
03-08-2024, 08:17 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,591
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (285)
صــــــــــ 31 الى صـــــــــــ 37
قلنا وهذا أيضا مثل الذي زعمت أنك لما تبين لك علمت أن صاحبك لم يصنع فيه شيئا قال فكيف؟ قلت أتجد الحرام في الماء مختلطا فالحلال منه لا يتميز أبدا؟ قال نعم قلت أفتجد بدن التي زنى بها مختلطا ببدن ابنتها لا يتميز منه؟ قال لا، قلت وتجد الماء لا يحل أبدا إذا خالطه الحرام لأحد من الناس قال نعم قلت فتجد الرجل إذا زنى بامرأة حرم عليه أن ينكحها، أو هي حلال له وحرام عليه أمها وابنتها؟ قال، بل هي حلال له قلت فهما حلال لغيره قال نعم قلت أفتراه قياسا على الماء؟ قال لا قلت أفما تبين لك أن خطأك في هذا ليس يسيرا إذا كان يعصي الله عز وجل في امرأة فزنى بها فإذا نكحها حلت له بالنكاح وإن أراد نكاح ابنتها لم تحل له فتحل له التي زنى بها وعصى الله تعالى فيها، ولو طلقها ثلاثا لم يكن ذلك طلاقا؛ لأن الطلاق لا يقع إلا على الأزواج وتحرم عليه ابنتها التي لم يعص الله تعالى في أمرها وإنما حرمت عليه بنت امرأته وهذه عندك ليست بامرأته قال فإنه يقال ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها قلت وما أدري لعل من زنى بامرأة ولم ير فرج ابنتها ملعون، وقد أوعد الله عز وجل على الزنا النار ولعله ملعون من أتى شيئا مما يحرم عليه فقيل له: ملعون من نظر إلى فرج أختين قال لا قلت فكيف زعمت أنه إن زنى بأخت امرأته حرمت عليه امرأته فرجع بعضهم إلى قولنا وعاب قول أصحابه في هذا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وجعل الله عز وجل الرجال قوامين على النساء والطلاق إليهم فزعموا هم أن المرأة إذا شاءت كان الطلاق إليها فإذا كرهت المرأة زوجها قبلت ابنه وقالت قبلته بشهوة فحرمت عليه فجعلوا الأمر إليها وقلنا نحن وهم وجميع الناس لا يختلفون في ذلك علمته من طلق غير امرأته، أو آلى منها، أو تظاهر منها لم يلزمها من ذلك شيء ولم يلزمه ظهار ولا إيلاء قال فقلنا إذا اختلعت المرأة من زوجها، ثم طلقها في عدتها لم يلزمها الطلاق؛ لأنها ليست له بامرأة وهذا يدل على أصل ما ذهبنا إليه لا يخالفه فقال بعض الناس إذا اختلعت منه فلا رجعة له عليها وإن طلقها بعد الخلع في العدة لزمها الطلاق وإن طلقها بعد انقضاء العدة لم يلزمها الطلاق فقلت له قد قال الله عز وجل {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} إلى آخر الآيتين وقال الله عز وجل {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا}.
وقلنا قال الله تبارك وتعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} وفرض الله عز وجل العدة على الزوجة في الوفاة فقال {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} فما تقول في المختلعة إن آلى منها في العدة بعد الخلع، أو تظاهر هل يلزمه الإيلاء، أو الظهار؟ قال لا قلت فإن مات هل ترثه، أو ماتت هل يرثها في العدة؟ قال لا قلت ولم وهي تعتد منه؟ قال لا وإن اعتدت فهي غير زوجة وإنما يلزم هذا في الأزواج وقال الله عز وجل {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} الآية، وإذا رمى المختلعة في العدة أيلاعنها قال لا قلت: أفبالقرآن تبين أنها ليست بزوجة قال نعم قلت فكيف زعمت أن الطلاق لا يلزم إلا زوجة وهذه بكتاب الله تعالى عندنا وعندك غير زوجة، ثم زعمت أن الطلاق يلزمها وأنت تقول إن آيات من كتاب الله عز وجل تدل على أنها ليست بزوجة؟ قال روينا قولنا هذا بحديث شامي قلنا أفيكون مثله مما يثبت؟ قال لا قلنا فلا تحتج به قال فقال ذلك إبراهيم النخعي وعامر الشعبي قلنا فهما إذا قالا وإن لم يخالفهما غيرهما حجة؟ قال لا قلنا فهل يحتج بهما على قولنا وهو يوافق ظاهر القرآن ولعلهما كانا يريان له عليها الرجعة فيلزمانه الإيلاء والظهار ويجعلان بينهما الميراث؟ قال فهل قال أحد بقولك؟ قلنا الكتاب كاف من ذلك، وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة؛ لأنه طلق ما لا يملك قلت له لو لم يكن في هذا إلا قول
ابن عباس وابن الزبير كليهما أكان لك خلافه في أصل قولنا وقولك إلا بأن يقول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه قال لا قلت فالقرآن مع قولهما، وقد خالفتهما وخالفت في قولك عدد آي من كتاب الله عز وجل قال فأين؟ قلت إن زعمت أن حكم الله في الأزواج أن يكون بينهم الإيلاء والظهار واللعان وأن يكون لهن الميراث ومنهن الميراث وأن المختلعة ليست بزوجة يلزمها واحد من هذا فما يلزمك إذا قلت يلزمها الطلاق والطلاق لا يلزم إلا زوجة أنك خالفت حكم الله في إلزامها الطلاق، أو في تركك إلزامها الإيلاء والظهار واللعان، والميراث لها، والميراث منها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فما رد شيئا إلا أن قال: قال بها أصحابنا فقلت له أتجعل قول الرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة حجة وليس يدل على موافقة قوله من القرآن شيء وتجعله أخرى حجة وأنت تقول ظاهر القرآن يخالفه كما قلت إذا أرخى سترا وجب المهر وظاهر القرآن أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فلها نصف المهر وإغلاق الباب وإرخاء الستر ليس بالمسيس، ثم تترك قول ابن عباس وابن الزبير ومعهما خمس آيات من كتاب الله تعالى كلها تدل على أن المختلعة في العدة ليست بزوجة ومعهما القياس، والمعقول عند أهل العلم وتترك قول عمر في الصيد أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي اليربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق وقول عمر وعبد الرحمن حين حكما على رجلين، أوطئا ظبيا بشاة، والقرآن يدل على قولهما بقول الله عز وجل {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فزعمت أنه يجزي بدراهم ويقولان في الظبي بشاة واحدة والله يقول {مثل} وأنت تقول جزاءان وقال الله عز وجل {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} وقال {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} فقرأ إلى {المحسنين} فقال عامة من لقيت من أصحابنا المتعة هي للتي لم يدخل بها قط ولم يفرض لها مهر فطلقت وللمطلقة المدخول بها المفروض لها بأن الآية عامة على المطلقات لم يخصص منهن واحدة دون الأخرى بدلالة من كتاب الله عز وجل ولا أثر.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها صداق ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأحسب ابن عمر استدل بالآية التي تتبع للتي لم يدخل بها ولم يفرض لها؛ لأن الله تعالى يقول بعدها {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} الآية فرأي القرآن كالدلالة على أنها مخرجة من جميع المطلقات ولعله رأى أنه إنما أريد أن تكون المطلقة تأخذ بما استمتع به منها زوجها عند طلاقها شيئا فلما كانت المدخول بها تأخذ شيئا وغير المدخول بها إذا لم يفرض لها كانت التي لم يدخل بها، وقد فرض لها تأخذ بحكم الله تبارك وتعالى نصف المهر وهو أكثر من المتعة ولم يستمتع بها فرأى حكمها مخالفا حكم المطلقات بالقرآن وخالف حالها حالهن فذكرت ما وصفت من هذا لبعض من يخالفنا وقلنا له أنت تستدل بقول الواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معنى الكتاب إذا احتمله، والكتاب محتمل ما قال ابن عمر وفيه كالدليل على قوله فكيف خالفته، ثم لم تزعم بالآية أن المطلقات سواء في المتعة وقال الله عز وجل {وللمطلقات متاع بالمعروف} لم يخص مطلقة دون مطلقة قال استدللنا بقول الله عز وجل {حقا على المتقين} أنها غير واجبة، وذلك أن كل واجب فهو على المتقين وغيرهم ولا يخص به المتقون.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلنا فقد
زعمت أن المتعة متعتان متعة يجبر عليها السلطان وهي متعة المرأة لم يفرض لها الزوج ولم يدخل بها فطلقها وإنما قال الله عز وجل فيها {حقا على المحسنين} فكيف زعمت أن ما كان حقا على المحسنين حق على غيرهم في هذه الآية وكل واحدة من الآيتين خاصة؟ فكيف زعمت أن إحداهما عامة، والأخرى خاصة؟ فإن كان هذا حقا على المتقين لم لم يكن حقا على غيرهم؟ هل معك بهذا دلالة كتاب، أو سنة، أو أثر، أو إجماع؟ فما علمته رد أكثر مما وصفت في أن قال هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في المشركين {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية وقال الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} وأهواءهم يحتمل سبيلهم في أحكامهم ويحتمل ما يهوون وأيهما كان فقد نهي عنه وأمر أن يحكم بينهم بما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقلنا إذا حكم الحاكم بين أهل الكتاب حكم بينهم بحكم الله عز وجل وحكم الله حكم الإسلام وأعلمهم قبل أن يحكم أنه يحكم بينهم حكمه بين المسلمين وأنه لا يجيز بينهم إلا شهادة المسلمين لقول الله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقوله {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فقال بعض الناس تجوز شهادتهم بينهم فقلنا ولم والله عز وجل يقول {شهيدين من رجالكم} وذوي عدل منكم وأنت لا تخالفنا في أنهم من الأحرار المسلمين العدول لا من غيرهم فكيف أجزت غير من أمر الله تعالى به؟ قال بقول الله عز وجل {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} فقلت له فقد قيل: من غير قبيلتكم والتنزيل والله تعالى أعلم يدل على ذلك لقول الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة} والصلاة المؤقتة للمسلمين وبقول الله تبارك وتعالى {فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى} وإنما القرابة بين المسلمين الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من العرب، أو بينهم وبين أهل الأوثان لا بينهم وبين أهل الذمة وقول الله تبارك وتعالى {ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين} فإنما يتأثم من كتمان الشهادة للمسلمين المسلمون لا أهل الذمة قال فإنا نقول هي على غير أهل دينكم قلت له فأنت تترك ما تأولت قال وأين قلت أفتجيز شهادة غير أهل ديننا من المشركين غير أهل الكتاب قال لا قلت ولم وهم غير أهل ديننا هل تجد في هذه الآية، أو في خبر يلزم مثله أن شهادة أهل الكتاب جائزة وشهادة غيرهم غير جائزة، أو رأيت لو قال لك قائل أراك قد خصصت بعض المشركين دون بعض فأجيز شهادة غير أهل الكتاب؛ لأنهم ضلوا بما وجدوا عليه آباءهم ولم يبدلوا كتابا كان في أيديهم وأرد شهادة أهل الذمة؛ لأن الله عز وجل أخبرنا أنهم بدلوا كتابه قال ليس ذلك له وفيهم قوم لا يكذبون قلنا وفي أهل الأوثان قوم لا يكذبون قال فالناس مجتمعون على أن لا يجيزوا شهادة أهل الأوثان قلنا الذين تحتج بإجماعهم معك من أصحابنا لم يردوا شهادة أهل الأوثان إلا من قول الله عز وجل {ذوي عدل منكم}، والآية معها وبذلك ردوا شهادة أهل الذمة فإن كانوا أخطئوا فلا نحتج بإجماع المخطئين معك وإن كانوا أصابوا فاتبعهم فقد اتبعوا القرآن فلم يجيزوا شهادة من خالف دين الإسلام قال فإن شريحا أجاز شهادة أهل الذمة فقلت له وخالف شريحا غيره من أهل دار السنة، والهجرة والنصرة، فأبوا إجازة شهادتهم ابن المسيب وأبو بكر بن حزم وغيرهما وأنت تخالف شريحا فيما ليس فيه كتاب برأيك قال إني لأفعل قلت ولم قال؛ لأنه لا يلزمني قوله قلت فإذا لم يلزمك قوله فيما ليس فيه كتاب فقوله فيما فيه خلاف الكتاب أولى أن لا يلزمك قال فإذا لم أجز شهادتهم أضررت بهم قلت أنت لم تضر بهم لهم حكام ولم يزالوا يسألون ذلك منهم ولا نمنعهم من حكامهم، وإذا
حكمنا لم نحكم إلا بحكم الله من إجازة شهادة المسلمين.
وقلت له أرأيت عبيدا أهل فضل ومروءة وأمانة يشهد بعضهم لبعض قال لا تجوز شهادتهم قلت لا يخلطهم غيرهم في أرض رجل، أو ضيعته فيهم قتل وطلاق وحقوق وغيرها ومتى ردت شهادتهم بطلت دماؤهم وحقوقهم قال فأنا لم أبطلها وإنما أمرت بإجازة شهادة الأحرار العدول المسلمين قلت وهكذا أعراب كثير في موضع لا يعرف عدلهم وهكذا أهل سجن لا يعرف عدلهم ولا يخلط هؤلاء ولا هؤلاء أحد يعدل أتبطل الدماء، والأموال التي بينهم وهم أحرار مسلمون لا يخالطهم غيرهم؟ قال نعم؛ لأنهم ليسوا ممن شرط الله قلنا ولا أهل الذمة ممن شرط الله؟، بل هم أبعد ممن شرط الله من عبيد عدول لو أعتقوا جازت شهادتهم من غد، ولو أسلم ذمي لم تجز شهادته حتى نختبر إسلامه وقلت له إذا احتججت ب {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} أفتجيزها على وصية المسلم حيث ذكرها الله عز وجل؟ قال لا؛ لأنها منسوخة قلنا أفتنسخ فيما نزلت فيه وتثبت في غيره؟ لو قال هذا غيرك كنت شبيها أن تخرج من جوابه إلى شتمه قال ما قلنا فيها إلا أن أصحابنا قالوه وأردنا الرفق بهم قلنا الرفق بالعبيد المسلمين العدول، والأحرار من الأعراب وأهل السجن كان أولى بك وألزم لك من الرفق بأهل الذمة فلم ترفق بهم؛ لأن شرط الله في الشهود غيرهم وغير أهل الذمة فكيف جاوزت شرط الله تعالى في أهل الذمة للرفق بهم ولم تجاوزه في المسلمين للرفق بهم وقلت أيضا على هذا المعنى إذا تحاكموا إلينا، وقد زنى منه ثيب رجمناه.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فرجع بعضهم إلى هذا القول وقال أرجمهما إذا زنيا؛ لأن ذلك حكم الإسلام وأقام بعضهم على أن لا يرجمهما إذا زنيا وقالوا جميعا في الجملة نحكم عليهم بحكم الإسلام فقلت لبعضهم أرأيت إذا أربوا فيما بينهم والربا عندهم حلال؟ قال أرد الربا؛ لأنه حرام عندنا قلت ولا تلتفت إلى ما عندهم من إحلاله؟ قال لا قلت أرأيت إن اشترى مجوسي منهم بين يديك غنما بألف، ثم وقذها كلها ليبيعها فباع بعضها موقوذا بربح وبقي بعضها فحرقها عليه مسلم، أو مجوسي فقال هذا مالي وهذه ذكاته عندي وحلال في ديني، وقد نقدت ثمنه بين يديك وبعت بعضه بربح، والباقي كنت بائعه بربح، ثم حرقه هذا؟ قال فليس لك عليه شيء قلت فإن قال لك: ولم؟ قال: لأنه حرام، قلت: فإن قال لك: حرام عندك أو عندي؟ قال: أقول له: عندي، قلت: فقال: هو حلال عندي، قال: وإن كان حلالا عندك فهو حرام عندي علي وما كان حراما علي فهو حرام عليك قلت فإن قال فأنت تقرني على أن آكله، أو أبيعه وأنا في دار الإسلام وتأخذ مني عليه الجزية قال فإن أقررتك عليه فإقرارك عليه ليس هو الذي يوجب لك على أن أصير لك شريكا بأن أحكم لك به قلت فما تقول إن قتل له خنزيرا، أو أهراق له خمرا؟ قال يضمن ثمنه قلت ولم قال؛ لأنه مال له قلت أحرام عليك أم غير حرام؟ قال، بل حرام قلت أفتقضي له بقيمة الحرام ما فرق بينه وبين الربا وثمن الميتة للميتة كانت أولى أن يقضى له بثمنها؛ لأن فيها أهبا قد يسلخها فيدبغها فتحل له وليس في الخنزير عندك ما يحل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت له ما تقول في مسلم، أو ذمي سلخ جلود ميتة ليدبغها فحرق تلك الجلود عليه قبل الدباغ مسلم، أو ذمي؟ قال لا ضمان عليه قلت ولم، وقد تدبغ فتصير تسوى مالا كثيرا ويحل بيعها قال؛ لأنها حرقت في وقت فلما أتلفت في الوقت الذي ليست فيه حلالا لم أضمنها قلت، والخنزير شر، أو هذه؟ قال، بل الخنزير قلت فظلم المسلم، والمعاهد أعظم أم ظلم المعاهد وحده؟ قال، بل ظلم المسلم، والمعاهد معا قلت:
فلا فما أسمعك إلا ظلمت المسلم، والمعاهد، أو أحدهما حين لم تقض للمسلم بثمن الأهب، وقد تصير حلالا وهي الساعة له مال لو غصبه إياها إنسان لم تحل له، وكان عليك ردها إليه وظلمت المعاهد حين لم تضمن ثمن أهبه وثمن ميتته، أو ظلمته حين أعطيته ثمن الحرام من الخمر، والخنزير (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولهذا كتاب طويل هذا مختصر منه وفيما كتبنا بيان مما لم نكتب إن شاء الله تعالى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد قال الله تبارك وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} قرأ الربيع الآية فقلنا بما قال الله عز وجل إذا وجد الفقراء، والمساكين والرقاب، والغارم وابن السبيل أعطوا منها كلهم ولم يكن للإمام أن يعطي صنفا منهم ويحرمها صنفا يجدهم؛ لأن حق كل واحد منهم ثابت في كتاب الله عز وجل فقال بعض الناس إن كانوا موجودين فله أن يعطيها صنفا واحدا ويمنع من بقي معه فقيل له: عمن أخذت هذا؟ فذكر بعض من ينسب إلى العلم لا أحفظه قال فقال إن وضعها في صنف واحد وهو يجد الأصناف أجزأه قلنا فلو كان قول هذا الذي حكيت عنه هذا مما يلزم لم يكن لك فيه حجة؛ لأنه لم يقل فإن وضعها، والأصناف موجودون أجزأه وإنما قال الناس إذا لم يوجد صنف منها رد حصته على من معه؛ لأنه مال من مال الله عز وجل لا نجد أحدا أحق به ممن ذكره الله في كتابه معه، فأما، والأصناف موجودة فمنع بعضهم ماله لا يجوز، ولو جاز هذا جاز أن يأخذه كله فيصرفه إلى غيرهم مع أنا لا نعلم أحدا قال هذا القول قط يلزم قوله، ولو لم يكن في هذا كتاب الله وكيف تحتج على كتاب الله بغير سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا أمر بين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد تركنا من الحجة على من خالف اليمين مع الشاهد أكثر مما كتبنا اكتفاء ببعض ما كتبنا ونسأل الله تعالى التوفيق، والعصمة، وقد بينا إن شاء الله تعالى أنهم لم يحتجوا في إبطال الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى باليمين مع الشاهد بشيء زعموا أنه يخالف ظاهر القرآن إلا، وقد بينا أنهم خالفوا القرآن بلا حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكونوا قالوا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أمرنا الله تعالى أن نأخذ ما آتانا وننتهي عما نهانا ولم يجعل لأحد بعده ذلك وبينا أنهم تركوا ظاهر القرآن ومعه قول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بظاهر القرآن في غير موضع أيضا، فأي جهل أبين من أن يكون قوم يحتجون بشيء يلزمهم أكثر منه لا يرونه حجة لغيرهم عليهم؟ والله تعالى الموفق.
باب اليمين مع الشاهد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من ادعى مالا، فأقام عليه شاهدا، أو ادعي عليه مال فكانت عليه يمين نظر في قيمة المال فإن كان عشرين دينارا فصاعدا، وكان الحكم بمكة أحلف بين المقام، والبيت على ما يدعي ويدعى عليه وإن كان بالمدينة حلف على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن كان عليه يمين لا يحلف بين المقام، والبيت فقال بعض أصحابنا إذا كان هذا هكذا حلف في الحجر فإن كانت عليه يمين في الحجر أحلف عن يمين المقام ويكون أقرب إلى البيت من المقام، وإن كان ما يحلف عليه أقل من عشرين دينارا أحلف في المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهكذا إذا كان يحلف عليه من أرش جناية، أو غيرها من الأموال كلها، ولو قال قائل: يجبر على اليمين بين البيت، والمقام وإن حنث كما يجبر على اليمين لو لزمته وعليه يمين أن لا يحلف كان مذهبا ومن كان ببلد غير مكة، والمدينة أحلف على عشرين دينارا، أو على العظيم من الدم، والجراح بعد العصر في مسجد ذلك البلد ويتلى عليه {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحلف على الطلاق، والحدود كلها وجراح العمد صغرت أم كبرت بين المقام، والبيت وعلى جراح الخطإ التي هي أموال إذا بلغ أرشها عشرين دينارا فإن لم تبلغ لم يحلف بين المقام، والبيت، وكذلك العبد يدعي العتق إن بلغت قيمته عشرين دينارا حلف سيده وإلا لم يحلف قال وهذا قول حكام المكيين ومفتيهم ومن حجتهم فيه إجماعهم أن مسلم بن خالد، والقداح أخبرا عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن عبد الرحمن بن عوف رأى قومه يحلفون بين المقام، والبيت فقال أعلى دم؟ قالوا لا قال أفعلى عظيم من الأمر؟ فقالوا لا قال لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فذهبوا إلى أن العظيم من الأموال ما وصفت من عشرين دينارا فصاعدا وقال مالك يحلف على المنبر على ربع دينار (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: وأخبرنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة قال كتبت إلى ابن عباس من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا شاهد عليهما فكتب إلي أن أحبسهما بعد العصر، ثم أقرأ عليهما {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} ففعلت فاعترفت.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: وأخبرنا مطرف بن مازن بإسناد لا أعرفه أن ابن الزبير أمر بأن يحلف على المصحف.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ورأيت مطرفا بصنعاء يحلف على المصحف قال ويحلف الذميون في بيعتهم وحيث يعظمون وعلى التوراة، والإنجيل وما عظموا من كتبهم
(قال): ومن أحلف على حد، أو جراح عمد قل أرشها، أو كثر، أو زوج لاعن فهذا أعظم من عشرين دينارا فيحلف عليه كما وصفنا بين المقام، والبيت وعلى المنبر وفي المساجد وبعد العصر وبما تؤكد به الأيمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أخطأ الحاكم في رجل عليه يمين بين المقام، والبيت، فأحلفه ولم يحلفه بين المقام، والبيت فالقول في ذلك واحد من قولين.
أحدهما أنه إذا كان من ليس بمكة ولا المدينة ممن عنده حاكم لا يجلب إلى المدينة ولا مكة فيحلف ببلده فحلفه في حرم الله وفي حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حلفه في غيره ولا تعاد عليه اليمين، والآخر أنه إذا كان من حقه أن يحلف بين المقام، والبيت، أو على المنبر والناس لليمين بين البيت، والمقام وعلى المنبر أهيب فتعاد اليمين عليه حتى يؤخذ منه ما عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجلب أحد من بلد به حاكم يجوز حكمه في العظيم من الأمور إلى مكة وإلى المدينة وإلى موضع الخليفة ويحكم عليه حاكم بلده باليمين ببلده فإن كان المحكوم عليه يقهر حاكم بلده بجند، أو عز فسأل الطالب الخليفة رفعه إليه رأيت رفعه إن لم يكن حاكم يقوى عليه غيره فإن كان يقوى عليه حاكم غيره وهو أقرب إليه من الخليفة رأيت أن يرفع إلى الذي هو أقرب إليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):، والمسلمون البالغون رجالهم ونساؤهم ومماليكهم وأحرارهم سواء في الأيمان يحلفون كما وصفنا، والمشركون من أهل الذمة، والمستأمنون في الأيمان كما وصفنا يحلف كل واحد منهم بما يعظم من الكتب وحيث يعظم من المواضع بما يعرف المسلمون مما يعظم المستحلف منهم مثل قوله " بالله الذي أنزل التوراة على موسى وبالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى " وما أشبه هذا مما يعرفه المسلمون وإن كانوا يعظمون شيئا يجهله المسلمون إما يجهلون لسانهم فيه وإما يشكون في معناه لم يحلفوهم به ولا يحلفونهم أبدا إلا بما يعرفون
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):
ويحلف الرجل في حق نفسه على البت وفيما عليه نفسه على البت، وذلك مثل أن يكون له أصل الحق على الرجل فيدعي الرجل منه البراءة فيحلف بالله أن هذا الحق ويسميه لثابت عليه ما اقتضاه ولا شيئا منه ولا اقتضاه ولا شيئا منه له مقتض بأمره ولا أحال به ولا بشيء منه على أحد ولا أبرأ فلانا المشهود عليه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه وأنه عليه لثابت إلى يوم حلفت هذه اليمين فإن كان الحق لأبيه عليه فورث أباه أحلف على البت في نفسه كما وصفت وعلى علمه في أبيه ما علم أباه اقتضاه ولا شيئا منه ولا أبرأه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه، ثم أخذه فإن كان شهد له عليه شاهد قال في اليمين إن ما شهد له به فلان بن فلان على فلان ابن فلان لحق ثابت عليه على ما شهد به، ثم ينسق اليمين كما وصفت لك ويتحفظ الذي يحلفه فيقول له قل والله الذي لا إله إلا هو وإن وجبت اليمين لرجل يأخذ بها، أو على أحد يبرأ بها فسواء في الموضع الذي يحلف فيه وإن بدأ الذي له اليمين، أو الذي هي عليه فحلف عند الحاكم، أو في موضع اليمين على ما ادعى وادعي عليه لم يكن للحاكم أن يقبل بمينه ولكن إذا خرج له الحكم باليمين، أو عليه أحلفه فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ فالحجة فيه أن محمد بن علي بن شافع أخبرنا عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد «أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ألبتة، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إني طلقت امرأتي ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه» قال فقد حلف ركانة قبل خروج الحكم فلم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أحلفه بمثل ما حلف به فكان في ذلك دلالة على أن اليمين إنما تكون بعد خروج الحكم فإذا كانت بعد خروج الحكم لم تعد ثانية على صاحبها، وإذا حلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركانة في الطلاق فهذا يدل أن اليمين في الطلاق كما هي في غيره.
وإذا كانت اليمين على الإرث، أو له أحلف، وكذلك إن كانت على من بلسانه خبل ويفهم بعض كلامه ولا يفهم بعض فإن كانت على أخرس فكان يفهم بالإشارة ويفهم عنه بها أشير إليه وأحلف له وعليه فإن كان لا يفهم ولا يفهم عنه، أو كان معتوها، أو مخبولا فكانت اليمين له وقفت له حقه حتى يفيق فيحلف، أو يموت فيحلف وارثه وإن كانت عليه قيل: لمدعيها انتظر حتى يفيق ويحلف فإن قال، بل أحلف وآخذ حقي قيل له: ليس ذلك لك إنما يكون ذلك لك إذا رد اليمين وهو لم يردها وإن أحلف الوالي رجلا فلما فرغ من يمينه استثنى فقال إن شاء الله أعاد عليه اليمين أبدا حتى لا يستثني (قال): والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين البيت، والمقام وعلى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد العصر قول الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله} وقال المفسرون هي صلاة العصر وقول الله عز وجل في المتلاعنين {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين - والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} فاستدللنا بكتاب الله عز وجل على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة وعلى الحالف في اللعان بتكرير اليمين وقوله {أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدم بخمسين يمينا لعظمه وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين على المنبر وفعل أصحابه وأهل العلم ببلدنا (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|