عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-06-2024, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,188
الدولة : Egypt
افتراضي القيوم جل جلاله وتقدست أسماؤه

القيُّوم جل جلاله وتقدست أسماؤه

الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

عَنَاصِرُ الموْضُوعِ:
أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَيُّومِ).
ثانيًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ.
ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى.
رابعًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهذا الاسْمِ.
خامسًا: المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ.

النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ:
أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ:
1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري.

2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ [1].

3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ [2].

4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ.

5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله.

6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3].

7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4].

8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5].

9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6].

10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك.

11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»، رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766).

ثُمَّ قَدْ يَفْتَحُ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، مُتَّفَقٌ عَلَيه.

ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ:
1- تَنْوِي تَعْرِيفَ المسْلِمِينَ بِمَعَانِي اسْمِ الله تَعَالَى (القَيُّومِ).

2- تَنْوِي تَنْبِيهَ المسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا قَوَامَ لِأَحَدٍ إلا بِالله.

3- تَنْوِي غَرْسَ عَقِيدَةِ التَّوَكُّلِ عَلَى الحَيِّ القَيُّومِ في قُلُوبِ المؤمِنِينَ.

4- تَنْوِي حَثَّ المسْلِمِينَ عَلَى اسْتِشْعَارِ مَشْهَدِ القَيُّومِيَّةِ لله رَبِّ العَالَمِينَ.

أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَيُّومِ):
القَيُّومُ في اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ الُمبَالَغَةِ، فِعْلُهُ قَامَ يَقومُ قَوْمًا وقِيامًا، ويَأْتِي الفِعْلُ عَلَى مَعْنَيَينِ:
الأَوَّلُ: القِيَامُ بِالذَّاتِ وَالبَقَاءُ عَلَى الوَصْفِ، وَالثَّانِي: إِقَامَةُ الغَيْرِ وَالإِبِقَاءِ عليه لأَنَّ غَيْرَهُ مُفْتَقِرٌ إليه، فالأَوَّلُ على اعْتِبَارِ صِفَةِ الذَّاتِ، والثاني على اعْتِبَارِ صِفَةِ الفِعْلِ، وعلى هَذينِ الَمعْنَيَينِ دَارَتْ عِبَارَاتُ اللُّغَوِيِّينَ، فالقَيُّومُ هو القَائِمُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لَا بِغَيْرِهِ البَاقِي أَزَلًا وَأَبَدًا، أَوِ القَائِمُ بتِدَبْيِرِ أُمُورِ الخَلْقِ وَتَدْبِيرِ العَالَمِ بِجميعِ أحوالِهِ، فَهُوَ القَائِمُ بِأُمورِ خَلْقِهِ فِي إِنْشَائِهم وتَوَلَّي أَرْزَاقِهم وتَحْدِيدِ آجَالِهم وأعمَالِهم، وَهُوَ العَلِيمُ بمُسْتَقَرِّهم ومُسْتَوْدَعِهِمْ، وهو الذي يَقُومُ بِهِ كُلُّ مَوْجودٍ حَتَّى لا يُتَصَوَّرَ وُجُودُ شَيْءٍ ولا دَوَامُ وُجُودِه إلا بِقَيُّومِيَّتِهِ وإقَامَتِهِ له.

والقَيُّومُ عز وجل هُوَ القَائِمُ بِنَفْسِهِ الذي بَلَغَ مُطْلَقَ الكَمَالِ فِي وَصْفِهِ، وَالبَاقِي بِكَمَالِهِ وَوَصْفِهِ عَلَى الدَّوَامِ دُونَ تَغْييرٍ أَوْ تَأْثيرٍ، فَقَدْ يَكُونُ الحَيُّ سَمِيعًا لَكِنْ يَتَأَثَّرُ سَمْعُه مَعَ مُرُورِ الوَقْتِ، فَيَفْتَقِرُ إلى وَسِيلَةٍ إِضَافِيَّةٍ للسَّمَاعِ، يَضعُ سَمَّاعَةً أَوْ آلةً يَسْتَعِينُ بِهَا لإِكْمَالِ سَمْعِهِ، فَيَلْزَمُ لاتِّصَافِهِ بِكَمَالِ السَّمْعِ أَنْ يَكُونَ قَيُّومًا فِي سَمْعِهِ لَهُ البَقَاءُ وَالكَمَالُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ يَكُونُ الحَيُّ بَصِيرًا لَكِنَّ بَصَرَهُ يَتَأَثَّرُ مَعَ مُرُورِ الوَقْتِ فَيَفْتَقِرُ إِلَى وَسِيلَةٍ إِضَافِيَّةٍ للإِبْصَارِ، فَيَضَعُ زُجَاجَةً أَوْ نَظَّارَةً يَسْتَعِينُ بِهَا، فَيَلْزَمُ لاتِّصَافِهِ بِكَمَالِ البَصَرِ والإِبْصَارِ أَنْ يَكُونَ قَيُّومًا فِي بَصَرِهِ لَهُ البَقَاءُ والكَمَالُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ، والحَيُّ قَدْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ لَكِنَّهُ يَتَأَثَّرُ بِالغَفْلَةِ وَالسِّنَاتِ، فَتَتَأَثَّرُ صِفَاتُهُ وَتَضْمَحِلُّ وربما يَنَامُ أَوْ يَمُوتُ فَتَزُولُ وَتَنْعَدِمُ، فَلَوْ كَانَ قَائِمًا دَائِمًا لَكَمُلَتْ حَيَاتُهُ وَبَقِيَتْ صِفَاتُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، فَأَثْبَتَ الحَيَاةَ والقَيُّومِيَّةَ اللَّازِمَةَ لِكَمَالِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وأفعاله، وَهَذَا الَمعْنَى كُلُّهُ فِي دَلَالَةِ القَيُّومِ عَلَى صِفَةِ الذَّاتِ.

أَمَّا دَلَالَتُه عَلَى صِفَةِ الفِعْلِ فَالقَيُّومِيَّةُ هُنَا مَرَدُّهَا إِلَى مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ، فَالقَيِّمُ في اللُّغَةِ هو السَّيِّدُ الذي يَسُوسُ الأُمُورَ وَيُدَبِّرُهَا، فَقَيِّمُ البَلْدَةِ سَيِّدُهَا وَأمِينُها ومُدَبِّرُها ومِنْهُ قَوْلُه: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الرعد: 33].

وَعِنْدَ البُخَارِي مَرْفُوعًا: «أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ»[7].

ثانيًا: وُرُودُه فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ[8]:
وَرَدَ الاسْمُ فِي ثَلاثِ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ، وهي:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 2].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111].

ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: «القَائِمُ وَهُوَ الدَّائِمُ الذي لا يَزُولُ» [9].

وَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافِ القُرَّاءِ ِفي قِرَاءَةِ (القَيُّومِ): «فَأَمَّا تَأْوِيلُ جَمِيعِ الوُجُوهِ التي ذَكَرْنا أَنَّ القُرَّاءَ قَرَأَتْ بِهَا فَمُتَقَارِبٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّه: القَيِّمُ بِحِفْظِ كُلِّ شَيْءٍ وَرِزْقِهِ، وَتَصْرِيِفِهِ فِيمِا شَاءَ وَأَحَبَّ، مِنْ تَغْييرٍ وَتَبْدِيلٍ، وزِيَادَةٍ َوَنَقْصٍ.

وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ القِيَامُ عَلَى مَكَانِهِ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى القِيَامِ الدَّائمِ الذِي لَا زَوَالَ مَعَهُ ولا انْتِقَالَ، وأَنَّ اللهَ عز وجل إِنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ بِوَصْفِها بذلك التَّغْييرِ والتَّنَقُّلِ مِنْ مَكَانٍ إلى مَكَانٍ، وحُدُوثُ التَّبْدُّلِ الذي يَحْدُثُ فِي الآدَمِيينَ وسَائِرِ خَلْقِهِ غَيْرُهم، وَنَقَلَه عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ الزُّبَيْرِ.

ثُمَّ رَجَّحَ ابنُ جَرِيرٍ فَقَالَ: وأَوْلَى التَّأْوِيلَينِ بالصَّوَابِ ما قَالَهُ مُجَاهِدٌ والرَّبيعُ، وأَنَّ ذلك وَصْفٌ مِنَ الله تَعَالَى وَذِكْرُه نَفْسَه بِأَنَّهُ القَائِمُ بِأَمْرِ كُلِّ شِيْءٍ فِي رِزْقِهِ وَالدَّفْعِ عنه وتَدْبِيرِه وصَرْفِهِ فِي قُدْرَتِهِ مِنْ قَوْلِ العَرَبِ: فُلانٌ قَائِمٌ بِأَمْرِ هَذِهِ البَلْدَةِ، يَعْنِي بذلك: الُمتَوَلِّي تَدْبِيرَ أَمْرِها.

فَالقَيُّومُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ الفَيْعُول، مِنْ قَوْلِ القَائِلِ: اللهُ يَقُومُ بِأَمْرِ خَلْقِهِ»[10].

وَقَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «(القَيُّومُ): فَيْعُولٌ مِنْ قَامَ يَقُومُ، وهو مِنْ أَوْصَافِ الُمبَالَغَةِ فِي الفِعْلِ، وهو مِنْ قَوْلِهِ عز وجل: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الرعد: 33]؛ أَيْ: يَحْفَظُ عَلَيْهَا وَيُجَازِيهَا وَيُحَاسِبُها»[11].

وَقَالَ الخَطَّابِي: «(القَيُّومُ) هو: القَائِم الدَّائِمُ بِلَا زَوَالٍ، وَوَزْنُه فَيْعُولٌ مِنَ القِيَامِ، وهو نَعْتُ الُمبَالَغَةِ فِي القِيَامَةِ عَلَى الشَيْءِ.

ويُقَالَ: هو القَيِّمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِالرِّعَايَةِ لَهُ، وَيُقَالُ: قُمْتُ بِالشَّيْءِ إِذَا وَلِيْتُهُ بِالرِّعَايَةِ والَمصْلَحَةِ [12].

وَقَالَ البيْهَقِي: «(القَيُّومُ) هو القَائِمُ الدَّائِمُ بِلَا زَوَالٍ».

فَيَرْجِعُ إلى صِفَةِ البَقَاءِ، والبَقَاءُ صِفَةُ الذَّاتِ.

وَقِيلَ: هُوَ الُمدَبِّرُ والُمتَوَلِّي بِجَمِيعِ مَا يَجْرِي في العَالَمِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الَمعْنَى مِنْ صِفَاتِ الفِعْلِ» [13].

وَقَالَ القُرْطُبِي: «(القَيُّومُ) مِنْ قَامَ، أَيْ القَائِمُ بِتَدْبِيرِ مَا خَلَقَ» [14].

وَقَالَ السَّعْدِي:«الحَيُّ القَيُّومُ) كَامِلُ الحَيَاةِ، والقَائِمُ بِنَفْسِهِ، القَيُّومُ لِأَهْلِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، القَائِمُ بِتَدْبِيرِهم وأَرْزَاقِهم وجَمِيعِ أَحْوَالِهمْ، فالحَيُّ: الجَامِعُ لِصِفَاتِ الذَّاتِ، والقَيُّومُ: الجَامِعُ لِصِفَاتِ الأَفْعَالِ» [15].

وَقَالَ العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّمِ في النُّونِيَّةِ:
هَذَا ومِنْ أَوْصَافِهِ القَيُّومُ والـ
قَيُّومُ في أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
إِحْدَاهُمَا القَيُّومُ قَامَ بِنَفْسِهِ
والكَوْنُ قَامَ بِهِ هُمَا الأَمْرَانِ
فَالأَوَّلُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ غَيْرِه
وَالفَقْرُ مِنْ كُلٍّ إليه الثَّانِي
والوَصْفُ بالقَيُّومِ ذُو شَانٍ عَظِيمٍ
هَكَذَا مَوْصُوفُه أَيْضًا عَظِيمُ الشَّانِ
وَالحَيُّ يَتْلُوهُ فَأَوْصَافُ الكَمَا
لِ هُمَا لِأُفْقِ سَمَائِها قُطْبَانِ
فَالحَيُّ والقَيُّومُ لَنْ تَتَخَلَّفَ الـ
أوْصَافُ أَصْلًا عَنْهما بِبَيَانِ[16]


رابعًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ:
1- وَصْفُ الله تَعَالَى ذِكْرُه بِأَنَّهُ قَيُّومٌ بِنَفْسِهِ، لَا يَحْتَاجُ فِي قِيَامِهِ وَدَوَامِهِ إِلَى أَحَدٍ، يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ، وكَيْفَ يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُمْ أَنْفُسَهُم لا قِيَامَ لَهُمْ إِلَّا بِإِقَامَةِ الحَيِّ القَيُّومِ لهم؟!

فَقِيَامُهُ تَعَالَى بِذَاتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لَهُ تَعَالَى.

2- وَصْفُه تَعَالَى بِأَنَّهُ الُمدَبِّرُ لأَمْرِ الخَلَائِقِ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، الُمصَرِّفُ لِشُؤونِها؛ لأَنَّها لَيْسَتْ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا بل مُحْتَاجَةٌ للحَيِّ القَيُّومِ الذِي يَرْزُقُها وَيُحْيِيها وَيقِيمُها.

ولا شَكَّ أَنَّ مَنْ عَرَفَ هَذِهِ الصِّفَةَ فِي رَبِّهِ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَانْقَطَعَ قَلْبُه عَنِ الخَلْقِ إِلَيْهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ مُفْتَقِرُونَ مِثْلَهُ إِلَى خَالِقَهِم في قِيَامِهِم وَقُعُودِهم، وحَياتِهِم وَبَعْدَ مَمَاتِهِم، فِي دِينِهم ودُنْيَاهم، فَكَيْفَ يَرْجُوهم بَعْدَ ذلك؟!

3- ومِنْ كَمَالِ قَيُّومِيَّتِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَنَامُ؛ إِذْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِعَدَمِ السِّنَةِ والنَّوْمِ دُونَ خَلْقِهِ فَإِنَّهُمْ يَنَامُونَ.

4- اقْتَرَنَ هَذَا الاسْمُ بِالحَيِّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَمَا سَبَقَ، واقْتِرَانُه بِالحَي يَسْتَلْزِمُ سَائِرَ صِفَاتِ الكَمَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِها ودَوَامِها، وانْتِفَاءِ النَّقْصِ والعَدَمِ عنها أَزَلًا وَأَبَدًا.

وَلِهَذَا كَانَ قوله: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، أَعْظَمُ آيَةٍ فِي القُرْآنِ، كَمَا ثَبُتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم[17].

فَعَلَى هَذَينِ الاسْمَينِ مَدَارُ الأسْمَاءِ الحُسْنَى كُلِّها، وإليها تَرْجِعُ مَعَانِيها؛ فإِنَّ الحَيَاةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الكَمَالِ، فَلَا يَتَخَلَّفُ عنها صِفَةٌ مِنْهَا إِلَّا لِضَعْفِ الحَيَاةِ، فإذا كَانَتْ حَيَاتُهُ تَعَالَى أَكْمَلُ حَيَاةٍ وَأَتـَمَّها، اسْتَلْزَمَ إِثْبَاتُها كُلَّ كَمَالٍ يُضَادُّ نَفْيُه كَمَالَ الحَيَاةِ.

وَأَمَّا (القَيُّومُ) فَمُتَضَمِّنٌ كَمَالَ غِنَاه وكَمَالَ قُدْرَتِهِ؛ فَإِنَّهُ القَائِمُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، الُمقِيمُ لِغَيْرِه، فَلَا قِيَامَ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِإِقَامَتِهِ.

فانْتَظَمَ هَذَانِ الاسْمَانِ صِفَاتِ الكَمَالِ أَتَمَّ انْتِظَامٍ[18].

5- جَاءَ فِي السُّنَّةِ الُمطَهَّرَةِ مَا يَدُلُّ على عَظَمَةِ هَذَينِ الاسْمَينِ، والدُّعَاءِ بِهِمَا مُجْتَمِعِينَ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ أنَّهُما الاسْمُ الأَعْظَمُ للرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ت قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم فِي الَمسْجِدِ وَرَجُلٌ يُصَلِّي فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الحَنَّانُ الَمنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» [19].

والصَّوَابُ في الاسْمِ الأَعْظَمِ هُوَ (اللهُ) أ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُه[20].

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَدُعَاءُ الله بِهِمَا مِنَ امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].

6- وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو: «يَا حَيُّ يَا قَيُّوم»[21].

وَفِي رِوَايةٍ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيْ حَيُّ أَيْ قَيُّومُ»[22].

7- وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ: «مَا يَمْنَعُك أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ به أنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وإذا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لي شَأْنِي كُلَّهُ، ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ»[23].

8- وَمِنْهَا: حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ ت، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وأَتُوبُ إليه ثَلاثًا غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ»[24].

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِي: «هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الكَبَائِرِ تُغْفَرُ بِبَعْضِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَضَابِطُه الذُّنُوبُ التي لا تُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِها حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ مِثْلُ الفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِثْلَه أَوْ دُونَهُ يُغْفَرُ إِذَا كَانَ مِثْلَ الفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِه حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ»[25].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]