عرض مشاركة واحدة
  #342  
قديم 01-07-2024, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

‌‌ما يجب على أهل مكة تجاه حجاج بيت الله الحرام
أحب أن أنبه على أمر مهم جداً، وهو أنكم تعلمون أن هذه الأيام يعيش الناس فيها موسم الحج، ونظراً لما أكرمكم الله عز وجل به من جوار هذا البيت الذي شرّفه الله وكرّمه، وفضّله على سائر البقاع، وجعله مثابة للناس وأمناً، فالناس ينظرون إليكم نظرة إجلالٍ وإكبار، ومن جاور هذا البيت خليقٌ به أن يحفظ حرمته، وأن يحفظ كذلك لعماره وحجاجه حقوقهم، وأن يكون كأحسن ما يكون عليه المجاور لبيت الله الحرام، خاصة طلاب العلم، فإنهم قدوة للناس، والناس تهتدي بالأخيار، وتهتدي بالصالحين، وكم من سنن أُحْيِيَتْ، وكم من بدعٍ أُمِيْتَتْ حينما حرص الأخيار على بث الخير، والتخلق بآداب الأخيار في الأقوال والأفعال، فظهرت منهم الأقوال الحميدة، والخصال الكريمة، التي تدل على أن وراء هذه الأقوال وهذه الأفعال قلوباً تخاف الله جل جلاله، وترجو رحمته، وإن خير ما ينتظره منكم الحاج والمعتمر في بيت الله الحرام، القدوة الصالحة، وخير ما ينتظره منكم الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شك أن المسلم مطالب بأن يهتدي ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف إذا كان بهذا الحال الذي يستوجب عليه الأمر أكثر.
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، والحرص على السنة، والاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن اهتدى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الله يرحمه، ويهديه ويوفقه، ولذلك قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158]، فمن اتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه من المهتدين.
وهذا الفعل منا يستوجب أموراً: أولها وأعظمها وأكرمها عند الله: الإخلاص، فعلى الإنسان المسلم أن يعامل إخوانه وهو يريد ما عند الله عز وجل، فالحجاج والمعتمرون يحتاجون إلى المعاملة الحسنة، التي يبتغي صاحبها الأجر والمثوبة من الله، فالشخص الذي يتعامل معهم وهو يستشعر أنهم ضيوفٌ على الله، وأنهم أتوا طالبين لرحمة الله، راجين لعفوه ومنِّه وكرمه.
فخليقٌ بالمسلم أن يعامل الله سبحانه وتعالى حتى يعظم أجره في ذلك، ولا يزال الرجل بخير إذا أخلص العمل لله، وأراد ما عند الله سبحانه وتعالى، وكم من عملٍ قليل عظَّمْته النية، وبارك الله فيه بإخلاص صاحبه، والكلمة التي تخرج من القلب المخلص تقع في القلوب، وتؤتي ثمارها، ويعظم أجرها، ويرضى عنها ربها.
فالكلمة التي تخرج لله وفي الله هي التي تكون في ميزان العبد، {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:9 - 11].
الأمر الثاني: الحرص على الخلق الحسن: (فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وسلموا من زلات جوارحه وأركانه، ولذلك ينبغي للمسلم دائماً أن يراقب تصرفاته وأفعاله، والله إنهم ينظرون إليكم نظرة قد لا يشعر الإنسان بقدرها، ولكنه لو تتبع مشاعر الحجاج والعمار، لوجدهم يراقبونه في كل تصرفاته، فكم من أمور يراها الحجاج ويراها المعتمرون تثبت من الخير والطاعة والبر، حببت إلى قلوبهم حينما رأوها من جيران بيت الله الحرام، وهذا شيء نعرفه من كلام الناس، ومن كثرة ما تناقلوه، فهم إذا قدموا على الحرمين ورأوا الخير من أهل الحرمين أحبوا الخير واقتدوا بهم، واهتدوا بهم، والعكس بالعكس، والأخلاق هي شيمة المسلم، إذا أراد الله أن يثقل ميزان العبد رزقه الخلق الحسن، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من تقوى الله وحسن الخلق).
ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: (تقوى الله وحسن الخلق).
وثبت في الحديث الصحيح أنه قال: (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، فالعبد إذا حسنت أخلاقه، وطابت شمائله، وكان أليفاً موطأ الكنف، فإن الله عز وجل يثقل موازين حسناته بذلك، ومن هنا قال صلى الله عليه وآله وسلم مبيّنا فضل هذه الخصلة الكريمة، والخلة الجليلة العظيمة: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون)، هؤلاء إخوانكم في الله، وإخوانكم في الإسلام، وإذا لم يتراحم المسلمون فيما بينهم، ولم يحصل بينهم الألفة والمحبة والمودة والأخوة الإسلامية، والأخوة الإيمانية، فأين تظهر؟! وإذا لم يكن جيران بيت الله الحرام يفعلون ذلك فمن الذي يفعله؟! هم ينتظرون منكم أن تفتحوا لهم صدوركم وقلوبكم بالمحبة والمودة، لا تنظروا إلى الناس بألوانهم، ولا تنظروا إلى الناس بغناهم وثرائهم، ولا تنظروا إلى الناس بمناصبهم ولا بجنسياتهم، ولكن انظروا إلى أخوة الإسلام التي بينكم وبينهم، وتنظر إلى كبيرهم كوالدٍ لك، وتحبهم وتجلهم لله وفي الله، والابتسامة التي تبتسم بها في وجه أخيك المسلم صدقة، فكيف وهم في غربة وبعدٍ عن الأوطان، مع مشقة السفر وعنائه، فإذا جاء ولقي منك الابتسامة، وهو يراك شيئاً كبيراً، كيف تقع هذه الابتسامة في قلبه، الله أعلم كم من مهموم مغموم حينما يرى أخاه المسلم مبتسماً في وجهه، تتبدد عنه أحزانه وأشجانه، الابتسامة التي تراها يسيرة، ولكنها عند الله كبيرة، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق)، فإذا لقيهم المسلم يلقاهم بالابتسامة، ولا يبتسم من أجل الغنى واللون والحسن والنسب، لا، ولكن لله وفي الله، ومن أكمل الناس خلقاً الذي لا تفارق الابتسامة وجهه لأصغر الناس وأكبرهم، وطالب العلم الكامل هو الذي يبتسم للناس جميعاً بالإسلام، لا بأحوالهم، ولا بصفاتهم، ولا بمراتبهم، والله يعلم منه أنه يحب الكبير كما يحب الصغير، فإذا بلغ المسلم هذه المرتبة فهذه نعمة من الله، كذلك الكلمة الطيبة؛ فقد تجد منه ما يجرحك فتقابله بالكلمة الطيبة؛ لأنك تقدر مشاعره في غربته وتعبه ونصبه وعناء السفر، كذلك أيضاً ينتظرون منك الأخلاق الحميدة في تفريج الكربات وستر العورات، ولعل الله عز وجل أن يكف عن وجهك النار بصدقة تتصدق بها على ضيفه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أن امرأة دخلت على عائشة ومعها صبيتان، فاستطعمتها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة تمرة، ثم أخذت التمرة الثالثة تريد أكلها، فلما أدنتها إلى فمها استطعمتها إحدى البنتين، فأعطتها التمرة، فعجِبت عائشة من صنيعها! فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها أخبرته بخبرها، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا عائشة أتعجبين مما صنعت! إن الله حرمها على النار بتمرتها تلك).
بتمرة واحدة حجبها الله بها عن النار، فكيف إذا جئت ووجدت أحدهم ضامئاً فسقيته الماء، فأطفأت حر ضمئه، فدعا لك دعوة تسعد بها في دينك ودنياك وآخرتك، كيف إذا رأيت من كان منهم كبير السن فتجده ضائعاً هائماً على وجهه، فتساعده كأنه والدك، وكأنه إنسان قريبٌ منك بأخوة الإسلام، فتضحي لأجله فيُكبِر هذا الشيء منك، فيدعو لك دعوة تكون سبباً في سعادتك في الدنيا والآخرة، ولربما ترى منهم المديون، وترى منهم المعسر، فتفرج كربته، وتعينه على عبادته، فهذا خير كبير وباب عظيم فتحه الله لك، وما عليك إلا أن تحتسب الأجر عند الله عز وجل، ونسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم السداد والرشاد.
كذلك أيضاً مما ينبغي الحرص عليه تعليم الحجاج، فإنهم يحتاجون إلى التعليم والتوجيه، خاصة من طلاب العلم، وأهم ما ينبغي الاعتناء به: الإيمان، والتوحيد، والإخلاص؛ لأنه أساس الدين، فلابد من تعليمهم حق الله عز وجل، وأنه لا يجوز صرف حق الله لغيره كالدعاء، والاستغاثة، والاستجارة، فما الفائدة من أن يأتي يحج وهو يدعو غير الله! وما الفائدة من أن يأتي يحج وهو يستغيث بغير الله! وما الفائدة من أن يأتي ويحج وهو يذبح لغير الله! ويعتقد بغير الله، هذا أمرٌ عظيم ينبغي لطالب العلم أن ينتبه له، فالعقيدة هي أساس الدين الذي لا يمكن أن يقبل الله قول القائل، ولا عمل العامل إلا بتحقيقها، والقيام بحقوقها، وتذكيرهم بحق الله عز وجل.
كذلك أيضاً عليك أن تبين لهم صفة حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا رأيت الجاهل علّمته، وإذا رأيت المخطئ قوّمته وصوّبته، نسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم الإخلاص، وأن يتقبل منا ومنكم صالح القول والعمل، والله تعالى أعلم
‌‌الأسئلة
‌‌المبادرة بسداد الدين عن الميت وإن لم يحل أجلها


‌‌السؤال
إذا ضمن الأبناء دين أبيهم المتوفّى فهل تبرأ ذمته بمجرد ضمانهم، أم بعد سداد الدين، خصوصاً إذا كان الدين على شكل أقساطٍ شهرية تستمر لسنوات، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام الأتمان على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فالدين أمره عظيم، وخطبه جسيم، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (نفس المؤمن مرهونة بدينة) وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه أُتِي برجل من الأنصار فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: هما عليَّ يا رسول الله! -يعني: الدينارين اللذين كانا على الرجل- فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه، قال: فلما لقيني من الغد، قال: ما فعل الديناران؟ قلت: نعم، قال: الآن بردت جلدته)، فلو قال أولياء الميت: نحن نتكفّل بدين ميتنا، فإنه لا تزال نفسه مرهونة حتى يسدد الدين عنه، ولذلك يقول العلماء: من مات حلّت ديونه، حتى ولو كانت أقساطاً فإنها تحل، وتسدد مباشرة، ما دام أنه ترك سداداً يباع ذلك الشيء ويسدد حتى تبرأ ذمته، ويستريح في قبره، قال بعض العلماء: إنه يرهن، والرهين المحبوس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، أي: مرهونة ومحبوسة، فقوله عليه الصلاة والسلام: (نفس المؤمن مرهونة بدينه)، قالوا: معناه أنه لا ينعم، ويحبس عن النعيم حتى يسدد دينه، وهذا أمر عظيم جداً، فعلى المسلم أن يبادر بسداد الدين، خاصة إذا توفِّي الميت وترك أشياء يمكن سداد دينه منها، كأن تكون هناك سيولة من نقد، بل حتى ولو ترك مزارع أو بيوتاً فتباع، ويسدد دينه، وتبرأ ذمته؛ لأنه بحاجة إلى ذلك، خاصة إذا كان من الوالدين، فعلى الأولاد أن يبادروا بسداد دينهم، وكان بعض العلماء يقول: إن هذا من أعظم البر بعد وفاة الوالد والوالدة، وهو المبادرة بسداد الديون، وهذا أمرٌ عظيم، وينبغي أن يعتنى به، ونسأل الله العظيم أن يسلمنا، ويسلِّم منا، والله تعالى أعلم
‌‌التشابه بين النذر والضمان من حيث القياس

‌‌السؤال
هل من الممكن القول بأن النذر في العبادات مشابهٌ للضمان في المعاملات بجامع كون كلٍ منهما التزاماً في الذمة، بيد أن النذر لا تراجع فيه، والضمان من الممكن أن يتراجع عنه أثابكم الله؟


‌‌الجواب
النذر لا شك أنه إلزام للمكلّف ما لم يلزمه، والضمان يلتزم فيه ما لا يلزمه في الأصل، وأما مسألة النذر فيلزمه الوفاء به؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لـ عمر: (أوف بنذرك)، فالوفاء بالنذر واجب، ما دام أنه قد استوفى الشروط المعتبرة لانعقاده وصحته.
وأما بالنسبة لمسألة الضمان، فالضمان لا يستطيع أن ينفك عنه، فالتشابه بينهما قوي من حيث القياس، لكن الإشكال ليس هنا، الإشكال في جهة نوعية الحق، فإن حقوق الله مبنية على المسامحة، وحقوق المخلوقين مبنية على المقاصة، فمن ناحية جنس الحقين هناك تفاوت، ولذلك قد يُعترض بأنه قياس مع الفارق في بعض الصور، إذا كان حق الآدمي آكد، والله تعالى أعلم

‌‌عدم جواز ضمان العين المستأجرة بالمال


‌‌السؤال
هل من حق المؤجر أخذ ضمانٍ على العين المستأجرة، بحيث يتم الخصم من الضمان إذا أخل المستأجر بالعين المستأجرة أثابكم الله؟


‌‌الجواب
بالنسبة للعين المؤجرة يضمن الشخص، لكن لا يقول: أعطني مالاً أخصم منه، أو نحو ذلك، إنما يقول: أنا ضمين، أو يأتي بشخص يقول: أنا أكفل أن ترجع لك العمارة كما هي، أو أكفل لك أن فلاناً يرد لك الدكان أو البقالة كما أخذها، فحينئذٍ تكون الكفالة من الشخص، لكن أن يعطيه مالاً وسيولة فلا، وعلى هذا فإنه لا تصح الكفالة إلا على الصفة الشرعية التي ذكرناها، والله تعالى أعلم

‌‌لزوم عقد الإجارة بمجرد العقد


‌‌السؤال
هل عقد الإجارة يُلزم به الطرفان لمجرد العقد، أم بالشروع فيما وقعت عليه الإجارة أثابكم الله؟


‌‌الجواب
عقد الإجارة يعتبر لازماً في قول جماهير العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة رحمة الله عليهم، لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، وبناءً على ذلك لو قال لك شخص: أجِّرني هذه العمارة بمائة ألفٍ شهرين، قلت له: قبلت، وافترقتما عن المجلس، فإنه يلزمك أن تمكِّنه من العمارة، ويلزمه أن يدفع المائة ألف، هذا بالنسبة لمعنى قولنا: إنه لازم، فلو عقدتما العقد وخرج من عندك، ثم قال: لا أريد أن أستأجرها، يلزمه القاضي بالاستئجار، ولو خرجتما وافترقتما، فقلت: لا أريد أن أؤجرك؛ تُلزَم بإجارتها.
وهكذا لو استأجرت من شخص شقة بستة آلاف في السنة، وكتبتما العقد، أو قلت له: أجِّرني شقتك بستة آلاف هذه السنة، فقال: قبلت، وتم العقد، فلكما خيار المجلس ما دمتما في المجلس؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا).
والإجارة بيع منافع، فإن افترقتما فحينئذٍ تُلزم بدفع الستة آلاف أجرةً للشقة، ويلزمه أن يمكِّنك من الشقة لأجل أن تسكنها، فلو قال لك: لا أريد تأجيرها وقد رجعت عن كلامي، وكان رجوعه بعد الافتراق، فإنه يُلزم شرعاً بالعقد، هذا معنى قولنا: إن الإجارة عقد لازم، وهذا قول جماهير العلماء رحمهم الله ومنهم الأئمة الأربعة، ومن خالف فقال: إنها عقدٌ غير لازم فخلافه شاذ كما أشار إلى ذلك بعض العلماء، والله تعالى أعلم
‌‌الأقوال في قاعدة: النسيان لا يسقط الضمان

‌‌السؤال
القاعدة التي تقول: النسيان لا يسقط الضمان.
هل تشمل من فعل محظوراً من المحظورات ناسياً أثابكم الله؟


‌‌الجواب
هذا فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله، منهم من قال: يسقط الضمان مطلقاً، ومنهم من قال: لا يسقط الضمان مطلقاً، ومنهم من فصّل.
أما الذين قالوا: إن النسيان يُسقط الضمان، فاستدلوا بما ثبت في الصحيح قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! لم أشعر فحلقت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج)، فما سُئِل عن شيء قدِّم ولا أُخِّر مما ينسى الإنسان -كما في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في السنن- إلا قال: (افعل ولا حرج)، فلم يوجب عليهم الضمان بالترتيب؛ مع أن الأصل في فعلها أن تكون مرتبة وهي واجبة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم).
فأسقط الضمان لهذا الواجب بسبب النسيان، هذا على القول بوجوب الترتيب، كما يختاره طائفة من العلماء رحمهم الله خلافاً للشافعية والحنابلة.
القول الثاني: إن النسيان لا يسقط الضمان، فمن نسي وجب عليه أن يضمن، وأكدوا هذا بأن النسيان والخطأ جاريان من باب واحد، ولذلك لو قتل خطأً لأُلزم بالضمان، وهكذا لو نسي فحصل منه حلق للشعر، أو تقليم للأظفار، فإنه يُلزم بالضمان.
القول الثالث: التفصيل، فبعض العلماء يفصِّل بين ما يمكن تداركه وما لا يمكن تداركه، فالذي يمكن تداركه مثل الطيب وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فهذه الأشياء إذا نسيها ولبس عمامة على رأسه وهو محرم، أو نسي ولبس ثوباً وهو محرم، فإنه إذا تذكّر ونزعها أمكنه التدارك، قالوا: في هذه الحالة لا شيء عليه، واحتجوا بحديث صفوان بن يعلى بن أمية -الثابت في الصحيح- عن أبيه: (أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالجعرّانة وعليه جبّة عليها أثر الطيب، فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: انزع عنك جبتك واغسل أثر الطيب الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلاً في حجك)، فهذا الرجل أحرم بالعمرة وأخطأ عندما تطيب ولبس الجبة، ومع ذلك لم يُلزم بالضمان.
قالوا: هذا محظور يمكن تداركه، فقال له: (انزع عنك جبتك)، فلما نزعها مباشرة أمكنه التدارك، أما لو كان من جنس ما لا يمكن تداركه، كتقليم الأظفار، فلا يمكنه أن يعيد الظفر مرة ثانية، وهكذا بالنسبة لحلق الشعر، لا يمكن أن يرده، فإنه يُلزم بالضمان، وهذا القول يختاره جمعٌ من العلماء رحمهم الله، وهو الأشبه والأقوى، والله تعالى أعلم
‌‌استقبال الحجر الأسود مع التقبيل وإن تعذر أشار

‌‌السؤال
هل يلزم المحرم أن يستقبل الحجر الأسود بكله عند كل شوط، أم في بداية الشوط الأول أثابكم الله؟


‌‌الجواب
الثابت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وغيره، أنه ابتدأ طوافه فاستلم الحجر، ومن هنا وقع منه عليه الصلاة والسلام استقبالٌ للحجر عند ابتدائه، فاستلم الحجر وقبّله، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام عند تعذُّر الاستلام الإشارة، ومن هنا قالوا: يكون استقباله بالتقبيل، أي: يستقبل الحجر ويقبِّل ويكون في حكم المقبِّل، وإذا تعذّّر عليه أن يقبل، فإنه يكتفي بالإشارة، والله تعالى أعلم
‌‌صحة حج من عليه دين مقسط مع الاستئذان من الدائن وعدمه

‌‌السؤال
إنسان عليه دينٌ مقسّط، فهو يسدد كل قسط في موعده، فهل يصح منه الحج تطوعاً أو فرضاً أثابكم الله؟


‌‌الجواب
إذا كان عليه دين، واستأذن من صاحب الدين فلا بأس، إلا أن بعض العلماء رحمهم الله يقولون: الديون المقسطة إن دفع آخر قسطٍ منها وكان عنده سداد بحيث لا يفرِّط، أو لا يعرِّض صاحب الدين لضياع ماله، فإنه يصح منه أن يحج ولو لم يستأذن، وهذا القول له قوة، إلا أن الأول أحوط، والله تعالى أعلم
‌‌حكم الاستئجار للحج

‌‌السؤال
من حج عن غيره، فهل له أن يأخذ ما زاد من المال الذي حج به أثابكم الله؟


‌‌الجواب
هذه داخلة في مسألة الإجارة على الحج، وهي تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: يسمونها: إجارة البلاغ، وإجارة البلاغ أن تتكفل بدفع النفقة ذهاباً وإياباً، وتدفع ثمن الهدي ونحو ذلك مما يكون من مصاريف الإنسان في العرف، فإذا قال الشخص: أنا أحج عن ميِّتك فلان، وأنت تتحمّل مصاريف الزاد، ومصاريف الراحلة والركوب، صحّ هذا النوع من الإجارة، لقول جمهور العلماء رحمهم الله، ولا بأس به.
في هذه الحالة، يقوم هذا الشخص بفعل الحج، ويستأجر ويركب ويأكل، وينتفع في حدود المعروف، فإن بذخ وتجاوز وزاد على المعروف فإنه يتحمل مسئولية ذلك الشيء الزائد، مثال ذلك: لو أمكنه أن يركب بخمسمائة ركوب مثله، فركب بسبعمائة، فالواجب عليك دفع خمسمائة، فأنت تتكفل بنفقة الركوب ونفقة الطعام والشراب، وما يحتاج إليه مثله فقط.
هذا بالنسبة لمسألة إجارة البلاغ، إلا أن هذا النوع من الإجارة له أحكام خاصة، فيما لو فسد الحج، أو طرأت أمور في داخل الحج توجب فساده أو توفِّي إلى غير ذلك من الأمور التي قد تطرأ، وقد بحث العلماء رحمهم الله جميع هذه المسائل.
الحالة الثانية: ما يسمى: بإجارة المقاطعة، وإجارة المقاطعة أشبه بالبيع والشراء كأن يقول لك: أنا أحج عنه بخمسة آلاف، إن زادت فلي ما زاد، وإن نقصت فعلي تكميل ما نقص، وهذا النوع ضعيف، والأشبه عدم جوازه، والصحيح عند العلماء النوع الأول، وهو أن تكون الإجارة على الكلفة.
ففي النوع الأول، إذا أعطيته ثلاثة آلاف وذهب وحجّ، وزاد في تكلفة حجه خمسمائة ريال، وكان ذلك بالمعروف، فإنك تُلزَم بدفع الخمسمائة، وتكمِّل له ما نقص، ولو أخذ منك ثلاثة آلاف، فاستكفى بألفين وخمسمائة، لزمه أن يرد الخمسمائة، وإن سامحته وقلت له: خذها، فهذا أمرٌ لا بأس به؛ لأنه مالٌ بطيبة نفسٍ ورضا، والله تعالى أعلم
‌‌جواز الفدية بأنثى الماعز بدلاً عن الشاة

‌‌السؤال
هل تصح الفدية بأنثى الماعز بدلاً عن الشاة أثابكم الله؟


‌‌الجواب
بالنسبة للشاة فيجزئ فيها الذكر والأنثى من الشياه والماعز، إلا أنها في جزاء قتل الصيد فيها تفصيل عند العلماء رحمهم الله، فإن كان الذي قتله من الصيد ذكراً، وجب أن يكون مثله ذكراً، فمثلاً لو قتل ذكر نعامة أو بقر الوحش للزِم ضمانه بالذكر، وهو الثور، وإن قتل الأنثى لزِم الضمان بالأنثى، إلا أن هناك خلافاً إذا كانت الأنثى حاملاً، وكان قتله لحامل، فهل يضمن بقتل الحامل؟ قالوا: إذا كان المقتول حاملاً، فإننا إذا أوجبنا عليه بقرة حاملة، وقلنا له: إنه يذبحها لأن الله يقول: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]، هذا الجزاء المثلي يُذبح بمكة ويُتصدق به على فقراء الحرم، فهل إذا قلنا: تكون من الأنثى الحامل، فهل ينحرها إذا كانت بدنة حاملاً، أو بقرةً حاملاً، أم أن الحكم فيه تفصيل؟ من العلماء من قال: إن كانت حملاً وأراد الذبح، فإنه لا يذبحها حاملاً، وأما إذا كان يريدها قيمة تكون عليه مقدَّرة حاملاً، ويدفع قيمتها كما سبقت الإشارة إليه في كتاب المناسك، والله تعالى أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]