عرض مشاركة واحدة
  #282  
قديم 03-08-2024, 06:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (282)
صــــــــــ 10 الى صـــــــــــ 16



، ولو أقام على إنكارها ما كان في هذا ما يشبه على عالم قال وكيف قلت أرويت أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنكر على معقل بن يسار «حديث بروع بنت واشق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل لها المهر، والميراث» ورد حديثه وقال بخلافه؟ قال: نعم قلت وقال بخلاف حديث بروع بنت واشق مع علي زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر؟ قال: نعم قلت ورويت عن عمر بن الخطاب أن عمار بن ياسر روى «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الجنب أن يتيمم»، فأنكر ذلك عليه وأقام عمر على أن لا يتيمم الجنب وأقام على ذلك مع عمر ابن مسعود وتأولا قول الله عز وجل {وإن كنتم جنبا فاطهروا} قال: نعم قلت ورويت وروينا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة وليس معه من الناس إلا بلال وأسامة وعثمان، فأغلقها عليه وكلهم سميع بصير حريص على حفظ فعله والاقتداء به فخرج أسامة فقال أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة فيها فجعل كلما
استقبل منها ناحية استدبر الأخرى وكره أن يستدبر من البيت شيئا فكبر في نواحيها وخرج ولم يصل فكان ابن عباس يفتي أن لا يصلى في البيت»
وغيره من أصحابنا بحديث أسامة. وقال بلال صلى فما تقول أنت؟ قال يصلى في البيت، وقول من قال: كان أحق من قول من قال: لم يكن؛ لأن الذي قال: كان شاهد والذي قال: لم يكن ليس بشاهد، قلت: وجعلت حديث بروع بنت واشق سنة ولم تبطلها برد علي - رضي الله تعالى عنه -، وخلاف ابن عباس وابن عمر وزيد وثبت حديث بروع؟ قال: نعم قلت وجعلت تيمم الجنب سنة ولم تبطلها برد عمر وخلاف ابن مسعود في التيمم وتأولهما قول الله عز وجل {وإن كنتم جنبا فاطهروا} والطهور بالماء وقول الله عز ذكره {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} قال: نعم قلت له، وكذلك تقول لو دخلت أنا وأنت على فقيه، أو قاض فخرجت فقلت حدثنا كذا وقضى بكذا وقلت أنت ما حدثنا ولا قضى بشيء كان القول قولي لأني شاهد وأنت مضيع، أو غافل؟ قال: نعم قلت فالزهري لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أكثر أصحابه فلو أقام على إنكار اليمين مع الشاهد أي حجة تكون فيه إذا كان من أنكر الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه لا يبطل قول من روى الحديث كان الزهري إذا لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بأن لا يوهن به حديث من حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان بعض السنن قد يعزب عن عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يجدوها عند الضحاك بن سفيان وحمل بن مالك مع قلة صحبتهما وبعد دارهما وعمر يطلبها من الأنصار، والمهاجرين فلا يجدها فإن كان الحكم عندنا وعندك أن من حدث أولى ممن أنكر الحديث فكيف احتججت بأن الزهري أنكر اليمين مع الشاهد؟ فقال لي: لقد علمت ما في هذا حجة.
قلت: فلم احتججت.
به؟ قال احتج به أصحابنا وأن عطاء أنكرها.
قلت والزنجي أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا رجعة إلا بشاهدين إلا أن يكون عذر فيأتي بشاهد ويحلف مع شاهده (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فعطاء يفتي باليمين مع الشاهد فيما لا يقول به أحد من أصحابنا، ولو أنكرها عطاء هل كانت الحجة فيه إلا كهي في الزهري وأضعف منها فيمن أنكر ما لم يسمع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال لا، قلت لو ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بها أكان لأحد خلافها وردها بالتأويل؟ قال لا فذكرت له بعض ما روينا فيها وقلت له أتثبت مثل هذا؟ قال نعم ولكني لم أكن سمعته قلت: أفذهب عليك من العلم شيء؟ قال نعم، قلت فلعل هذا مما قد ذهب عليك وإذ قد سمعته فصر إليه فكذلك يجب عليك.
قال فإنه قد بلغنا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» أن خزيمة بن ثابت شهد لصاحب الحق (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فسألته من أخبره فإذا هو يأتي بخبر ضعيف لا يثبت مثله عندنا ولا عنده، فقلت له أرأيت لو كان خبرك هذا قويا، وكان خزيمة قد شهد لصاحب الحق، فأحلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ألم تكن خالفت خبرك الذي به احتججت؟ قال وأين خالفته؟ قلت أيعدو خزيمة أن يكون يقوم مقام شاهد فهو كما قلنا قال لا ولكنه من بين الناس يقوم مقام شاهدين قلت فإن جاء طالب حق بشاهدين أتحلفه معهما؟ قال لا، ولكن أعطيه حقه بغير يمين، قلت له: فهذه إذا سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرى خالفتها؛ لأنه إن كان قضى بشهادة خزيمة وهو يقوم مقام شاهدين فقد

أحلف مع شاهدين وإن كان قضى بشهادة خزيمة وهو كشاهدين فيما روينا عنه فقد قضى قضيتين خالفتهما معا.
قال فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قضى باليمين أنه علم أن حق الطالب حق فقلت له: أفيجوز في جميع ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى فيه بقضية إما بإقرار من المدعى عليه، أو ببينة المدعي أن يقال لعله إنما قضى به أنه علم أن ما أقر به المقر، أو ما قامت به البينة حق فلا يجوز لأحد بعده أن يقضي ببينة ولا بإقرار؛ لأن أحدا بعده لا يعلم صدق البينة ولا المقر؛ لأن هذا لا يعلم إلا من جهة الوحي، والوحي قد انقطع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا، قلت: وما قضى به على ما قضى به ولا يبطل بلعل؟ قال نعم، قلت: فلم أردت إبطال اليمين مع الشاهد بلعل؟ وقلت له: وأكلمك على لعل أفرأيت لو جاءك رجل يدعي على رجل ألفا فعلمت أنها عليه ثابتة هل تعدو من أن تكون ممن يقضي بعلمه فتأخذها له منه ولا تكلفه شاهدا ولا يمينا، أو ممن لا يأخذ بعلمه فلا تعطيه إياها إلا بشاهدين سواك؟ قال ما أعدو هذا، قلت له: فلو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد من قبل أنه علم أن ما ادعى المدعي حق كنت خالفته؟ قال فلعل المطلوب رضي بيمين الطالب.
قلت: وقد عدت إلى لعل، وقلت: أرأيت لو جاءك خصمان فرضي المطلوب بيمين الطالب أكنت تكلفه شاهدا وتحلفه؟ قال: لا، قلت: ولو حلف مع شاهده، والمطلوب يرضى بيمينه لم تعطه شيئا قال لا أعطيه بيمينه مع شاهده شيئا ولكن إن أقر بحقه أعطيته.
قلت: أنت تعطيه إذا أقر ولا تحلف الطالب؟ قال نعم، قلت: فهذه سنة أخرى إن كانت كما قلت خالفتها.
قال فما تقول أنت في أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: على المسلمين أن يحكموا بها كما حكم، وكذلك ألزمهم الله.
قال فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم من جهة الوحي، قلت: فما حكم به من جهة الوحي فقد بينه، وذلك مثل ما أحل للناس وحرم وما حكم به بين الناس بالبينة فعلى الظاهر حكم به؟ قال فما يدل على ذلك؟ قلت: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما أنا بشر تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت له: فقد أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أنه إنما يقضي بينهم بما يظهر له وأن الله ولي ما غاب عنه وليستن به المسلمون فيحكموا على ما يظهر لهم؛ لأن أحدا بعده من ولاة المسلمين لا يعرف صدق الشاهد أبدا إنما يحكم على الظاهر، وقد يمكن في الشهود الكذب، والغلط، ولو كان القضاء لا يكون إلا من جهة الوحي لم يكن أحد يقضي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن أحدا لا يعرف الباطن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إذا حلفتم الحر مع شاهده فكيف أحلفتم المملوك، والكافر الذي لا شهادة له؟ قلت: أرأيت الحر العدل إذا شهد لنفسه أتجوز شهادته؟ قال لا، قلت: ولو جازت شهادته أحلف على شهادته؟ قال لا، قلت: فكيف توهمت أنا جعلناه شاهدا لنفسه؟ قال؛ لأنكم أعطيتموه بيمينه فقامت مقام شاهد، فقلت له: أعطيناه بما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي وإن أعطي بها كما يعطى بشاهد فليس معناها معنى الشهادة، قال وهل تجد على ما تقول دلالة؟ قلت نعم إن شاء الله تعالى، قلت له: أرأيت إن ادعى عليه حقا فجاء بشاهدين يشهدان له بالبراءة مما ادعى عليه أيبرأ؟ قال نعم، قلت: فإن حلف ولا بينة عليه أيبرأ؟ قال نعم، قلت: أفتقوم يمينه ببراءته مما ادعي عليه مقام شاهدين؟ قال نعم في هذا الموضع، قلت: أفيمينه شاهدان؟ قال لا وهما إن اجتمع

في معنى فقد يفترقان في غيره؛ لأنه لو حلف، فأبرأته، ثم جاء طالب الحق بشاهدين أبطلت يمينه وأخذت لصاحب الحق حقه بشهادته، قلنا فهكذا قلنا في اليمين وإن أعطينا بها كما أعطينا بشاهد فليست كالشاهد في كل أمرها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقلت له: أرأيت لو قال لك قائل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - اليمين على المدعى عليه في زمان أهله أهل عدل وإسلام والناس اليوم ليسوا كذلك ولا أحلف من ادعي عليه من مشرك ولا مسلم غير عدل، قال ليس ذلك له، وإذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا فهو عام، قلنا، وكذلك اليمين مع الشاهد لما قضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطالب الحق كان الحر العدل وغيره سواء فيها، والعبد، والكافر كما يكونون سواء فيما يقع عليهم من الأيمان فيكون خير الناس لو كان يعرف إذا ادعي عليه يحلف فيبرأ، والكافر أيضا كذلك فكذلك يحلفان ويأخذان، وقلت له أرأيت أهل محلة وجد بين أظهرهم قتيل، فأقام وليه شاهدين أنهم قتلوه خطأ؟ قال فالدية عليهم، قلت: فلو لم يقم شاهدين أتحلفهم وتعطيهم الدية؟ قال نعم كما نعطيهم إذا أتى بشاهدين، قلت: فأيمانهم بالبراءة من دمه إذا لم يكن له شاهدان كشاهدين لو شهدا عليهم بقتله فقال لا، فقلت له ولم، وقد أعطيت بها كما أعطيت بالشاهدين؟ قال إنما أعطيت بالأثر، قلت: ولا يلزمك ها هنا حجة؟ قال لا، قلنا فنحن أعطينا بالسنة التي هي أولى من الأثر فكيف زعمت أن الحجة لزمتنا؟ قلت له: فأيمان أهل المحلة وهم مشركون كأيمانهم لو كانوا مسلمين؟ قال نعم، قلت: ولو ادعى رجل على رجل حقا فنكل عن اليمين أتعطي المدعي حقه؟ قال نعم، قلت أفنكوله كشاهدين لو شهدا عليه؟ قال لا، قلت فقد أعطيته بنكوله كما تعطي منه بشاهدين؟ قال فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» قلنا هذا روي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه عمرو بن شعيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبته وثبتناه برواية ابن عباس خاصة وروى ابن عباس «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى باليمين مع الشاهد» وروى ذلك عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى ذلك أبو هريرة وسعد بن عبادة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرددته وهو أكثر وأثبت وثبتنا وثبت معنا الذي هو دونه، وقلت له أرأيت إذ حكم الله عز وجل في الزنا بأربعة شهود وجاءت بذلك السنة وقال الله عز وجل {شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} أما صار أهل العلم إلى إجازة أربعة في الزنا واثنين في غير الزنا ولم يقولوا أن واحدا منهما نسخ الآخر ولا خالفه وأمضوا كل واحد منهما على ما جاء فيه؟ قال بلى قلت: فإذا أجاز أهل العلم شهادة النساء وحدهن في عيوب النساء وغيرها من أمر النساء بلا كتاب مضى فيه ولا سنة أيجوز أن يقال إذ حد الله الشهادات فجعل أقلها شاهدا وامرأتين فلا تجور شهادة النساء لا رجل معهن ومن أجازها خالف القرآن والسنة إذا كان أقل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاهد ويمين، قال لا يجوز إذا لم يحظر القرآن لا يجوز أقل من شاهد وامرأتين نصا ولم تحظر ذلك السنة، والمسلمون أعلم بمعنى القرآن والسنة.
قلت: والسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم، أو ما قالت الفقهاء عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال، بل السنة، قلت فلم رددت السنة في اليمين مع الشاهد وتأولت القرآن ولم ترد أثرا بأقل من شاهد ويمين فتأولت عليه القرآن؟ قال وإذا ثبتت السنة لم أردها، وكانت السنة دليلا على القرآن.
قلت: فإن عارضك أحد بمثل ما عارضت به فقال لا يثبت عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه أجاز شهادة القابلة ولا عن عمر أنه حكم بالقسامة؟ قال إذا رواه الثقات فليس له هذا، قلت، فمن روى اليمين مع الشاهد

عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوثق وأعرف ممن روى عن عمر وعلي ما رويت أفترد القوي وتأخذ بأضعف منه؟ وقلت له لا يعدو الحكم بالشاهدين أن يكون محرما أن يجوز أقل منه فأنت تجيزه، أو لا يكون محرما ذلك، فأنت مخطئ بقولك إنه محرم أن يجوز أقل منه، وقد بينا بعض ذلك في مواضعه وسكتنا عن كثير لعله أن يكون أكثر مما بينا اكتفاء بما بينا عما لم نبين وإن الحجة لتقوم بأقل مما بينا، والله تعالى أعلم.
المدعي والمدعى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال فما تقول في البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه أهي عامة؟ قلت لا، ولكنها خاصة على بعض الأشياء دون بعض قال فإني أقول إنها عامة قلت حتى يبطل بها جميع ما خالفتنا عليه قال فإن قلت ذلك؟ قلت إذا تترك عامة ما في يدك قال وأين قلت فما البينة التي أمرت أن لا تعطى بأقل منها؟ قال بشاهدين، أو شاهد وامرأتين قلت فما تقول في مولى لي وجدته قتيلا في محلة فلم أقم بينة على أحد منهم بعينه أنه قتله؟ قال نحلف منهم خمسين رجلا خمسين يمينا، ثم نقضي بالدية عليهم وعلى عواقلهم في ثلاث سنين قلت فقالوا لك زعمت أن كتاب الله يحرم أن يعطى بأقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين وزعمت أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرم أن يعطى مدع إلا بالبينة وهي شاهدان عدلان، أو شاهد وامرأتان وزعمت أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على أن اليمين براءة لمن حلف فكيف أعطيت بلا شاهد وأحلفتنا ولم تبرئنا فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة؟ قال لم أخالفهما وهذا عن عمر بن الخطاب قلت أرأيت لو كان ثابتا عن عمر لكان هذا الحكم مخالفا للكتاب والسنة وما قال عمر من أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه؟ قال لا؛ لأن عمر أعلم بالكتاب والسنة ومعنى ما قال قلت أفدلك هذا الحكم خاصة على أن دعواك أن الكتاب يحرم أن يعطى أحد بأقل من شاهدين وأن السنة تحرم أن يحول حكم عن أن يعطى فيه بأقل من شاهدين، أو يحلف فيه أحد، ثم لا يبرأ ليس بعام على جميع الأشياء كما قلت؟ قال نعم ليس بعام ولكني إنما أخرجت هذا من جملة الكتاب والسنة بالخبر عن عمر قلت أفرأيتنا قلنا باليمين مع الشاهد بآرائنا، أو بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك ألزم لنا ولك من الخبر عن غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت أرأيت إن قال لك أهل المحلة إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي» فلم لا تكلف هذا بينة وقال اليمين على المدعى عليه وقال ذلك عمر أفمدعى علينا قال؟ كأنكم قلنا وكأنكم ظن، أو يقين هذا ولي القتيل لا يزعم أنا قتلناه، وقد يمكن أن يكون غيرنا قتله وطرحه علينا فكيف أحلفتنا ولسنا مدعى علينا قال فأجعلكم كالمدعى عليهم قلنا فقالوا ولم تجعلنا وولي الدم لا يدعي علينا، وإذا جعلتنا أفبعضنا مدعى عليه، أو كلنا؟ فقال، بل كلكم فقلنا فقالوا فأحلفنا كلنا فلعل فينا من يقر فتسقط الغرامة عنا وتلزمه قال فلا أحلفكم كلكم إذا جاوزتم خمسين قلنا فقالوا لو ادعى علينا درهما أتحلفنا كلنا؟ قال نعم قلنا فقالوا فأنت تظلم ولي القتيل إذا لم تحلفنا كلنا وكلنا مدعى علينا وتظلمنا إذا أحلفتنا ولسنا مدعى علينا وتخص بالظلم خيارنا ولا تقتصر على يمين واحدة على إنسان لو كنا اثنين أحلفت كل واحد منا خمسة وعشرين يمينا، أو واحدا أحلفته خمسين يمينا وإنما الأيمان على كل من حلف من كان

فيما سوى هذا عندك وإن عظم يمين واحدة وتحلفنا وتغرمنا فكيف جاز هذا لك؟ قال رويت هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قلت فقالوا لك فإذا رويت أنت الشيء عن عمر ألا تتهم المخبرين عنه وتتركه لأن ظاهر الكتاب يخالفه والسنة وما جاء عنه؟ قال لا يجوز لي أن أزعم أن الكتاب ولا السنة ولا قوله يخالفه ولكني أقول الكتاب على خاص والسنة وقوله كذلك قلت فإن قيل: إنه غلط من رواه عن عمر؛ لأن عمر لا يخالف ظاهر الكتاب والسنة وقوله هو نفسه البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه قال لا يجوز أن أتهم من أثق به ولكني أقول إن الكتاب والسنة.
وقول عمر على خاص وهذا كما جاء فيما جاء فيه وأستعمل الأخبار إذا وجدت إلى استعمالها سبيلا ولا أبطل بعضها ببعض قلت فلم إذا قلنا باليمين مع الشاهد زعمت أن الكتاب والسنة عام، ثم قلت الآن خاص ولم تجز لنا ما أجزت لنفسك؟ وقلت له أرأيت إن قال لك أهذا الحديث ثابت عن عمر؟ قال نعم هو ثابت فقلت فقال لك فقلت به على ما قضى به عمر ولم تلتفت إلى شيء إن خالفه في أصل الجملة وقلدت عمر فيه؟ قال نعم وهو ثابت فقلت له فقال لك خالفت الحديث عن عمر فيه قال وأين؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كتب في قتيل وجد بين خيران ووداعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منها خمسون رجلا حتى يوافوه بمكة، فأدخلهم الحجر فأحلفهم، ثم قضى عليهم بالدية فقالوا ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا فقال عمر كذلك الأمر وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال قال عمر حقنتم بأيمانكم دماءكم ولا يبطل دم مسلم قال وهكذا الحديث قلنا أفللحاكم اليوم أن يرفع قوما من مسيرة اثنين وعشرين ليلة وعندهم حاكم يجوز حكمه؟ قال لا ولا من مسيرة ثلاث قلنا فقد رفعهم عمر من مسيرة اثنين وعشرين ليلة وعندهم حكام تجوز أحكامهم هم أقرب إليهم من مكة قلنا أفللحاكم أن يكتب إلى الحاكم يخرج خمسين رجلا، أو إنما ذلك إلى ولي الدم يختار منهم خمسين رجلا؟ قال، بل إلى ولي الدم قلنا فعمر إنما كتب إلى الحاكم برفع خمسين فرفعهم زعمت ولم يجعل رفعهم إلى ولي الدم ولم يأمره بتخيرهم فيرفعهم الحاكم باختيار الولي قلنا، أو للحاكم أن يحلفهم في الحجر؟ قال لا ويحلفهم حيث يحكم قلنا فعمر لا يحكم في الحجر، وقد أحلفهم فيه قلنا، أو للحاكم لو لم يحلفوا أن يقتلهم؟ قال لا قلنا فعمر يخبر أنهم إنما حقنوا دماءهم بأيمانهم وهذا يدل على أنه يقتلهم لو لم يحلفوا فهذه أحكام أربعة تخالف فيها عمر لا مخالف لعمر فيها من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد علمته خالفه فيها وتقبل عنه حكما يخالف بعض حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القسامة؛ لأن «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل على يهود دية، وقد وجد عبد الله بن سهل بينهم» أفتأخذ ببعض ما رويت عن عمر وله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالف وتترك ما رويت عنه مما لا مخالف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن غيره من أصحابه أربعة أحكام. فأي جهل أبين من قولك هذا؟ قال أفثابت هو عندك؟ قلت لا إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور، والحارث الأعور مجهول ونحن نروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإسناد الثابت أنه بدأ المدعين فلما لم يحلفوا قال أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا فإذا قال أفتبرئكم لا يكون عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجعل على اليهود، والقتيل بين أظهرهم شيئا ويروى عن عمر أنه بدأ المدعى عليهم، ثم ردوا الأيمان على المدعين وهذان جميعا يخالفان ما رويتم عنه وقلت له إذ زعمت أن الكتاب يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين وأن السنة تدل على أن لا يعطى أحد إلا ببينة فما تقول في رجل قال لامرأته ما ولدت هذا الولد مني وإنما

استعرتيه ليلحق بي نسبه؟ قال إن جاءت بامرأة واحدة تشهد بأنها ولدته ألحقته به إلا أن يلاعنها قلت: وكذلك عيوب النساء، والولاد تجيز فيه شهادة امرأة واحدة؟ قال نعم قلت فعمن رويت هذا القول؟ قال عن علي - رضي الله تعالى عنه - بعضه؛ قلت أفيد لك هذا على أن ما زعمت من أن القرآن يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين والسنة ليس كما ادعيت؟ قال نعم، وقد أعطيتك هذا قبل هذا في القسامة ولكن في هذا علة أخرى قلت وما هي؟ قال إن الله عز وجل إنما وضع حدوده على ما يحل فلو أن شاهدين عمدا أن ينظرا إلى فرج امرأة تلد ليشهدا لها بذلك كانا بذلك فاسقين لا تقبل شهادتهما.
قلت فهل في القرآن استثناء إلا ما لا يراه الرجال قال لا قلت فقد خالفت في أصل قولك القرآن، قلت أفرأيت شهود الزنا إذا كانوا يديمون النظر ويرصدون المرأة والرجل يزنيان حتى يثبتوا ذلك يدخل منه دخول المرود في المكحلة فيرون الفرج والدبر، والفخذين وغير ذلك من بدنهما إلى ما لا يحل لهم نظره أم إلى ما يحرم عليهم قال، بل إلى ما يحرم عليهم.
قلت فكيف أجزت شهادتهم؟ قال أجازها عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قلت فإن كان عمر بن الخطاب يجيز شهادة من نظر إلى ما يحرم عليه؛ لأنه إنما نظر ليشهد لا ليفسق فكيف زعمت أنك ترد شهادة من نظر إلى ما يحرم عليه ليشهد وفسقته قال ما أردها.
قلت: قد زعمت ذلك أولا فانظر فإن كانت امرأة مسلمة صالحة عند فاسق فقالت هو ينكر ولدي فيقلدني وولدي عارا وأنت تزعم أن الكتاب والسنة لا يجيزان أقل من شاهد وامرأتين فأجلس شاهدين، أو شاهدا وامرأتين من خلف الباب والنساء معي فإذا خرج رأس ولدي كشفنني ليروا خروجه مني فيلحق بأبيه فهذا نظر لنثبت به شهادة لي وللمولود وهو من حقوق الناس وأنت تشدد في حقوق الناس وليس هذا بنظر يتلذذ به الشاهدان، بل هو نظر يقذرانه ونظر شهود الزنا يجمع أمرين أنه أطول من نظرهما إلى ولادتي وأعم لعامة البدن وأنه نظر لذة يحرك الشهوة ويدعو إليها، فأجز هؤلاء كما أجزت شهادة شهود الزنا واردد شهادة شهود الزنا فهم أولى أن يردوا إذا كان ذلك يجوز لقولك إن من نظر إلى ما يحرم عليه فهو بذلك فاسق ترد شهادته إذا كان حدا لله عز وجل وأنت تدرأ حد الله بالشبهات وتأمر بالستر على المسلمين، قال لا أرد هؤلاء لو شهدوا ولا أكلفك هذا.
قلت فقد خالفت ما قلت أولا من أن الله عز وجل حرم أن يجوز أقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين ومما ادعيت في السنة وما احتججت به من أن هذا محرم على الناس أن يشهدوا فيه، وقلت أرأيت استهلال المولود، لم تقبل عليه شهادة امرأة والرجال يرونه قال قبلتها على ما قلت أولا قلت: أفلا تدع ذلك بما ادعيت في الكتاب والسنة؟ قال لا يخالف الكتاب.
قلت فالكتاب والسنة بهذا وبالقتيل يوجد في المحلة خاص؟ قال نعم: قلت لا تحتج بأنه عام مرة وتقول أخرى هو خاص وقلت له أرأيت الرجل، والمرأة يتداعيان متاع البيت لم لم تحكم فيه بأن تجعله للذي له البيت، أو للمرأة؛ لأنها ألزم للبيت وتجعل الزوج مدعيا، أو المرأة وتكلف أيهما جعلت مدعيا البينة، أو تجعله في أيديهما فتقسمه بينهما وبهذا نقول نحن فنقسمه بينهما وأنت تخالف هذا فتعطيها على غير بينة ولا معنى لكينونة الشيء في أيديهما فتجعل متاع الرجال للرجال ومتاع النساء للنساء وما يصلح لهما معا بينهما، وقد يملك الرجل متاع النساء، والمرأة متاع

الرجال، أو أورأيت الرجلين يتداعيان الجدار معا لم لم تجعله بينهما؟.
وكذلك نقول نحن ولم جعلته لمن يليه معاقد القمط وأنصاف اللبن؟ فتقول هذا كالدلالة على أن من يليه معاقد القمط وأنصاف اللبن مالك للجدار، وقد يبني الرجل الجدار بناء مختلفا، وقد يكونان اقتسما المنزل فلم يعتدل القسم إلا بأن يجعلا هذا الجدار لمن ليس إليه معاقد القمط وأنصاف اللبن؟ ويكون أحدهما اشتراه هكذا، أو رأيت الرجل يتكارى من رجل بيتا فيختلفان في رفاف البيت والرفاف بناء فلم لم تجعل البناء لصاحب البيت؟.
وكذلك نقول زعمت أنت أن الرفاف إن كانت ثابتة في الجدار فهي لصاحب البيت وإن كانت ملتصقة فهي للساكن، وقد يبني صاحب البيت رفافا ملتصقة ويبني الساكن رفافا فيحفر لها في الجدار فتصير فيه ثابتة وأعطيت في هذا كله بلا بينة واستعملت فيه أضعف الدلالة ولم تعتمد فيه على أثر ثابت ولا إجماع من الناس، ثم لم تنسب نفسك إلى خلاف كتاب الله ولا سنة ولا قياس وإن كان قول الله عز وجل فيه {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} محرما أن يعطي أحد بأقل من هذا فقد أعطيته بأقل من هذا وخالفته بلا عذر وخالفت ما ادعيت من أن السنة دلت على أن لا يعطى أحد إلا ببينة فيه وفي غيره مما هذا كاف منه ومبين عليك تركك قولك فيه قال فإنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن فإن وافقه، فأنا قلته وإن خالفه فلم أقله» فقلت له فهذا غير معروف عندنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمعروف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا خلاف هذا وليس يعرف ما أراد خاصا وعاما وفرضا وأدبا وناسخا ومنسوخا إلا بسنته - صلى الله عليه وسلم - فيما أمره الله عز وجل به فيكون الكتاب بحكم الفرض والسنة تبينه قال وما دل على ذلك؟ قلت قول الله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فقد بين الله عز وجل أن الرسول قد يسن وفرض الله على الناس طاعته (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثني سالم أبو النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه، أو أمرت به فيقول ما ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقلت له لو كان هذا الحديث الذي احتججت به ثابتا كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه إن شاء الله تعالى.
وقال لي بعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد قال الله عز وجل {ذوي عدل منكم} وقال {شهيدين من رجالكم} فكيف أجزتم أقل من هذا؟ فقلت له لما لم يكن في التنزيل أن لا يجوز أقل من شاهدين، وكان التنزيل محتملا أن يكون الشاهدان تامين في غير الزنا ويؤخذ بهما الحق لطالبه ولا يمين عليه، ثم وجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيز اليمين مع الشاهد لصاحب الحق ويأخذ حقه ووجدت المسلمين يجيزون شهادة أقل من شاهدين ويعطون بها دلت السنة وعمل المسلمين على أن قول الله عز وجل، {شهيدين من رجالكم} ليس محرما أن يجوز أقل منه والله تعالى أعلم، ونحن نسألك فإن قلت بمثل قولنا لزمك أن ترجع إلى اليمين مع الشاهد وإن خالفته لزمك أن تترك عامة قولك وإن تبين لك أن ما قلت من هذا ونجلتنا على غير ما قلت وأنك أولى بما نجلتنا من الخطإ في القرآن منا قال فسل، فقلت حد لي كل حكم في {شهيدين من رجالكم} قال أن يجوز فيؤخذ به الحق بغير يمين من الطالب قلت وماذا قال وفيه تحريم أن يؤخذ الحق بأقل منه؟ قلت وما الشاهدان من رجالنا؟ قال حران مسلمان عدلان قلت له فالاثنان ذوي عدل كما وصفت يجوزان ومحرم أن يجوز إلا ما زعمت ووصفت أنهم شرطوا في الكتاب؟ قال: نعم قلت فلم أجزت أهل الذمة فيما بينهم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]