شرح حديث ( يحضر الجمعة ثلاثة نفر ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(يحضر الجمعة ثلاثة نفر)] وهؤلاء الثلاثة النفر كل له حالة يتميز بها عن غيره، فواحد من الثلاثة حضر يلغو، فهو منشغل عن الخطبة باللغو، فهذا هو نصيبه منها، ما حصل له إلا اللغو، وما حصل له إلا المضرة، وما حصل له إلا الإثم؛ لأنه كان يلغو في الخطبة. قوله: [(ورجل حضرها يدعوا فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه)] يعني: انشغل عن الخطبة بالدعاء، وصار الخطيب في واد وهو في واد آخر، فهو مشغول بالدعاء يدعو، ولم يستمع للخطبة، فهذا سأل الله شيئاً فأمره إلى الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، وليس للإنسان أن يدعو في أثناء الخطبة، بل عليه أن يسمع، وهذا الذي يدعو أثناء الخطبة إن شاء الله لم يعاقبه وأعطاه وإن شاء منعه وعاقبه على انصرافه عن الخطبة، وانشغاله عنها بحظوظ دنيوية وحظوظ يريدها لنفسه. قوله: [(ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفارة له إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)] وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، فهذا الحديث يوضح أن الإنسان إذا قام بهذه الأمور المطلوبة منه وأنصت للخطبة ولم يؤذ أحداً من الناس ولم يتخط رقاب الناس فإن ذلك يكون كفارة لما بينه وبين الجمعة السابقة وزيادة ثلاثة أيام؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.
تراجم رجال إسناد حديث (يحضر الجمعة ثلاثة نفر)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو كامل ]. هو الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن يزيد ]. يزيد بن زريع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب المعلم ]. حبيب المعلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. وأبوه هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن. و عبد الله بن عمرو هو جده، وهنا فيه توضيح الجد؛ لأن كثيراً ما يأتي (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده)، وهنا بيان أن الجد هو عبد الله بن عمرو ، وقد سبق أن مر بنا أن الحافظ ابن حجر قال: قد صح سماع شعيب بن محمد من جده عبد الله بن عمرو . وبهذا يكون الإسناد متصلاً؛ لأنه إذا كان شعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو فيكون متصلاً، لكن لو كان المقصود بالجد هو جد عمرو ، وهو محمد والد شعيب فهو تابعي، فيكون الحديث مرسلاً، ولكن في بعض الروايات يسمى الجد، وأن المراد به عبد الله بن عمرو كما هنا، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أخرج له أصحاب الكتب الستة.
استئذان المحدث الإمام
شرح حديث (إذا أحدث أحدكم في صلاته ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: استئذان المحدث الإمام. حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج حدثنا ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف). قال أبو داود : رواه حماد بن سلمة و أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يذكرا عائشة رضي الله عنها ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب: استئذان المحدث الإمام] يعني أنَّ الإنسان إذا أحدث هل يستأذن الإمام في الانصراف أو لا يستأذنه؟ والجواب: لا يستأذنه، وإنما يفعل ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وهو أن يجعل يده على أنفه ثم ينصرف، بدون استئذان، قال بعض أهل العلم: لا يستأذن، وقول الله عز وجل: وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62] المقصود به الجهاد، وليس المقصود به في أي مكان من الأمكنة، فالجمعة من المواضع التي لا يحتاج فيها إلى استئذان، وقد ذكر صاحب عون المعبود أن ابن أبي شيبة روى بإسناده عن محمد بن سيرين أنه قال: (إنهم كانوا يستأذنون إذا حصل من أحد منهم حدث، فلما جاء زمن زياد وكثر الناس قال: من حصل منه شيء فليضع يده على أنفه ولا يستأذن. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة، وفيه أنه لا يحتاج من حضر الجمعة إلى استئذان، بل فيه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان إذا أحدث في صلاته إلى أن يضع يده على أنفه وينصرف، وكونه يضع يده على أنفه من أجل أن يوري بأنه رعف، وليس المقصود من ذلك أنه حصل منه رعاف، فهذا فيه تورية وستر على الإنسان الذي حصل منه شيء لا يعجبه. ومن باب التورية والفطنة أن جماعةً كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج من أحدهم ريح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستحي من الحق، ليقم المحدث وليتوضأ) فكأنه ما قام أحد، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ألا نقوم كلنا فنتوضأ يا رسول الله؟ قال: (بلى. فقاموا وتوضئوا) وهذا فيه ستر للمحدث، وحصل المقصود من وضوئه، وغيره جددوا الوضوء، فهذا من الذكاء ومن الدهاء ومن الفطنة، ويحصل به الستر، فبعض الناس قد ينتقد ويهزأ ممن صدر منه ذلك، وقد جاء في الحديث: ( علام يضحك أحدكم مما يفعل) .
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أحدث أحدكم في صلاته ...)
قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ]. إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : رواه حماد بن سلمة و أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرا عائشة رضي الله عنها ]. حماد بن سلمة ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [عن هشام عن أبيه، لم يذكرا عائشة] يعني أنه مرسل.
إذا دخل الرجل والإمام يخطب
شرح حديث (قم فاركع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو -وهو ابن دينار - عن جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع) ]. أورد أبو داود [باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب] يعني: ماذا يفعل؟ هل يجلس أو يصلي؟ والجواب: يصلي ركعتي تحية المسجد، وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنه: [(أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا. قال: قم فاركع)] فدل هذا على أن الداخل إذا دخل والإمام يخطب فإن عليه أن يركع ركعتين، وقد جاء في بعض الروايات -كما سيأتي- أنه يتجوز فيهما، أي: يصليهما خفيفتين حتى يفرغ منهما ويستمع للخطبة. وهذا فيه جواز كون الخطيب يكلم غيره، وكذلك غيره يكلمه؛ لأنه قال: [(أصليت؟ قال: لا، قال: قم فاركع)] وفيه جواز قطع الخطبة ومخاطبة الإمام أحداً من الناس، وكذلك أيضاً أن يخاطب الإمام أحد الحاضرين.
تراجم رجال إسناد حديث (قم فاركع)
قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد غير منسوب، فهو مهمل، وسليمان بن حرب يروي عن حماد بن سلمة وعن حماد بن زيد ، و عمرو بن دينار يروي عنه حماد بن سلمة وحماد بن زيد ، ويقولون في ترجمة الشخص الذي يرويان عنه: روى عنه الحمادان، أي: حماد بن سلمة وحماد بن زيد ، وهما بصريان في طبقة واحدة، ولكن كيف يعرف أنه حماد بن زيد أو حماد بن سلمة مع أن سليمان يروي عن الاثنين، وعمرو بن دينار روى عنه الاثنان؟ ذكر المزي بعد ترجمة حماد بن سلمة في كتابه تهذيب الكمال فصلاً ذكر فيه ما يمكن أن يعرف به هل هو حماد بن زيد أو حماد بن سلمة ، وذكر فيه أن بعض الرواة لم يرووا إلا عن واحد منهما، فإذا أهمل فمعناه أنه الذي روى عنه؛ لأنه لم يرو عن الآخر، وبعضهم روى عن الاثنين لكن ذكر أن بعض الرواة مثل عفان إذا أراد حماد بن زيد فإنه ينسبه ويقول: حماد بن زيد ، وإذا أراد حماد بن سلمة فإنه لا ينسبه أحياناً، فإذا أهمل عفان حماداً فهو حماد بن سلمة ، قال: وعلى العكس من ذلك سليمان بن حرب ، فهنا المراد به حماد بن زيد . [ عن عمرو بن دينار ]. ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. تقدم ذكره.
شرح حديث (صل ركعتين وتجوز فيهما)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن محبوب وإسماعيل بن إبراهيم المعنى، قالا: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، وعن أبي صالح عن أبي هريرة قالا: (جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت شيئا؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب] أي: فإن عليه أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ولا يجلس قبل أن يصليهما، وقد مر حديث جابر رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت يا فلان؟ قال:لا، قال: قم فاركع) وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر من طريق أخرى، وهذه الطريق جاءت أيضاً عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وفيها تسمية الرجل الذي دخل، وهو سليك الغطفاني ، قالا: [(جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له: أصليت؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما)] أي: صل ركعتين وخففهما، وذلك ليتمكن من سماع الخطبة، وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا دخل والخطيب يخطب يوم الجمعة فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتي تحية المسجد. وفيه جواز كلام الخطيب لبعض الحاضرين، وكلام بعض الحاضرين معه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه وسأله وأجابه سليك رضي الله عنه، فهذا يدل على جواز الكلام من الخطيب مع غيره وكذلك كلام غيره معه، ومثل هذا ما جاء في قصة الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا) فهذا فيه دليل على أن كلام الخطيب مع غيره، وكلام غيره معه غير داخل في قوله: (إذا قلت لصحابك والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت)؛ لأن هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل يعمل به فيما ورد، ولا تنافي بينهما، فكلاهما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وفي هذا الحديث تأكد تحية المسجد، والحرص عليها، ويدل على أن الإنسان إذا دخل المسجد في أي وقت من أوقات النهي فإنه يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لهذا أن يجلس دون أن يصلي ركعتين مع أن الخطيب يخطب، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوب الإنصات، وما يدل على أن الإنسان لو تكلم مع غيره ولو كان آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر فإن ذلك لغو، فدل هذا على تأكد الإتيان بتحية المسجد في جميع الأوقات، وأن تحية من ذوات الأسباب التي لا يتركها الإنسان. وقوله: [(قم صل ركعتين وتجوز فيهما)] فيه دلالة على أن الإنسان لا يزيد على الركعتين إذا جاء والإمام يخطب، وقوله أيضاً: [(ركعتين)] يدل على أنه لا يصلي أقل من ركعتين؛ لأن التنفل لا يكون إلا بركعتين، والتنفل بركعة واحدة غير سائغ، ولم يرد إلا في الوتر ركعة واحدة يوتر بها العدد الذي سبقها، فأقل ما يتنفل به الإنسان ركعتين، فإذا دخل الرجل والخطيب يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين. وقوله في الحديث: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) ليس المقصود من ذلك أنه لا يزيد عليهما، بل له أن يزيد عليهما ما دام أن الوقت ليس فيه خطبة، فله أن يصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً، كل ركعتين يسلم منهما، ولكن إذا كان الخطيب يخطب فإنه يصلي ركعتين ولا يزيد عليهما، بل يخففهما حتى يتمكن من سماع الخطبة.
تراجم رجال إسناد حديث (صل ركعتين وتجوز فيهما)
قوله: [ حدثنا محمد بن محبوب و إسماعيل بن إبراهيم ]. محمد بن محبوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي . وإسماعيل بن إبراهيم هو القطيعي ، وهو من شيوخ أبي داود ، ويأتي كثيراً إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن علية ، ولكنه في طبقة أعلى من طبقة شيوخ أبي داود ، فإن أبا داود يروي عنه بواسطة، وهذا يأتي قليلاً، وهو إسماعيل بن إبراهيم القطيعي ، وأما إسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن علية فهو من طبقة شيوخ شيوخه، ويأتي ذكره منسوباً إسماعيل بن إبراهيم ، ويأتي ذكره مهملاً فيقال: إسماعيل ، فإذا جاء في طبقة شيوخه -كما هنا- فالمراد به القطيعي ، وإذا جاء إسماعيل بن إبراهيم في طبقة شيوخ شيوخه فهو المشهور بابن علية ، و إسماعيل بن إبراهيم القطيعي هذا ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . قوله: [ المعنى ] أي أن رواية هذين الشيخين -وهما محمد بن محبوب و إسماعيل بن إبراهيم القطيعي - متفقة في المعنى مع اختلافها في الألفاظ. [ حدثنا حفص بن غياث ] . حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سفيان ]. أبو سفيان هو طلحة بن نافع، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ وعن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان ، اسمه ذكوان ، ولقبه السمان أو الزيات ، كان يجلب السمن والزيت، فلقب بالسمان ولقب بالزيات ، وهي نسبة إلى مهنة ونسبة إلى حرفة، كما يقال: نجار وحداد وخباز، وما إلى ذلك، فتأتي هذه الصيغة والمراد بها الحرفة والمهنة والعمل الذي يشتغل به الإنسان. وأبو صالح مشهور بكنيته، ويأتي كثيراً بكنيته، واسمه ذكوان ، ولقبه السمان والزيات ، وهو مدني ثقة مكثر من الرواية عن أبي هريرة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
شرح حديث (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر عن سعيد عن الوليد أبي بشر عن طلحة أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث أن سليكاً جاء، فذكر نحوه، زاد: ثم أقبل على الناس قال: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما) ]. أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى، وهي بمعنى الطريق السابقة، ولكن فيها زيادة قوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا دخل أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما)] وهذه الجملة فيها رد على من يقول من أهل العلم: إن الإنسان إذا دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين، ويجيبون عن قصة سليك الغطفاني بأعذار متعددة ليست بشيء أمام هذه النصوص، ومنها قولهم: إنه كان فقيراً، وكانت ثيابه بالية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم حتى يراه الناس من أجل أن يتصدقوا عليه، فإن هذه الجملة التي جاءت في هذا الحديث قاعدة عامة، وتشريع عام، وليس المقصود منها أن هذا الشخص يقوم حتى يراه الناس، ولهذا قال: [(إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فلا يجلس حتى يصلي ركعتين يتجوز فيهما)] وهذا واضح الدلالة على أن هذا تشريع وحكم شرعي ثابت مستقر عام، وليس خاصاً بهذا الرجل، وليس المقصود منه مراعاة فقره وتنبيه الناس إلى فقره وقلة ذات يده، فإن هذا لا يستقيم مع وجود هذه الجملة التي فيها بيان الحكم العام والتشريع العام للناس.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين ...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب غندر البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ] . هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد بن مسلم أبي بشر ]. هو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي . [ عن طلحة ]. طلحة بن نافع هو أبو سفيان الذي جاء في الإسناد السابق بكنيته، وذكر هنا باسمه، وهذا فيه إشارة إلى نوع من أنواع علوم الحديث، وهو معرفة الكنى، وفائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأنه إذا ذكر مرة طلحة ومرة أبا سفيان فالذي لا يعرف أن أبا سفيان هو طلحة يظن أن أبا سفيان شخص، وأن طلحة شخص آخر، لكن من عرف أن طلحة بن نافع كنيته أبو سفيان وأنه يأتي أحياناً بكنيته، وأحياناً باسمه فإنه لا يرد عليه هذا الوهم. [ عن جابر بن عبد الله ]. مر ذكره.
الأسئلة
حكم قول: (صدق الله العظيم)
السؤال: هل يستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]) على جواز قول: (صدق الله العظيم) في نهاية تلاوة القرآن؟
الجواب: هذه تختلف عن هذه؛ لأن هذا جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند مناسبة ظهر فيها تماماً انطباق الآية على هذه الواقعة، وهي كون النبي صلى الله عليه وسلم ما صبر على أن يرى ولديه يعثران فنزل وأشفق عليهما وحملهما، وأما قضية كونه يقال بعد انتهاء القراءة: (صدق الله العظيم) فلا يوجد شيء يدل عليه، والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون هذا، فهذا شيء وهذا شيء، هذا ورد ما يدل عليه، وهذا لم يرد ما يدل عليه.
حال حديث (احضروا الذكر وادنوا من الإمام ...)
السؤال: حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احضروا الذكر، وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) قال المعلق : في إسناده انقطاع. فأين الانقطاع؟
الجواب: لعله عدم اتصاله بين معاذ بن هشام وبين أبيه.
حكم النظر في الساعة وحك الجلد حال الخطبة
السؤال: هل النظر في الساعة ولمس اللحية وحك الجلد والإمام يخطب يدخل في ضمن اللغو؟
الجواب: كون الإنسان يحك جلده إذا حصل فيه حكة لا يؤثر، وإنما المحذور هو التشاغل عن الخطبة، وهكذا كونه ينظر في الساعة ليس من قبيل اللغو، وأما كونه يخرج الساعة إذا كانت في جيبه فهذا من جنس لمس الحصى، وأما كونه ينظر إلى الساعة وهي في يده فلا بأس به.
حكم الكلام بين الخطبتين وقبل الخطبة
السؤال: ما حكم الكلام بين الخطبتين وقبل الخطبة؟
الجواب: الكلام بين الخطبتين لا بأس به، والكلام والخطيب على المنبر والمؤذن يؤذن لا بأس به، أي: قبل أن يبدأ في الخطبة، وإنما الممنوع الكلام أثناء الخطبة.
حكم الزكاة على أموال اليتامى
السؤال: هل على مال الأيتام زكاة مع أنه ليس لهم مورد سوى الضمان الاجتماعي؟
الجواب: اليتيم الذي عنده مال وحال عليه الحول يزكي؛ لأن كل مال يزكى، سواءٌ أكان ليتيم، أم لصغير، أم لكبير، أم لمجنون، ووليه هو الذي يقوم بإخراج الزكاة منه؛ لأن الزكاة مفروضة في مال الأغنياء، ومن كان غنياً أخذ من ماله مقدار الزكاة، ولا فرق في ذلك بين كبير وصغير، وإذا كان ما يعطى هؤلاء الأيتام يأكلونه ولا يبقى عندهم منه شيء فلا زكاة عليهم، وإنما الزكاة في المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول.
حكم من أدرك التشهد من صلاة الجمعة
السؤال: من حضر الجمعة والإمام في التشهد هل يصليها ركعتين أم ظهراً؟
الجواب: إذا فاته الركوع من الركعة الثانية فإنه يصليها ظهراً ولا يصليها جمعة؛ لأن الجمعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وأما إذا لم يدرك الركعتين معاً فإنه يدخل مع الإمام، ويحصل أجر الجماعة، ولكن يصليهما ظهراً، ولكن إذا صلى الإمام الجمعة قبل الزوال فإنه يصلي ركعتين نافلة بعد ما يسلم الإمام؛ لأن الظهر لا يجوز أن يؤتى بها قبل الزوال، وإنما يؤتى بها بعد الزوال، ولكن إذا أدرك ركعة واحدة فيضيف لها أخرى، وبذلك يكون قد أدرك الجمعة.
أول علامات الساعة ظهوراً
السؤال: ما هو أصح الأقوال في أول علامات الساعة ظهوراً من العلامات الكبرى؟
الجواب: لا أعلم، لكن من أولها خروج المهدي ، وبعده ينزل عيسى ابن مريم، وكذلك تفتح يأجوج ومأجوج في زمن نزول عيسى."