شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [114]
الحلقة (145)
شرح سنن أبي داود [114]
في هذه المادة بيان لأدعية النبي صلى الله عليه وسلم وأذكاره في صلاته: في ركوعه وسجوده، وبيان لكيفية السجود، وما هي الأعضاء التي يُسجد عليها، وبيان أن من أدرك الإمام ساجداً فإنه يسجد معه ولا ينتظره حتى يقوم إلى الركعة الأخرى؛ حتى يدرك أجر ذلك السجود.
الدعاء في الصلاة
شرح حديث: (أن رسول الله كان يدعو في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الدعاء في الصلاة. حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا شعيب عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته: اللهم! إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم! إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ الدعاء في الصلاة ]، فلما ذكر الدعاء في الركوع والسجود جاء بهذا الدعاء المطلق في الصلاة. وأورد حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته: اللهم! أني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) فهذه الأربع التي يستعاذ بالله عز وجل منها، فاثنتان منها خاصتان واثنتان عامتان، ففتنة المحيا من جملتها فتنة المسيح الدجال ، فاستعاذ من فتنة المسيح الدجال ؛ لأنها فتنة من أعظم الفتن التي تكون في حق من أدركه، وأما فتنة المحيا فإنها تكون لمن أدركه ومن لم يدركه، وكذلك الاستعاذة من عذاب القبر فهي أمر خاص، وهو ما يحصل في القبر من عذاب، وفتنة الممات أعم من عذاب القبر؛ لأنها تشمل عذاب القبر وغير عذاب القبر، فكل ما يكون بعد الموت وقبل البعث والنشور فهو من فتنة الممات، فذكر أمرين خاصين وأمرين عامين يستعاذ منها، والخاص هنا داخل في العام ففتنة المسيح الدجال داخلة في فتنة الحياة، وفتنة عذاب القبر داخلة في فتنة الممات. قوله: [ (وأعوذ بك من المأثم والمغرم) ] المأثم: هو الإثم وكل ما يسببه وما يترتب عليه، والمغرم: هو الدين والغرم وما يتحمله الإنسان ويكون لازماً ومطالَباً به. ثم قالت عائشة رضي الله عنهما: (ما أكثر ما تتعوذ من المغرم! فبين عليه الصلاة والسلام أسباب الاهتمام به وخطورته فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب) أي: عندما يأتيه الدائنون ليطالبونه فإنه يضطر لأن يكذب عليهم، فيحصل منه الكذب. قوله: [ (ووعد فأخلف) ] أي أنه يقول: سأعطيك مالك في الوقت الفلاني، ثم يجئ الوقت المحدد ولم يعطه إياه، فيترتب على ذلك أنه إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف ولم يفِ بوعده، فكل هذا مما يترتب على الدين. والدين شأنه عظيم وخطير، ولهذا جاء في الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان خطورته، وجاء أن الشهيد يغفر له كل شيء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إلا الدين، سارّني به جبريل آنفاً)، فهذه حقوق الناس فلا بد من أدائها.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يدعو في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر...)
قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي أيضاً وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المدني ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وقد مر ذكرها. وهذا الحديث إسناده سداسي: ثلاثة حمصيون، وثلاثة مدنيون، وهم: عمرو بن عثمان و بقية بن الوليد و شعيب بن أبي حمزة، فهؤلاء حمصيون وهم في نصفه الأسفل، ونصفه الأعلى: الزهري و عروة و عائشة، وهم مدنيون.
شرح حديث: (صليت إلى جنب رسول الله في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار) ]. أورد أبو داود حديث أبي ليلى رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صليت إلى جنب رسول الله عليه وسلم في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار)، فهذا الدعاء في الصلاة، والتعوذ بالله من النار جاءت فيه أحاديث كثيرة. وقوله: [ (ويل لأهل النار) ] لا أعلم مجيئه من طريق أخرى، وهذا الإسناد فيه رجل ضعيف وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو أيضاً لا يروي عن أبيه إلا بواسطة ثابت.
تراجم رجال إسناد حديث: (صليت إلى جنب رسول الله في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. و عبد الله بن داود الخريبي هذا هو الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) أنه قال: إن أشد آية على أصحاب جهم هي قول الله عز وجل: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، قال: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله. [ عن ابن أبي ليلى ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيء الحفظ جداً، أخرج له أصحاب السنن. والحديث الذي لا يأتي إلا من طريقه يضعفه أهل العلم به. [ عن ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى، هو والد محمد الذي روى عن ثابت في هذا الإسناد، و عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو أبو ليلى، وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن.
شرح حديث: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله عز وجل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة وقام معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله) يعني: تحجرت رحمة الله حيث جعلتها خاصة بي وبك مع أنها وسعت كل شيء، فكيف تطلب أن تكون لي ولك وألا يشرك معنا أحداً في ذلك! فهذا من الاعتداء في الدعاء، وهذا مما لا يجوز في الدعاء، فإذا قال الإنسان: اللهم ارحمني وارحم فلاناً! فهذا مستقيم، لكن أن يقول: ولا ترحم معنا أحداً، فهذا هو الذي لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]. وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا حصل منه شيء من الدعاء الذي لا يجوز أن صلاته لا تبطل بذلك، ولا يكون ذلك مؤثراً في صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعيد صلاته، ويشبه هذا الذي قاله الأعرابي ما جاء في كتاب (دلائل الخيرات) في بعض الأدعية، حيث يقول صاحب (دلائل الخيرات): اللهم! ارحم محمداً حتى لا يبقى من الرحمة شيء، اللهم! صلِّ على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء، اللهم! بارك على محمد حتى لا يبقى من البركة شيء، اللهم! سلم على محمد حتى لا يبقى من السلام شيء. فهذا كلام باطل، وهو يشبه كلام الأعرابي هذا الذي أنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأدعية المنكرة التي اشتمل عليها كتاب (دلائل الخيرات) الذي افتتن به كثير من الناس في كثير من البلاد، بل إنهم يحفظون ما فيه ولا يحفظون الأدعية التي في صحيحي البخاري ومسلم ، وهي كلام الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهم يحفظون ويعتنون بشيء فيه غلو وجفاء ويتركون كلاماً في غاية الصفاء والحسن والجمال والكمال، كيف لا وهو كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. ابن شهاب مر ذكره، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد الفقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثة أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي وقد مر ذكره. وهذا الإسناد ثلاثة منه مصريون في نصفه الأسفل، وثلاثة منه مدنيون في نصفه الأعلى.
شرح حديث: (أن النبي كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى). وسبب إيراده في باب: الدعاء في الصلاة، أنه يذكره ويأتي به في الصلاة، وهو عام يسن في الصلاة وغير الصلاة، لكن إذا كان في النافلة فقد جاء ما يدل على مثله، وذلك من جهة أنه إذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ. إذاً: فهذا الدعاء يكون في الصلاة وغير الصلاة؛ لأنه مطلق.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى
قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خثيمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني أبو إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم البطين ]. هو مسلم بن عمران البطين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث ابن عباس موقوفاً في قول سبحان ربي الأعلى بعد قراءة (سبح اسم ربك العظيم) وترجمة رجال الإسناد
[ قال أبو داود : خولف وكيع في هذا الحديث، فرواه أبو وكيع و شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً ]. أي: رواه شعبة ووالد وكيع عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً، وليس فيه ذكر مسلم بن عمران البطين ، ففيه إذاً الوقف، وفيه عدم وجود الواسطة بين أبي إسحاق وبين سعيد بن جبير ، لكن الإسناد الأول صحيح. [ أبو وكيع ]. هو الجراح بن مليح، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال سبحانك فبلى...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة أنه قال: (كان رجل يصلي فوق بيته، وكان إذا قرأ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى، فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلي على ظهر بيته، وكان إذا قرأ في سورة القيامة: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى، فقيل له في ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدلنا على أن مثل هذا الكلام إذا قيل عند هذه الآية في صلاة نافلة، أو عند قراءة القرآن فلا يضر، فقد جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال سبحانك فبلى...)
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب بغندر البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة ]. موسى بن أبي عائشة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ (كان رجل يصلي فوق بيته) ]. هو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا الذي جاء في الحديث، فلما سئل عنه قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
استحباب الإمام أحمد الدعاء في الفريضة بما ورد في القرآن
[ قال أبو داود : قال أحمد : يعجبني في الفريضة أن يدعو بما في القرآن ]. يعني: يدعو بما يناسب القرآن من الأدعية التي جاءت في القرآن، مثل قوله عز وجل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، وقوله: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، وقوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] وغير ذلك من الأدعية التي جاءت في القرآن.
مقدار الركوع والسجود
شرح حديث: (رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: مقدار الركوع والسجود. حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا سعيد الجريري عن السعدي عن أبيه أو عن عمه أنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ مقدار الركوع والسجود ]، والمقصود هنا بالترجمة القدْر، بحيث لا يقصر عن الحد الأدنى، وإذا كان الإنسان يصلي بالناس فلا يطول إطالة تشق عليهم، وإذا كان وحده فليطول ما شاء، فقد جاء في الحديث: (إذا صلى بالناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء). وقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أحوال في صلاته: فأحياناً يطيل القراءة، وأحياناً يقصرها، وكذلك في الركوع والسجود، فالأمر كما قال مالك بن أنس : إنه جمع بين الإيجاز والتمام. وأورد أبو داود رحمه الله حديث والد السعدي أو عمه أنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته)، أي: نظرت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. قوله: [ (فكان يتمكن في ركوعه وسجوده) ]، أي: أنه يطمئن ويستقر في الركوع والسجود. قوله: [ (قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً) ]، أي: أنه يكون مستقراً ومطمئناً في الركوع والسجود مقدار ما يقول هذه الكلمات ثلاث مرات.
تراجم رجال إسناد حديث: (رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده ثلاثاً)
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله ]. مسدد مر ذكره و خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن السعدي ]. السعدي لم يسمَّ ولا يعرف، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه أو عن عمه ]. أبوه أو عمه لم يُذكر من خرج له.
شرح حديث: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن مروان الأهوازي حدثنا أبو عامر و أبو داود عن ابن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد الهذلي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع أحدكم فليقل: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) والمقصود بأدناه: أدنى الكمال، وليس المقصود أنه لا يقول أقل من ذلك؛ فإن الحد الأدنى أن يقول الإنسان: سبحان ربي العظيم في الركوع مرة واحدة، وسبحان ربي الأعلى في السجود مرة واحدة، فهذا هو الذي على الإنسان أن يأتي به، وما زاد على ذلك فهو مستحب، وهذا هو أدنى أدنى الكمال، ولهذا يقول بعض الفقهاء: وأدنى الكمال ثلاث، يعني: أن الواجب واحدة.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه...)
قوله: [ حدثنا عبد الملك بن مروان الأهوازي ]. إما أن يكون عبد الملك بن مروان الأهوازي أبو بشر الرقي وهو مقبول، ولم يرو له أحد من أصحاب الأمهات الست، وقد رمز له الحافظ بالتمييز، وإما أن يكون عبد الملك بن مروان بن قارظ البصري الأهوازي وهو ثقة، أخرج له أبو داود وحده. وقال في التقريب: تمييز، مع أنه ليس للتمييز، بل هو من رواة أبي داود . [ حدثنا أبو عامر ]. هو أبو عامر العقدي، واسمه عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن يزيد الهذلي ]. إسحاق بن يزيد الهذلي مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عون بن عبد الله ]. عون بن عبد الله ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و عون بن عبد الله هذا لم يدرك عبد الله بن مسعود ، فالإسناد منقطع، وفيه أيضاً هذا المجهول الذي يروي عن عون وهو إسحاق بن يزيد . [ قال أبو داود : هذا مرسل؛ عون لم يدرك عبد الله ]. وهذا مرسل بالاصطلاح العام وليس بالاصطلاح الخاص عند المحدثين؛ لأن المرسل في الاصطلاح الخاص عند المحدثين هو ما أضافه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يطلقون المرسل على المنقطع فيقولون: فلان أرسل عن فلان، أي: أنه روى عنه مرسلاً ولم يرو عنه مباشرة؛ لأنه لم يدركه، أو بينه وبينه واسطة فأرسل عنه، وكلمة مرسل هنا يراد بها الاصطلاح الآخر وهو الانقطاع.
يتبع