
03-08-2024, 10:49 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (287)
صــــــــــ 45 الى صـــــــــــ 51
{فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال فإنا نزعم أن الخيار منسوخ لقول الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} قلت له فاقرأ الآية {ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم}.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فسمعت من أرضى علمه يقول وأن احكم بينهم إن حكمت على معنى قوله {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فتلك مفسرة وهذه جملة وفي قوله {فإن تولوا} دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم، ولو كان قوله {وأن احكم بينهم} إلزاما منه للحكم بينهم ألزمهم الحكم متولين؛ لأنهم إنما تولوا بعد الإتيان، فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا وهم والمسلمون إذا لم يأتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم إلا أنه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم فيغير عليهم وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عز وجل {وأن احكم بينهم} في معنى المسلمين انبغى للوالي أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم وإن تولى عنه زوجان على حرام ردهما حتى يفرق بينهما كما يرد زوجين من المسلمين لو توليا عنه وهما على حرام حتى يفرق بينهما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والدلالة على ما قال أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة وبها يهود وبخيبر وفدك ووادي القرى وباليمن كانوا، وكذلك في زمان أبي بكر وصدرا من خلافة عمر حتى أجلاهم وكانوا بالشام، والعراق، واليمن ولاية عمر بن الخطاب وعثمان وعلي - رضي الله تعالى عنهم - ولم يسمع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم بحكم إلا رجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم ولا لأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي وهم بشر يتظالمون ويتدارءون ويختلفون ويحدثون فلو لزم الحكم بينهم لزوم الحكم بين المسلمين تفقد منهم ما يتفقد من المسلمين، ولو لزم الحكم إذا جاء الطالب لكان الطالب إذا كان له في حكم المسلمين ما ليس له في حكم حكامه لجأ ولجأ المطلوب إذا رجا الفرج عند المسلمين ولجئوا في بعض الحالات مجتمعين إن شاء الله تعالى، ولو حكم فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو واحد من أئمة الهدى بعده لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله فالدلالة على أن لم يحكموا بما وصفت بينة إن شاء الله تعالى.
وقلت له لو كان الأمر كما تقول فكانت إحدى الآيتين ناسخة للأخرى ولم تكن دلالة من خبر ولا في الآية جاز أن يكون قول الله عز وجل {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} ناسخا لقوله {وأن احكم بينهم}، وكانت عليها دلالة بما وصفنا في التنزيل قال فما حجتك في أن لا تجيز بينهم إلا شهادة المسلمين قلت قول الله عز وجل {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط}، والقسط حكم الله الذي أنزل على نبيه وقول الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} والذي أنزل الله حكم الإسلام فحكم الإسلام لا يجوز إلا بشهادة العدول المسلمين، وقد قال الله {وأشهدوا ذوي عدل منكم}.
وقال تعالى {حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} فلم يختلف المسلمون أن شرط الله في الشهود المسلمين الأحرار العدول إذا كانت المعاني في الخصومات التي يتنازع فيها الآدميون معينة، وكان فيما تداعوا الدماء، والأموال وغير ذلك لم ينبغ أن يباح ذلك إلا بمن شرط الله من البينة وشرط الله المسلمين، أو بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع من المسلمين ولم يستن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمناه ولا أحد من أصحابه ولم يجمع المسلمون على إجازة شهادتهم بينهم وقلت له أرأيت الكذاب من المسلمين أتجيز شهادته عليهم؟ قال لا ولا أجيز عليهم من المسلمين إلا شهادة العدول التي تجوز على المسلمين فقلت له فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنهم بدلوا كتاب الله وكتبوا الكتب بأيديهم وقالوا
{هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} قال فالكذاب من المسلمين على الآدميين أخف في الكذب ذنبا من العاقد الكذب على الله بلا شبهة تأويل وأدنى المسلمين خير من المشركين فكيف ترد عنهم شهادة من هو خير منهم بكذب وتقبلهم وهم شر بكذب أعظم منه؟ والله أعلم.
الشهادات (أخبر الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال قال الله تبارك وتعالى {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} وقال {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} وقال الله عز وجل {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (قال الشافعي): - رحمه الله - تعالى: فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة، والكتاب يدل على أنه لا يجوز شهادة غير عدل (قال): والإجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه.
(قال): وسواء أي زنا ما كان زنا حرين، أو عبدين، أو مشركين؛ لأن كله زنا، ولو شهد أربعة على امرأة بالزنا، أو على رجل، أو عليهما معا لم ينبغ للحاكم أن يقبل الشهادة؛ لأن اسم الزنا قد يقع على ما دون الجماع حتى يصف الشهود الأربعة الزنا فإذا قالوا رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة، فأثبتوه حتى تغيب الحشفة فقد وجب الحد ما كان الحد رجما، أو جلدا وإن قالوا رأينا فرجه على فرجها ولم يثبت أنه دخل فيه فلا حد ويعزر فإن شهدوا على أن ذلك دخل في دبرها فقد وجب الحد كوجوبه في القبل فإن شهدوا على امرأة، فأنكرت وقالت أنا عذراء، أو رتقاء أريها النساء فإن شهد أربعة حرائر عدول على أنها عذراء، أو رتقاء فلا حد عليها؛ لأنها لم يزن بها إذا كانت هكذا الزنا الذي يوجب الحد ولا حد عليهم من قبل أنا وإن قبلنا شهادة النساء فيما يرين على ما يجزن عليه فإنا لا نحدهم بشهادة النساء، وقد يكون الزنا فيما دون هذا فإن ذهب ذاهب إلى أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق فقد قال عمر ذلك فيما بلغنا وقال ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم فأخبر أن الصداق يجب بالمسيس وإن لم يكن أرخى سترا ويجب بإرخاء الستر وإن لم يكن مسيس وذهب إلى أنها إذا خلت بينه وبين نفسها فقد وجب لها الصداق وجعل ذلك كالقبض في البيوع الذي يجب به الثمن وهو لو أغلق عليها بابا وأرخى سترا وأقام معها حتى تبلى ثيابها وتلبث سنة ولم يقر بالإصابة ولم يشهد عليه بها لم يكن عليه حد عند أحد، والحد ليس من الصداق بسبيل الصداق يجب بالعقدة فلو عقد رجل على امرأة عقدة نكاح، ثم مات، أو ماتت كان لها الصداق كاملا وإن لم يرها وليس معنى الصداق من معنى الحدود بسبيل
(قال): وإذا شهد أربعة على محصن أنه زنى بذمية حد المسلم ودفعت الذمية إلى أهل
دينها في قول من لا يحكم عليهم إلا أن يرضوا، فأما من قال نحكم عليهم رضوا، أو لم يرضوا فيحدها حدها إن كانت بكرا فمائة ونفي عام وإن كانت ثيبا فالرجم
(قال): وإذا شهد أربعة على رجل أنه وطئ هذه المرأة فقال هي امرأتي وقالت ذلك، أو قال هي جاريتي فالقول قولهما ولا يكشفان في ذلك ولا يحلفان فيه إلا أن يحضرهما من يعلم غير ما قالا وتثبت عليه الشهادة، أو يقران بعد بخلاف ما ادعيا فلا يجوز إلا ما وصفت من قبل أن الرجل قد ينكح المرأة ببلاد غربة وينتقل بها إلى غيرها وينكحها بالشاهدين والثلاثة فيغيبون ويموتون ويشتري الجارية بغير بينة وببينة فيغيبون فتكون الناس أمناء على هذا لا يحدون وهم يزعمون أنهم أتوا ما أحل الله تعالى لهم ونحن لا نعلمهم كاذبين ولا يجوز أن نقول يحد كل من وجدناه يجامع إلا أن يقيم بينة على نكاح، أو شراء، وقد يأخذ الفاسق الفاسقة فيقول هذه امرأتي وهذه جاريتي فإن كنت أدرأ عن الفاسق بأن يقول جيرانه رأيناه يدعي أنها زوجته وتقر بذلك ولا يعلمون أصل نكاح درأت عن الصالح الفاضل يقول هذه جاريتي؛ لأنه قد يشتريها بغير بينة ويقول هذه امرأتي على أحد هذه الوجوه، ثم كان أولى أن يقبل قوله من الفاسق وكل لا يحد إذا ادعى ما وصفت والناس لا يحدون إلا بإقرارهم، أو ببينة تشهد عليهم بالفعل وأن الفعل محرم، فأما بغير ذلك فلا نحد (قال): وهكذا لو وجدت حاملا فادعت تزويجا، أو إكراها لم تحد فإن ذهب ذاهب في الحامل خاصة إلى أن يقول قال عمر بن الخطاب الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنا إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف فإن مذهب عمر فيه بالبيان عنه بالخبر أنه يرجم بالحبل إذا كان مع الحبل إقرار بالزنا، أو غير ادعاء نكاح، أو شبهة يدرأ بها الحد.
باب إجازة شهادة المحدود
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وتقبل شهادة المحدودين في القذف وفي جميع المعاصي إذا تابوا، فأما من أتى محرما حد فيه فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى الحال الحسنة، والعفاف عن الذنب الذي أتى، وأما من قذف محصنة على موضع الشتم وغيره من غير مواضع الشهادات فلا تقبل شهادته حتى يختبر هذه المدة في الانتقال إلى أحسن الحال، والكف عن القذف، وأما من حد في أنه شهد على رجل بالزنا فلم تتم الشهادة فإن كان عدلا يوم شهد فساعة يقول قد تبت وكذب نفسه تقبل شهادته مكانه؛ لأنا وإن حددناه حد القاذف فلم يكن في معاني القذفة، ألا ترى أنهم إذا كانوا أربعة لم نحدهم، ولو كانوا أربعة شاتمين حددناهم، والحجة في قبول شهادة القاذف أن الله عز وجل أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا، ثم استثنى له إلا أن يتوب والاستثناء في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر وليس عند من زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحا لرأي أنفسهم، وقد كلمني بعضهم فكان من حجته أن قال إن أبا بكرة قال لرجل أراد أن يستشهده استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له لو لم تكن عليك حجة إلا هذه كنت قد أحسنت الاحتجاج على نفسك قال وكيف؟ قلت أرأيت أبا بكرة هل تاب من تلك الشهادة التي حد بها قال فإن قلت نعم؟ قلت فلم يطرح المسلمون عنه اسم الفسق، فأي شيء استثنى له بالتوبة؟ قال فإن قلنا لم يتب قلت فنحن لا نخالفك في أن من لم يتب لم تقبل شهادته قال فما توبته إذا كان حسن
الحال قلت إكذابه لنفسه كما قال صاحبكم الشعبي قال فهل في هذا خبر؟ قلت ما نحتاج مع القرآن إلى خبر ولا مع القياس إذا كنت تقبل شهادة الزاني، والقاتل، والمحدود في الخمر إذا تاب وشهادة الزنديق إذا تاب، والمشرك إذا أسلم وقاطع الطريق، والمقطوع اليد والرجل إذا تاب لا تقبل شهادة شاهد بالزنا فلم تتم به الشهادة فجعل قاذفا قال فهل عندك أثر؟ قلت نعم أخبرنا سفيان أنه سمع الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز وأشهد لأخبرني، ثم سمى الذي أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان فذهب على حفظي الذي سماه الزهري فسألت من حضرني فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقلت لسفيان فهو سعيد؟ قال نعم إلا أني شككت فيه فلما أخبرني لم أشك ولم أثبته عن الزهري حفظا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب وسئل الشعبي عن القاذف فقال أيقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته؟ أخبرنا ابن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا يقوله عطاء وطاوس ومجاهد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والقاذف قبل أن يحد مثله حين يحد لا تقبل شهادته حتى يتوب كما وصفت، بل هو قبل أن يحد شر حالا منه حين يحد؛ لأن الحدود كفارات للذنوب فهو بعد ما يكفر عنه الذنب خير منه قبل أن يكفر عنه فلا أرد شهادته في خير حاليه وأجيزها في شر حاليه وإنما رددتها بإعلانه ما لا يحل له فلا أقبلها حتى ينتقل عنها وهذا القاذف، فأما الشاهد بالزنا عند الحاكم فلا يحده الحاكم لمحاباة، أو شبهة فإذا كان عدلا يوم شهد، ثم أكذب نفسه قبلت شهادته مكانه؛ لأنه ليس في معاني القذفة.
باب شهادة الأعمى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا رأى الرجل فأثبت وهو بصير، ثم شهد وهو أعمى قبلت شهادته؛ لأن الشهادة إنما وقعت وهو بصير إلا أنه بين وهو أعمى عن شيء وهو بصير ولا علة في رد شهادته فإذا شهد وهو أعمى على شيء قال أثبته كما أثبت كل شيء بالصوت، أو الحس فلا تجوز شهادته؛ لأن الصوت يشبه الصوت، والحس يشبه الحس فإن قال قائل فالأعمى يلاعن امرأته فأجل إنما حد الله في القذف غير الأزواج إذا لم يأتوا بأربعة شهداء فإذا جاءوا بهم خرجوا من الحد وحد الأزواج إلا بأن يخرجوا بالالتعان ففرق بين الأزواج والأجنبيين في هذا المعنى وجمع بينهم في أن يحدوا معا إذا لم يأت هؤلاء ببينة وهؤلاء بالالتعان، أو بينة وسواء قال الزوج رأيت امرأتي تزني، أو لم يقله كما سواء أن يقول الأجنبيون رأيناها تزني، أو هي زانية لا فرق بين ذلك، فأما إصابة الأعمى أهله وجاريته فذلك أمر لا يشبه الشهادات؛ لأن الأعمى وإن لم يعرف امرأته معرفة البصير فقد يعرفها معرفة يكتفي بها وتعرفه هي معرفة البصير، وقد يصيب البصير امرأته في الظلمة على معنى معرفة مضجعها ومجستها ولا يجوز له أن يشهد على أحد في الظلمة على معرفة المجسة، والمضجع، وقد يوجد من شهادة الأعمى بد؛ لأن أكثر الناس غير عمي فإذا أبطلنا شهادته في نفسه فنحن لم ندخل عليه ضررا وليس على أحد ضرورة غيره وعليه ضرورة نفسه فهو مضطر إلى الجماع الذي يحل؛ لأنه لا يحد أكثر من هذا ولا يبصر أبدا وليس بمضطر إلى الشهادة ولا غيره مضطر إلى شهادته وهو يحل له في ضرورته لنفسه ما لا يحل لغيره في ضرورته، ألا ترى أنه يجوز له في ضرورته الميتة، ولو صحبه من لا ضرورة به كضرورته لم تحل له الميتة أولا ترى أنه يجوز له اجتهاده في نفسه ولا يجوز له اجتهاده في غيره من أهل زمانه، فأما عائشة ومن روى عنها الحديث فالحديث
إنما قبل على صدق المخبر وعلى الأغلب على القلب وليس من الشهادات بسبيل، ألا ترى أنا نقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان بن فلان ولا نقبل في الشهادة حدثني فلان عن فلان حتى يقول أشهد لسمعت فلانا ونقبل حديث المرأة حتى نحل بها ونحرم وحدها ولا نقبل شهادتها وحدها على شيء ونقبل حديث العبد الصادق ولا نقبل شهادته ونرد حديث العدل إذا لم يضبط الحديث ونقبل شهادته فيما يعرف فالحديث غير الشهادة.
شهادة الوالد للولد والولد للوالد
(قال الشافعي): رحمة الله تعالى عليه لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا لبني بنيه ولا لبني بناته وإن تسفلوا ولا لآبائه وإن بعدوا؛ لأنه من آبائه وإنما شهد لشيء هو منه وأن بنيه منه فكأنه شهد لبعضه وهذا مما لا أعرف فيه خلافا ويجوز بعد شهادته لكل من ليس منه من أخ وذي رحم وزوجة لأني لا أجد في الزوجة ولا في الأخ علة أرد بها شهادته خبرا ولا قياسا ولا معقولا وإني لو رددت شهادته لزوجته؛ لأنه قد يرثها وترثه في حال رددت شهادته لمولاه من أسفل إذا لم يكن له ولد؛ لأنه قد يرثه في حال ورددت شهادته لعصبته وإن كان بينه وبينهم مائة أب ولست أجده يملك مال امرأته ولا تملك ماله فيكون يجر إلى نفسه بشهادته ولا يدفع عنها وهكذا أجده في أخيه، ولو رددت شهادته لأخيه بالقرابة رددتها لابن عمه؛ لأنه ابن جده الأدنى ورددتها لابن جده الذي يليه ورددتها لأبي الجد الذي فوق ذلك حتى أردها على مائة أب، أو أكثر قال، ولو شهد أخوان لأخ بحق، أو شهد عليه أحد بحق فجرحاه قبلت شهادتهما، ولو رددتها في إحدى الحالين لرددتها في الأخرى (قال): وكذلك لو شهدوا له وهو مملوك أنه أعتق، وكذلك لو جرحوا شاهدين شهدا عليه بحد قبلت شهادتهما؛ لأن أصل الشهادة أن تكون مقبولة، أو مردودة فإذا كانت مقبولة للأخ قبلت في كل شيء فإن قال قائل فقد يجرون إلى أنفسهم الميراث إذا صار حرا قيل له: أفرأيت إن كان له ولد أحرار، أو رأيت إن كان ابن عم بعيد النسب قد يرثونه إن مات ولا ولد له أورأيت إن كان رجل من أهل العشيرة متراخي النسب أترد شهادتهم له في الحد يدفعونه بجرح من شهدوا على جرحه ممن شهد عليه، أو بعتقه فإن قال: نعم، قيل: أفرأيت إن كانوا حلفاء فكانوا يعيرون بما أصاب حليفهم، أو كانوا أصهارا فكانوا يعيرون بما أصاب صهرهم وإن بعد صهره، وكان من عشيرة صهرهم الأدنى، أو رأيت إن كانوا أهل صناعة واحدة يعابون معا ويمدحون معا من علم، أو غيره فإن رد شهادتهم لم يخل الناس من أن يكون هذا فيهم وإن أجازها في هذا فقد أجازها وفيها العلة التي أبطلها بها (قال): ولا تجوز شهادة أحد غير الأحرار المسلمين البالغين العدول.
شهادة الغلام والعبد والكافر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الغلام قبل أن يبلغ، والعبد قبل أن يعتق، والكافر قبل أن يسلم لرجل بشهادة فليس للقاضي أن يجيزها ولا عليه أن يسمعها وسماعها منه تكلف فإذا بلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر وكانوا عدولا فشهدوا بها قبلت شهادتهم؛ لأنا لم نردها في العبد والصبي بعلة سخط في أعمالهما ولا كذبهما ولا بحال سيئة في أنفسهما لو انتقلا عنها وهما بحالهما قبلناهما إنما رددناها؛ لأنهما ليسا من شرط الشهود الذين أمرنا بإجازة شهادتهم، ألا ترى أن شهادتهما وسكاتهما في مالهما تلك سواء
وأنا لا نسأل عن عدلهما، ولو عرفنا عدلهما كان مثل جرحهما في أن لا تقبل شهادتهما في أن هذا لم يبلغ وأن هذا مملوك وفي الكافر وإن كان مأمونا على شهادة الزور في أنه ليس من الشرط الذي أمرنا بقبوله فإذا صاروا إلى الشرط الذي أمرنا بقبوله قبلناهم معا وكانوا كمن لم يشهد إلا في تلك الحال، فأما الحر المسلم البالغ ترد شهادته في الشيء، ثم تحسن حاله فيشهد بها فلا نقبلها؛ لأنا قد حكمنا بإبطالها؛ لأنه كان عندنا حين شهد في معاني الشهود الذين يقطع بشهادتهم حتى اختبرنا أنه مجروح فيها بعمل شيء، أو كذب فاختبر فرددنا شهادته فلا نجيزها وليس هكذا العبد ولا الصبي ولا الكافر أولئك كانوا عدولا، أو غير عدول ففيهم علة أنهم ليسوا من الشرط وهذا من الشرط إلا بأن يختبر عمله، أو قوله، والله تعالى الموفق.
شهادة النساء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين في مال يجب للرجل على الرجل فلا يجوز من شهادتهن شيء وإن كثرن إلا ومعهن رجل شاهد ولا يجوز منهن أقل من اثنتين مع الرجل فصاعدا ولا نجيز اثنتين ويحلف معهما؛ لأن شرط الله عز وجل الذي أجازهما فيه مع شاهد يشهد بمثل شهادتهما لغيره قال الله عز وجل {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}، فأما رجل يحلف لنفسه فيأخذ فلا يجوز وهذا مكتوب في كتاب اليمين مع الشاهد، والموضع الثاني حيث لا يرى الرجل من عورات النساء فإنهن يجزن فيه منفردات ولا يجوز منهن أقل من أربع إذا انفردن قياسا على حكم الله تبارك وتعالى فيهن؛ لأنه جعل اثنتين تقومان مع رجل مقام رجل وجعل الشهادة شاهدين، أو شاهدا وامرأتين فإن انفردن فمقام شاهدين أربع وهكذا كان عطاء يقول أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز في شيء من الحدود ولا في شيء من الوكالات ولا الوصية ولا ما عدا ما وصفت من المال وما لا يطلع عليه الرجال من النساء أقل من شاهدين ولا يجوز في العتق، والولاء ويحلف المدعى عليه في الطلاق، والحدود، والعتاق وكل شيء بغير شاهد وبشاهد فإن نكل رددت اليمين على المدعي وأخذت له بحقه وإن لم يحلف المدعي لم آخذ له شيئا ولا أفرق بين حكم هذا وبين حكم الأموال.
شهادة القاضي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا كان القاضي عدلا فأقر رجل بين يديه بشيء كان الإقرار عنده أثبت من أن يشهد عنده كل من يشهد؛ لأنه قد يمكن أن يشهدوا عنده بزور، والإقرار عنده ليس فيه شك.
وأما القضاة اليوم فلا أحب أن أتكلم بهذا كراهية أن أجعل لهم سبيلا إلى أن يجوروا على الناس، والله تعالى الموفق.
رؤية الهلال
(قال الشافعي): قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: ولا يلزم الإمام الناس أن يصوموا إلا بشهادة عدلين فأكثر، وكذلك لا يفطرون وأحب إلي لو صاموا بشهادة العدل؛ لأنهم لا مؤنة عليهم في الصيام إن
كان من رمضان أدوه وإن لم يكن رجوت أن يؤجروا به ولا أحب لهم هذا في الفطر؛ لأن الصوم عمل بر، والفطر ترك عمل.
أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين - رضي الله تعالى عنها - أن شاهدا شهد عند علي بن أبي طالب - رحمه الله تعالى - على رؤية هلال شهر رمضان فصام أحسبه قال وأمر الناس بالصيام وقال أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان. أحسبه " شك الشافعي " قال الربيع رجع الشافعي بعد فقال: لا يصام إلا بشاهدين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إن كان علي - رحمه الله تعالى -: أمر الناس بالصوم فعلى معنى المشورة لا على معنى الإلزام، والله تعالى أعلم.
شهادة الصبيان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تجوز شهادة الصبيان في حال من الأحوال؛ لأنهم ليسوا ممن نرضى من الشهداء وإنما أمرنا الله عز وجل أن نقبل شهادة من نرضى ومن قبلنا شهادته قبلناها حين يشهد بها في الموقف الذي يشهد بها فيه وبعده وفي كل حال ولا أعرف مكان من تقبل شهادته قبل أن يعلم ويجرب ويفارق موقفه إذا علمنا أن عقل الشاهد هكذا، فمن أجاز لنا أن نقبل شهادة من لا يدري ما لله - تبارك وتعالى اسمه - عليه في الشهادة وليس عليه فرض: فإن قال قائل فإن ابن الزبير قبلها قيل: فابن عباس ردها، والقرآن يدل على أنهم ليسوا ممن يرضى أخبرنا سفيان عن عمر، وعن ابن أبي مليكة عن ابن عباس.
الشهادة على الشهادة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): تجوز الشهادة على الشهادة ولا يجوز أن يشهد على شهادة الرجل ولا المرأة حيث تجوز إلا رجلان ولا يجوز أن يشهد على واحد منهما نساء مع رجل وإن كان ذلك في مال لأنهن لا يشهدن على أصل المال إنما يشهدن على تثبيت شهادة رجل، أو امرأة، وإذا كان أصل مذهبنا أنا لا نجيز شهادة النساء إلا في مال، أو فيما لا يراه الرجال لم يجز لنا أن نجيز شهادتين على شهادة رجل ولا امرأة
الشهادة على الجراح
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا أقام رجل شاهدا على جرح خطأ، أو عمدا مما لا قصاص فيه حال حلف مع شاهده يمينا واحدة، وكان له الأرش وإن كان عمدا فيه قصاص بحال لم يحلف ولم يقبل فيه إلا شاهدان، ولو أجزنا اليمين مع الشاهد في القصاص أجزناها في القتل وأجزناها في الحدود ووضعناها الموضع الذي لم توضع فيه وسواء كان ذلك في عبد قتله حر، أو نصراني قتله حر مسلم، أو جرح قال وشهادة النساء فيما كان خطأ من الجراح وفيما كان عمدا لا قصاص فيه بحال جائزة مع رجل ولا يجزن إذا انفردن ولا يمين لطالب الحق معهن وحدهن فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول: إن القسامة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|