الأحوال التي يقبل فيها قول الولي والحاكم بعد فك الحجر
قال رحمه الله: [ويقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر في النفقة] إذا ثبت أن الأصل عدم جواز التصرف في مال اليتيم، وبينّا المسائل التي يجوز للولي أن يأخذ فيها ويأكل فيها بالمعروف، يرد
السؤال
إذا دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه وادعى اليتيم أن وليه أكل منه، أو أن وليه ظلمه في المال فأنفق فيما لا ينبغي أن ينفق فيه، أو دفع المال في شيء يشترى بالأقل فاشتراه بالأكثر، أو باع ما لا ينبغي بيعه، أو اشترى ما لا ينبغي شراؤه -لأن هذا كله وارد- فهل نقبل قول الولي أو نقبل قول اليتيم؟ هذه مسألة، كذلك أيضاً: إذا جاء وقت دفع المال إلى اليتيم عند البلوغ ووجدنا اليتيم رشيداً في تصرفه وحكم القاضي بدفع المال إليه، فسيحاسب الولي، ويقدم الولي بياناً لما دفعه على اليتيم من المصاريف في طعامه وشرابه وكسوته ومسكنه وملبسه إلى غير ذلك، فيقدمه ويقول: أنفقت عليه كذا وكذا، وكان ماله مائة ألف، فأنفقت عليه منها عشرة آلاف في طعامه ومسكنه وكسوته وغير ذلك، فيذكر الأمور التي أنفق فيها على اليتيم.
هذه العشرة آلاف التي يدعي الولي أنه أنفقها هل نقول: نقبل قوله هكذا أو نطالبه بالدليل؟ هذه مسألة ثانية، فالمسألة الأولى: إذا ادعى اليتيم، والمسألة الثانية: إذا حضر وقت الدفع ورد المال إلى اليتيم، ففي كلتا المسألتين يقبل قول الولي، والقاضي يقبل من ولي اليتيم ما يدعيه، فقال رحمه الله: (ويقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر في النفقة).
فإذا كان الحاكم هو الذي يتولى أمر اليتامى، فإنه يقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر عن اليتيم في النفقة، وإذا قلت: يقبل قوله، فمعناه: أنه يكون مدعىً عليه، ومعنى هذا: أنه لو حصلت خصومة وقضاء فسيكون الولي مدعىً عليه والقول قوله، لأنه إذا قيل: القول قول فلان فخصمه مدعٍ، والذي يُطالَب بالبينة خصمه ولا يُطالَب هو، فإذا جاء وقال: أنفقت عليه بعشرة آلاف فلا نقول له: أحضر شهوداً وأدلة على أنك أنفقت العشرة، بل يقبل قول الولي والحاكم.
قوله: (في النفقة) أي: في طعامه وشرابه وكسوته ومصالحه التي احتيج إليها، وسميت نفقة من النفاق؛ لأنها تستنزف المال وتأخذه.
قال رحمه الله: [والضرورة] سبق وأن ذكرنا ضابط الضرورة، وتعريفات العلماء للضرورة، لكن الضرورة هنا لها معنىً خاص، فاليتيم ترك له أبوه عمارة قيمتها مليون، وترك له سيولة خمسة آلاف ريال، فأنفق وليه الخمسة آلاف، فاحتاج اليتيم أن يبحث عن دخل ومال من أجل أن ينفق عليه، فقام ولي اليتيم ببيع العمارة.
في هذه الحالة لو سأله القاضي: لِمَ بعت العمارة؟ سيقول: اضطررت إلى البيع وألجأتني الضرورة أن أبيع هذه العمارة، فادعاؤه أنه مضطر لبيع العمارة أو أي مملوك لليتيم، كل هذا يصدق فيه؛ لأننا لو فتحنا الباب في عدم قبول قوله لفر الناس من الولاية وأصبح فيها ضرر عليهم.
فالشاهد: أن اليتيم إذا قال: باع عمارة والدي وما كان ينبغي له أن يبيعها، فقال الولي: بل كان ينبغي بيعها.
فكلمة: بل كان ينبغي، يعني: أنا مضطر إلى بيعها، والضرورة إذا ادعاها الولي يقبل قوله، وهكذا إذا ادعاها الحاكم فبنى عليها بيع شيء أو إجارة شيء.
مثلاً: لو أن اليتيم ادعى على الولي أنه أنفق عشرة آلاف ريال عليه، فسأله القاضي: فيم أنفقتها؟ قال: أنفقتها في سكن.
قال اليتيم: ما كان ينبغي أن يستأجر لنا سكناً، فيقول له: أين أذهب بهم يسكنون؟ في العراء! إنهم مضطرون لدفع العشرة الآلاف لإسكانهم، لكن لو ثبت عند القاضي أنه غير مضطر، فحينئذٍ يضمن الولي على التفصيل عند العلماء رحمهم الله، ويؤاخذه ويحاسبه القاضي على هذا إذ فيه ضرر على المال.
فإذا باع الولي العمارة بحجة نفقتها على اليتيم، واليتيم ترك له والده عشرين ألفاً، ويكفي اليتيم منها في حدود عشرة آلاف، فإذاً وجود العشرين ألفاً يمنع من الضرورة لبيع العمارة، فحينئذٍ يكون الولي مخطئاً في بيعها، لكن لو ادعى ضرورة ثانية كأن يشتهر أنه -مثلاً- بعد سنة ستصبح هذه العمائر رخيصة فيقول: أنا مضطر إلى بيعها لمصلحتها لليتيم، فباعها فخالفت الظنون وأصبحت غالية، فادعى اليتيم على وليه أنه فرط في هذه العمارة يقول: أنا نظرت إلى الحال واجتهدت، وفي ذلك الزمان كنت مضطراً إلى البيع؛ لأنني وجدت أن هذا يضر بمصلحة مال اليتيم، وأقدمت على البيع من هذا الوجه، فحينئذٍ يقبل قوله.
وقد يضطر الولي إلى البيع لخوف الكساد وهذا -مثلاً- في الأطعمة؛ إذا كان اليتيم ترك له والده بضاعة وكانت من الطعام، ولا يمكن أن تبقى شهراً دون فساد، فعرضها في السوق ولكنها لم تأتِ بقيمتها وإذا تركت تفسد فلا تأتي بشيء، فباعها بنصف القيمة، فحينئذٍ يخاصمه اليتيم أو القاضي ويسأله: كيف تبيع بضاعة قيمتها مائة ألف بخمسين ألفاً؟ يقول: نعم هذا البضاعة لم يتيسر بيعها إلا بخمسين ألفاً، ولو لم أبعها فستتلف، وأنا مضطر إلى ذلك؛ فهذه ضرورة صحيحة.
كذلك أيضاً لو كان الميت ترك متاعاً، وهذا المتاع المراد به مثلما يحصل لبعض التجار يشترون بضاعة بمائة ألف -مثلاً- من أجل أن تباع في موسم الحج بمائتين، وشاء الله أن يموت في شعبان، فهذه البضاعة سيتولى أمرها الولي، فإذا تولى أمرها فمعناه أنه سيحفظ البضاعة إلى الحج، وحفظ البضاعة إلى الحج يحتاج إلى إجارة، فاستأجر لها مكاناً بثلاثين ألفاً ولم يجد إلا هذا المكان بثلاثين ألفاً، وإن بيعت البضاعة في وقتها بيعت بخسارة أو برأس مالها، وإن بقيت بيعت بالضعف فالأصلح لليتيم ألا تباع الآن، وتبقى حتى تباع بالضعف، ووجد أن استئجار مخزن لها بعشرة آلاف لا يمكن، فاستأجر مخزناً بثلاثين ألفاً وباعها بمائتين، فأصبح كاسباً سبعين ألفاً، فإذا سأله القاضي: أين أنفقت الثلاثين؟ قال: أنفقتها من أجل حفظ البضاعة.
قال له: وهل كان حفظها لازماً؟ يقول: نعم.
لأن السوق كان كاسداً ونحو ذلك من الأحوال، وهذا معنى قوله: (والضرورة).
فكل ما يدعيه الولي من أنه مضطر وملجأ إليه من بيع أو شراء فإنه يقبل قوله.
لكن إذا أنكر اليتيم وقاضاه، فبعض العلماء يقول: يقبل قوله مجرداً ولا يطالب باليمين، وقال بعض العلماء: يقبل قوله مع اليمين، وهذا ما يسمى بيمين التهمة، وهو أن يحلف من أجل التهمة الموجودة، فحينئذٍ قالوا: يقبل قوله مع اليمين.
قال رحمه الله: [والغبطة] الغبطة: الذي هو الأصلح، فمثلاً إذا قال اليتيم: أخر بيع البضاعة إلى السنة القادمة، فهذا أضر بي؛ لأني دفعت من مالي أجرة المخازن وأجرة نقل السلع وأنفق أموالاً على ذلك، فقال ولي اليتيم: إنما ذلك من أجل الأحق وهي الغبطة، فحينئذٍ يقبل قوله.
ومن الغبطة لو قيل له مثلاً: بعت العمارة بكم؟ قال: بعتها بمليون.
قيل له: لماذا؟ قال: لأن هذا أعلى سعر، وإذا بقيت فستباع بنصف مليون أو بثلاثة أرباع مليون، فإذاً الغبطة في بيعها بمليون، فيقبل قوله.
قال رحمه الله: [والتلف] إذا ادعى أن بعض المال تلف ولم يكن بتفريط منه فإنه يقبل قوله، مثلاً: لو أن يتيماً ترك له أبوه مائة رأس من الغنم، وجاء سيل واجتاح نصفها، فقال القاضي للولي: كم ترك والد اليتيم؟ قال الولي: المال الذي توليت اليتيم فيه مائة رأس، والآن يوجد خمسون رأساً منها، وخمسون أخذها السيل فيقبل قوله؛ لأنه -كما ذكرنا- يقبل قوله في الربح والغبطة، وفي الخسارة والتلف ونحو ذلك مما يدعيه.
قال رحمه الله: [ودفع المال] هذه مسألة ثانية: رجل تولى على يتيم وكان ماله -مثلاً- مائة ألف، واختبره عند البلوغ فوجده رشيداً فدفع له ماله، وبعد سنة جاء اليتيم وادعى أنه لم يقبض مال أبيه، وأن وليه لم يدفع المال إليه، فهل نصدق اليتيم أو نصدق الولي، الولي يقول: دفعت.
واليتيم يقول: ما أخذت.
ففي الحقيقة إذا جئت تنظر إلى الأصل، الأصل أن المال عند الولي حتى يثبت أنه دفعه لليتيم، وفي هذه المسألة ومسألة التلف يقوي بعض العلماء فيها اليمين، واليمين هنا قوية وأميل إلى هذا القول؛ لأنه خلاف الأصل، والتهمة فيه قوية، وفي ذلك احتياط لمال اليتيم، فإذا دفع المال إليه ولم يشهد فهو الذي فرط.
وحينئذٍ يقوى أن يقال: إنه يكون القول قول اليتيم أو لا يقبل قوله إلا باليمين
حكم دين العبد وما أتلفه
قال رحمه الله: [وما استدان العبد لزم سيده إن أذن له] العبد يتولى سيده أمر ماله، وهذا -كما ذكرنا غير مرة- مبني على حديث ابن عمر في الصحيحين: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع)، لكن ذكر هذه المسألة هناك لأن فيها شيئاً من الارتباط بمسألة الولاية على المال.
قوله: (وما استدان العبد) إذا تعامل الرقيق مع الناس وأخذ منهم أموالاً ديناً، فسيده له حالتان: إما أن يكون أذن له في التجارة.
أو أنه لم ياذن له.
فإن أذن له فإن سيده يتحمل مسئوليته، وحينئذٍ يلزمه أن يدفع عنه، وإن لم يأذن له يكون في رقبة الرقيق.
وسيأتي -إن شاء الله- بسط هذه المسائل في باب الرق.
قال رحمه الله: [وإلا ففي رقبته] فلو أن العبد ذهب واستدان مائة ألف، ثم جاء صاحب المائة ألف يطالبه فإذا به ليس عنده مال، فالآن هل نقول: إن الرقيق لا يملك المال، ونقول لصاحب المال: ليس لك شيء، وتذهب أموال الناس بهذه الطريقة، أو نقول: خذ الرقيق، والرقيق ملك لسيده بملك الشرع؛ لأن الرق مضروب بحكم الشرع؟ فحينئذٍ حصل تعارض بين هذين الأصلين.
فإذا كان السيد علم بجناية عبده أو باستدانته للمال، فإنه يخير بين أمرين -إذا لم يأذن له- الأمر الأول: إما أن يدفع عنه ويبقى له عبده، وإما أن يكون المال في رقبته، فيباع ويؤخذ منه المال، ويرد الباقي إلى سيده؛ لأننا لو فتحنا هذا الباب لكل رقيق أن يجني على مال الغير ثم بعد ذلك لا يؤاخذ بالجناية ولا يمكن أن يطالب سيده بها، لفتح باب الضرر على الناس، ولذلك تكون جنايته في رقبته.
قال رحمه الله: [وأرش جنايته] وأرش جنايته كذلك.
قال رحمه الله: [وقيمة متلفه] أي: وقيمة الشيء الذي أتلفه، فنقول لسيده: إما أن تدفع عنه وإما أن يبيع القاضي هذا الرقيق ويسدد دينه من رقبته، ثم بعد ذلك يدفع الباقي من المال -إن كان ثَمَّ باقي- إلى سيده الذي يملكه.
والله تعالى أعلم
الأسئلة
حكم تولية المرأة على مال اليتيم
السؤال
هل يجوز أن يجعل الأب امرأة تلي أبناءه بعد موته؟
الجواب
باسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فوصاية المرأة على مال الأيتام في حجره أجازها طائفة من العلماء رحمهم الله، ولذلك كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تلي أمر أيتام عبد الرحمن أخيها، وقالوا: أن المرأة لها حق النظر في المال، فيجوز لها أن تتولى النظر في أموال اليتامى، ولا شك أن الرجل أكثر مخالطة للرجال وأعلم بأحوالهم، ولذلك هو أقرب للولاية من المرأة.
والله تعالى أعلم
حكم أخذ ولي اليتيم الفقير من زكاة مال اليتيم
السؤال
هل يجوز لولي اليتيم إن كان فقيراً أن يأخذ زكاة مال اليتيم الذي يتولاها؟
الجواب
يجوز لولي اليتيم أن يأخذ زكاة مال اليتيم إذا كان مستحقاً لها، وذلك لأن المال مال غيره -اليتيم- وقد مكن الله عز وجل من الزكاة الأصناف الثمانية وملكها لهم فقال سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] الآية.
فاللام للملك.
ولذلك قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24 - 25] فأثبت أنه حق فهو يستحقه بوصف الفقر، والله عز وجل أعطاه بهذا الوصف حقه في الزكاة، فيجوز له أن يأخذ زكاة مال اليتيم.
لكن بشرط ألا يقدم نفسه مع وجود الغير المستحق والذي هو أولى منه وإنما يكون ذلك بالمعروف، والله تعالى أعلم
حكم أكل ولي اليتيم من مال اليتيم
السؤال
هل يجوز لهذا الولي الفقير أن يأكل من المال للحاجة؟
الجواب
هذه المسألة تقدمت معنا، فإذا كان ولي اليتيم فقيراً فإنه يأكل بالمعروف
حكم تقديم مصلحة الأيتام على مصلحة الغرماء
السؤال
أيهما يقدم: مصلحة الغرماء أو مصلحة الأيتام إذا مات والدهم ولم يترك ما يزيد عن سداد حقوق الناس؟
الجواب
أما بالنسبة للمال فليس للأيتام فيه حق إلا بعد سداد ديون الميت؛ لأن الله تعالى جعل الإرث بعد سداد الدين، فقال سبحانه: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن} [النساء:12] وفي الآية الثانية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] وفي الآية الثالثة (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11].
فهذا يدل على أن الإرث واستحقاق الإرث لا يكون إلا بعد سداد الديون، وذمة الميت مقدمة على ورثته في هذا؛ لأن الله نص على أن الإرث يكون بعد سداد الدين، فلا يجوز أن تبقى ذمة الميت معلقة بل ينبغي أن يبادر بسداد ديونه.
لكن ينبغي على التجار والأغنياء أن يترفقوا بالأيتام، فإذا رأوهم أيتاماً محتاجين إلى المال لأمور ضرورية، فالأفضل لهم أن يوسعوا عليهم، وأن يحتسبوا ذلك عند الله عز وجل؛ لأن هذا من أفضل القربات وأحبها إلى الله سبحانه، فإن الإحسان إلى اليتامى أجره عظيم وثوابه كبير عند الله سبحانه؛ حتى قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) فكفالة اليتيم فيها إحسان، والصدقة على اليتيم إحسان، وكذلك أيضاً التوسعة على اليتامى إحسان، فالأفضل ألا يضيقوا على اليتامى، والله تعالى يبارك لهم في أموالهم ويوسع لهم من واسع فضله.
والله تعالى أعلم
حكم تنصيب القريب لنفسه ولياً على الأيتام
السؤال
إذا توفي الوالد ولم يوص لأحد بالولاية على أيتامه، فهل للقريب أن يتصرف في أموالهم بالأحظ لهم؟
الجواب
من حيث الأصل: يكون النظر لليتامى للقاضي، فالقاضي ينظر من كان الأرشد والأتقى لله عز وجل من قرابته فينصبه عليهم.
وإن وجد من قرابته كأعمام اليتامى وبني أعمامهم ونحو ذلك ممن هو أتقى لله عز وجل وأحفظ للمال فإنه يقدمه على غيره؛ لأن القريب أكثر شفقة وأكثر رعاية للمال وحفظاً له من غيره، ولأن اليتيم مع عمه وابن عمه يحس بشيء من الراحة فلا يستحي أن يطلب حاجته، ولا يستحي أن يسأل، فإذا كان من الأقرباء فهو أفضل وأولى.
ولأن الولاية على اليتيم لا يخلو فيها الأمر من النظر إلى عورات، والاطلاع على بعض الأشياء الخاصة في اليتامى، فإذا كانت عوراتهم عند القريب فهو أولى أفضل، وينبغي على وليهم أن ينظر من هو الأولى من القرابة فيوصي إليه، وكذلك على القاضي أن ينظر إلى الأقرب فالأقرب لأنهم أولى من غيرهم.
ولذلك قدم الله عز وجل القريب على الغريب، وعلى هذا قالوا: إن وجود القرابة يدعو إلى الشفقة والرحمة، والقريب يضحي أكثر مما يضحي الغريب؛ فالقريب إذا وجد مشقة من أولاد أخيه صبر عليهم وتحمل، وإذا وجد العناء أو أوذي بسبب القيام على مالهم وضاقت عليه الأمور احتسب الأجر، فعدها من صلة الرحم، فهذا لا شك أنه يحقق مصالح أكثر مما لو كان غريباً.
والله تعالى أعلم
حكم ضمان ولي اليتيم إذا تاجر بمال اليتيم وخسر دون تفريط منه
السؤال
إذا تاجر ولي اليتيم في ماله وخسر دون تفريط منه فهل يضمن؟
الجواب
إذا تاجر ولي اليتيم في ماله وخسر فإنه لا يضمن إذا كانت التجارة بالمعروف ولم تكن هناك مخاطرة، أما إذا خاطر بالمال وغرر به فإنه يضمن؛ لأنه تعاطى سبب الضرر، وأما إذا كان الحال كما ذكر في السؤال من أنه لم يفرط فحينئذٍ لا ضمان عليه.
والله تعالى أعلم
حكم إقراض الناس من مال اليتيم
السؤال
هل يجوز للولي أن يعطي من مال اليتيم قرضاً لشخص آخر؟
الجواب
مسألة الإقراض من مال اليتيم فيها وجهان للعلماء: بعض العلماء يقول: يجوز أن يقرض.
وبعضهم يمنع وهو الأقوى، وهو الذي تطمئن إليه النفس من ولاية رب المال.
لكن الذين قالوا بجواز القرض اختلفوا أيضاً على قولين: فمنهم من يقول بجوازه ويطلق.
ومنهم من يقول: يجوز إذا أخذ الرهن واحتاط للمال، فإذا أخذ الرهن واحتاط للمال واستوثق جاز له أن يعطي القرض؛ لأنه قد حفظ مال اليتيم، والقرض فيه رفق بالناس وأجر لليتيم إذا بلغ.
فقالوا: إنه أفضل وأكمل خاصة لما فيه من التوسعة على الناس، وخوف الضرر على اليتيم يمكن أن يتلافى بالرهن، ولكن الأول أشبه وأقوى.
والله تعالى أعلم
حكم إعطاء العمال جزءاً من ربح مال اليتيم
السؤال
إذا تاجر ولي اليتيم بماله فهل له أن يقول للعمال: لكم ربع الأرباح وهو المضاربة؟
الجواب
هذه مسألة ثانية وهي مسألة المضاربة، تقول لشخص: خذ مائة ألف وتاجر بها والربح بيني وبينك، القراظ والمضاربة خارجة عن الأصول، ومعنى كونها خارجة عن الأصل: أنها تجارة جاءت على غير الوجه المعروف.
وتوضيح ذلك أولاً: أن العمل مجهول والأجرة مجهولة وغير مضمونة، ففي القراض العمل مجهول؛ لأنك تعطيه مائة ألف وتقول له: اضرب بها في الأرض، فيمكن أن يشتغل بها شهرين ويمكن أن يشتغل بها سنة أو سنتين أو ثلاثاً فلا يعلم مقدار العمل ولا مدته، فالعمل مجهول والمدة مجهولة.
ثانياً: الربح نفسه لا ندري كم سيكون قليلاً أو كثيراً، وإذا ثبت هذا -وهو جهالة العمل وجهالة الربح- قالوا: إذاً المضاربة خارجة عن الأصول، ومعنى كونها خارجة عن الأصول: أنه لا يقاس عليها غيرها، وكأنها جاءت رخصة وتوسعة، فيختص الحكم بها ولا يقاس غيرها عليها.
وهذا مسلك طائفة من العلماء كما اختاره أئمة الحنفية والمالكية رحمهم الله وغيرهم، وهناك مسلك ثانٍ يقول: المضاربة إجارة ونوع من الشركة، فهو يستأجره ويشاركه في الربح، فيجوز على هذا القول أن تستأجر وتشارك وتجعل المضاربة نوعاً من الشركة.
بناءً على القول الأول: لو قال لعامل في بقالة مثلاً: أعطيك أجرة الشهر ألف ريال وربع الربح، حينئذٍ يصح عندهم أن يقاس على المضاربة، ولكن على الوجه الصحيح من أن المضاربة خارجة عن الأصل، فيعتبر إجارة بالمجهول لأننا لا ندري كم ربع الربح، ولا ندري هل يربح كثيراً أو قليلاً.
وبناءً على ذلك: لا يجوز الإجارة بالمجهول، والذي ذكرته في السؤال: إذا كان العمال الذين دفع المال إليهم على أساس أن يضاربوا بأنفسهم فلا إشكال أن لهم ربع الربح أو نصف الربح على ما اتفق عليه.
لكن أن يقال لعامل يشتغل في مال اليتيم لك أجرة ثمانمائة ريال في الشهر وأعطيك ربع الربح أو نصف الربح -كما هو موجود الآن في بعض الأعمال- فلا يجوز؛ لأن إدخال المجهول على المعلوم يصير المعلوم مجهولاً، فهو وإن استأجره بألف ريال شهرياً -وهي معلومة- لكن ربع الربح أو ربع الناتج مجهول.
وحينئذٍ يغرر بالعامل، فقد يظن العامل أن المحل سيربح كثيراً، فيدخل على أساس أنه سيأخذ ربحاً كثيراً، وإذا بالربع شيء يسير والمحل لا يربح كثيراً، فحينئذٍ يكون من الغرر.
ولذلك الأشبه بالقواعد الشرعية والأصول الشرعية عدم صحة أن يقول لهم: اشتغلوا ولكم ألف وربع الناتج أو نصف الناتج، أو خذ هذه السيارة واعمل بها اليوم ونصف ما تنتجه بيني وبينك، لا يصح لأن هذا تغرير به، فيتعب يومه كله، وقد لا يجد إلا راكباً واحداً، والشريعة لا تريد هذا، إنما تريده أن يعمل ويأخذ عرق جبينه بالشيء الواضح.
فإذا قلت له: خذ السيارة وأعطني مائة، هذا جائز؛ لأنها أجرة لك، ثم هو يملأ بنزينها ويعمل بها خلال ساعات اليوم، ويحدد له اثني عشر ساعة أو عشر ساعات، وتصبح إجارة للزمان ولا إشكال فيها وهي جائزة، لكن يقول له: خذها ويكون البنزين عليك ولك ربع الناتج أو نصف الناتج أو ثلث الناتج هذا يعتبر من المجهول ولا يصح؛ لأنه إجارة بالمجهول، وإجارة المجهول لا تجوز إجماعاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين