أن يبيع، وليست الأمور هكذا مفلوتة، فمثلاً: لو أنه عرض الأمر على القاضي، فإن القاضي يسأل أهل الخبرة: بكم تُباع هذه الدار؟ فإن قالوا: بمائة ألف، فيقول له: اذهب وبعها بمائة ألف، فيذهب ويبيعها، فإذا وجد أنها لا تباع إلا بثمانين، ألزمه بالمائة؛ لأن هذا قول أهل الخبرة، ويُعطى كل ذي حق حقه، فلا يُظلم المديون، ولا يُظلم صاحب الدين، وهذا هو شرع الله عز وجل، أنه يُعطى كل ذي حق حقه، لا يُظلم الإنسان في حقه إذا كان له على الغير، وليس من حقنا أيضاً أن نظلم أصحاب الديون المعسرين في ممتلكاتهم، فتُباع عليهم بالبخس، والله تعالى أعلم
‌‌جواز اشتراط الرهن أثناء عقد الدين أو بعده

‌‌السؤال
هل اشتراط الرهن ينبغي أن يكون أثناء بذل الدين، أي: في نفس المجلس، أم للدائن أن يضيف شرط الرهن بعد ذلك، خاصة إذا خشي عدم السداد أثابكم الله؟


‌‌الجواب
إذا اتفق الطرفان على الرهن في عقد الدين، فإنه لا بأس بذلك، وهو جائزٌ ومشروعٌ بالإجماع، وهكذا إذا سأله الرهن بعد أخذ الدين، وأراد أن يستوثق، فإن له ذلك، ولا بأس به؛ لأن الناس تختلف أحوالهم، فلربما أعطيت الرجل وأنت تظنه أميناً، ثم جاءك الثقة وأخبرك أنه مماطل، وأنه جحود، أو أنه متلاعب بالحق، فأردت أن تستوثق لحقك، فمن حقك أن تستوثق وتطالبه بالرهن.
واشتراط وجود الرهن في الدين، سواءً كان في البيع أو كان في القرض، هذا كله من المصالح، ويُعتبر شرطاً شرعياً، فمثلاً: إذا نظرنا إلى ما يترتب على وجود الرهن من المصالح لصاحب الدين وللمديون، فإننا نرى مشروعية ذلك؛ سواءً كان أثناء عقد الدين، أو بعد عقد الدين، فالحكم واحد، والنتيجة واحدة، ولا شك أن الإنسان ربما وثق في أناس على ظاهرهم، ثم تبين له خلاف ذلك، فيريد أن يستوثق من بعد فيشترط الرهن، فهذا من حقه.
أما لو وقع اشتراط الرهن أثناء عقد الدين، فإنه يعتبر ملزماً بالدَّين، والله تعالى أعلم
‌‌حكم بيع ما زاد عن حاجة المديون لقضاء دينه

‌‌السؤال
أشكل عليَّ كلام لأهل العلم رحمهم الله بعدم جواز مطالبة المدين بالدين عند حلول الأجل إذا عُلِم عُسره، فهل تباع داره أو دابته، أم أنها من الضروريات فيُنتظر إلى ميسرته أثابكم الله؟


‌‌الجواب
الأصل الشرعي أن الله تعالى وسَّع على المعسر في عسره، فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، والمؤمنون رحماء بينهم، ولو أن المسلم نزّل نفسه منزلة أخيه المديون، الذي أصابته النوائب، وكثرت عليه البلايا والمستلزمات والحاجيات ونحوها، لو أنه أنزل نفسه منزلته لما رضي أن تُباع داره، ولما رضي أن يؤذى في ماله الذي لا بد له منه، إلا إذا كانت داره أكثر من حاجته، فلو أنه سكن في دارٍ قيمتها مائة ألف، والدين الذي عليه عشرة آلاف، ويمكننا بيع هذه الدار وأن يسكن في دارٍ بخمسين ألفاً، فإنها تُباع داره؛ لأنه زاد عن حقه المحتاج إليه بالمعروف بهذا القدر، فتُباع داره ويترك له ما يسكنه بالمعروف، وهذا مما يقضى فيه بالقاعدة المشهورة: (العادة محكّمة)، فإن كان الذي مثله يعيش في بيت بعشرين أو ثلاثين ألفاً، وذهب هو وسكن في بيت قيمته مائتا ألف أو مائة وخمسون ألفاً، أو حتى بستين ألفاً الذي هو الضعف، وجاء واستدان، ثم قال: أنا مُعسِر، وهو يسكن في هذا المسكن الفاره، أو عنده سيارة يحتاجها لنقل أولاده وعوائله، ولكن هذه السيارة يستطيع أن يستبدلها بما هو أرخص؛ فإنه لا يُعتبر معسراً، ولا يجوز دفع الزكاة إلى مثل هذا الذي يزيد في ماله ما يمكنه أن يُحسن التصرف به، ويسد به عجزه وعوزه، أما لو وجدت الحاجة والضرورة، وأصبح في عوز وشدة، فالحكم لا يخفى أنه يُنظر إلى الميسرة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، والله تعالى أعلم
‌‌معنى قوله عليه الصلاة والسلام: فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما.

‌‌السؤال
قال صلى الله عليه وآله وسلم: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورِك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما)، شمل الحديث البيِّعان في بركة البيع ومحق بركته، فإن كذب أحدهما، فهل يشملهما أثابكم الله؟


‌‌الجواب
المحفوظ عند أهل العلم رحمهم الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبَّر بالمتعاقدين على أن يأتي الخير منهما، أو الشر منهما، ومفهوم ذلك أنه لا يكون هذا من جهة، بحيث لو أن أحدهما كذب فإنه -والعياذ بالله- تُمحق البركة في جانبه وحده دون الجانب الآخر، ولو أنه غش فإنه تُمحق البركة في جانبه وحده دون الجانب الآخر، ومن هنا لو باع داراً مغشوشة، ودفع له مائة ألف، وسكنها المشتري، وهو لا يعلم بهذا الغِش؛ بارك الله للمشتري إن كان رضي بهذا الشيء؛ لأنه أعطى المال دون أن يغش البائع، ولكن تُمحق البركة من مال البائع، نسأل الله السلامة والعافية! فالذي يظلم هو الذي يتعلق به محق البركة، وقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما)، هناك من أهل العلم من يقول كلاماً غريباً في هذا الحديث، يقول: إنه إذا كذب البائع، أو كذب المشتري، فمعنى ذلك أنه سيحدث العيب في البيع، والعيب يُستحق به الرد، وحينئذٍ تعلق البلاء بالطرفين، وبناءً على ذلك يكون الحديث على ظاهره، أي: يشمل الطرفين، لكن هذا الجواب لا يخلو أيضاً من نظر؛ لأنه في بعض الأحيان يُغش الإنسان ويُدلّس عليه، فيرضى بهذا الغش ويرضى بهذا التدليس، ويبارك الله له في هذه الصفقة؛ بل إن الرجل يشتري الشيء الغالي، ويرى من غشّه وكذبه وبإمكانه أن يؤذيه ويضر به، فيترك أمره لله، فيبارك الله له في هذه الصفقة التي غُبِن فيها بأضعاف، والله عز وجل على كل شيءٍ قدير.
ومن طلب العِوض من الله سبحانه وتعالى فيما ينزل به من المصائب أو يحل به من النكبات؛ فإن الله يعوِّضه، وفي الله عِوض عن كل فائت، والله يجبر الكسير، ويجعل له من الخلف ما لم يخطر له على بال، فمن مستقل ومن مستكثر، والناس في الرضا ببلاء الله على مراتب، فمن كمُل رضاه كمّل الله له الجبر، وكمّل الله له الخير والبركة.
فالمقصود: أنه لا يمتنع أن تكون هناك بركة في البيع إذا كان أحدهما مظلوماً، وفوّض أمره إلى الله عز وجل، ورضي بما كان، والله سبحانه وتعالى يخلُف عليه بخير، والله تعالى أعلم
‌‌حكم تأخير توزيع الميراث على الورثة

‌‌السؤال
ما حكم تأخير توزيع الورث على الورثة مع الاستطاعة على التعجيل، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
لا يجوز لمن يقوم على أموال الموتى وإرثهم، كالإخوان الكبار والأعمام ونحوهم -ممن يلي الأموال والتركات- لا يجوز له أن يؤخر قسمة الأموال دون وجود عذرٍ شرعي، أو رضاً من الورثة، فإذا رضي الورثة، وقالوا: رضينا بأن نبقى شركاء في هذه العمارة، أو رضينا أن نبقى شركاء في هذه المزرعة، فهم ورضاهم، ولا بأس بإبقاء المال، ولو إلى سنوات، بل حتى ولو إلى أجيال، مادام أنهم رضوا بذلك فالمال مالهم، فكما يجوز لهم أن يشتركوا بالطلب، يجوز لهم أن يشتركوا بحكم الشراكة.
أما لو أن أحد الورثة طالب بحقِّه، أو عُلِم أنه محتاج، أو بقي محتاجاً مديوناً، ويبقى إخوانه يكتسبون ذلك منه مستغلين حياءه وخجله، فيمتنعون من قسمة المواريث، ورد الحق إلى صاحبه، وإعطاء كل وارثٍ ما تركه له مورِّثه، فهذا من الظلم، خاصة النساء، فإن النساء يُظلمن في هذه الحقوق كثيراً، وتغفل حقوقهن، ولربما أُكلت بالباطل، فلا يجوز مثل هذا، وعلى الأولياء والإخوان أن لا يجاملوا في هذا، ومن علم أن أخاه يريد حقّه، أو أن ظروف أخيه تحتاج إلى مساعدة، وتحتاج إلى مال، وأن من المصلحة بيع المال؛ فإنه يُباع، لكن هناك أحوال يؤخَّر فيها البيع، كأن يكون هناك ضرر على الورثة، كأن يكون السوق كاسداً، والمبلغ يسيراً، وفيه ضرر لو بِيع، ويُرجَّى بعد شهر أو شهرين -دون أن يكون هناك ضرر- أن يتحسن السوق، وأن يُباع بما هو قيمته، فحينئذٍ يجوز التأخير في حدودٍ وفي أحوالٍ معينة، فلا يجوز أن يُمنع الورثة من مال مورِّثهم، بل لقد رأيت من الناس من ترك له مورِّثه مالاً كثيراً، وهو والله يعيش كعيشة الفقير المسكين من تضييق إخوانه الكبار وأذيتهم له، ومحاولتهم احتوائهم للأموال، فإذا كان الرجل بالغاً رشيداً فهو أحق بماله، ومن منعه فقد ظلم، وظلم ذوي القربى أعظم من ظلم غيرهم، وعلى هذا ينبغي على أولياء الأموال أن يتقوا الله في إخوانهم، وأن يتقوا الله في قرابتهم، وأن يقسموا بقسمة الله عز وجل التي قسمها من فوق سبع سماوات

‌‌حكم رهن الموصوف في الذمة


‌‌السؤال
أشكل عليَّ معرفة المقصود من قول المصنف رحمه الله: (يصح في كل عين)، هل الموصوف في الذمة لا يصح الرهن فيه أثابكم الله؟


‌‌الجواب
تقدّم معنا مسألة العين، ومسألة الذمة، وبيّنا أن المعيّن يكون العقد عليه ويفوت بفواته، وأن الموصوف في الذمة يصدُق على كل شيءٍ ينطبق عليه ذلك الوصف.
ومسألة قبض الرهن نص الله عز وجل عليها بقوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]، ولذلك فإن الأصل في الرهن غالباً أن لا يكون إلا بالحاضر، كأن يقول: أرهنك سيارتي هذه، أو أرهنك ساعتي هذه، فهذا رهن الأعيان.
وأما إذا سبق قبض الرهن على الدين، فإنه يستقيم أن يكون في الموصوف، وحينئذٍ يكون الاستقبال والاستحقاق مستقبلاً لأخذ الدين وإعطاء العين من الرهن، وعلى هذا يكون في الذمة ابتداءً، ولكنه يئول إلى العين انتهاءً عند التعاقد، وحينئذٍ لا بأس، خاصة على مذهب من قال: إنه يجوز أن يتقدم الرهن على الدين، وقد سبق أن أشرنا إلى هذه المسألة في المجلس الماضي، والله تعالى أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]