عرض مشاركة واحدة
  #371  
قديم 09-06-2024, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,022
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى:﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ....﴾



قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215].

قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تشريفٌ وتكريم له صلى الله عليه وسلم، والسائلون هم الصحابة رضي الله عنهم.

﴿ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾: «ماذا» اسم استفهام، مبني على السكون، في محل نصب، مفعول مقدّم لـ«ينفقون»، أي: يسألونك، أيَّ شيء ينفقون؟ أو «ما» اسم استفهام، في محل رفع مبتدأ، و«ذا» اسم موصول، مبني على السكون، في محل رفع خبر، و«ينفقون» صلته، والعائد محذوف، أي: ما الذي ينفقونه؟ والجملة في محل نصب مفعول ثانٍ لـ«يسألونك»، والمعنى: ماذا ينفقون من أموالهم جنسًا وقدرًا وكيفًا.

والإنفاق: إخراج المال وصرفه في سائر وجوه الإنفاق، والمراد به في الشرع: إخراجه في وجوهه المشروعة؛ الواجبة، والمستحبة، والمباحة.

﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾: الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، و«ما»: شرطية، و«أنفقتم»: فعل الشرط، وقوله: ﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾: جواب الشرط، وقرن بالفاء؛ لأنه جملة اسمية.

﴿ مِنْ خَيْرٍ﴾ «من»: لبيان الجنس، أي: ما أنفقتم من خير، من أيِّ جنس، وأي قدر. والخير: المال.

وقد تضمن قوله: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ جواب سؤالهم، وزيادة. فقد سألوا ﴿ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾، فأجيبوا بقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ﴾ الآية.

ففي قوله: ﴿ مِنْ خَيْرٍ ﴾ جواب سؤالهم، وهو أن الإنفاق يكون من أيّ أنواع الخير والمال، من غير تحديد جنس المال؛ ولا قدر المنفق منه، وكيفيته.

وفيه إشارة واضحة إلى أن المصلحة عدم تحديد جنس وقدر المنفق تيسيرًا عليهم، ودفعًا للحرج عنهم، ويؤيد هذا قوله تعالى بعد ذلك: ﴿ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219].

كما أن فيه إشارة إلى أن النفقة تقع موقعها أيًّا كانت جنسًا وقدرًا، وفي الحديث: «أفضلُ الصدقة جهدُ المقل»[1].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبق درهم مائة ألف درهم»، قالوا: وكيف؟ قال: «كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها»[2].

وأما الزيادة في الإجابة على سؤالهم فهي قوله تعالى: ﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾، وهو بيان محل ومصرف النفقة، وقد انصب الجواب على هذا حتى إنه ليبدو أنهم إنما أجيبوا عنه دون المنْفَق.

ولعل من الحكمة في هذا - والله أعلم - التنبيه إلى أن معرفة محل النفقة ومصرفها أهم من معرفة المنفَق، وذلك لعِظم حقِّ مَن ذُكروا وفضل النفقة عليهم، من بين سائر وجوه النفقة التي لا تحصى، المشروع منها وغيره، فكأنه قيل لهم: ليس المهم معرفة المنفَق، فهو من الخير والمال أيًّا كان جنسًا وقدرًا، وإنما المهم معرفة المنفَق عليهم، وأن تقع النفقة موقعها، كما قال الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة
حتى يصاب بها طريق المصنع[3]




قوله: ﴿ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾؛ أي: فينبغي أن يعطى ما أنفق من خير، ويصرف للوالدين والأقربين، واليتامى والمساكين وابن السبيل.

والوالدان هما الأب والأم، والجد والجدة، وإن علوا.

﴿ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ معطوف على «الوالدين» من عطف العام على الخاص؛ لأن الوالدين من الأقربين، وإنما خصهما بالذكر، وقدمهما لفضلهما، وعلو منزلتهما وعظيم حقهما.

﴿ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾: جمع أقرب على وزن «أفعل» فالأولى بالنفقة من الأقارب الأقرب فالأقرب منهم، كما هو الحال في الميراث؛ عن طارق المحاربي رضي الله عنه قال: قدمنا المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس، وهو يقول: «يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك»[4]، وقال صلى الله عليه وسلم في المواريث: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر»[5].

ويدخل في «الأقربين» الأولاد وإن نزلوا، والإخوة والأعمام وبنوهم وإن نزلوا، وغيرهم.

والنفقة على الأقارب أفضل من غيرها؛ لأنها كما قال صلى الله عليه وسلم: «صدقة وصلة»[6].

﴿ وَالْيَتَامَى ﴾ جمع يتيم ويتيمة، وهو من فقد أباه دون البلوغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام»[7]، مشتق من اليتم وهو الانفراد، ومنه سميت «الدرة اليتيمة».

وخص اليتامى من بين الأطفال؛ لأنهم فقدوا كاسبهم وكافلهم- بعد الله- عز وجل- وهو والدهم، مما يوجب على المسلمين تعويضهم عن فقد أبيهم، والعطف عليهم، ورعايتهم، والإنفاق عليهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرّج بينهما شيئًا»[8].

﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ جمع مسكين، وهو من لا يجد كفايته، أو لا يجد شيئًا، مأخوذ من السكون، وهو عدم الحركة، واللصوق بالأرض، من شدة الحاجة والفقر، كما قال تعالى: ﴿ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 16].

وسمي مسكينًا؛ لأن الفقر أسكنه وأذله، فإن تكلم لم يُسمع له، وإن سُمع لم يُصدق.

والمسكين إذا أفرد شمل الفقير، كما أن الفقير إذا أفرد شمل المسكين، وإذا ذكرا معًا، فالمسكين أحسن حالًا من الفقير، وقيل العكس[9].

﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ هو المسافر الذي انقطع به السفر، فيُنْفَق ويُتصدق عليه، بل ويعطى من الزكاة الواجبة، ولو كان غنيًّا في بلده، وسُمِّي المسافر: ابن السبيل لملازمته السبيل، أي: الطريق.

﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ في هذا ترغيب في فعل الخير عمومًا من الإنفاق وغيره.

الواو: عاطفة، و«ما»: شرطية، و«تفعلوا»: فعل الشرط، وجوابه جملة: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾؛ أي: وما تفعلوا من خير أيًّا كان بذلًا أو قولًا أو فعلًا، قليلًا كان أو كثيرًا، صغيرًا كان أو كبيرًا.

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾؛ أي: فإن الله بالذي تفعلونه من الخير ذو علم تام، محيط به، ولن يضيع عنده، بل سيجازيكم عليه أعظم الجزاء، في الدنيا والآخرة، وفي هذا أعظم الوعد لمن فعل الخير، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110]، وقال تعالى: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77].

وقد أحسن القائل[10]:
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه
لا يذهب العرفُ بين الله والناس




وقال الآخر[11]:
يدُ المعروف غنمٌ حيث كانت
تحملها كفور أم شكور
ففي شكر الشكور لها جزاءٌ
وعند الله ما كفر الكفور


[1] أخرجه أبوداود في الصلاة (1449)، والنسائي في الزكاة (2526)، من حديث عبدالله بن حبشي رضي الله عنه.

[2] أخرجه النسائي في الزكاة (2527).

[3] البيت ينسب لحسان بن ثابت رضي الله عنه, ولغيره. انظر: «ربيع الأبرار» (5/280).

[4] أخرجه النسائي في الزكاة (2532).

[5] أخرجه البخاري في الفرائض - ميراث الجد مع الأب والإخوة (6737)، ومسلم في الفرائض- ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر (4141)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[6] أخرجه النسائي في الزكاة (2582)، والترمذي في الزكاة (658)، وابن ماجه في الزكاة (1699)، من حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن».

[7] أخرجه أبوداود في الوصايا (2873)، من حديث علي رضي الله عنه.

[8] أخرجه البخاري في الطلاق (5304)، وأبو داود في الأدب (5150)، والترمذي في البر والصلة (1918)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

[9] انظر تفصيل الكلام في الفرق بين الفقير والمسكين عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8].

[10] البيت للحطيئة؛ انظر: «ديوانه» (ص51).

[11] البيتان لابن عائشة؛ انظر: «المحاسن والأضداد» للجاحظ (ص25)، «الجامع لأحكام القرآن» (5/ 384).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]