عرض مشاركة واحدة
  #359  
قديم 01-07-2024, 10:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,485
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (334)

صـــــ(1) إلى صــ(15)



شرح زاد المستقنع -‌‌ باب الحجر [4]
تكفلت الشريعة بحفظ مصالح الإنسان، وفي حال قصوره وعجزه عن حفظ مصالحه شرعت ما يحفظها له، ومن هذا الباب: الحجر على الصغير والسفيه والمجنون، حيث يحجر عليه حفاظاً لمصلحته حتى لا يضيع ماله، وفي نفس الوقت حفظت مصلحة من يتعامل مع هذه الأصناف على تفصيل في ذلك
‌‌بيان من يحجر عليه لمصلحة نفسه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويحجر على السفيه والصغير والمجنون لحظهم].
هذا النوع الثاني من الحجر، فبعد أن فرغ -رحمه الله- من الحجر على الشخص لمصلحة غيره وهو المفلس الذي يحجر عليه لمصلحة الغرماء، شرع في الحجر على الشخص لمصلحة نفسه.
وبالنسبة للنوع الأول فإنه تختلف تسمية العلماء له، فبعضهم يقول: باب التفليس، ويذكر أحكام المفلس، وبعضهم يجعله في باب الحجر، ويقدم هذا النوع وهو الحجر لحظ نفسه على الحجر لحظ غيره، والمصنف -رحمه الله- درج على تقسيم المفلس وإدراجه تحت باب الحجر، والحجر على المفلس -كما ذكرنا- لحظ الغير.
وهناك أنواع من الحجر لحظ الغير غير الحجر على المفلس، فيدخل فيها الحجر على صاحب الرهن في الرهن، وقد تقدم في باب الرهن، ويدخل فيها الحجر على المريض مرض الموت أن يتبرع بأكثر من الثلث، وهذا سيذكره المصنف -رحمه الله- في باب عطية المريض.
فالمريض مرض الموت لا يجوز له أن يتبرع بما زاد عن الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم) وقال لـ سعد: (الثلث والثلث كثير) حتى كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (لو أن الناس غضوا عن الثلث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير)) فهذا لحظ الغير.
ولذلك قال بعض المالكية في نظم هذا النوع: وزوجة في غير ثلث تعترض كذا مريض مات في ذاك المرض أما بالنسبة للحجر على الشخص في مصلحة نفسه فيشمل الأنواع التالية: النوع الأول: السفيه.
والنوع الثاني: المجنون.
والنوع الثالث: الصغير.
فهؤلاء ثلاثة أصناف يحجر عليهم لمصلحة أنفسهم.
والسبب في هذا: أن المقصود أن يمنعوا من التصرف في أموالهم حتى لا يتلفوها؛ لأنه ليست عندهم الأهلية للنظر في مصالح أنفسهم، فلو مكنوا من البيع والشراء خدعهم الناس وضاعت عليهم أموالهم وحصلت المفاسد كما قدمنا في المفلس
‌‌الحجر على السفيه
قوله رحمه الله: (ويحجر على السفيه) أصل السفه: الخفة، والسفساف: الخفيف من الأشياء التي تسفه الريح، وقالوا: سمي السفيه سفيهاً لخفة عقله؛ لأن العاقل كامل العقل يحسن التصرف في أموره.
والسفيه يكون خفيف العقل بالتصرف في ماله من جهة الأخذ ومن جهة الإعطاء، ويحكم بكون الإنسان سفيهاً من جهتين: إما من جهة المال نفسه إذا باع واشترى، وإما من جهة الاستمتاع بالمال، فهناك جانبان يحكم بهما على كون الإنسان سفيهاً.
وقالوا: يكون سفيهاً إذا باع بأقل من الثمن الذي يباع به الشيء، أو إذا اشترى بأكثر من الثمن الذي يباع به الشيء.
وهذا النوع من السفهاء يعرفه العلماء بقولهم: هو الذي لا يحسن الأخذ لنفسه ولا الإعطاء لغيره.
لا يحسن الأخذ لنفسه: أن يشتري بأكثر مما تستحقه السلعة، ولا يحسن الإعطاء لغيره: أن يبيع بأقل مما تستحق السلعة.
مثال ذلك: أن تكون عنده سيارة قيمتها عشرة آلاف ويعلم أن قيمتها عشرة آلاف، فإذا جاء يبيعها جاءه رجل وقال له: بعنيها بتسعة آلاف أو بثمانية آلاف، فيبيعها وهو غير مضطر، لكن لو كان عنده ضرورة أو مقصد كأن يأتيه شخص يرى عليه آثار الضعف أو المسكنة فينوي الصدقة عليه فيقول: أبيعها بثمانية آلاف، والله يعلم في قرارة قلبه أنه لا يرضى إلا بالتسعة أو تسعة آلاف وخمسمائة وهي التي يمكن أن تباع بها السيارة، وإنما قصد التصدق بما بين القيمتين، فإن الله يأجره، وهذا ليس بسفه، هذا رشد الدين وهو الذي تكون فيه الدنيا تبعاً وليست بمقصد، فإذا كان مثل هذا فإنه مأجور.
وكذا لو أنه جاء يشتري شيئاً فقال له البائع: الشيء بعشرة، ويرى عليه آثار الضعف أو يراه محتاجاً أو عاملاً عند الغير فيعطيه عشرة، ويزيده ريالاً أو ريالين من باب الإحسان والإكرام والرفق به، فهذا ليس بسفه؛ لأنه عامل بالدنيا وانفكت الجهة في الآخرة، فالريالان اللذان دفعهما لم يكن مقصوده منهما المعاوضة وإنما قصد منهما الآخرة، فهذا لا يدخل في السفه، إذ السفه شرطه ألا تكون هناك أسباب تقتضي الزيادة أو النقص، فإن وجدت الأسباب فلا، مثلاً: ابن عمي لو جاء يشتري مني سلعة قيمتها مائة، وبعتها بسبعين وأنا لا أقصد البيع حقيقة، وإنما قصدت أن أبيع بالسبعين والعشرون أو الخمسة والعشرون التي هي فضل القيمة قصدت بها الصدقة على ابن العم أو صلة الرحم، أو أحببت أن مالي يذهب إلى قريبي فهذا يؤجر عليه الإنسان.
فمثل هذه الأحوال لا يحكم فيها بسفه الإنسان إنما السفيه هو الشخص الذي عنده تلاعب بالأموال وتساهل فيها.
وكذلك النوع الثاني من السفه الذي يبذر لشهوة نفسه، كرجل يدمن السفر، ويكثر في هذه الأسفار من إنفاق المال في متع مباحة، أما إذا كانت محرمة فبالإجماع أنه سفيه ولا إشكال، لكن إذا كان في متع مباحة كأن يشتري الأشياء الفاضلة الزائدة عن حاجته، فيكون بإمكانه أن يشتري سيارة بخمسين ألفاً فيذهب ويشتري السيارة بمائة ألف، فالسيارة شهوة وفيها مصلحة، وصحيح أنها في بعض الأحيان تكون حاجة لكن الزيادة على الخمسين في قيمتها يعتبر سفهاً؛ لأنه تبذير للمال في الشهوة وهو يحب المظاهر، فتجده يشتري ثوباً قيمته مائة، وبإمكانه أن يشتري ثوباً يستره بخمسين، فيأخذ ضعف الشيء، فمثل هذا يعتبر سفيهاً، وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء -رحمهم الله- بقوله: والسفه التبذير للأموال في شهوة ولذة حلال فلما قال: في شهوة ولذة حلال.
دل على أنه من باب أولى إذا كانت شهوته ولذته في حرام.
وعلى كلٍ: هذا السفيه إذا ثبت سفهه؛ فإنه يحجر عليه القاضي، بعد ثبوت سفهه من خلال التعامل وشهادة شاهدين عدلين أنه اشترى سلعة قيمتها مائة ألف ومثلها يباع بخمسين.
فإذا ثبت ذلك عند القاضي بشهادة العدول أو بإقراره حكم بالحجر عليه للسفه.
والأصل في مشروعية الحجر على هؤلاء قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5]
‌‌الحجر على الصغير
قوله: (والصغير) والصغير هو الصبي، وهو الذي دون البلوغ، والصبي مأخوذ من الصبى وهو ضد الحلم والبلوغ، والأصل في الحجر عليه عموم قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] ولذلك قال طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمفسرين من التابعين وغيرهم: إنه يدخل فيهم الصغار، ولذلك أمر بالحجر على الأيتام.
واليتيم من توفي أبوه وهو دون البلوغ، فلو كان الصبي يستحق أخذ ماله لأخذه اليتيم، والله نهى عن إعطاء اليتيم ماله، وأمر باختباره عند البلوغ فقال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6] فقال: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:6] وجعل الابتلاء لما قبل البلوغ، واشترط لفك الحجر على اليتيم شرطين: الشرط الأول: أن يبلغ، فدل على أنه قبل البلوغ لا يزال تحت الحجر.
والشرط الثاني: أن يكون رشيداً بعد بلوغه، فإن بلغ غير رشيد فإنه يستمر الحجر عليه كما سيأتي.
قال المصنف: (الصغير) ولم يقل: اليتيم؛ لأن الصغير يشمل الصغير الذي أبوه موجود، واليتيم الذي فقد أباه، وهذا صحيح، ولذلك من الخطأ أن نقول: يحجر على السفيه واليتيم، ولذلك انظر إلى دقة العلماء قال: (والصغير) وبعضهم يقول: (والصبي) والصغير أفضل لأن المراد به جنس الصغير ذكراً كان أو أنثى
‌‌الحجر على المجنون
قوله: (والمجنون لحظهم).
سواءً كان جنونه متقطعاً أو مستديماً، فهؤلاء يحجر عليهم، أما المجنون المتقطع فإنه إذا أفاق وكان رشيداً رد إليه ماله، وأما إذا كان جنونه مستديماً فإنه يستمر عليه الحجر.
الخلاصة: أن المجنون واليتيم بإجماع العلماء يحجر عليهما، والخلاف في السفيه فقط، فجمهور العلماء على أن السفيه يحجر عليه، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وأهل الحديث -رحمة الله على الجميع- أن من كان بالغاً ولا يحسن التصرف في ماله فإنه يحجر عليه لقوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5].
وخالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة النعمان -عليه من الله الرحمة والرضوان- فقال: لا يحجر على من بلغ خمساً وعشرين، وقال: إن البالغ لا يحجر عليه.
واحتج بآيات الكفارة، وقال في بعض الروايات عنه: إذا بلغ إحدى وعشرين سنة فلا يحجر عليه، وفصل في اليتيم إذا بلغ سفيهاً فقال: يستمر الحجر عليه إلى خمس وعشرين.
وأما من بلغ إحدى وعشرين ثم حصل منه سفه بعد الواحد والعشرين فلا يحجر عليه، واستدل بآيات الكفارات، فقال: إن الله تعالى أوجب على من جامع أهله في نهار رمضان أن يكفر بعتق الرقبة، ففعل هذا الجماع وهو صائم في نهار رمضان سفه بل جمع بين سفه الدين والدنيا، ومع ذلك خاطبه الله بعتق الرقبة وبإطعام ستين مسكيناً، فدل على أنه يملك المال وأن من حقه أن يتصرف في المال وأنه لا يحجر عليه، وهذا ضعيف؛ فإن الآية صريحة في قوله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] وهي نص في موضع النزاع.
وأما مسائل الكفارات فإنه لا تعارض بين عام وخاص، نقول: هذا عام وهذا خاص، ويستثنى من ذلك حقوق الكفارات كما استثناها الجمهور.
المسألة الثانية في قوله: إنه إذا بلغ إحدى وعشرين صار جداً، والجد لا يحجر عليه، يقول: لأن الرجل يمكن أن يصبح جداً وعمره واحد وعشرون سنة، فلا يتأتى ولا يليق أن الرجل جد -وهو والد لولد وولد الولد- ويحجر عليه، وهذا دليل النظر والعقل، وهذا ضعيف؛ لأنه عقل في مقابل نقل، وثانياً أن مسألة كونه جداً أو ليس بجد لا يؤثر فالعبرة بإحكام النظر في المال.
ولو سألناهم: لم توافقون على الحجر على اليتيم؟ قالوا: لأنه لا يحسن النظر لنفسه.
نقول: إن هذا الكبير مع اليتيم شاركه في عدم إحسان النظر في ماله، فحجر عليه كما حجر على اليتيم، وأياً ما كان فالصحيح مذهب الجمهور: أنه يحجر على السفيه سواءً كان بلغ إحدى وعشرين أو لم يبلغها، ويستمر الحجر عليه ولو بلغ خمساً وعشرين سنة
‌‌معاملة وجناية المحجور عليهم
يبقى الأثر المترتب على الحكم بالحجر عليهم، وهو أنه إذا عاملهم الغير بتجارة أو إجارة أو غير ذلك أنه يتحمل مسئولية المعاملة معهم.
فلو أن رجلاً باعهم متاعاً كسيارة ثم علم أو تبيّن أن الذي تعامل معه مجنون، فإن كان يعلم بأنه مجنون؛ فإنه يجب رد عين السيارة، فلو أن هذه السيارة تَلِف فيها شيء؛ فإنه لا يضمنه المجنون إذا كان عالماً بجنونه.
والسبب في هذا: أن من عامل الصبي أو المجنون أو السفيه عالماً بكونه محجوراً عليه فإنه يتحمل المسئولية والأثر المترتب على هذه المعاملة، فيُرَد عين المبيع، ولا يلزمهم الضمان، وبناءً على ذلك فإن الشخص العالم بالحجر عليهم يتحمل مسئولية الضرر.
أما إذا كان غير عالم كأن يتعامل معهم من يظنهم أهلاً للمعاملة، ثم يتبيّن له أن الذي تعامل معه مجنون؛ فحينئذٍ يجب رد المال وضمانه
‌‌حكم التعامل مع المحجور عليهم
قال رحمه الله: [ومن أعطاهم ماله بيعاً].
إذا باع على الصبي تحمل المسئولية، فلو أخذ الصبي هذه السيارة بعشرة آلاف ريال، فنقول: الحكم حينئذٍ: يُلزم هذا الشخص الذي تعامل معه برد العشرة الآلاف وترد السيارة بعينها.
وفائدة ردها بعينها أنه لو تلف فيها شيء أو تضرر فيها شيء مع علمه بكونه محجوراً عليه؛ فإنه هو الذي يتحمل مسئولية ذلك الضرر.
فإذا أخذ الصبي السيارة وحصل له بها حادث فأصبحت لا تساوي إلا خمسة آلاف؛ فإنه يرد عين السيارة دون أن يضمن شيئاً؛ لأن الذي تعامل معه أدخل على نفسه الضرر، فمثل هذا لا يتعامل معه، فإذا باعه على هذا الوجه فالبيع فاسد، ويجب رد عين المبيع، وهذا معنى قوله: (ويرده بعينه) أي: يرد عين المبيع ولا يرد مثله.
قال رحمه الله: [أو قرضاً].
كأن يكون أعطى صبياً عشرة آلاف قرضاً، وكانت العشرة موجودة بعينها، فإنها ترد، وأما إذا أتلف منها الصبي والدائن عالم بكونه صبياً، فإنه لا يُرد له إلا الذي وُجد، لكن إذا كان غير عالم؛ فإنه يضمن حقه.
قال رحمه الله: [رجع بعينه] أي: طالب برد عين الذي باعه وعين الذي أخذه الصبي والسفيه والمجنون.
قوله: [وإن أتلفوه] أي: أخذ السيارة فأتلفها، أو اشترى منه عمارة فأفسد فيها وأتلف فيها، فإنه في هذه الحالة لا يضمن.
قال رحمه الله: [لم يضمنوا] لا يضمن الصبي ولا المجنون ولا السفيه إذا كان الذي عامله عالماً بسفهه وصباه، وبعدم أهليته للتصرف
‌‌حكم جناية المحجور عليهم على غيرهم
قال رحمه الله: [ويلزمهم أرش الجناية وضمان مال من لم يدفعه إليهم].
هذه مسألة ثانية: لو أن هؤلاء جنوا جناية أفسدوا بها مبيعاً؛ فإنه يلزمهم ضمان أرش هذه الجناية لمن لا يعلم؛ لأنه عمل على الظاهر، وظن أنه أهل، فمثل هذا لم يدخل الضرر، وليست هناك دلالة ظاهرة منه تدل على الرضا بالضرر، بخلاف من عاملهم وهو يعلم، فمن عاملهم وهو يعلم يتحمل الضرر، وأما من عاملهم وهو لا يعلم فإنه في هذه الحالة يُضمن له حقه.
مسألة ضمان الصبي والمجنون: لو أن صبياً أتلف سيارة رجل، أو مجنوناً أتلف بيت رجل أو متاعه، فإذا جئنا ننظر إلى أصول الشريعة فإن الصبي والمجنون غير مكلف، فالأصل يقتضي أننا لا نطالبهم بشيء؛ لأن الصبي والمجنون رفع عنهما القلم، لكن الشريعة فرقت بين أمرين؛ فرقت بين المؤاخذة كحق لله عز وجل بحصول الإثم وبين حق الغير.
ففي حقوق الناس والاعتداء على أموالهم، كالسيارة تتلف أو البيت يهدم أو تفسد فيه مصالحه، فإنه يجب ضمانها، والمجنون لو أتلف سيارة رجل؛ فإنه يجب ضمان التلف الموجود في هذه السيارة.
وهذا محل إشكال، كيف نؤاخذ المجنون؟
و
‌‌الجواب
أن هذا مبني على الحكم الوضعي لا الحكم التكليفي، فهناك جانبان في الأحكام: حكم تكليفي، وحكم وضعي.
فالحكم التكليفي حكم من ناحية الوجوب والندب والاستحباب والكراهة والتحريم والإباحة، ويتعلق بمن هو مكلف وفيه أهلية التكليف، فيؤاخذ بتركه أو امتناعه عن فعل الواجب أو وقوعه في المحرم.
لكن بالنسبة للحكم الوضعي فمن الممكن أن يؤاخذ من باب وجود السبب، فالشريعة تقول: أي إتلاف وقع على مال إنسان بدون حق فإنه يجب على المتلف أن يضمن، بغض النظر عن كونه أهلاً أو غير ذلك، فلا تنظر الشريعة إلى هذا، بل تنظر إلى الحق في المال، وجعلت الضمان على المتلف سواءً كان أهلاً للتكليف أو غير أهل.
ولذلك إذا نظرنا إلى الحكم الوضعي نرى أن الإتلاف سبب للضمان بغض النظر عن المتلف، سواءً كان صغيراً أو كبيراً، إذ لو قلنا بعدم ضمان الصبيان لأمكن لكل مفسد أن يأخذ جملة من الصبيان ويوعز إليهم أو يأمرهم بالإتلاف والإفساد، فهذا يفتح باب شر عظيم، ثم أيضاً نفس الصبية يتمردون ويكون ذلك سبباً لأذية الناس.
فالصبي إذا أتلف يضمن، وإذا كان ليس عنده يتحمل والده ويضمن عنه؛ فحينئذٍ كأن الشريعة تنظر إلى من يعين الصبي على إفساده، فإن أولياءه متى علموا أنه إذا أتلف يؤاخذون؛ فإنهم سيأخذون على يديه ويحافظون عليه.
أما من حيث الحكم التكليفي من أنه يأثم: فلا يأثم؛ لأن الصبي لم تتوفر فيه أهلية المؤاخذة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي داود وأحمد في مسنده وهو حديث صحيح: (رفع القلم عن ثلاثة) وذكر منهم الصبي والمجنون.
ومن هنا قالوا: إن الهازل إذا طلق يؤاخذ بطلاقه من باب الحكم الوضعي لا من باب الحكم التكليفي، كما أن الحكم الوضعي أن المتلفظ بالطلاق يؤاخذ بلفظه، بغض النظر عن كونه قصد إيقاع الطلاق أو كان هازلاً.
وبهذا أجاب الإمام الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات في كتابه النفيس: المقاصد، فإنه لما تعرّض للمقاصد والنيات ولقاعدة: (الأمور بمقاصدها) ذكر أن مؤاخذة الهازل بطلاقه من باب الحكم الوضعي لا من باب الحكم التكليفي.
فمسألة تضمين المجنون والصبي مبنية على الحكم الوضعي، وهذا فيه رحمة عظيمة بالناس، فإن الناس متى علموا أن الأموال تضمن وتحفظ؛ حافظ بعضهم على أموال بعض، وأصبحت للأموال حرمة.
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل حرمة المال مقرونة بالدم فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فجعل حرمة المال مقرونة بحرمة الدم.
فإذا أتلف الصبي أو المجنون مال الغير ضمنه؛ فإن كان الغير الذي تعامل معه هو الذي مكنه من المال وأعطاه وجعله عنده وهو يعلم أنه صبي وأنه محجور عليه؛ فإنه حينئذٍ يتحمل الضرر المترتب على تمكينه.
والعكس بالعكس، فإن كان الذي تعامل معهم لا يعلم بكونهم محجوراً عليهم، فيضمن له حقه ولا يؤاخذ المحجور عليه.
فعندنا قاعدة وهي: أن أموال الناس تضمن، ولذلك جُعلت قاعدة الضمان في المتلفات صيانة لحقوق أموال المسلمين.
فإذا كان الأصل أن أموال المسلمين محرمة لا يجوز الاعتداء عليها، فمتى ما اعتدى الصبي أو المجنون أو غيرهم على مال الغير؛ وجب ضمانه.
فإن كان هذا هو الأصل نقول: إن كان الصبي قد أخذ المال من شخص مكنه منه فالذي مكنه يتحمل المسئولية، وأما إذا كان لا يعلم أنه دون البلوغ، ولا يعلم أنه محجور عليه، وظنه بالغاً رشيداً عاقلاً، فإذا به مجنون وسفيه وصبي فهذا له عذره، وحينئذٍ يبقى الأصل الموجب للضمان

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]