عرض مشاركة واحدة
  #213  
قديم 28-06-2024, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [112]
الحلقة (143)





شرح سنن أبي داود [112]

من رحمة الله بعباده أن جعل النوافل من العبادات متممة للفرائض، فإذا حصل نقص في الفريضة أكمل ذلك النقص من النافلة، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية المحافظة على النوافل، فهي السياج الواقي للفريضة. وقد وردت أحاديث كثيرة مبينة لأذكار الركوع والسجود بصيغ متعددة، مثل: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، ويمكن أن يجمع إليها ما ورد من الصيغ الأخرى.

ما جاء في إتمام الفرائض من النوافل



شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه). حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة رضي الله عنه قال: فنسبني فانتسبت له، فقال: يا فتى ألا أحدثك حديثاً؟ قال: قلت: بلى رحمك الله، قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز جل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه) ]. المقصود من هذه الترجمة: أن الفرائض إذا حصل فيها شيء من النقص وكان هناك نوافل، فإن ذلك النقص يكمل من النوافل، وفي ذلك ترغيب في النوافل وحث عليها؛ لأنها مكملة ومتممة للفرائض، بحيث أن الذي يتساهل فيها يتساهل في الفرائض، والذي يحافظ عليها يحافظ على الفرائض. وعلى هذا فالنوافل شأنها عظيم والاهتمام بها عظيم، وفائدتها كبيرة؛ لأنها تكون وقاية للفرائض، ولأنها تتم بها الفرائض إذا كان هناك نقص فيها عند المحاسبة. هذه هي الترجمة التي أوردها الإمام أبو داود رحمه الله، وأتى بها على وفق ما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أن النوافل تكمل الفرائض إذا حصل فيها نقص. وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ثم قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). فالنوافل شأنها عظيم؛ إذ بها تضاعف الأجور، وهي كالسياج الذي يحافظ به على الفرائض. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها كبير، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه يوم القيامة، وآخر ما يفقد في هذه الحياة. والإنسان إذا كان مفلحاً في صلاته، وقائماً بما يجب عليه فيها، فإنه يرجى أن يكون فيما وراء ذلك على التمام وعلى وجه حسن، وإذا كان بخلاف ذلك في الصلاة فما سواها يكون من باب أولى. قوله: [ (قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة) ]. يعني: أنه حصل في فرضه على التمام والكمال. [ (وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ]. يعني: باقي الأعمال من بعد الصلاة، كذلك الصلاة إذا كان الإنسان عنده خلل أو تقصير، فإن النوافل من الصدقات تتم بها، وكذلك الصيام والحج وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه)

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن حكيم الضبي ]. أنس بن حكيم الضبي مستور، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .

معنى قوله: (فنسبني فانتسبت له)

[ قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة ]. يعني: هذا الرجل الذي هو أنس بن حكيم خاف من زياد أو ابن زياد أمير من الأمراء، فأتى المدينة ولقي أبا هريرة رضي الله عنه، قال: فنسبني فانتسبت له، يعني: قيل: إن معناه أنه طلب منه أن يعرف بنفسه فانتسب له، وقيل: إن كل واحد منهما عرف بنفسه فيكون أبو هريرة عرف بنفسه وهذا عرف بنفسه، ولعل الأقرب: أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه؛ لأن أبا هريرة معروف ولا يحتاج إلى أن ينتسب له وأن يعرف بنفسه؛ ولأنه جاء إلى أبي هريرة وهو يعرف أنه أبو هريرة . والذي يبدو أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه، كما هو شأن الشخص الغريب الذي يأتي وُيسأل ممن هو حتى يعرف. و زياد هو أمير من الأمراء، ما أدري هل هو زياد ابن أبيه أم لا؟ أما ابن زياد فهو عبيد الله بن زياد وكل منهما كان أميراً. والتعارف أمر مطلوب يدل عليه هذا الحديث، وحديث الباقر مع جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جابراً سألهم عن أسمائهم واحداً واحداً حتى وصل إلى الباقر فعرفه بنفسه، فوضع يده على صدره فجعل يحدثه بحديث الحج الطويل. قوله: [ قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذا يونس بن عبيد يحسب أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء رفعه أو لم يرفعه فمثل هذا له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب.

شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه: أنه قال بدل أنس بن حكيم : عن رجل من بني سليط، وقيل: إن هذا الرجل هو أنس بن حكيم ، لكن جاء غير مسمى هنا. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. أي: بنحو الحديث الذي تقدم. والحديث كما هو معلوم فيه هذا الرجل في الإسناد الأول مسمى وهو أنس بن حكيم ، وفي الثاني مبهم وقيل: إنه نفسه أنس بن حكيم ، لكن الحديث الذي سيأتي حديث تميم الداري شاهد له.

شرح حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى قال: (ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث تميم الداري وقال: إنه بنحو حديث أبي هريرة المتقدم، وهو شاهد له، ودال على ما دل عليه، وفي هذا الإخبار عن الأمر المستقبل، وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تصديقها، وأن ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الأمور المغيبة سواء كانت ماضية أو مستقبلة أو موجودة لا نشاهدها ولا نعاينها الواجب تصديقها؛ لأن هذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إخبار عن أمر مستقبل وهو أن الصلاة أول ما يحاسب عليه، وهو كما أسلفت يدل على عظم شأن الصلاة، وأن أمرها خطير، وأن الواجب على الإنسان أن يحافظ ويحرص عليها. وقد جاء في الحديث الصحيح: (إن أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء) وقد يقال: إن بينهما شيئاً من التعارض، ولكن لا تعارض؛ لأن الصلاة فيما يتعلق بحقوق الله هي أول شيء يحاسب عليه، وأول شيء فيما يكون بين الناس يقضى ويحاسب فيما بينهم في الدماء، فيكون الأول يحمل على حقوق الله، والثاني يحمل على حقوق الناس وما يكون بينهم، فلا تعارض بين ما جاء في هذا الحديث وبين الحديث الآخر الذي فيه: (إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).

تراجم رجال إسناد حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زرارة بن أوفى ]. زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم الداري ]. تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.

ما جاء في وضع اليدين على الركبتين



شرح حديث: (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود: باب وضع اليدين على الركبتين: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي يعفور ، قال أبو داود : واسمه وقدان ، عن مصعب بن سعد أنه قال: (صليت إلى جنب أبي رضي الله عنه فجعلت يديَّ بين ركبتيَّ، فنهاني عن ذلك فعدت، فقال: لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود ]، وبدأ بوضع اليدين على الركبتين في الركوع، وأن السنة هي وضع اليدين على الركبتين وليس جعلهما بين الفخذين، وقد كان ذلك مشروعاً قبل ذلك ثم نسخ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وأمر بوضع الأيدي على الركب، ويسمى وضع اليدين بين الفخذين: التطبيق، بحيث يطبق اليد على اليد ويجعلهما بين فخذيه، هذا كان في أول الأمر، ثم نسخ بوضع الأيدي على الركب، كما جاء ذلك مبيناً في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي أورده المصنف رحمه الله تعالى، حيث قال ابنه مصعب : (صليت إلى جنب أبي فوضعت يدي بين ركبتي) أي: طبق بينهما، فنهاني، ثم عدت إليه مرة أخرى، ولعل كونه عاد إليه إما نسياناً أو لكونه كان معروفاً عند بعض الناس، فبين له أبوه رضي الله عنه بأنهم نهوا عن ذلك وأمروا بأن يضعوا أيديهم على ركبهم. قوله: [ (لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ]. يعني: كنا نفعل هذا الذي فعلته وهو التطبيق، فنهينا عنه وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب. وقول الصحابي: (نهينا وأمرنا) له حكم الرفع؛ لأن الآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إذا قال: (أُمرت بكذا أو نُهيت عن كذا)، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يأمره وينهاه عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي يعفور ]. أبو يعفور اسمه وقدان وقيل: واقد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : واسمه وقدان ]. هذا كلام أبي داود في بيان أن اسمه وقدان ؛ وذلك لأن هناك أبا يعفور الأصغر وأبو يعفور الأكبر، وهذا هو أبو يعفور الأكبر . [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: صليت إلى جنب أبي ]. أبوه هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة صاحب المناقب والفضائل رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة و الأسود عن عبد الله رضي الله عنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه، فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في التطبيق، وأنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه) يعني: يجعل الذراعين على الفخذين، ويجعل الكفين بين الفخذين مطبقتين. قوله: [ (كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: بهذا التطبيق الذي قد حصل. ومن المعلوم أن هذا منسوخ كما جاء ذلك مصرحاً به في حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم، حيث قال: (كنا نفعل ذلك فنهينا عنه، وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب) ولا شك أن وضع الأيدي على الركب أسلم وأمكن؛ لأن وضعها على الركب فيه اعتماد عليها، بخلاف ما إذا كانت بين الفخذين فإن الأمر يختلف؛ لأن هذا فيه اعتماد اليدين على الركبتين وفيه مجافاة، وأما التطبيق فقد كان موجوداً أولاً ثم نهي عنه كما في حديث سعد ، ولهذا ذكر الناسخ أولاً، ثم ذكر بعده المنسوخ، وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. أما عن طريقة أبي داود من حيث الاستقراء فلا أدري هل هو يقدم الناسخ باستمرار ويؤخر المنسوخ؟ لكن المعروف عن الإمام مسلم رحمه الله أنه يقدم المنسوخ ثم يأتي بالناسخ كما ذكر ذلك النووي عند أحاديث نقض الوضوء من مما مست النار، فإنه ذكر الأحاديث التي فيها النقض، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها أنه لا ينقض، وقال النووي : إن طريقة الإمام مسلم أنه يقدم المنسوخ على الناسخ، وهنا في هذا الموضع قدم أبو داود الناسخ على المنسوخ، فلا أدري هل هذه الطريقة له، أو أنه يأتي عنه أشياء تخالف هذه الطريقة؟ وهذا يمكن أن يعرف في المستقبل، ولا شك أن الحكم هو للناسخ، ولهذا ترجم به فقال: وضع اليدين على الركبتين، هذا هو الحكم الثابت المستقر، وإنما الكلام في التقديم والتأخير، هل طريقة أبي داود أنه يقدم الناسخ على المنسوخ كما هو الحال هنا، أو أنه يتفق في هذا الموضع هكذا ويمكن أن يأتي في مواضع أخرى يختلف عن هذا الموضوع؟ الله أعلم. قوله: [ (فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: أن بينهن شيئاً من التقدم والتأخر؛ لأنه ليس تشبيكاً وإنما هو تطبيق.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)


قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة، وقد قيل: إنه أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، ولكن الصحيح خلاف ذلك؛ لأن المقصود بالعبادلة الأربعة هم صغار الصحابة الذين كانوا في عصر واحد، وقد أدركهم من لم يدرك ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فإنه متقدم الوفاة، إذ أن وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وأما العبادلة الأربعة فإنهم تأخروا وعاشوا بعد ذلك ثلاثين سنة أو أكثر من ثلاثين سنة، فأدركهم من لم يدرك ابن مسعود وأخذ عنهم من لم يأخذ عن ابن مسعود ، وكان يقال لهم: العبادلة، فالمشهور أن العبادلة الأربعة هم الصغار من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ما جاء في ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده


شرح حديث: (لما نزلت: (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة و موسى بن إسماعيل المعنى قالا: حدثنا ابن المبارك عن موسى -قال أبو سلمة : موسى بن أيوب - عن عمه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ] يعني: ما يقوله من الذكر؛ لأن هذه الترجمة تتعلق بالذكر، وبعدها ستأتي ترجمة تتعلق بالدعاء في الركوع والسجود. ومن المعلوم أن هناك أذكاراً وأدعية، فالأذكار هي التي فيها ثناء على الله وتمجيد لله وتسبيح لله وتعظيم لله، والدعاء هو طلب العبد كأن يقول: اللهم أعطني كذا، اللهم حقق لي كذا، فهنا أتى بترجمتين: باب ما يقول في الركوع والسجود، وترجمة: باب في الدعاء في الركوع والسجود، ولا تنافي بين الترجمتين؛ لأن هذه الترجمة كلها أذكار، والترجمة التي بعدها كلها أدعية، هذا هو الفرق بين الترجمتين، هذه ثناء على الله وتعظيم لله وتمجيد لله، وتلك -التي ستأتي- مطالب من العبد يسألها من ربه ويرجو من ربه أن يحققها له، وأن يتقبل منه. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (لما نزل قول الله عز وجل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم) يعني: قولوا: سبحان ربي العظيم في الركوع. قوله: [ (ولما نزل قول الله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ] يعني: قولوا: سبحان ربي الأعلى في السجود. وقد جاء في السجود ذكر الأعلى؛ لأن هذا المقام الذي يكون فيه العبد في غاية الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى، فناسب أن يأتي وصف الله بالأعلى الذي هو العلو المطلق ذاتاً وقدراً وقهراً، ففي هذه الهيئة التي هو عليها وقد ذل لله وخضع وجعل أشرف شيء فيه على الأرض خضوعاً لله وذلاً لله سبحانه وتعالى يقول العبد فيها: سبحان ربي الأعلى. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في أنه يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.

تراجم رجال إسناد حديث: (لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم...)


قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ]. الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. يعني: أن هذا الذي جاء عن الشيخين ليس متفقاً في اللفظ والمعنى، وإنما الاتفاق في المعنى، مع وجود شيء من الاختلاف في الألفاظ. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه بعض أهل العلم: جمعت فيه خصال الخير، وقال بعض أهل العلم: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة. [ عن موسى قال أبو سلمة : موسى بن أيوب ]. يعني: الربيع بن نافع قال: عن موسى فقط ولم ينسبه، وأما موسى بن إسماعيل فإنه نسبه، و أبو سلمة هو موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود الثاني ذكره أولاً باسمه ثم ذكره بكنيته أبو سلمة التبوذكي . ومعرفة الكنى للمحدثين مهمة عند العلماء؛ لأن الذي لا يعرفها قد يظن أن أبا سلمة شخص آخر غير الذي مر، مع أن أبا سلمة هو موسى بن إسماعيل إلا أنه ذكر أولاً باسمه وذكر هنا بكنيته. وفائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث ألا يظن أن الشخص الواحد شخصان؛ ولهذا فإن معرفة الكنى مهمة لا سيما من اشتهر بكنيته، فأحياناً الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب يذكر شيوخ أو تلاميذ الرجل يقول: روى عنه أبو موسى و أبو موسى هو محمد بن المثنى ، فالذي لا يعرف أن محمد بن المثنى كنيته أبو موسى يمكن أن يبحث ويقول: محمد بن المثنى ما وجدته. موسى بن أيوب الغافقي مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عمه ]. وهو إياس بن عامر الغافقي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة، يعني مثلما قيل في ابن أخيه. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و أبو توبة هذا هو الربيع بن نافع الحلبي وهو الذي جاء عنه أنه قال: إن معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن اجترأ عليه اجترأ على غيره. يعني: من تكلم فيه سهل عليه أن يتكلم في غيره.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]