شرح العوامل المائة للشيخ خالد الأزهري
محمد أبو زيد
8 – و"على" للاستعلاء
أي: والثامن من سبعة عشر حرفا "على" وهي تجيء لتسعة معان:
1 – الأول: تكون للاستعلاء:
وهو كون الشيء فوق الشيء، وذلك الاستعلاء:
(أ) إما حقيقي حسي: نحو: زيد على السطح.
(ب) وإما حقيقي معنوي: نحو: عليه دين – كأن الدين يستولي على من يلزم.
فدين: مبتدأ مؤخر.
وعليه: جار ومجرور ومتعلق بكائن خبر مقدم، وتقديم الخبر ممنوع لوقوع المبتدأ نكرة.
- وكذا يقال: فلان أمير علينا في الحقيقي المعنوي: أي فلان مستول علينا بالغلبة.
(جـ) وإما ذلك الاستعلاء مجازي: نحو: مررت عليه، أي جاوزته في المرور، لأنك بمجاوزتك إياه كأنك سرت عليه بكثرة السير.
2 – والثاني: تكون "على" بمعنى "مع": نحو قوله تعالى: {وآتى المال على حبه}، أي: وآتى المال مع حبه، وقولهم: فلان على جلاله سيقول كذا، أي: فلان مع جلاله يقول كذا.
3 – والثالث: تكون "على" "للتعليل": نحو: {لتكبروا الله على ما هداكم} أي لهدايتكم.
فعلى: بمعنى اللام التعليلية – وما مصدرية.
4 – والرابع: تكون "على" بمعنى "في":
نحو: {ودخل المدينة على حين غفلة} أي: دخل المدينة في حين غفلة.
5 – والخامس: تكون "على" بمعنى "من": نحو: {وإذا اكتالوا على الناس يستوفون}، أي: وإذا اكتالوا من الناس يستوفون.
6 – والسادس: تكون "على" بمعنى "الباء":
نحو: {حقيق على ألا أقول} أي: حقيق بي ألا أقول، وقالوا: فلان ركب على اسم الله، أي: فلان ركب باسم الله.
7 – والسابع: تكون "على" للاستدراك والإضراب:
كقولك: "فلان لا يدخل الجنة لسوء فعله على أنه لا ييأس من رحمة الله – أي: فلان لا يدخل الجنة لسوء فعله لكنه لا ييأس من رحمة الله.
8 – والثامن: تكون اسما بمعنى "الفوق": نحو: من على زيد – أي من فوق زيد – فعلى هنا اسم لدخول حرف الجر عليها.
* أهي معربة أم مبنية؟
قيل: هي مبنية لمشابهتها بعلى الحرفية، والدليل على بنائها أنه إذا أدخلت عليها "من" قيل: من عليه بقلب الألف ياء.
وقد ثبت أنهم إنما يقلبون الألف ياء في غير المتمكن نحو: لديه – وإليه – وعليه.
ولو كانت معربة لقيل: من علاه – نحو: من عصاه.
اعلم أن "على" تجيء حرفا – نحو: زيد على السطح.
وتجيء اسما نحو: من عليه.
وتجيء فعلا من: العلو – نحو قوله: "علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم".
فعلا: فعل ماض معروف.
وزيد: فاعل علا – وزيد: مضاف – و"نا": مضاف إليه.
ويوم: مفعول فيه منصوب على الظرفية – ويوم: مضاف - والنقا: مضاف إليه.
ورأس: مفعول به – ورأس: مضاف – وزيد: مضاف إليه.
وزيد: مضاف – وكم: مضاف إليه.
- فإن قيل: كيف يصح إضافة العلم مع أن العلم لا يضاف؟
- قيل: إن العلم يضاف إذا نكر بأن يؤول بواحد من الجماعة المسماة به.
نحو: جاء زيد، ورأيت زيدا آخر.
فوقع آخر صفة لزيد – لأن المراد من زيد في قولك: رأيت زيدا – زيد من الزيود.
ومما نحن فيه: جاء إبراهيمكم – فإبراهيم: مضاف لأنه نكر.
9 – و"عن" للبعد – والمجاوزة
أي: والتاسع من سبعة عشر حرفا: عن وهي تجيء لعشرة معان:
1 – أحدها: للبعد والمجاوزة، أي لمجاوزة شيء عن شيء إلى شيء وذلك:
(أ) إما بزوال الشيء الأول عن الشيء الثاني ووصوله إلى الشيء الثالث:
نحو: "رميت السهم عن القوس إلى الصيد"
فالسهم هو الشيء الأول – زال عن الشيء الثاني وهو القوس – ووصل إلى الشيء الثالث وهو الصيد.
فرميت: فعل وفاعل.
والسهم: مفعول به.
وعن القوس: جار ومجرور ومتعلق برميت.
وإلى الصيد: جار ومجرور متعلق بمقدر حال عن السهم.
والمعنى: رميت السهم عن القوس – حال كون ذلك السهم واصلا إلى الصيد.
(ب) وإما بالوصول وحده – نحو: أخذت عن زيد العلم:
فالعلم وصل إلى المحل الثاني – وهو المتكلم – مع ثبوت ذلك العلم في المحل الأول، وهو زيد.
(جـ) وإما بالزوال وحده – نحو: أديت عن زيد الدين.
فالدين الذي في ذمة من عليه الدين زال عن ذمته وما وصل إلى الآخر.
2 – والثاني: تجيء "عن" للبدل: نحو: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس}، أي لا تجزي نفس بدل نفس.
وفي الحديث: ((صومي عن أمك)) أي بدل أمك.
3 – والثالث: تجيء "عن" بمعنى "على":
نحو: {فإنما يبخل عن نفسه}.
- أي: "فإنما يبخل على نفسه".
4 – والرابع: تجيء "عن" للتعليل: نحو: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه}.
أي: لأجل موعدة وعدها إياه.
5 – والخامس: تجيء "عن" بمعنى "بعد": نحو: {لتركبن طبقا عن طبق}.
أي: بعد طبق.
6 – والسادس: تجيء "عن" بمعنى "من":
نحو: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}.
أي: يقبل التوبة من عباده – بدليل: {ربنا تقبل منا}.
7 – والسابع: تجيء "عن" بمعنى "الباء": نحو: {ما ينطق عن الهوى}.
- والظاهر أن عن هنا على حقيقتها أي ما يصدر الكلام عن الهوى.
8 – والثامن: تجيء "عن" بمعنى "الاستعانة":
نحو: رميت السهم عن القوس:
أي: رميت السهم باستعانة القوس.
كما قال ابن مالك: لأنهم يقولون: رميت بالقوس.
9 – والتاسع: تجيء "عن" حرفا مصدريا:
وذلك أن بني تميم يقولون في نحو: أعجبني أن تفعل، - "عن تفعل" أي: أعجبني فعلك.
وكذا يفعلون في "أن" المشددة فيقولون: "أشهد عن محمدا رسول الله".
وعن: بمعنى أن المشددة المشبهة بالفعل – تطلب الاسم والخبر، ومحمدا: اسم عن.
ورسول الله: خبر عن، وعن مع اسمه وخبره في محل النصب قائم مقام مفعولي أشهد. لأنه بمعنى أعلم.
وتسمى عن هذه عنعنة تميم.
10- والعاشر: أن تكون "عن" اسما بمعنى "جانب" تدخل عليها "من" كثيرا: نحو: من عن يميني مرة وأمامي.
أي: من جانب يميني مرة وأمامي.
وتدخل عليها "على" قليلا – نحو: على عن يميني.
أي: على جانب يميني.
10 – و"الكاف للتشبيه"
[أي: والعاشر من سبعة عشر حرفا: [الكاف].
الكاف لتشبيه أمر بآخر في معنى – نحو: زيد كالأسد.
فزيد: مشبه، والأسد: مشبه به
وآلة التشبيه الكاف، ووجه الشبه: الشجاعة.
فتشبيه أمر المشبه – بأمر آخر – هو المشبه به – في معنى: هو وجه الشبه أعني الشجاعة.
واعلم أن التشبيه لا بد له من ستة أشياء:
المشبه – والمشبه – والمشبه به.
وآلة التشبه – ووجه التشبيه – والغرض من التشبيه.
والمشبه بكسر الباء في قولنا: زيد كالأسد هو المتكلم.
والمشبه بفتح الباء: هو زيد.
والمشبه به: هو الأسد.
وآلة التشبيه: هي الكاف.
ووجه الشبه: هو الشجاعة.
وغرض التشبيه: هو مدح زيد.
وقولهم: الذي كزيد أخوك.
الكاف في كزيد:
إما أن تكون اسمية بمعنى: مثل خبر عن مبتدأ محذوف والجملة الاسمية: صلة الذي، والذي مع صلته: في محل الرفع مبتدأ.
وأخوك: خبر عن المبتدأ، تقديره: الذي هو مثل زيد: أخوك.
وإما أن تكون حرفية على أنها متعلقة بمحذوف وهو كان.
والجملة الفعلية صلة الذي، والذي مع صلته: في محل رفع مبتدأ. وأخوك: خبر عنه، تقديره: الذي كان كزيد: أخوك.
وقد تجيء الكاف زائدة:
نحو: قوله تعالى: {ليس كمثله شيء}.
قال الأكثرون: في تقدير ليس مثله شيء، فالكاف زائدة إذ لو لم تقدر زائدة صار المعنى: ليس مثل مثله شيء، فيلزم المحال: وهو إثبات المثل لله، تعالى الله عن ذلك.
فإن قيل: ما الحكمة في زيادة الكاف مع أنها توهم خلاف المراد، وهو إثبات المثل – تعالى الله عن ذلك؟.
قيل: إنما زيدت الكاف هنا لتأكيد النفي.
لأنهم إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد، قالوا: مثلك لا يفعل كذا، ومرادهم:
إنما هو النفي عن ذاته.
أي: أنت لا تفعل كذا، ولكنهم إذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه.
وقيل: "المثل" زائد – لا " الكاف".
- ورد: بأن زيادة الحرف أولى من زيادة الاسم.
- وهنا مذهب ثالث: وهو: أن لا تكون كل واحدة منهما زائدة. وأن الكلام مسوق لنفي المثل بطريق الكناية، يعني: نفي الشيء بنفي لازمه.
لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم _ لأنه – إذا نفى أن يكون لمثل الله تعالى مثل فقد نفى مثل، إذ لو كان له مثل لكان هو مثل مثله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
- وقد تجيء "الكاف" اسما بصحة دخول حروف الجر عليها:
كقول الشاعر:
يضحكن عن كالبرد المنهم.
أي يضحكن عن ثغر مثل البرد الذائب في اللطاقة والبياض.
وقد تجيء "الكاف" للاستعلاء:
ذكره الأخفش والكوفيون – وأن بعضهم قيل له: كيف أصبحت؟ قل: كخير: أي أصبحت على خير.
وقيل: الكاف، بمعنى: الباء – أي أصبحت بخير.
ورد: أن الكاف لم يثبت مجيئه بمعنى الباء.
وقيل: الكاف للتشبيه على حذف مضاف – أي: أصبحت كصاحب خير.
وتجيء "ما" الكافة بعد الكاف – وتكون لها ثلاثة معان:
أحدها: تشبيه مضمون جملة بمضمون جملة أخرى – كما كانت قبل الكاف لتشبيه المفرد بالمفرد، قال الله تعالى: {اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة}.
* والثاني: أن تكون "كما" بمعنى لعل:
حكى سيبويه عن العرب: انتظر كما آتيك -: لعلما آتيك.
* والثالث: أن تكون كما بمعنى: قران الفعلين في الوجود.
نحو قولك: كما قام زيد قعد عمرو.
وجوز الكوفيون: نصب المضارع بعد كما على أن يكون أصله "كيما" فحذفت الياء تخفيفا وأنشدوا: "لا تظلموا كما لا تظلموا".
وأصله: لا تظلمون – فحذفت النون حال النصب.
* وقال ابن مالك: هذا تكلف بل هي كاف التعليل. وما: كافة – ونصب الفعل بها.
لشبهها بـ "كي" في المعنى.
* والبصريون: ينشدونه على الإفراد: كما لا تظلم، بمعنى: لعلما.
"وكما تكونوا يولى عليكم" – من هذا النوع.
وذهب بعضهم إلى أن: "ما " مصدرية – عملت عمل أن المصدرية.
فائدة:
قوله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده}.
وإن قدرته نعتا لمصدر: فهو إما معمول لنعيده.
أي: نعيد أول خلق إعادة مثلما بدأناه.
أو لنطوي: أي نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل.
وإن قدرته: حالا – فذو الحال مفعول نعيده – أي: نعيده مماثلا الذي بدأناه.
فائدة أخرى:
نحو: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي}.
فالتاء: في أرأيتك فاعل، والكاف فيه: حرف خطاب.
هذا هو الصحيح وهو قول سيبويه.
وعكس ذلك الفراء: فقال: التاء حرف خطاب، والكاف: فاعل لكونها مطابقة للمسند إليه.
ويرده: صحة الاستغناء عن الكاف – وأنها لم تقع قط مرفوعة، وقال الكسائي: التاء: فاعل – والكاف: زائدة.
ويلزمه أن يصح الاختصار على المنصوب في نحو: أرأيتك زيدا ما صنع: لأنه: المفعول الثاني – ولكن الفائدة لا تتم عنده – فلا يجوز الاختصار.
11 – و"مذ" و"منذ"
أي الحادي عشر من سبعة عشر حرفا "مذ" و"منذ".
فإن قيل: لم قدم "مذ" على "منذ" مع أنهما حرفا جر؟.
قيل: إن مذ أشبه بالحروف الجارة في عدد الحروف. نحو: عن ومن.
وأصل: مذ: منذ بدليل رجوعهم إلى ضم ذال مذ عند ملاقاة الساكن نحو: مذ اليوم – ولولا أن الأصل الضم لكسروا – فلأن بعضهم يقول: "مذ زمن طويل" فيضم مع عدم السكون.
وإنما بني "مذ" على السكون لأن السكون أصل في البناء.
"ومنذ" على الضم اتباعا للميم – إذ الفاصل غير حصين.
ومما يدل على حرفيتهما قولهم: "أنت عندنا مذ الليلة".
"وأنت مستقر عندنا مذ الليلة".
فمذ أوصل معنى الاستقرار إلى الليلة – كما تقول: "أنت عندنا في الليلة".
وهما لابتداء الزمان – في الزمان الماضي – يعني: أريد بهما الزمان الماضي.
فالمراد أن مبتدأ زمان الفعل المثبت أو المنفي هو ذلك الزمان الماضي الذي أريد بهما لا جميعه.
كما إذا قلت: سافرت من البلد مذ سنة كذا.
أو: ما رأيت فلانا مذ سنة كذا.
بشرط أن تكون هذه السنة ماضية – لا يكون ذلك الزمان فيها.
فإن معناه: أن مبتدأ مسافرتي.
أو عدم رؤيتي كان هذه السنة وامتد إلى الآن.
ومذ – ومنذ: للظرفية المحضة من غير اعتبار معنى الابتداء في الزمان الحاضر الذي اعتبرته حاضراً.
وإن مضى بعضه يعني: إذا أريد بهما الزمان الذي اعتبر حاضراً.
فالمراد: أن جميع زمان الفعل هو ذلك الزمان الحاضر.
ما رأيته مذ شهرنا – ومنذ يومنا، أي: جميع زمان انتفاء رؤيتنا هو هذا الشهر واليوم الحاضر عندنا – لأنهما لم ينقضيا بعد – ولم يمتد زمان الفعل إلى ما ورائهما: أي ما رأيت ما رأيت في شهرنا وفي يومنا.
وقد يكون "مذ – ومنذ" اسمين:
فتارة: يكونان بمعنى أول المدة – فيقع بعدهما الاسم المفرد المعرفة.
نحو: ما رأيته مذ يوم الجمعة.
أي: أول مدة عدم رؤيتي إياه يوم الجمعة.
وتارة: يكونان بمعنى جميع المدة فيليهما المقصود بالعدد.
نحو: ما رأيته مذ يومان.
أي: جميع أجزاء مدة زمان عدم رؤيتي إياه يومان.
فكل واحد من مذ ومنذ مبتدأ – وخبرهما ما بعدهما.
خلافا للزجاج: فإنهما عنده: خبر المبتدأ – والمبتدأ ما بعدهما.
والأصح: هو الأول:
12 – و– "الواو" للقسم
أي: الثاني عشر من سبعة عشر حرفا: الواو للقسم بفتح القاف والسين المهملة بمعنى اليمين:
وحروف القسم من حروف الجر – وسميت حروف الجر حروف القسم لدخولها على المقسم به.
و – واو – القسم: تكون عند حذف الفعل الذي يكون للقسم: فلا يقال: أقسمت والله، وذلك لكثرة استعمال واو القسم فتدل على فعل القسم.
فهي أكثر استعمالا من أصلها أعني: الباء.
وتكون مختصة بالاسم الظاهر سواء كان الاسم الظاهر اسم الله تعالى: نحو:
والله لأفعلن، أو غير اسم الله تعالى. نحو {يس * والقرآن الحكيم}.
قالوا: (و) في – والقرآن: إما واو القسم لأن القرآن مقسم به.
و – ياسين: منادى مفرد معرفة.
وحرف النداء: محذوف: تقديره: يا إنسان – لأن معنى: ياسين: يا إنسان بلغة "طيئ" ثم حذف حرف النداء؛ لأن حرف النداء يحذف مع العلم كثيرا.
وإما: واو – العطف: إن جعل ياسين مقسما به – وحرف الجر مقدر أي: أقسم بياسين والقرآن الحكيم.
وجواب القسم: {إنك لمن المرسلين} أي: إنك لمن الذين أرسلوا {على صراط مستقيم}.
13 – و– "تاء القسم"
أي: الثالث عشر من سبعة عشر حرفا: "تاء القسم":
وهي مختصة بلفظ الله تعالى.
نحو: "تالله لأفعلن".
فلا يقال: تا الرحمن، وتا الرحيم.
وأما ما جاء في قولهم: ترب الكعبة فشاذ.
14 – و– "باء القسم"
أي: والرابع عشر من سبعة عشر حرفا "باء القسم":
فإنها تدخل على المظهر، نحو: بالله لأفعلن.
وعلى المضمر نحو: بك لأفعلن.
وأصل التاء الواو، نحو: تجاه أصله وجاه، ثم أبدلت الواو تاء.
وقد تحذف في قولهم "لا ها الله ذا" أصله: "لا والله ذا" فحذف الواو وعوض عنه "ها" التنبيه لأن القسم "باب مبالغة وتأكيد" وفي "هاء" التنبيه أيضا مبالغة وتوكيد، فصلح أن يستعمل "هاء" التنبيه مقام حرف القسم، نحو "الله ذا". وفيه طريقان – ومذهبان:
أما الطريقان:
فالأول منهما: قطع همزة "الله" حتى لا يلزم اجتماع الألفين الساكنين في اللام الساكنة.
والطريق الثاني: وصل الهمزة كما هو الأصل في ألف التعريف وعلى تقدير الوصل فحذف ألف "الله" ومدة كلمة "ها" ليكون جمعا بين ساكنين على حدهما.
وأما المذهبان:
فالأول منهما: أن خبر المقسم عليه محذوف عند الخليل.
يعني: أن "ذا" مقسم عليه وهو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: "لا والله الأمر ذا".
فحذف الأمر الذي هو المبتدأ لكثرة الاستعمال.
والثاني: إن "ذا" من جملة القسم كأنه قال: قسمي ذا.
ولهذا يجاء بالمقسم عليه بعده.
15 – و– "حاشا" للتنزيه
نحو: أساء القوم حاشا زيد
أي: الخامس عشر من سبعة عشر حرفا "حاشا" للتنزيه، وقوله تعالى: {حاش لله} تنزيها له من صفات العجز – وتعجبا من قدرته على خلق مثله.
وأصله: حاش الله: حاشا الله: حذف الألف الأخيرة.
وقرأ الأعمش: (حشا الله) بحذف الألف الأولى.
وقرئ: "حاش الله" بسكون الشين – وهذه القراءة ضعيفة لما فيه من التقاء الساكنين على غير حده.
وهو حرف من حروف الجر يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع موضع التنزيه.
واللام في "الله" للبيان – كما في قولك: سقيا لك.
وقرئ: "حاشا الله" بغير اللام: بمعنى: براءة الله.
"وحاشا لله" بالتنوين على تنزيله على منزلة المصدر.
وذهب سيبويه _ وأكثر البصريين إلى أن حاشا: حرف جر دائما بمنزلة: إلا لكنها تجر المستثنى.
وذهب المبرد – والزجاج – والأخفش، وغيرهم إلى أنها تستعمل كثيرا حرفا جرا – وقليلا فعلا ماضيا بمعنى: جانب – متعديا جامدا لتضمنه معنى إلا.
وسمع: "اللهم اغفر لي ولمن سمع دعائي حاشا الشيطان".
وإن كان حاشا فعلا على ما هو الأقل – ففاعله: ضمير مستتر عائد على مصدر الفعل المتقدم عليه – أو "البعض" المفهوم من الاسم العام، فإذا قيل: قام القوم حاشا زيدا.
فالمعنى: جانب هو – أي قيامهم – أو القائم منهم – أو بعضهم زيدا.
16 – 17 – و– "عدا" و– "خلا" للاستثناء
أي السادس عشر – والسابع عشر من سبعة عشر حرفا: عدا – وخلا للاستثناء:
أي لاستثناء ما بعدهما عما قبلهما.
فإذا جررت بهما ما بعدهما يكونان حرفين جارين، تقول: جاء القوم عدا زيد، وخلا زيد.
وجاء: عدا – وخلا: فعلين ماضيين:
أما عدا: فهو من عدا يعدو عدا، إذا جاوزه مثل: جاء القوم عدا زيدا.
وأما خلا: فهو من خلا يخلو خلوا، نحو: جاء القوم خلا زيدا.
وخلا في الأصل لازم يتعدى المفعول – بـ "من". نحو: خلت الديار من الأنيس.
وقد يضمن معنى جاوز – ويحذف من ويوصل الفعل فيتعدى بنفسه.
والتزموا هذا التضمن أو الحذف والإيصال في باب الاستثناء ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بإلا – التي هي أم الباب.
وفاعل "عدا" و"خلا": ضمير راجع:
إما إلى: مصدر الفعل المتقدم.
أو إلى: اسم الفاعل من الفعل المتقدم.
أو إلى: بعض مطلق من المستثنى منه.
والتقدير: جاء القوم عدا مجيئهم – أو الجائي منهم – أو بعض منهم وخلا مجيئهم _ أو الجائي منهم – أو بعض منهم زيدا.
ومحل عدا – وخلا – منصوب على الحالية.
فإن قيل: إن وقع الماضي المثبت حالا فلا بد معه من قد ظاهرة نحو: جاء زيد وقد ركب أبوه.
أو مقدرة نحو: جاء وحصرت صدورهم.
أي: قد حصرت صدورهم؟
قيل: لا بد معه من قد سواء كانت ظاهرة أو مقدرة، لكن لما لم يظهر معهما قد لكونهما أشبه بإلا التي هي الأصل في باب الاستثناء – فكانت "قد" مقدرة – فلا تنحرف القاعدة المقررة بين النحاة.
- ويمكن أن يكون كل واحد من عدا زيدا – وخلا زيدا جملة مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر.
لأنه: إذا قيل: جاء القوم، فظن المخاطب: جاء زيد لأنه واحد من القوم، فقال في جوابه: عدا زيدا، وخلا زيدا، أي: جاء القوم جاوز بعضهم زيدا.
وإذا كان كل واحد منهما جملة مستأنفة فلا محل لها من الإعراب.
وإذا دخلت "ما" على "عدا" – و"خلا" فلا يكونان إلا فعلين، لأن "ما" مصدرية مختصة بالأفعال.
نحو: جاء القوم ما عدا زيدا – وما خلا عمرا – تقديره: خلو زيد – وعدو عمرو.
وبالنصب على الظرفية بتقدير مضاف: أي وقت خلوهم من زيد – أو وقت خلو مجيئهم من زيد – ووقت مجاوزتهم – أو مجاوزة مجيئهم عمرا.
وعلى الحالية بجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل – أي جاءوا خاليا بعضهم أو مجيئهم من زيد ومجاوزا بعضهم أو مجيئهم عمرا.
وعن الأخفش: إنه أجاز الجر بهما على أن "ما" زائدة – لكن هذا لم يثبت عند الثقات.