عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-08-2024, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [139]
الحلقة (170)





شرح سنن أبي داود [139]

لخطبة الجمعة أحكام تتعلق بالخطيب وأحكام تتعلق بالمستمعين، فمن أحكامها المتعلقة بالخطيب أن يقصر الخطبة ولا يطيل الموعظة، فيجمع ما ينفع الناس قصراً في تمام، كما أنَّ له أن يقطع الخطبة بكلام من غيرها يخاطب به المستمعين، ويجوز له أن يكلم غيره ويكلمه غيره، وأما أحكام الخطبة المتعلقة بالمستمعين فمنها ترك الاحتباء لكونه داعية إلى النوم، وحرمة الكلام حال الخطبة، والإتيان بركعتي تحية المسجد حال الدخول والإمام يخطب مع التجوز فيهما، وغير ذلك من الأحكام.

إقصار الخطب


شرح حديث (أمرنا رسول الله بإقصار الخطب)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إقصار الخطب. حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت عن أبي راشد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب إقصار الخطب] أي: جعلها قصيرة غير مطولة، ويحرص فيها على الإتيان بالكلام الجامع النافع الذي يفهم ويحفظ بدون إطالة، هذا هو المقصود من الترجمة، فإن الخطب تكون قصيرة جامعة ومشتملة على المطلوب من غير تطويل. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال: [(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب)] أي: أن نجعلها قصيرة ولا نطيلها، والترجمة على وفق الحديث وعلى نص الحديث؛ لأن الحديث: [(أمرنا بإقصار الخطب)] والترجمة: [إقصار الخطب] وقد جاءت أحاديث عديدة في ذلك، ومنها الحديث الذي فيه: (إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه)، وسبق أن مر حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً).
تراجم رجال إسناد حديث (أمرنا رسول الله بإقصار الخطب)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا العلاء بن صالح ]. العلاء بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي راشد ]. أبو راشد مقبول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن عمار بن ياسر ]. عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (كان رسول الله لا يطيل الموعظة يوم الجمعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد قال: أخبرني شيبان أبو معاوية عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة السوائي رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة)، يعني: في الخطبة، وقال: [إنما هن كلمات يسيرات] يعني: قليلة الألفاظ، واسعة المعاني كما هو شأنه صلى الله عليه وسلم حيث أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، فيأتي بالكلام القليل المبنى الواسع المعنى، فكلامه عليه الصلاة والسلام جوامع.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله لا يطيل الموعظة يوم الجمعة)


قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد ] هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني شيبان ]. هو شيبان بن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ] . هو صحابي رضي الله تعالى عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الدنو من الإمام عند الموعظة


شرح حديث (احضروا الذكر وادنوا من الإمام..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدنو من الإمام عند الموعظة. حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معاذ بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه: قال قتادة : عن يحيى بن مالك عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) ]. أورد أبو داود رحمة الله عليه [باب: الدنو من الإمام عند الموعظة] أي: عند الخطبة، والمقصود من ذلك أن الإنسان يبكر إلى الجمعة، ويكون قريباً من الإمام حتى يسمع الخطبة، وحتى تكون واضحة عنده، ولا يفوته منها شيء، وقد ورد في هذا أحاديث، منها هذا الحديث الذي أورده أبو داود ، وهو حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)] فقوله: [احضروا الذكر] يعني الخطبة [وادنوا من الإمام] يعني: حتى تتمكنوا من السماع، وحتى تستوعبوا ما يقوله في خطبته وفي موعظته، ولا تتباعدوا منه فتتعمدون أن تختاروا مكاناً بعيداً منه؛ لأن هذا يفوت عليكم تحصيل الصفوف الأولى التي فيها الأجر العظيم، والثواب الجزيل، وأيضاً يفوت عليكم سماع الخطبة أو فوات شيء منها عندما لا يقرب أحدكم من الإمام، وقد جاء ذكر الدنو في الحديث الذي فيه قوله: (ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام)، ومر بنا الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، وهنا في هذا الحديث قال: [(فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)] يعني: يؤخر في الدخول فلا يستفيد منها كما استفاد منها الذين دخلوها من أول وهلة، أو أنه يؤخر فيها في الدرجات فيكون متأخراً في درجات الجنة، والمقصود من ذلك أن التباعد عن الإمام، وعدم الإتيان إلى الصفوف الأول، وعدم القرب من الإمام وسماع الخطبة يفوت هذه الأمور، ويكون ذلك من أسباب التأخير، إما التأخير عن دخول الجنة وأنه لا يدخلها مع أول من يدخلها، وقد جاء في الحديث: (إن أهل الجنة إذا تجاوزوا النار ومروا على الصراط فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص من بعضهم لبعض) وهذا الاقتصاص نتيجته التفاوت في الدرجات في الجنة؛ لأن المظلوم يأخذ من حسنات من ظلمه، ويكون ذلك رفعة له، وذلك الظالم يكون الأخذ نقصاً في حقه، وقلة في درجاته، فليس هناك إلا الحسنات؛ لأن الحقوق التي تكون بين الناس التقاصص فيها إنما هو بالحسنات كما جاء في الحديث: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله! المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع) فلما سئلوا هذا السؤال تبادر إلى ذهنهم مفلس الدنيا، وهو الذي ليس عنده درهم ولا متاع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد المفلس حقاً وهو مفلس الآخرة، فقال: (بل هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).
تراجم رجال إسناد حديث (احضروا الذكر وادنوا من الإمام..)

قوله: [ حدثنا علي بن عبد الله ]. علي بن عبد الله هو ابن المديني ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير، وهو من أجل شيوخ البخاري ، وهو الذي قال عنه البخاري : ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني . [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه ]. أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذه وجادة، حيث وجد الحديث بخط أبيه، ولكنه لم يسمعه منه، والوجادة نوع من أنواع التحمل، ولكنها دون السماع ودون العرض، لكن إذا وجد ما يشهد لها وما يؤيدها فإنها تكون معتبرة. وهذا الراوي قد سمع من أبيه، ولكنه ما سمع منه هذا الحديث، وإنما وجده بخط يده. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن مالك ]. يحيى بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن سمرة بن جندب ]. هو سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث


شرح حديث (خطبنا رسول الله فأقبل الحسن والحسين...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث. حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن الحباب حدثهم قال: حدثنا حسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن و الحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال: صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في الخطبة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث] يعني: إذا كان هناك أمر يقتضي قطع الخطبة فإنه يسوغ قطعها، ويكون قطعها بأن ينزل من المنبر لحاجة أو بأن يأتي بكلام لا علاقة له بالخطبة بل يتعلق بالأمر الذي قطع الخطبة من أجله، ثم يعود إلى خطبته، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة، فجاء الحسن و الحسين عليهما ثوبان أحمران يعثران ويقومان، فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم نزل وحملهما وصعد بهما على المنبر، وقال عليه الصلاة والسلام: [صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] ] ثم قال: [(رأيت هذين فلم أصبر) ثم أخذ في خطبته] فالرسول صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة بكونه نزل من المنبر وأخذ الحسن و الحسين وحملهما، ثم بين للناس الأمر الذي دفعه إلى قطع الخطبة، وأنه لم يصبر لما رآهما، وذلك من رأفته وشفقته ورحمته ولطفه صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى خطبته، وواصل الخطبة بعد أن نزل وأخذ الطفلين وحملهما معه. وفيه كون الإنسان عندما يتضح له ظهور النص ووضوحه يقول: (صدق الله)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حصل منه عدم الصبر والرأفة بهما والرحمة قال عليه الصلاة والسلام: [صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15])] ، فالله تعالى قال: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15] وقال: (صدق الله)؛ لأن هذا الشيء عندما حصل سببه وعندما حصل ذلك الشيء الذي اقتضاه أظهر مدى حصوله وانطباقه، وأن الله عز وجل صادق فيما قال؛ لأن هذه القضية وهذه الواقعة مما يوضح هذا، ومما يدل بجلاء ووضوح على هذا الشيء، فالأموال والأولاد فتنة، يفتن الناس بمحبتهم وبالانشغال بهم، وهكذا يقال عند الأمور المناسبة وعند الأمور التي فيها وضوح وجلاء في انطباق النص على قضية من القضايا، وتكون في غاية الوضوح، ومثله الحديث الذي فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سأل أميره بمكة: من وليت على أهل مكة؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى ، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من الموالي، قال: وليت عليهم مولى؟! قال: إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، قال: صدق محمد صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).
تراجم رجال إسناد حديث (خطبنا رسول الله فأقبل الحسن والحسين...)

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنَّ زيد بن الحباب حدثهم ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا حسين بن واقد ]. حسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الاحتباء والإمام يخطب


شرح حديث (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الاحتباء والإمام يخطب. حدثنا محمد بن عوف حدثنا المقرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب: الاحتباء والإمام يخطب] والاحتباء المقصود به أن الإنسان يجلس على إليتيه وينصب ساقيه ثم يأتي بقطعة من القماش ويشدها على ظهره وعلى مقدم ساقيه، فيكون جالساً على هذه الهيئة، وقد تستعمل اليدان بدل القطعة من القماش بأن يضم يديه على ساقيه، فيكون محتبياً. وأورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب)] والحكمة من ذلك أن هذا يجلب النوم، ويؤدي إلى انتقاض الوضوء، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى البعد عن الشيء الذي يكون سبباً في جلب النوم، وما يترتب عليه من انتقاض الوضوء، فالنوم من أسباب نقض الوضوء، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)، فكون الإنسان يجلس على هذه الهيئة يكون سبباً في نومه، والنوم يترتب عليه انتقاض الوضوء بأن يخرج منه ريح، فيترتب على ذلك أن يقوم ويترك الخطبة ويتوضأ، فيفوت على نفسه حضور الخطبة، وقد تفوته الصلاة أو يفوته شيء من الصلاة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى عدم هذا الفعل، ونهى عن هذه الحبوة والإمام يخطب. والاحتباء له معنى آخر، وهو الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما من النهي عن اشتمال الصماء، وعن الاحتباء في الثوب الواحد، وهو أن يجلس ويلف على نفسه ثوباً واحداً، وقد نهي عن هذا لأنه قد تبدو عورته من فوق إذا لم يكن عليه لباس آخر، وهذا الاحتباء غير المنهي عنه يوم الجمعة، فهذا نهي عنه من أجل أنه يأتي بالنوم، وأما ذاك فمن أجل انكشاف العورة من فوق. والنهي عن الاحتباء يوم الجمعة للتنزيه، ولهذا جاء عن كثير من السلف أنهم كانوا يحتبون، فلعلهم فهموا أنه للتنزيه أو ما بلغهم الحديث. وفيه دليل على أن الاستناد يوم الجمعة في ذلك المقام مكروه؛ لأن الاحتباء منهي عنه حتى لا يأتي النوم، والإنسان إذا كان مستنداً فهذا أدعى إلى أن ينام وأن يستغرق في النوم، ولا شك في أن العلة في النهي عن الاحتباء موجودة في هذا وأكثر.

تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ...)


قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا المقرئ ]. هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن أبي أيوب ]. سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مرحوم ]. هو أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون ، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ عن سهل بن معاذ بن أنس ]. سهل بن معاذ بن أنس لا بأس به، وهذه العبارة بمعنى: [صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو معاذ بن أنس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
شرح أثر احتباء الصحابة حال خطبة الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا داود بن رشيد حدثنا خالد بن حيان الرقي حدثنا سليمان بن عبد الله بن الزبرقان عن يعلى بن شداد بن أوس أنه قال: شهدت مع معاوية رضي الله عنه بيت المقدس، فجمع بنا، فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب. قال أبو داود : كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب، و أنس بن مالك ، و شريح ، و صعصعة بن صوحان ، و سعيد بن المسيب ، و إبراهيم النخعي ، و مكحول ، و إسماعيل بن محمد بن سعد ، و نعيم بن سلامة قال: لا بأس بها. قال أبو داود : ولم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن يعلى بن شداد بن أوس ، وهو تابعي يحكي أنه حضر بيت المقدس مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، فجمع بالناس، قال: [فرأيت جل من في المسجد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيتهم محتبين والإمام يخطب ] يعني: قد اتخذوا الحبوة، ثم ذكر أبو داود أن هذا فعله عبد الله بن عمر و أنس وعدد كثير من التابعين، وأنهم كانوا لا يرون بأساً بالاحتباء يوم الجمعة والخطيب يخطب، وقال أبو داود : [لم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي ]، لكن جاء هذا عن غيره، وهؤلاء الذين جاء عنهم الاحتباء منهم عدد جاء عنهم أيضاً كراهية الاحتباء كما في عون المعبود، والذي يظهر من صنيع أبي داود أنه لا يرى النهي من الاحتباء، وأنه يرى جوازه، ولهذا بوب الترجمة بقوله: [الاحتباء والإمام يخطب] وما قال: النهي عن الاحتباء والإمام يخطب، ثم ذكر هذا العدد من الصحابة والتابعين الذين يرون أن الاحتباء لا بأس به، وروى هذا الأثر الذي فيه أن جل الحاضرين كانوا محتبين وهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي فيه النهي حديث حسن ثابت، والعمل به هو الذي ينبغي، ولعل هؤلاء الذين لم يأخذوا به ما بلغهم أو لم يصح عند أحد منهم، أو أنه بلغهم ولكنهم رأوا أنه من قبيل كراهة التنزيه، وأن الاحتباء جائز وليس بمحرم.
تراجم رجال إسناد أثر احتباء الصحابة حال خطبة الجمعة

قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا خالد بن حيان الرقي ]. خالد بن حيان الرقي صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سليمان بن عبد الله بن الزبرقان ]. سليمان بن عبد الله بن الزبرقان لين الحديث، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن يعلى بن شداد بن أوس ]. يعلى بن شداد بن أوس صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
تراجم من روي عنهم الاحتباء في خطبة الجمعة

قوله: [ قال أبو داود : كان ابن عمر رضي الله عنهما يحتبي والإمام يخطب ]. و ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ و أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ و شريح ]. هو شريح بن الحارث القاضي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و النسائي ، ولم يخرج له أبو داود ، وذكره هنا إنما هو مجرد إخبار عن رأيه في مسألة فقهية، وليس هو من رجال أبي داود . [ و صعصعة بن صوحان ]. صعصعة بن صوحان ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ و سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ و إبراهيم النخعي ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مكحول ]. هو مكحول الشامي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ و إسماعيل بن محمد بن سعد ]. هو إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود . [ و نعيم بن سلامة قال: لا بأس بها ]. نعيم بن سلامة ليس له رواية في الكتب الستة، والظاهر أن أولئك كلهم قالوا: لا بأس بها؛ لأنه ذكر أن ابن عمر كان يحتبي والإمام يخطب، ثم قال: وأنس بن مالك ... إلخ. قوله: [ قال أبو داود : ولم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي ]. عبادة بن نسي ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
الكلام والإمام يخطب


شرح حديث (إذا قلت أنصت والإمام يخطب ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الكلام والإمام يخطب. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [الكلام والإمام يخطب] وهذا لا يجوز، وذلك لأنه يشغل عن الخطبة، ويجب على الإنسان أن ينصت وأن يستمع لها، وأن لا يتشاغل بأي شيء يشغل عنها حتى بأن يقول لإنسان: أنصت والإمام يخطب، فإن هذا من اللغو المذموم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا قلت لصاحبك: أنصت والإمام يخطب؛ فقد لغوت)] فهذه الكلمة التي فيها أمر بمعروف لغو في الخطبة، فدل هذا على أن ما سواها وما هو أكثر منها من باب أولى، وأن الإنسان ليس له أن يتشاغل عن الخطبة بأي شاغل، قال بعض أهل العلم: إذا كان هناك أحد يتحدث ويشوش على الناس فإنه يشير إليه إشارة حتى يسكت؛ لأن المقصود هو الاستماع للخطبة، وإذا وجد أناس يتحدثون ويشوشون على الناس فلا يحصل التمكن من استماع الخطبة إلا بإسكاتهم، فإذا كان هناك أمر يقتضي ذلك فإنه يشير إلى المتحدث إشارة، وإذا ما اندفع بالإشارة فله أن يكلمه بكلام مختصر؛ لأن الحكمة التي من أجلها نهي عن قول (أنصت) أن يسمع الناس الخطبة، فإذا ترك حصل التشويش على الناس.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا قلت أنصت والإمام يخطب ...)


قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة ]. تقدم ذكر هؤلاء الخمسة كلهم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]