شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [137]
الحلقة (168)
شرح سنن أبي داود [137]
لصلاة الجمعة جملة من الأحكام الشرعية والآداب النبوية، فمما شرع لها أن تصلى بعد زوال الشمس، ويجوز أن يكون لها أذان سابق لأذان الخطبة بين يدي الإمام، ومن سننها أن يخطب الإمام قائماً في الخطبتين ويجلس بينهما ليتمكن من إبلاغ الناس بوعظه حال قيامه.
وقت الجمعة
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت الجمعة. حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثني فليح بن سليمان حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في وقت الجمعة ] أي: في بيان وقت الجمعة، ووقت الجمعة هو إذا زالت الشمس، فبعد الزوال هو وقت صلاة الظهر، ويجوز أن تؤدى الصلاة قبل الزوال، لكن الأولى أن تكون بعد الزوال؛ للأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي إذا مالت الشمس وإذا زالت الشمس، وقد جاءت بعض الأحاديث فيها ما يدل على فعلها قبل زوال الشمس، ولكن كونها يؤتى بها بعد الزوال هو الأولى؛ لأن الذين لا يلزمهم حضور الجمعة ليس عليهم إلا الظهر، فإذا أتي بالجمعة في وقت الظهر بعد الزوال فلا يكون هناك محذور في أن يحصل تشويش ويحصل أن بعض الناس يصلي في بيته قبل الزوال؛ لأن الأذان وجد قبل الزوال، فإذا كانت الصلاة بعد الزوال فيؤمن على من كان في البيوت من أن يصلوا قبل دخول وقت صلاة الظهر، والظهر لا يبدأ وقتها إلا بعد الزوال، فالنساء لا تجب عليهن الجمعة، ويجب عليهن أداء صلاة الظهر، والظهر لا يجوز إتيانها إلا بعد الزوال، وعلى هذا فإن وقت صلاة الجمعة وقت الظهر، ولكنه يجوز فعلها قبل الزوال؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك قال: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ] يعني: إذا زالت الشمس. وقوله: [ (كان) ] في الغالب أنها تفيد الاستمرار، ولكنه قد تأتي هذه الصيغة لغير الاستمرار، ولكنه يستدل بها على المداومة وعلى الكثرة، ولكن قد تأتي للمرة الواحدة، وقد تأتي للقلة، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها الذي قالت فيه: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وهو صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة في حجة الوداع في السنة العاشرة ومع ذلك عبرت عائشة رضي الله عنها بقولها: (كنت) فهذا يدل على أن (كان) قد تأتي أحياناً لغير الاستمرار، لكن الغالب فيها أنها للاستمرار، فقوله هنا: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس) ] يفيد كثرة الإتيان بالصلاة في ذلك الوقت.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس)
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني فليح بن سليمان ]. فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي ]. عثمان بن عبد الرحمن التيمي ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي . [ سمعت أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
شرح حديث (كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) ]. أورد أبو داود رضي الله عنه حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: [ (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) ] يعني: ليس لها ظل، لكن جاء عن سلمة بن الأكوع في الصحيحين أنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس للحيطان ظل يستظل به) فقوله هنا: (وليس للحيطان فيء) أي: يستظل به كما جاء ذلك مبيناً في الروايات؛ لأن نفي الفيء نفي لأصله، وأنه ما وجد الزوال، ومعنى هذا أن تكون الصلاة قبل الزوال، ولكن نفس حديث سلمة جاء في الصحيحين بلفظ: (وليس للحيطان ظل يستظل به) فالنفي إنما هو للقيد الذي هو يستظل به، وليس نفياً لأصل الظل، بل الظل موجود ولكنه قليل لا يستظل به الماشي؛ لأنه لم يمتد ولم يكثر، فالنفي هنا محمول على الرواية الأخرى التي فيها أن النفي هو للفيء الذي يستظل به، فهو للقيد الذي هو يستظل به، وليس للمقيد الذي هو أصل الظل، فالظل أصله موجود، ولهذا جاء في بعض الروايات: (نتتبع الفيء) ومعناه أنهم كانوا يتتبعون الظل القليل الموجود، وهذا معناه أنه يوجد ظل.
تراجم رجال إسناد حديث (كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء)
قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي أطلق عليه الإمام أحمد : شيخ الإسلام. [ حدثنا يعلى بن الحارث ]. يعلى بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه ]. إياس بن سلمة بن الأكوع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: [ كنا نقيل ونغتدى بعد الجمعة ] ومعناه أنهم كانوا يبكرون إلى الصلاة، وكان ذلك قبل الغداء والقيلولة، فكانوا يوم الجمعة يبكرون إلى الصلاة، ولا يقيلون إلا بعد الجمعة، لأنهم يوم الجمعة يبكرون للصلاة، فيأتون لها في وقت مبكر، فيكونون في المسجد، فلا يتمكنون من الغداء ولا من القيلولة إلا بعد الصلاة، ومعنى هذا أن يوم الجمعة يختلف عن غيره. ومناسبة الحديث للباب أن الصلاة كانت تحصل بعد الزوال، وكانوا قبل ذلك في انتظار الصلاة، وبعد الصلاة يخرجون ويحصل منهم القيلولة والغداء بخلاف بقية الأيام التي كانوا يتغدون فيها ويقيلون قبل الزوال.
تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة)
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم ]. أبو حازم هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد الساعدي ]. هو سهل بن سعد الساعدي أبو العباس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود ، حيث يوجد أربعة أشخاص بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وليس عند أبي داود ثلاثيات.
النداء يوم الجمعة
شرح حديث أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النداء يوم الجمعة. حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني السائب بن يزيد رضي الله عنه: (أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب النداء يوم الجمعة ] أي: الأذان للجمعة، والنداء هو الأذان كما في حديث: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) ويقال له: النداء لأنه نداء للصلاة بقول: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) أي: تعالوا وهلموا وأقبلوا، فالأذان نداء للناس لأن يحضروا لأداء الصلاة، و(حي على الصلاة حي على الفلاح) نداء وطلب منهم أن يحضروا وأن يتوجهوا إلى المساجد للإتيان بالصلوات التي فرضها الله عز وجل. والجمعة كغيرها ليس لها إلا أذان واحد، وكان الأذان عندما يجلس الإمام على المنبر، ثم يخطب خطبتين، وعند فراغهما تكون الإقامة والصلاة، وقد أطلق على الإقامة أذان، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه: [ أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر ] يعني: عندما يأتي ويجلس على المنبر يكون الأذان، وبعد فراغ الأذان يقوم الإمام لإلقاء الخطبة، فكان الأذان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما عندما يجلس الخطيب على المنبر، ثم بعد الفراغ من الخطبتين تأتي الإقامة التي هي أذان. قال: فلما كان زمان عثمان وكثر الناس أمر بالأذان الثالث، وسمي ثالثاً باعتبار أن الإقامة أذان؛ لأن الإقامة قبلها الأذان عند جلوس الخطيب على المنبر ثم الأذان الثالث الذي زاده عثمان ، فسمي ثالثاً باعتبار الزيادة، وهو الأول من حيث الوقوع، ولكنه ثالث من حيث الزيادة، فتوجد إقامة، وقبل الإقامة أذان، وهو الذي يكون عند جلوس الخطيب على المنبر، وقبل هذا الأذان الأذان الذي جاء به عثمان ، فهو ثالث باعتبار الزيادة ولكنه أول من حيث الوقوع، الإقامة تسمى أذاناً لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، والأذان هو إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام الناس بأن يقوموا للصلاة من أماكنهم ليصطفوا. فعثمان رضي الله عنه وأرضاه زاد هذا الأذان لما كثر الناس، وكان يؤذن به على الزوراء، وهي دار قيل: إنها كانت في السوق، وقيل: إنها كانت بين المسجد والسوق، وكان المقصود من ذلك أن يترك الناس ما هم عليه من البيع والشراء ويذهبون للاستعداد للجمعة والتهيؤ للجمعة، بأن يغتسلوا ويلبسوا أحسن الثياب ثم يأتوا إلى الجمعة. وعثمان رضي الله عنه وأرضاه في زمن عمر جاء مرة متأخراً وعمر على المنبر يخطب الناس، فلما دخل عثمان قطع عمر الخطبة وقال له: أي ساعة هذه؟! أي: لماذا جئت متأخراً؟ ! فقال: يا أمير المؤمنين! إنني كنت في بعض شأني، ولما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت وجئت فقال: والوضوء أيضاً؟ ! أي: من غير غسل، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه كثر الناس، فأتى بهذا الأذان، وأقره الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وما أنكروا عليه، فلهذا قال في هذا الحديث: [ فثبت الأمر على ذلك ]، يعني: على هذه الزيادة التي زادها عثمان ، وهي الأذان الثالث، فالجمعة لها أذانان: الأول: الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر، والأذان الثاني الذي زاده عثمان رضي الله عنه، والمقصود منه أن يتهيأ الناس للجمعة، وأن يحضروا إليها ويتركوا ما هم فيه من البيع والشراء.
تراجم رجال إسناد حديث أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث
قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد رضي الله عنه صحابي صغير، قال: (حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وعمري سبع سنوات)، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: (كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر. ثم ساق نحو حديث يونس) ]. أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه أنه كان يؤذن للجمعة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان على المنبر عند باب المسجد، ثم ساق الحديث مثل حديث يونس المتقدم الذي يرويه عن ابن شهاب ، ومحمد بن إسحاق يروي عن ابن شهاب في الطريق الثانية، وقد ذكر بعضه، وأحال باقيه على الرواية الأولى التي هي رواية يونس بن يزيد ، وهذا فيه أنه كان الأذان عند باب المسجد، ومن المعلوم أن الأذان المقصود به إعلام الناس بأن يأتوا إلى الصلاة، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] والمراد الأذان الثاني؛ لأن الأذان الأول إنما وقع في زمن عثمان ، والمقصود منه حضور الناس، ومن المعلوم فيما مضى أن الأذان في المسجد لا يبلغ به الصوت كثيراً، وأما في هذا الزمان فبواسطة أجهزة مكبرات الصوت يبلغ الصوت إلى كل مكان، لكن قبل أن توجد المكبرات كان الأذان داخل المسجد لا يسمعه الناس، فالأذان إنما يكون في مكان عال، إما على سطح المسجد، أو عند باب المسجد، أو في دار قريبة من المسجد كما سبق أن مر في باب الأذان على المنارة، وفيه أنه كان يؤذن على دار امرأة كانت عالية. والروايات المختلفة ليس فيها ذكر الأذان على باب المسجد، وإنما فيها ذكر الأذان عندما يجلس الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر، ولهذا فإن الشيخ الألباني رحمه الله ضعف هذه الرواية فقال: (إنها منكرة) وذلك لأنها من رواية محمد بن إسحاق، وقد روى بالعنعنة، وغيره لم يذكر هذا الذي ذكره محمد بن إسحاق ، لكن الأذان لا يكون داخل المسجد؛ لأن المقصود منه إعلام الناس بأن يأتوا، والأذان داخل المسجد لا يحصل به إبلاغ الناس، فلا يخرج الصوت إلى الناس إذا كان المؤذن داخل المسجد.
تراجم رجال إسناد حديث (كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة)
قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن السائب بن يزيد ]. قد مر ذكرهما، والزهري من صغار التابعين، والسائب بن يزيد من صغار الصحابة، وصغار التابعين يروون عن صغار الصحابة؛ لأن صغار التابعين أدركوا صغار الصحابة، والسائب بن يزيد صحابي صغير، قال: (حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وعمري سبع سنوات).
وقت الأذان يوم الجمعة
وقت الأذان الأول يوم الجمعة قبل الزوال؛ لأن المقصود منه إعلام الناس بأن يستعدوا للجمعة وأن يأتوا للجمعة، والآن هو قريب في الوقت من الأذان الثاني، فالفاصل بينهما يسير، والذي ينبغي هو أن يكون الفاصل أطول مما هو عليه الآن؛ لأن المقصود منه إعلام الناس، وعثمان رضي الله عنه الذي أتى به هو الذي حصلت له القصة مع عمر عندما قال: كنت مشغولاً فلما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت، ومعنى هذا أنه يحتاج الإنسان إلى وقت ليغتسل، ولا نستطيع تحديد الوقت بمقدار معين، ولكن نقول: ينبغي أن يكون بوقت ليس بقصير جداً.
شرح حديث (لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن السائب رضي الله عنه أنه قال: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد: بلال. ثم ذكر معناه ]. أورد أبو داود حديث السائب بن يزيد : [ (لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد بلال) ]، ثم ذكر معنى الحديث المتقدم، وأنه كان يؤذن عندما يصعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة عند دخول الوقت.
تراجم رجال إسناد حديث (لم يكن لرسول الله إلا مؤذن واحد)
قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري، ثقة أخرج حديثه البخاري في: (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن شريان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد -يعني ابن إسحاق - عن الزهري عن السائب ]. قد مر ذكر الثلاثة.
وقت صلاة الجمعة
يبدأ وقت الجمعة من قبل الزوال، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان كان يصلي الجمعة، فيرجعون إلى بيوتهم عند زوال الشمس، بمعنى أنهم فرغوا من الصلاة قبل الزوال، لكن يحتمل أن يكون صلى في وقت الظهر، والذي ينبغي هو أن تصلى الجمعة في وقت الظهر حتى لا يحصل التشويش على الناس، وقوله: عند دخول الوقت لا أعلم وجهه بالنسبة للجمعة، لأن وقت الجمعة غير مستقر، كالظهر لا تكون إلا بعد الزوال، فإن صلاة الجمعة تكون بعد الزوال وقبل الزوال.
إسناد آخر لحديث (لم يكن لرسول الله غير مؤذن واحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد ابن أخت نمر رضي الله عنه أخبره أنه قال: ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد. وساق هذا الحديث وليس بتمامه ]. أورد المصنف حديث السائب بن يزيد من طريق أخرى، وهو مثل الرواية السابقة التي قبله، وساق الحديث وليس كاملاً كالذي تقدم. قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح ]. هو صالح بن كيسان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد ]. مر ذكرهما.
الإمام يكلم الرجل في خطبته
شرح حديث جلوس ابن مسعود على باب المسجد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يكلم الرجل في خطبته. حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قال: (اجلسوا، فسمع ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال يا عبد الله بن مسعود). قال أبو داود : هذا يعرف مرسلاً، إنما رواه الناس عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومخلد هو شيخ ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب الإمام يكلم الرجل في خطبته ] يعني أن الخطيب له أن يكلم أحد الناس في خطبته، ولا مانع من ذلك، وأيضاً لا مانع من أن يكلم أحد الناس الخطيب كما في قصة الذي دخل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال، ادع الله أن يغيثنا) فمخاطبة الإمام وقت الخطبة لا بأس به؛ لأن المحذور هو الكلام والخطيب يخطب؛ لأن هذا فيه تشاغل عن الخطبة، وأما كون الخطيب يكلم أحداً من الناس أو أحدهم يكلم الخطيب فلا مانع منه، وقد جاء في السنة ما يدل عليه، وقد جاء في ذلك أحاديث منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على المنبر يوم الجمعة فقال: [ (اجلسوا) ] وكان ابن مسعود رضي الله عنه بالباب، فلما سمع ذلك جلس في مكانه، أي: مبادرةً إلى امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فرآه رسول الله فقال: [ (تعال يا ابن مسعود وهذا مخاطبة منه لعبد الله بن مسعود حيث طلب منه أن يأتي. وهذا الصنيع من عبد الله بن مسعود يدل على فضله ونبله، وعلى مبادرته لامتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من المبادرة إلى الاستسلام والانقياد لما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ومحل الشاهد منه كون الرسول صلى الله عليه وسلم قال في أثناء الخطبة: [ (تعال يا عبد الله بن مسعود) ] ففيه أن الإمام له أن يكلم أحداً من الناس أثناء الخطبة، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، ومنها الحديث الذي سيأتي وهو حديث الرجل الذي دخل يوم الجمعة المسجد فجلس ولم يصل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا فلان! أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما) فهذا كلام من الخطيب لأحد الناس، وكذلك الرجل الذي جاء يتخطى رقاب الناس فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آذيت) فحصول الكلام من الخطيب لبعض الناس جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام غيره معه أيضاً جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قصة الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستغيث وأن يدعو الله للناس بأن يغيثهم وينزل عليهم المطر.