عرض مشاركة واحدة
  #365  
قديم 17-08-2024, 12:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

‌‌محل الوكالة وأقسامه
قال رحمه الله: [ومن له التصرف في شيء فله التوكيل والتوكل فيه].
هذه المسألة: محل الوكالة، ذكرها رحمه الله بعد أن فرغ من الصيغة، فالموكل والوكيل بينا ضوابطهما في الأصل، لكن نريد الآن أن نعرف ما هي الأشياء التي يمكن أن يوكل فيها، والأشياء التي لا يمكن أن تكون محلاً للوكالة، أو لا يصح أن تقع فيها وكالة، فتنقسم الأشياء من حيث الوكالة إلى أقسام: القسم الأول: أن يكون الشيء مما تجوز فيه النيابة مع العجز والقدرة.
القسم الثاني: أن يكون الشيء مما لا تجوز فيه النيابة لا مع العجز ولا مع القدرة.
القسم الثالث: أن يكون الشيء مما تجوز فيه النيابة مع العجز ولا تجوز مع القدرة
‌‌ما تجوز فيه النيابة مع العجز والقدرة
القسم الأول: أن يكون الشيء الذي وقعت فيه الوكالة -سواءً كان البيع أو الإجارة أو الرهن أو المضاربة أو غير ذلك من العقود- مما تجوز فيه النيابة، سواءً كنت أنت الموكل عاجزاً أو قادراً، وهذا معنى قولنا: (تصح فيه النيابة مع العجز والقدرة)، العجز: أي: عن فعل ذلك الشيء، والقدرة: التمكن من القيام بذلك الشيء، وهذا غالباً ما يقع، فهذا هو القسم الأول من محل الوكالة: أن يكون الشيء تدخله الوكالة مع العجز والقدرة، وهذا غالباً ما يقع في الحقوق المالية، أو في المعاملات.
وهذا القسم ينقسم في الأموال إلى نوعين: النوع الأول: الحقوق المتعلقة بالله سبحانه، فإذا وقع أحد في الوكالة في حقٍ مالي وجاءك يسأل: هل هي وكالة شرعية أو غير شرعية؟ فتنظر إلى هذا الحق المالي وتصنفه، فلا يخلو: إما أن يكون حقاً لله، أو يكون حقاً للمخلوق، فهناك حقوقٌ مالية لله، وهناك حقوق مالية للمخلوق، فأما إذا وكله في حقٍ مالي لله مما تجوز فيه النيابة فإنه تصح الوكالة، ومن ذلك: الزكاة والكفارات الواجبة، فلو قال رجل لرجل: زكاتي عشرة آلافٍ وكلتك أن تتولى صرفها للمستحقين، فإنها وكالةٌ شرعية، فالزكاة عبادة والحق المالي الموجود فيها لله، لكنها تقبل النيابة والتفويض، فحينئذٍ يصح التوكيل سواء قال له: أن تدفع زكاتي للمستحق، فأبهم من حيث الشخص وعين في الصفة، أو يحدد نوعاً من المستحقين فيقول: أن تصرفها للفقراء فقط، أو للأيتام أو للمساكين، فهذا تفويض وتوكيل مخصص، وينبغي أن تكون الوكالة مختصة كما سيأتي، هذا بالنسبة لحق الزكاة.
ومن حقوق الله تعالى المالية التي تدخلها النيابة مع العجز والقدرة: الكفارات، فلو أن رجلاً وجبت عليه الكفارة ليمينه، فقال: يا محمد! كفر عني يميناً حنثت فيها فأطعم عني عشرة مساكين أو اكسهم، فحينئذٍ إذا قال له: وكلتك أن تُطعم عني عشرة مساكين أو تكسوهم صحت الوكالة، ولا يقول قائل: لا يجوز التوكيل في هذا الحق؛ لأنه من العبادات، بل هذه عبادة وحق مالي تدخله النيابة.
كذلك لو أنه ظاهر من امرأته، أو جامع في نهار رمضان وهو صائم، أو قتل خطأً فوجبت عليه الكفارة التي تقوم على عتق الرقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين في الظهار، فعتق الرقبة حق مالي متعلق لله سبحانه وتعالى، فقال له: كفر عني بعتق رقبة، فوكله في حقٍ مالي تدخله النيابة فتصح الوكالة، فأعتق عنه الرقبة لظهارٍ أو قتلٍ أو جماعٍ في نهار رمضان صح، فهي حقٌ مالي وتدخله النيابة، كذلك لو أنه أصاب محظوراً في الحج، فوكله في الفدية، أو ترك واجباً فوكله في دم الجبران، أو وكله أن يشتري هدي التمتع أو هدي القران ويذبحه ويتولاه صحت الوكالة، لكن ينتبه إلى أن هذه الوكالة لا يشترط فيها العجز، فلا نقول له: لا توكل إلا إذا كنت عاجزا، بل نقول: من حقك أن تخرج الزكاة بنفسك أو توكل، سواءً كنت قادراً في الوكالة أو عاجزا، فهذا معنى قولهم: (تدخله النيابة مع العجز والقدرة)، فهذا النوع الأول: حقوق الله تعالى بالنسبة للأموال.
النوع الثاني من الذي تدخله النيابة: حقوق العباد، وحقوق العباد المالية تدخلها النيابة سواء وكلته وأنبته في العقد، أو وكلته وأنبته في النقد، أو وكلته وأنبته في تحصيل رفقٍ.
إلخ.
فأما توكيلك له في العقد فالعقود المالية تشمل: البيع، الإجارة، المضاربة، الشركة.
إلخ، فأنت إذا وكلت شخصاً في حقٍ مالي لك -الذي هو العقد- من حقك أن تتولاه، فمثلاً: السيارة من حقك أن تبيعها، ومن حقك أن تشتريها، فلك الحق أن توكل ببيعها وتوكل بشرائها، هذا توكيلٌ بالبيع وبعقد البيع، فهذا يسمونه توكيل بالعقد ومن أمثلته: البيع الإجارة المضاربة إلى آخره، وهذا النوع من التوكيل في العقد على ضربين: الضرب الأول: أن توكله في الإنشاء، إنشاء العقود.
الضرب الثاني: أن توكله في هدم العقود وهو ما يسميه العلماء بالفسخ، فيصح لك أن توكل في حقٍ مالي في العقود المالية إنشاءً وفسخاً، فالحقوق المالية في العقود تقبل التوكيل إنشاءً وفسخاً، ما معنى الإنشاء؟ وما معنى الفسخ؟ يعني: من حقك أن تقيم غيرك مقامك في إبرام العقد، فتلتزم بما وكلته أن يلتزم به، وأيضاً من حقك أن توكله في فسخ العقد، مثاله: لو قال شخص لآخر: وكلتك أن تشتري لي سيارة من نوع كذا بعشرة آلاف، هذا توكيل بالإنشاء، فينشئ عقد البيع ويدخل إلى ذمة موكله هذا النوع من المبيعات، فالوكالة صحيحة ومعتبرة في هذا، أما الفسخ فالعكس، يقول له: وكلتك أن تفسخ هذا البيع لوجود خيار، كأن يطلع على عيب في السلعة فقال له: اذهب ورد لفلانٍ ثوبه هذا وخذ الثمن منه، فإنه معيب ولا أريد أن أتم هذا، والعيب يوجب خيار الفسخ، فحينئذٍ من حقه أن يفسخ، فيوكله أن يفسخ العقد، فلا نقول في حقوق الأموال: تصح إنشاءً ولا تصح فسخاً، بل نقول: تصح إنشاءً وفسخاً، هذا بالنسبة للتوكيل في العقد إذا كان حقاً ماليا.
التوكيل في النقد -في النقود والدراهم-: وهذا من أشهر ما يقع في عقد القرض والحوالة، فمن حقك أن توكل في القروض وتقول: أعط فلاناً مائة ألفٍ قرضاً، أو يقول التاجر للعامل الذي يكون في المحل: ديّن فلاناً أو ديّن الضعيف وأعطه شهراً أو شهرين، فأعطاه إذناً في أن يقرض الغير، فهذه وكالةٌ بالقرض، وقد يكون التوكيل في القرض -الذي هو النقد- من جهة الحوالة بالقرض، وهذا من جهة الإثبات، فيحيل ويقول له: وكلتك أن تحيل فلاناً على فلان، هذا توكيل للقرض بالحوالة، وكما أن القروض تقع فيها الوكالة إثباتاً كذلك تقع الوكالة فيها إبراءً ومسامحةً، ومن هذا ما ثبت في الحديث الصحيح كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه كان فيمن قبلنا رجلٌ يقرض الناس وكان يقول لغلمانه: إذا وجدتم معسراً فتجاوزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا، ففعلوا ذلك، فلقي الله عز وجل، فقال الله عز وجل: يا ملائكتي! نحن أحق بالعفو منه تجاوزوا عن عبدي)، فوجه الدلالة: أنه وكل عماله ومن تحت يده أن يسقطوا الديون وأن يؤخروا وأن يوسعوا على المعسرين، فهذا يدل على مشروعية التوكيل في القروض إسقاطاً ومسامحةً وتوسعةً، وعليه: فإن القروض تدخلها الوكالة.
كذلك أيضاً: تقع الوكالة في عقود الأموال أو الحقوق المالية المتعلقة بعقود الإرفاق ومن أشهرها: العارية والوديعة، العارية تقول: يا فلان اذهب لفلان واستعر لي منه كتابه، فقد وكلته عنك أن يستعير ذلك الكتاب، وكذلك تقول له: اذهب إليه وخذ منه سيارته وقل له: أريدها يوماً أو أريدها لحاجةٍ، فتكون وكلته أن يستعير عنك، والعكس، فتوكله أن يرد العارية، فتقول له: خذ كتاب فلانٍ وأعطه إياه، فهذه وكالة برد العارية، فتقع الوكالة أيضاً في عقود الإرفاق عاريةً ووديعة، هذا بالنسبة للحقوق المالية المتعلقة بالله سبحانه وتعالى والحقوق المالية المتعلقة بالعباد.
قد يتبع هذا القسم: الحقوق التي أذن الشرع فيها بالتوكيل مع العجز والقدرة من غير الأموال، وذلك كما هو في النكاح، فالنكاح يصح أن توكل فيه إنشاءً، ويصح أن توكل فيه فسخاً، وكذلك رفعاً، فتوكل في النكاح إنشاءً كأن تقول لرجلٍ: اقبل نكاحي من فلانٍ، وكلتك أن تقبل زواج فلانةٍ عني، فهو وكيل، فينشئ العقد بدلاً عنه، أو يقول رجل آخر: وكلتك أن تزوج ابنتي من فلان، فهذا توكيل بالإنشاء، ويقع التوكيل في النكاح رفعاً في الطلاق؛ لأن الطلاق يسمى رفع وتقول: وكلتك أن تطلق نسائي، أو يقول له: وكلتك أن تطلق فلانة طلقة، فهذا توكيل في رفع النكاح، ويقع التوكيل في فسخ النكاح وذلك بالخلع، فيقول له: وكلتك أن تخالع فلانة، أو المرأة تقول لأخيها: خالعني من زوجي وأعطه المال والمهر، فهذا توكيلٌ بالخلع، فلو أن المرأة وكلت أخاها أن يتولى خلعها من زوجها، وجاء الأخ إلى عند القاضي فلا يقول القاضي: لا بد وأن تحضر، بل إنه تجوز فيه الوكالة ولا تلزم بالحضور.
وعلى هذا: فالوكالة تسري في النكاح إنشاءً ورفعاً وفسخا، وكذلك تقع في النكاح استدامة، كما في الرجعة، فلو قال له: وكلتك أن ترجع لي زوجتي -هذا في الرجعة- يصح في ذلك وتقع الوكالة، هذا بالنسبة للحقوق التي تدخلها النيابة مع العجز والقدرة ولا يشترط عجزُ الإنسان
‌‌ما لا تجوز فيه الوكالة لا مع العجز ولا مع القدرة
القسم الثاني: أن تكون الوكالة في الحقوق التي لا تقبل النيابة، لا في حال العجز ولا في حال القدرة، وذلك كالصلاة؛ فإن الصلاة لا تصح فيها الوكالة لا مع العجز ولا مع القدرة، فلا يصح لشخص قادر على الصلاة أن يقول لغيره: وكلتك أن تصليّ عني، ولا يصح لشخصٍ عاجزٍ عن الصلاة أن يقول لغيره: وكلتك أن تصلي عني، هذا بالنسبة للصلاة، وقد يقع ذلك على سبيل التبع لا الأصل، كما في صلاة الركعتين في الحج والعمرة عن الغير؛ فإنك تصلي عنه لكن وقعت تبعاً، ولم تقع أصلاً، ويجوز في التابع مما لا يجوز في الأصل، وذكرنا هذه القاعدة وأدلتها، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين.
فهذا النوع الثاني وهو الذي لا تصح فيه النيابة لا في حال العجز ولا في حال القدرة، بالإجماع لا تدخل فيه الوكالة.
لكن هناك نوع من العبادة وهو الصيام عن الغير، هل يجوز الصيام عن الغير في حال العجز وهذا إذا كان ميتاً؟ فهل تدخل الوكالة في ذلك أو لا تدخل؟ هل تدخل النيابة فيه أو لا؟ هذا فيه تفصيل عند العلماء رحمهم الله.
يبقى السؤال عن مسألة الطهارة -أما الصلاة فلا تقبل وكالة فلو وكَل المصلي لم يصح- لو قال له: يا فلان تطهر عني، فالطهارة تنقسم إلى قسمين: طهارة الحدث، وطهارة الخبث، فأما طهارة الخبث، فإنه إذا قام بتطهير المحل دون أن ينوي الأصل طهارة الخبث صح؛ لأننا ذكرنا في باب الطهارة أن إزالة النجاسة لا تشترط لها النية، وبناءً عليه فالمريض الذي يغشى عليه فيطهر أثناء الغشيان، أو يكون مشلولاً ويأتي الغير وينظف له محل الأذى دون أن يستشعر أنه ينظف ذلك، ثم يفيق وهو طاهر نظيف الموضع فيجوز أن يتوضأ مباشرة ويصلي، أو يغتسل مباشرةً ويصلي؛ لأن الإزالة للخبث لا تشترط لها النية، ومحلها قابل للتوكيل وممكن لأي شخص أن يقوم بذلك؛ لأنه ليس بمحل تتعين فيه النية والخلوص الذي هو الإخلاص.
أما طهارة الحدث -الوضوء- فإنها لا تصح إلا بنيةٍ من الشخص المغسول، فلا يصح أن يوضئه الغير إلا إذا نوى، فلو كان الشخص جالساً فصب رجلٌ عليه ماءً على وجهه وغسل الوجه وصب على يديه وغسل له أعضاء وضوئه دون أن ينوي لم يصح وضوءه، فإن نوى صح وضوءه وأجزأه
‌‌ما تجوز فيه النيابة مع العجز ولا تجوز مع القدرة
القسم الثالث: وهو الذي تصح فيه النيابة مع العجز دون القدرة، فهذا يكون في الحج والعمرة؛ فإنه في الحج والعمرة، يجوز أن يقوم الغير مقامه إذا كان عاجزاً، أما لو كان قادراً فإنه لا يصح أن يقوم الغير مقامه، بناءً على ذلك: لو وكله بالحج، أو وكله بالعمرة فقل: يشترط أن يكون الأصيل عاجزاً عن الحج والعمرة إلا في مسألة واحدة وهي: الحج عن الغير والعمرة عنه في حج النفل، فإن مذهب طائفة من العلماء: أن حج النفل لا يشترط فيه العجز، ويجوز أن تعطي رجلاً مالاً ليحج عنك حجة نافلة، وفي هذا نظر والأقوى والأصح الالتزام بالأصل من عدم وجود النيابة إلا فيما أذن الشرع فيه بالنيابة
‌‌الأسئلة
‌‌الفرق بين الوكالة والتفويض

‌‌السؤال
ما الفرق بين الوكالة والتفويض وأيهما أقوى؟


‌‌الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
الوكالة فيها معنى التفويض، ولا تكون الوكالة إلا بشيء من التفويض، إلا أن التفويض فيه عموم؛ لأن من فوض إلى الغير شيئاً وجعل له ذلك الشيء، فإن هذا يستلزم أن يقوم مقامه من كل وجه في تفويضه، ولكن الوكالة غالباً ما تكون مقيدة، وعلى هذا: فإن التفويض فيه شيء من العموم، أي: أعم من الوكالة، وإلا فالتداخل موجود بينهما، حتى إن العلماء رحمهم الله في تعريف الوكالة قالوا: هي التفويض، وبعضهم يقول: استنابة، فالتفويض والوكالة بينهما تداخل، ومن أوضح ما يقع الفرق بين التفويض والوكالة في مسألة الطلاق، فإنه إذا فوّض الطلاق للمرأة وجعل لها أمرها بيدها ليس كما لو وكل، فإنه إذا فوض إليه ذلك فليس كالتوكيل؛ لأن التوكيل محدد وفيه نوع من التقييد، ويفتقر إلى شيء من الانضباط أكثر من التفويض، والتفويض أبلغ في الإنابة وإقامة الغير مقامه والله تعالى أعلم.
بالنسبة للتفويض في مسألة الوكالة ذكر بعض العلماء رحمهم الله في مسائل غير مسألة الوكالة التي معنا، ربما في الحقوق يكون التفويض فيها أقوى من الوكالة، وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن التفويض أعم من الوكالة، ولذلك يستمد قوته من عموم المادة، وتفويض الأمر إلى الشخص يجعل له صلاحية أن ينظر، فإن شاء أتمه وإن شاء نقضه، وإن شاء أمضاه وإن شاء فسخه لكن للتوكيل فيه هذا المعنى من بعض الوجوه، ومن أظهر ما يقوي ذلك: ما لو قال له: وكلتك أن تفعل شيئاً ثم مات الموكل فتنفسخ الوكالة مباشرةً، لكن لو قال: فوضت إليك، فالتفويض يختلف عن هذا ويبقى مفوضاً، ولو مات من فوضه، فحينئذٍ التفويض يكون أقوى من الوكالة من هذا الوجه، والله تعالى أعلم
‌‌التفصيل في تعارض الحقيقة الشرعية مع الحقيقة العرفية

‌‌السؤال
الألفاظ التي يختلف فيها العرف والمعنى الذي يدل عليه اللفظ فأيهما يقدم؟


‌‌الجواب
ورد في السؤال الألفاظ التي يتعامل الناس بها، ويكون لها معنىً عندهم، ويكون لها معنىً في الشرع، فأيهما يقدم؟ تعرف هذه المسألة بمسألة: تعارض الحقيقة الشرعية مع الحقيقة العرفية أو الوضعية، فإذا كان للناس عرفٌ يتعاملون به في الألفاظ فإنه يرجع إلى هذا العرف، ويحتكم إلى هذا العرف إلا في المصطلحات الشرعية المعينة، ولذلك يحكم في الأيمان والنذور بما جرى عليه العرف وتكون الحقيقة العرفية قوية في كثير من المسائل، وقد تُقدم في حال تعارض الأعراف للحقيقة الشرعية ترجيحاً لأحد العرفين على الآخر، وأما من حيث الأصل فالألفاظ التي حددها الشرع كالطلاق ونحوه لا تخلو من حالتين: إن كانت بصريح اللفظ الذي جعله الشرع دالاً على المقصود فهذه لا يؤثر فيها العرف الخاص، ويرجع فيها إلى حكم الشرع ولا يرجع فيها إلى عرف الناس، حتى قال العلماء رحمهم الله: إن هذا الباب أشبه بالحكم الوضعي، أي: أن الشرع جعل لفظ الطلاق موجباً للطلاق بغض النظر عن قصده وعدم قصده، فما دام أنهم تلفظوا بهذه الألفاظ وقصدوا اللفظ فإنهم يؤاخذون به، حتى ولو جرى العرف بعدم اعتبار هذا اللفظ طلاقاً، لكن لو أنه قال كلمةً بمثل لفظ الطلاق ولم يقصد الطلاق، وجرى العرف فيها بشيءٍ آخر، ووجدت قرائن، انصرف اللفظ إلى ما قصد، مثال ذلك: لو إذا خرجت من الحمام -أكرمكم الله- اصطلح أهل القرية على أن المرأة بمجرد خروجها من الحمام يقال لها: طالق، كأنها كانت داخل الحمام مقيدة بحاجاتها وبعذرها، ثم درس هذا العرف فقال لها: يا فلانة! أنت طالق، وهو قصده المدلول العرفي، يعني: خرجت من الحمام، فهي طالق في حكم الشرع سواء، قصد أو لم يقصد، لكن وجود القرينة أو ما يسمى عند العلماء ببساط المجلس قالوا: لا تطلق، وبعض العلماء قالوا: تطلق قضاءً ولا تطلق ديانة، فبينه وبين الله هي زوجته، ولكن لو ارتفع إلى القاضي تطلق عليه، وهذا ترجيحٌ للحقيقة الشرعية على الحقيقة العرفية ولو جرى العرف وأكد بساط المجلس.
فالمقصود: أن مسألة الألفاظ هذه ذكرها العلماء رحمهم الله، وهناك جوانب كثيرة منها: الأيمان، ومنها: النذور، لو قال: والله لا آكل اللحم، والعرف الموجود عندهم أن اللحم مختص بلحم الدجاج، فقال: والله لا آكل اللحم، فعرفه مختص بلحم الدجاج، لكن المعروف أن لفظ (اللحم) يشمل كل اللحم، ويحرم عليه جميع اللحم، فهل نقدم ما تعارفوا عليه من تخصيص العرف اللغوي أو نقدم الأصل الشرعي، هذا من تعارض العرف مع اللغة.
ويتعارض العرف مع الشرع في ألفاظ الظهار، وألفاظ الأيمان، وألفاظ العتاق، ونحوها، فالمقصود: أنه في بعض الأحيان قد تقدم الحقيقة العرفية، خاصةً عند الاحتمال مثل طلاق الكنايات، فلو قال لامرأته مثلاً: أنت خلية، أنت برية، أنت بتة، أنت بتلة، أنت الحرج، اخرجي، تقنعي، اغربي عن وجهي، لست لي بامرأة، هذه كلمات قد تجري في بعض الأعراف ويقصد منها الطلاق، وفي نيته أنه يطلق، وقد تجري في بعض الأعراف على أنها تأديبٌ للزوجة، كما لو قال لها: اذهبي إلى أهلك، واخرجي من بيتي، ودرج العرف المتعارف عليه أن المرأة يقول لها زوجها: اخرجي لبيتك، واليوم الثاني: لبيت أهلك، واليوم الثالث: يردها، إذا اصطلحوا على ذلك وهو لا ينوي الطلاق ولم يقصد بذلك طلاقاً لا يقع طلاقاً، لكن إن نواه طلاقاً وقع طلاقاً، فحينئذٍ احتكم للعرف مع وجود شبهة التطليق بالكناية.
المقصود أن الكنايات يقوى فيها الاحتكام إلى العرف، أما بالنسبة لمسائل الألفاظ التي حددها الشرع وعينها فهذه يقوى فيها تقديم الحقيقة الشرعية، وهذه المسألة راجعة إلى وضع اللغة، وقد ذكرها علماء الأصول، واللغة العربية قيل: إن الواضع لها هو الله عز وجل، فإذا كانت موضوعةً من الله سبحانه وتعالى -حتى ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع وغيره أنها لغة أهل الجنة، وهذا يقتضي أنها تعبدية- فلا يمكن لشخص أن يغير اسماً منها فلو قال: أنت طالق وقال: الطلاق له عندي معنىً خاص لا يمكن أن يصرف إلى حل العصمة، نقول له: أبداً هذا وضع وضعه الشرع ما تستطيع أن تحدث فيه.
فعلى هذا الوجه: لو اصطلح أهل البيئة في ألفاظٍ معينة على صرفها عن هذا لم يستقم، أما في أصل معاني الأشياء التي هي الأسماء المعينة والأسماء غير المعينة فإنه يمكن أن يحصل فيها اختلاف في العرف، ويمكن أن يحصل فيها اختلاف في الأشخاص، فقبيلة تتلفظ بهذا اللفظ وتنوي وتعتد به طلاقاً، وقبيلة أخرى تتلفظ بهذا اللفظ ولا تعتبره طلاقاً، هذا يختلف باختلاف الأعراف والبيئات والأشخاص والله تعالى أعلم
‌‌ابن الزوج ليس محرماً لأم زوجة أبيه

‌‌السؤال
هل ابن الزوج محرمٌ لأم زوجة أبيه الثانية؟


‌‌الجواب
بالنسبة لابن الزوج لا يكون محرماً لأم زوجة أبيه، فهذه المحرمية تختص بالأب دون الابن؛ لأن المحرمات من جهة المصاهرة يختص التحريم فيهن بالأصل دون الفرع، وفي بعضها يختص بالفرع دون أصله، فتختلف بحسب الأربع التي بينها القرآن: أم الزوجة، وبنت الزوجة، وزوجة الأب، وزوجة الابن، فالآن زوجة الأب أمها محرمٌ للأب؛ لأنها من (أمهات نسائكم)، ولكن أمها ليست محرماً لابنه، وبنت زوجته محرمٌ له وهي الربيبة وليست بمحرمٍ لابنه، فهذا التحريم يختص بالأب؛ فأمّ زوجة أبيه ليست بمحرمٍ له، وعلى هذا: لا يجوز له أن يختلي بها، ولا أن يصافحها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]