شرح العوامل المائة للشيخ خالد الأزهري
محمد أبو زيد
5 – و– "في" للظرفية.
الخامس: من سبعة عشر حرفا "في" للظرفية.
1- لحلول الشيء في غيره، فيكون ما قبل "في" مغاير لما بعده نحو:
* السيف في الغمد.
* فالسيف: مظروف، والغمد: ظرف، وهما متغايران.
* والظرف: الوعاء – وتركيبه يدل على أنه يجب أن يكون الظرف حاويا للمظروف على وجه يمنعه عن التفرق.
* وتلك الظرفية:
- إما حقيقة: كقولك: المال في الكيس.
- أو مجازية: نحو: النجاة في الصدق، وكذا: نظرت في الكتاب؛ لأن الكتاب والنظر لما كان أحدهما مشتملا على الآخر كاشتمال الظرف على المظروف سمي أحدهما ظرفا، والآخر مظروفا.
- وقد اجتمعت الظرفية المكانية والزمانية في قوله تعالى: {الم * غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين}.
- فقوله تعالى: {في أدنى الأرض} ظرفية مكانية.
وقوله تعالى: {في بضع سنين} ظرفية زمانية أي مدة سنين.
- وأما نحو: "أدخلت الخاتم في إصبعي" فهو من المكانية لكنه محمول على المجاز.
- ومن الزمانية: نحو: سرت في سنة كذا.
2 – والثاني: تجيء "في" معنى "على" قليلا.
نحو: قوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي: على جذوع النخل.
والذي غير بين موقعي "في" – و– "على" للاحتواء والاستعلاء. فالاستعلاء موقع "على". والاحتواء موقع "في"، ومكانه صالحا لهما فهو موقعهما، نحو: جلس في الأرض وعليها.
وعلى قول ما قال: إن المراد بالظرف ما كان المظروف ممكنا فيه فكان "في" في الآية بمعناه لا بمعنى "على" كما اختاره صاحب الكشاف؛ لأن المصلوب في الجذوع متمكن فيه تمكن المظروف في الظرف.
3 – والثالث: تجيء "في" "للمصاحبة".
نحو: {فخرج على قومه في زينته}. أي: مع زينته.
4 – والرابع: تجيء "في" للتعليل:
* كما في الحديث: ((إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها)): أي لأجل هرة حبستها.
5 – والخامس: تجيء "في" مرادفة "إلى".
نحو: {فردوا أيديهم في أفواههم}.
أي: إلى أفواههم.
6 – و– "اللام"
أي السادس من سبعة عشر حرفا "اللام".
1 – (أ) إما للاختصاص الملكي: نحو: الدار لزيد.
(ب) وإما الاختصاص الاستحقاقي: نحو: الجل للفرس.
- وقد اجتمع الاختصاص الملكي والاستحقاقي في نحو "الحمد لله".
- وأما اللام في نحو: {العزة لله} فللاختصاص الاستحقاقي.
- {الملك لله}، فالظاهر أن اللام فيه للاختصاص الملكي.
فإن قيل: هل يكون مالك الشيء مستحقا له أو لا؟.
قيل: مالك الشيء قد يكون مستحقا إذا كان المالك أهلا للشيء، فيكون مستحقا، كالنساخ المالك للعبد.
- أما إذا كان المالك غير أهل، كالكناس المالك للعبد فإنه مالك له وليس مستحقا.
(جـ) وإما بمجرد الاختصاص مع قطع النظر إلى كون ذلك الاختصاص ملكيا، أو استحقاقيا نحو: "الحلاوة للعسل".
2 – والثاني تجيء اللام للقصد:
نحو: حضرته للانتفاع به أي لقصد الانتفاع به لأنه علة غائية.
والثالث تجيء اللام للعاقبة:
وتسمى هذا اللام لام الصيرورة والمآل، كما جاء في الحديث: ((لدوا للموت وابنوا للخراب)) أي: عاقبة الولادة الموت، وعاقبة البناء الخراب.
4 – والرابع: تجيء اللام بمعنى "على":
نحو: {يخرون للأذقان} أي يخرون على الأذقان.
5 – والخامس: تجيء بمعنى "في":
نحو قوله تعالى: {قدمت لحياتي}.. أي: في حياتي.
6 – والسادس: تجيء بمعنى "عند":
في قراءة البعض في قوله تعالى {بل كذبوا بالحق لما جاءهم}.
بكسر اللام وتخفيف الميم فيكون المعنى: بل كذبوا بالحق عندما جاءهم.
7 – والسابع تجيء بمعنى بعد:
نحو: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، أي بعد دلوك الشمس، وفي الحديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) أي صوموا بعد رؤية الهلال وأفطروا بعد رؤيته.
8 – والثامن: تجيء بمعنى "من":
نحو: سمعت له صراخا، أي سمعت منه صراخا.
9- والتاسع: تجيء بمعنى "إلى":
نحو: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} أي إلى هذا.
10 – والعاشر: تجيء بمعنى "واو القسم، للتعجب":
نحو: "لله لا يؤخر الأجل".
فاللام: بمعنى واو القسم للتعجب جار.
ولفظ "الله": مقسم به – مجرور – والجار والمجرور متعلق بأقسم المحذوف.
ولا: حرف للنفي.
ويؤخر: فعل مضارع مجهول منفي بلا.
والأجل: مفعول ما لم يسم فاعله.
11 – والحادي عشر: تجيء "للتعجب" المجرد عن القسم:
نحو: دره فارسا.
12 – والثاني عشر: تجيء زائدة.
نحو: {ردف لكم} أي "ردفكم".
13 – والثالث عشر: تجيء بمعنى "عن" مع القول:
نحو: قوله تعالى: {قال الذين كفروا للذين آمنوا}: أي عن الذين آمنوا.
14 – والرابع عشر: تجيء للتمليك:
نحو: وهبت لزيد دينارا، أي جعلت الدينار ملكا له.
15- والخامس عشر تجيء للتبيين:
* وهي إما مبينة للفاعلية نحو: تبا لزيد – وويحا له – فإنهما في معنى: خسر زيد وهلك، فإن رفعتهما بالابتداء حيث تقول: تب لزيد، وويح له – فللام ومجرورها خبر، ومحلها الرفع ولا تبيين لعدم تمام الكلام.
* وإما مبينة للمفعولية: نحو: سقيا لزيد وجدعا له.
7 – و"رب" للتقليل
أي السابع من سبعة عشر حرفا: "رب" للتقليل اعلم أن في "رب" عشر لغات.
ضم الراء وفتحها مع فتح الباء المشددة – والمخففة – أربعتها:
- مع تاء التأنيث أو بدونها.
- وضم الراء مع سكون الباء – أو ضمها مخففة.
رُبَّ رَبَّ - رُبَ رَبَ
رُبَّه رَبَّه – رُبَتْ رَبَتْ.
رُبْ رَبْ.
يعني: رب تجيء لإنشاء تعليل نوع من جنس مختصة بنكرة موصوفة لتحقيق التقليل الذي هو مدلول رب لأنه إذا وصف الشيء صار أخص وأقل مما لم يوصف ومحل مجرورها في نحو: رب رجل صالح عندي، رفع على الابتداء.
وفي نحو: رب رجل صالح لقيت: نصب على المفعولية.
وفي نحو: رب رجل صالح لقيته: رفع أو نصب.
قال البعض: رب: اسم نحو: كم، فإذا قلت: رب رجل جاء: كان مبتدأ.
وإذا قلت: رب رجل لقيته: كان مرفوعا على أنه مبتدأ، أو منصوبا على أنه مفعول.
- وبعضهم لا يوجبون كون تلك النكرة موصوفة. ويقولون: إن عاملها نائب عن الصفة.
شعر:
ألا رب مولود وليس له أب = وذي ولد لم يلده أبوان
وذي شامة سوداء في حر وجهه = مجللة لا تنجلي لزمان
ويكمل في تسع وخمس شبابه = ويهرم في سبع مضت وثمان
والأصح أن تلك النكرة موصوفة.
إما بالمفرد: نحو: "رب رجل كريم".
أو بالجملة نحو: رب رجل أبو كريم.
وفعلها يجب أن يكون ماضيا لفظا نحو: "رب رجل كريم لقيت" أو معنى: نحو: "رب رجل كريم لم أفارقه".
- فإن قيل: يرد عليه قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا} إذ فعله ليس بماض لا لفظا ولا معنى.
قيل: إنه كالماضي لأن أخبار الله تعالى في المستقبل تجري في التحقيق مجرى الماضي.
"فيود" بمنزلة: ود.
ويحذف ذلك الفعل الماضي غالبا لوجود القرائن نحو: رب رجل كريم أي: لقيته.
- وقد تدخل رب على مضمر مبهم لا مرجع له مميز بنكرة منصوبة على التمييز نحو: "ربه رجلا".
- وقيل تدخل رب على مضمر مبهم عائد إلى شيء في الذهن ومن ثم التزم التمييز والضمير مفرد إن كان المميز مثنى أو مجموعا ومذكر إن كان المميز مؤنثا: نحو:
ربه رجلا.
وربه رجلين.
وربه رجالا.
أو ربه امرأة –
وربه امرأتين –
وربه نساء.
خلافا للكوفيين في مطابقة المميز الضمير في الإفراد – والتثنية _ والجمع – والتذكير – والتأنيث.
فإنهم يقولون: ربه رجلا.
ربهما رجلين.
وربهم رجالا.
وربهما امرأة.
وربهما امرأتين
وربهن نساء.
- والحاصل مما ذكر أن الضمير في نحو: ربه رجلا عند البصريين
مجهول، يؤتى به في غير قصد إلى ظاهر لفظا أو تقديرا بقصد عوده إليه، ثم يميز لإبهامه كما في قوله:
نعم رجلا زيد.
- وعند الكوفيين: هو ضمير راجع إلى مذكور، كأن قائلا قال: هل من رجل جواد؟
فقيل: ربه رجلا.
والصحيح قول البصريين لأن التمييز إنما يجاء به للإبهام ولا إبهام على مذهب الكوفيين لكون المرجع معلوما ولكونه لو صح مذهب الكوفيين لصح: رب الرجل إذ المضمر بتقدير وجود المرجع أعرف بالمعارف، فإذا جاز دخول رب على الأعرف فعلى المعرف باللام أجود.
وإذا لحقت رب "ما" الكافة دخلت على الجملتين:
- أي الاسمية: نحو: ربما زيد قائم.
- والفعلية: نحو: ربما قام زيد.
وتكون رب لتقليل النسبة الحاصلة في تلك الجملة.
فإن قيل: إذا كانت ربما لتقليل النسبة الحاصلة في تلك الجملة فكيف يصح قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا}.
قيل: إن كلمة رب استعملت في هذه الآية بعد الكف لتحقيق النسبة كما أن "قد" استعملت للتحقيق في قوله تعالى: {قد يعلم الله المعوقين} وإن كان هو القليل في المضارع.
ورب المكفوفة لا محل لها من الإعراب لكونها كحرف النفي الداخل على الجملة.
ولا تعمل "رب" مع "ما" الكافة المانعة عن العمل وتدخل بعد لحوق "ما" على الجمل نحو: {ربما يود الذين كفروا}.
- وتعمل "رب" مع "ما" الزائدة غير المانعة عن العمل فتدخل على
الاسم وتجره نحو: ربما ضربة بسيف صقيل.
أي: رب ضربة بسيف صقيل.
وكقوله تعالى: {فبما رحمة من الله} أي فبرحمة من الله.
واعلم أن رب تخالف حروف الجر بوجوه:
الأول: أنها تقع في صدر الكلام بخلاف حروف الجر لأنها لا يلزمها صدر الكلام.
والثاني: أنها لا تعمل إلا في النكرة نحو: "رب رجل" وحروف الجر تعمل في النكرة، نحو: "مررت برجل" وفي المعرفة: نحو: مررت بزيد.
والثالث: أن "رب" يلزم مجرورها الصفة نحو: "رب رجل كريم لقيت" وحروف الجر لا يلزم مجرورها الصفة.
واعلم أن "رب" قد تكون فعلا مشتقا من التربية، نحو: رب: فعل ماض مجهول، من رب – يرب – تربية.
فإذا قيل: رب زيد عمرا.
فرب: فعل ماض معلوم، وزيد: فاعل رب، وعمرا: مفعوله، وإن قيل: "رب زيد".
فرب: فعل ماض مجهول.
وزيد: مفعول ما لم يسم فاعله، كما في قول القائل:
حدثوني أن زيد قائما = رب بكر يوم عيد صائما
فحدثوني: فعل – وفاعل – والنون للوقاية – وياء المتكلم مفعول.
وأن: مصدر مضاف إلى زيد وقائما: حال من زيد.
ورب: فعل ماض مجهول، وبكر: مفعول ما لم يسم فاعله.
ويوم: مفعول فيه مضاف إلى عيد، وصائما: حال من بكر.
- وتضمر "رب" من بعد الفاء قليلا:
"فمثلك حبلى".
وبعد الواو كثيرا: "وبلدة ليس بها أنيس".
أي: ورب بلدة ليس بها أنيس.
فإن قيل: ما تقول في جر بلدة؟ أهو مجرور برب المقدرة، أم بالواو المذكورة؟
مثل لفظ "الله" مجرور بالواو المذكورة في قولهم: "والله لأفعلن كذا".
فلفظ "الله" مجرورا بالواو المذكورة.
قيل: إن بلده مجرورة برب المقدرة لا بالواو المذكورة – لأنها ليست جارة بل هذه الواو للعطف، بخلاف الواو في: "والله لأفعلن" لأنها الواو الجارة للقسم.
فإضمار "رب" بعد الواو – إنما هي الواو للعطف عند سيبويه.
فإن لم تكن هذه الواو في أول الكلام فكونها للعطف ظاهر – لأن الكلام السابق يكون معطوفا عليه.
وإن كانت هذه الواو في أول الكلام فيقدر له معطوف عليه كما إذا قيل ابتداء مثلا:
"وقرية ليس بها ساكن" فيقدر المعطوف عليه، ويقال: دخلت في البلاد ووجد رب قرية ليس بها ساكن.
وأما عند الكوفيين فهذه الواو حرف عطف ثم صارت قائمة مقام "رب" جارة بنفسها لصيرورتها بمعنى "رب" فلا يقدرون المعطوف عليه لأن تقديره تعسف بخلاف "واو" القسم – لأنها لم تكن في الأصل واو العطف – بل هي جارة – ولذا جاز دخول العاطف عليها.
يتبع