عرض مشاركة واحدة
  #377  
قديم 17-08-2024, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

‌‌دعوى الوكيل الوكالة دون بينة ولا دليل
الحالة الثانية: أن يدعي أن زيداً وكله في قبض حقه منك وليس عنده شهود ولا دليل، فإذا لم يكن عنده شهود ولا دليل فأنت على صور: الصورة الأولى: إما أن تثق في الرجل وتعرف أن الرجل صادق، أو تعرف أن زيداً دائماً يوكله وأنه وكيل عنده، مثلاً: حينما يأتيك العامل الذي يعمل عنده دائماً في محله ويوكله دائماً، وجرت العادة أنه يتولى أموره الخاصة، فعندك غلبة ظن أنه صادق، أو تعرف هذا الرجل الذي جاءك بالأمانة والصدق والعدالة وأنه لا يكذب، هذه صورة.
الصورة الثانية: أن يقوم ذلك الشخص بدعوى الوكالة ولا تعرفه لا بصدقٍ ولا بكذب، فلا إشكال.
الصورة الثالثة: أن يكون ذلك الشخص معروفاً بالكذب عندك.
هذه ثلاث صور: إما أن تثق في الرجل وتعرف صدقه، وإما أن يكون العكس فتعرف الرجل بالكذب والخيانة وأنه دائماً يأكل أموال الناس ويكذب عليهم، وإما أن لا تعرف صدقه ولا كذبه.
فإن عرفته بالصدق فأنت لست بملزم بدفع المال إليه، حتى ولو عرفته بالصدق، ما دام أنه لم يقم بينة على أنه وكله فمن حقك أن تمتنع؛ لأن صاحب الدين ربما أنكر الوكالة في أي يوم من الأيام، فكأنك إذا دفعت المال تخاطر بنفسك، وليس عندك دليل ولا مستند تستند إليه، فليس هناك ما يدل على ثبوت الوكالة شرعاً، والأصل عدم الوكالة حتى يدل الدليل على ثبوتها من كونه صادقاً، هذا أمر يرجع إليك، فإن شئت دفعت إليه، وإن شئت لم تدفع تدفع إليه.
وأما إن ظهر كذبه أو أنت تعلم كذبه، أو لا تعرفه لا بصدق ولا كذب -وهما الصورتان الباقيتان- فلا إشكال أنه لا تدفع المال إليه، ومن حقك الامتناع، ولا يجب على القاضي أن يلزمك بالدفع.
قال رحمه الله: (ومن ادعى وكالة زيد في قبض حقه من عمرو لم يلزمه دفعه إن صدقه).
(لم يلزمه) يعني: لم يلزم الذي عليه الدين والذي عليه الحق أن يدفعه، أي: لهذا الذي يدعي الوكالة، لم يلزمه يعني: لا يجب عليه، فهو بالخيار إن شاء دفع وإن شاء امتنع.
(لم يلزمه دفعه إن صدقه).
الضمير عائد إلى الحق الذي هو العشرة الآلاف، (لم يلزمه دفعه)، أي: دفع الحق، (إن صدقه)، فمن باب أولى إن كذبه أو لم يصدقه ولم يكذبه، فأصبح عندنا ثلاث صور: لم يلزمه إن صدقه، ومن باب أولى إن كذبه، أو إن شك في صدقه وكذبه.
ومفهوم قوله: (لم يلزمه) يعني: هو بالخيار، ونبني على قوله: (لم يلزمه)، أنه: ليس من حق القاضي أن يلزمه بدفع ذلك المال أو إعطائه الوكيل؛ لأنه سيتحمل المسئولية؛ والسبب في هذا: أنك إن أعطيت رجلاً ديناً عشرة آلاف ريال، فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يضمن، وتعرفون يد المديون يد ضمان، له غُنم المال وعليه غُرمه، فإذا كان ضامناً للمال فإنه في الأصل يبرئ ذمته بإعطاء المال لصاحبه، فإذا كان هناك طرف آخر يدعي أنه وكيل فينبغي أن تكون هناك بينة حتى أدفع المال وأنا مطمئنٌ من وصوله إلى صاحبه، فإذا لم تقم البينة على الوكيل فإنني لا أستطيع أن أتحمل المسئولية فأدفع المال ولو كنت أعرف أنه صادق، لأن معرفتي الشخصية لا تسقط عني الحق؛ لأنه ربما كان صادقاً في حقيقة الأمر فيكذبه صاحب الحق، فأنت تعرض نفسك للخطر.
وافرض أن الشخص صادق وأمين ونزيه، وليس عليه أي غبار، ولكن صاحب الدين رجلٌ مماطل أو كذاب أو متلاعب بحقوق الناس، فيرسل لك أميناً تثق به وتدفع المال إليه على أنه صادق، فإذا أخذ المال والعشرة الآلاف أنكر الوكالة من أصلها وقال: لم أوكله فإذاً لم تسئ لو وثقت به، فإن هذه الثقة لا تستلزم أن تخاطر بالمال ولا تستلزم أن تخاطر بالحق؛ ولذلك قال رحمه الله: (لم يلزمه دفعه إليه، وإن صدقه).
(ولا اليمين إن كذبه).
افرض -مثلاً- لو أنك في مكة، ولك على محمد الذي في المدينة عشرة آلاف ريال، فوجئ محمد الذي في المدينة بخالد يقول له: ادفع لي العشرة الآلاف التي لفلانٍ عليك، قال له: ما أدفع، إما أن تأتي ببينة وأدفع لك وإما لا أدفع لك المال، بل أدفعه إلى صاحبه، فجاء هذا الرجل الذي هو خالد واشتكاه عند القاضي، فلما حضر الطرفان عند القاضي قال القاضي للمديون: تصدق خالداً؟ قال: نعم أصدقه وأعرفه بالصدق، فهل القاضي يلزمه؟ قلنا: لا يلزمه، فيرد

‌‌السؤال
الدعوى من خالد أنه وكيل، وأنكره المديون، فهل نقول: البينة على المدعي واليمين على من أنكر؟ هل نطالب المديون أن يحلف اليمين؟ القاضي قال للوكيل: أحضر البينة قال: ما عندي بينة، ولكن أطالب هذا المديون أن يحلف اليمين، فهل من حقي أن أطالبه باليمين؟ قال: ليس من حقه أن يطالبه باليمين؛ لأنه في الأصل ذمته متعلقة بصاحب الدين، وليست ذمته متعلقة بشخص آخر، وليس هناك قضاء بالنكول؛ ولذلك قالوا: إنه لو امتنع عن اليمين لم يكن من حقه أن يلزم بدفع المال؛ لأن النكول هنا -كما سيأتينا في كتاب القضاء- لا يعتبر حجةً بهذه الصورة؛ لأن ذمته مستحقة لصاحب المال الأصلي وليست متعلقة بهذا التوكيل.
وعلى هذا قالوا: لا يلزمه أن يدفعه إليك (ولا اليمين) أي: لا يلزمه اليمين إن كذبه، فلا يحلف اليمين في مجلس القضاء على نفي هذه الوكالة، ولو كلفناه أن يحلف اليمين لكان في ذلك ضرر عليه؛ ولذلك يدفع الضرر ويبقى الأمر على الأصل من أنه ملزم بدفع الدين إلى صاحب الدين، وهذا هو الأصل، حيث لم يقم الدليل على إثبات الوكالة، فإنه مطالبٌ بالبقاء على الأصل وأنه لا يدفع إلى هذا الوكيل المدعي للوكالة
‌‌مسألة إذا أنكر الموكل الوكالة لمن أخذ الدين
قال رحمه الله: [فإن دفعه فأنكر زيد الوكالة حلف وضمنه عمرو].
هنا مشكلة: لو كان شخص مديوناً لشخص، وجاء من يدعي الوكالة، قلنا: إذا وجدت البينة فلا إشكال؛ لكن الإشكال إذا لم توجد بينة، فالأصل أنك لا تدفع هذا المال إلا لصاحبه الأصلي، فلو أنك خاطرت ودفعت المال، ثم حضر صاحب المال، وقال: يا فلان! أعطني العشرة الآلاف التي لي عليك، قال له: أعطيتها لوكيلك فلان، قال: ما وكلت فلاناً، فأنكر صاحب الحق الوكالة فما الحكم؟ هل نقول: ذمة المديون برئت، ويجب على صاحب المال أن يكون وجهه على من ادعى الوكالة؟ أم نقول إن وجهه على المديون؟ قالوا: الحكم كالتالي: أولاً: المديون حينما دفع المال لمن ادعى الوكالة بدون بينة قد فرط، وخاطر بالمال وبنفسه، فعرض نفسه لتحمل المسئولية؛ لكن يبقى شيءٌ مهم وهو: أن المديون ادعى أن زيداً -وهو صاحب الحق- قد وكل عمراً، فإن كان زيد ينكر الوكالة فشرعاً نطالبه أن يحلف اليمين أنه لم يوكل عمراً، فإذا حلف اليمين وأثبت بيمينه اعتضدت اليمين مع الأصل؛ لأن الأصل عدم الوكالة، وقلنا: إن اليمين دائماً تعضد الأصل، فيصبح الأصل مع اليمين بمثابة شاهدين، الأصل شاهد، واليمين شاهد، وقد جعل الله الأيمان بمثابة الشهود، ولذلك في اللعان يحلف الرجل أربعة أيمان وشهادات بالله عز وجل حتى يجب الحد على المرأة.
فإذاً: اليمين تقوم مقام الشاهد والأصل مقام شاهد ثانٍ، وإذا ثبت حلفه وحلف اليمين فإننا نلزم ذلك الرجل بدفع الدين مرةً ثانية، ثم يقيم دعوى عند القاضي أن فلاناً كذب عليه وادعى الوكالة وأخذ منه عشرة آلاف بدون حق، فيحضر هذا الظالم إذا كان كاذباً في أمره، ويؤخذ منه الحق لكن لو أن الكذب كان من الموكِّل والعياذ بالله، فالموكل فعلاً وكل فأخذ العشرة آلاف، ثم أخذ عشرة آلاف ثانية فحينئذٍ نحكم بوجوب دفع العشرة الآلاف الثانية كما ذكرنا؛ لأن المديون فرط، ثم يقوم الوكيل بدعوى ضد هذا الذي كذب وأنكر الوكالة فيطالبه؛ لأن المديون سيطالب الوكيل، والوكيل سيطالب الموكِّل فتجري على هذا الوجه.
باختصار: نحكم أولاً بوجوب اليمين على الموكِّل أنه ما وكل، فإن حلف اليمين أوجبنا على المديون دفع العشرة آلاف، فأصبح الموكل الكاذب قد حاز عشرين ألفاً، فيكون المديون دفع عشرين ألفاً، والواجب عليه عشرة آلاف فكيف يكون القصاص؟ قالوا: المديون يقتص من الوكيل الذي ادعى الوكالة؛ لأنه في الظاهر كاذب، فيقيم عليه الدعوى أنه كذب في وكالته ويأخذ منه العشرة الآلاف، ثم الوكيل هذا الذي كُذّب في وكالته، يقيم دعوى أخرى أن فلاناً قد أخذ منه العشرة آلاف، ثم بعد ذلك يقاصصه بها ويطالب باليمين، وعلى هذا يكون قد وصل كل ذي حقٍ إلى حقه.
(فإن دفعه فأنكر زيد الوكالة حلف).
أي: حلف زيد بالله أنه ما وكله.
(وضمنه عمرو).
وضمن الدين والحق عمرو وهو المديون

‌‌مسألة إذا وجد الموكل وديعته أخذها ومسألة الظفر

قال رحمه الله: [وإن كان المدفوع وديعة أخذها].
إذا أودعت شخصاً وديعة، فالوديعة تستحق بعينها، بخلاف العشرة آلاف والأموال التي تكون مضمونة بالرمة، فإن كان الشيء الذي حُفظَ عند الشخص وديعة من سيارةٍ أو طعام فإن الحق متعلق بعين السيارة والطعام، فصاحب السيارة الذي يملكها في الأصل يأخذها ممن شاء، سواءً وجدها عند الطرف الأصلي الذي هو المودَع، أو وجدها عند مدعي الوكالة؛ لأن الحق مطالب بعينه، فيأخذ الوديعة من أيهما شاء، سواءً وجدها عند هذا أو وجدها عند هذا، وهذا يرجع إلى مسألة الظفر، وهي مسألة تتعلق بالحقوق، بأن يكون لك حقٌ على شخص، يعني: افرض أن شخصاً سرق منك سيارة، فإن ظفرت بالسيارة تأخذها أنى وجدتها؛ لأن حقك متعلقٌ بعين السيارة، فتأخذ هذه السيارة كيفما وجدتها قالوا: حتى ولو بالسرقة، فمن سرق مالك جاز لك أن تسرق منه المال نفسه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] فإذا جاء وأخذها خفيةً منك كأن أخذ منك ثوباً وعلمت أن فلاناً قد دخل البيت وأخذه بالسرقة وذهب، فدخلت عليه خفية وأخذت الثوب وما ظلمته فيكون رأساً برأس، والبادئ هو الأظلم، وهذه الحالة يسميها العلماء: حالة الظفر أي: من ظفر بحقه أخذه.
بعض العلماء يقول: ليس من حقك أن تستخدم الحيل المحرمة للوصول إلى حقك؛ لأن الشرع قد أعطاك القضاء ومكنك من القضاء، فلا يجوز أن ترتكب ما حرم الله، فلا تسرق ولا تأخذه على غرضه، وإنما تأخذه بالوجه المعروف.
وقال بعض العلماء: من حقك أن تأخذ حقك بأي وسيلة ما دام أنك ستصل إلى حقك ولا تظلم الرجل وقالوا: لو أن عاملاً يشتغل عند رجل فظلمه ومنعه من حقوقه، وله عليه عشرة آلاف، فصار يأخذ من ماله في حدود عشرة آلاف فهذه مسألة من ظفر بحقه أو تمكن من حقه دون أن يعلم من ظلمهم، فهل ذلك جائزٌ أو لا؟ قال بعض العلماء: من حقك أن تأخذه، واستدلوا بأدلة منها: ما ثبت في الصحيحين من حديث هند رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح مسيك، ولا ينفق عليّ -أي: لا يعطيني مالي- فقال صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فأجاز لها أن تأخذ من ماله حقها فقال: (ما يكفيك وولدك بالمعروف) فقربوا المسألة كالآتي: قالوا: هند وأولادها لها حق على أبي سفيان، وهذا الحق لم تستطع أن تصل إليه إلا بحيلة، فأجاز لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من ماله، وهذا أشبه بالسرقة؛ لأنها في الأصل أخذت من المال دون علم صاحبه، قالوا: لكنها ستصل إلى حقها ولا تظلمه، فقال بعض العلماء: دل هذا الحديث على جواز أخذ الحق إن وجده صاحبه بأي وسيلة.
وقال بعض العلماء: لا يجوز، واستدلوا بما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) فقال: (لا تخن من خانك) فمع أنه خانني لم يجز لي الشرع أن أستخدم الخيانة، قالوا: وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] لا يقتضي فعل السيئة، وإنما سميت سيئة؛ لأنه لا يأمن الحيف، مثال ذلك قالوا: إذا ضربه وأضر به فلا يأمن أن يحيف؛ لأنه عند الانتقام غالباً ما يكون هناك نوع من القوة في الغضب، فلربما زاده في القصاص؛ ولذلك قالوا: سمى الله القصاص سيئة مع أنه ليس بسيئة؛ لأن صاحب القصاص لا يأمن من الحيف، فإذا ضربه -مثلاً- وصفعه على وجهه، وأراد أن يصفعه، فالغالب أنه يصفعه، وعنده حمية فسيزيد؛ فسماها الله سيئةً وقيل: من باب المشاكلة، وأياً ما كان فالمقصود: أن الأقوى أنه لا يأخذه؛ لأن الشرع قد مكنه من حقه بالقضاء، وأما مسألة حديث هند فنقبله ولا نرده، ونعمل به ولا ننكره، لكنه خاص والقاعدة تقول: (لا تعارض بين عام وخاص)؛ ولأنه لا يأمن العامل ولا يأمن غيره أن يثبت عليه صاحب الحق أنه، اختلس فيقع في ضرر أعظم، ولذلك لا يخاطب الناس على هذا الوجه، والأشبه أنه يطالب بحقه على الوجه المعروف
‌‌تضمين المودع أو الوكيل إذا تلفت الوديعة
(وإن كان المدفوع وديعة أخذها فإن تلفت ضمن أيهما شاء).
فإن تلفت الوديعة إن شاء ضمن الدافع، وإن شاء ضمن المدفوع إليه؛ لأن الدافع للوديعة إذ اانتقلت الوديعة إلى الشخص الآخر فإنه لا يضمن، ويكون ضمان الوديعة على من ادعى الوكالة، فحينئذٍ إن شاء طالب من دفعت إليه الوديعة، وإن شاء طالب الدافع؛ لأن يد المودع يد أمانة كما بيناه
‌‌الأسئلة
‌‌مسائل الوصايا والحضانة وغيرها متفرعة عن مسألة الوكالة


‌‌السؤال
هل الحكم في قبول دعوى الوكالة مثله في دعوى الحضانة والوصية؟


‌‌الجواب
باسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فالوكالة والوصايا وكذلك ما يشابهها من المسائل التي فيها محض التبرع تأخذ حكم الوكالة، فمسائل الوصايا والحضانة كلها تتفرع على مسألة الوكالة؛ لوجود محض التبرع والإحسان من الموكل أو الموصى إليه ونحوهم، ولا يدعي هذه الأشياء ولا تقبل الدعوى إلا بدليل وبينة؛ لأن الأصل عدمها حتى يقوم الدليل على ثبوتها، ويتحمل الوصي المدعي للوصايا الموصى إليه، وكذلك غيره ومن في حكمه يتحمل المسئولية إن ظهر كذبه على التفصيل الذي ذكرناه في الوكالة، وسيأتي -إن شاء الله- بيان هذه المسائل خاصةً في باب القضاء، فنبين أحكام الدعاوى سواءً كان في الحقوق العامة أو في الحقوق الخاصة، والله تعالى أعلم
‌‌الخطابات المختومة من القرائن التي تدل على الوكالة

‌‌السؤال
إذا حمل الوكيل خطاباً بخط الموكل وختمه فهل يقوم مقام الشهود، فيدفع إليه ما للموكل؟


‌‌الجواب
أدلة إثبات الدعاوى تنقسم إلى قسمين: قسمٌ منها بينات شرعية حدد الشرع هذه البينات، وحكم باعتبارها، ونصت نصوص الكتاب والسنة على وجوب العمل بها، ويشمل ذلك الإقرار والشهادة والكتابة الموثقة بالشهود، فأما الإقرار فهو كما يقال: سيد الأدلة وأقواها؛ لأنه ليس هناك أقوى من شهادة الإنسان على نفسه، وليس هناك إنسان يشهد على نفسه بالضرر إلا وهو صادق.
أما النوع الثاني من الأدلة فهو: الشهود، كما جعل الله في شهادة الزنا أربعةً، وفي شهادة الأموال وما في حكمها شاهدين من الرجال، أو أربعةً من النسوة، أو شاهداً من الرجال وامرأتين، أو شاهداً ويميناً، وكلها ثبتت بها الأدلة، فالشهادة حجة بالنسبة للأموال، وما يئول إلى الأموال.
النوع الثالث من الأدلة المعتبرة هو: الكتابة الموثقة بالشهود، كما دلت عليه آية البقرة فيكتب الدين -مثلاً- ويستشهد عليه شاهدين من الرجال أو رجلاً وامرأتين ممن يرضى أو أربع نسوة، وهذا كله نص عليه القرآن ولا إشكال فيه، وأما بالنسبة للشاهد مع اليمين فقد قضى عليه الصلاة والسلام بالشاهد مع يمينه، فجعل اليمين بمثابة شاهد لكن في الأموال وما يئول إليها؛ لأن الصحابي قال: (قضى بالشاهد مع يمينه)، فدل على أن الزنا والحدود والجرائم لا تثبت بالأيمان إلا فيما استثنى الشرع من لعان الرجل مع امرأته، وهذه قضية خاصة، أما من حيث الأصل فالأيمان لا دخل لها في الحدود فهي قرائن ضعيفة، فالقرائن القوية تكون بعض الأحيان في الجنايات، وتكون في غير الجنايات، فمثلاً: المرأة إذا تزوجها الرجل ومكث معها شهرين، وتبين أن حملها لأربعة أشهر أو ستة أشهر، فهذه تعتبر قرينة على أنها قد زنت؛ لأن الزواج لا يمكن في مثله أن يكون الحمل على هذا الوجه.
بعض الأحيان يدخل بها وبمجرد ما يدخل بها يجد عليها آثار الحمل، فهذه قرينة على أنه ليس من حلال وإنما هو من حرام، لكنها ليست ببينة على خلاف في الحمل: هل يقتضي ثبوت الزنا أو لا؟ وفيه خطبة عمر المشهورة وسيأتي -إن شاء الله- بيانه في باب الزنا والحدود، الشاهد: القرائن قد تكون قرائن في الدماء، قالوا: لو أن رجلاً وجدناه متشحطاً في دمه -أي: مقتولاً- وعند رأسه رجل يحمل السكين ملطخةً بالدماء، وثيابه ملطخة بالدماء، وعليه آثار العنف أو ما يدل على أنه متعاطٍ للجريمة، فهذه ليست ببينة شهود أو إقرار، ولكنها قرينة واضحة، ومثل هذه القرائن يعمل بها في القضاء في حدود؛ لأن الله أوجب علينا الرجوع للبينات، والقرائن لا تثبت الحكم من كل وجه، ومن أقوى الأدلة على أن القرائن لا تثبت في الحكم من كل وجه؛ أننا لو فتحنا باب القرائن لاسترسل الناس في ذلك، وأقوى الأدلة على عدم اعتبار القرينة ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قذف هلال بن أمية امرأته بـ شريك بن سحماء وقذف عويمر العجلاني امرأته بالزنا، وقام اللعان بينهما فحلف عويمر وحلفت زوجته، فلما وقعت بينهما أيمان اللعان قال صلى الله عليه وسلم: (حسابكما على الله، الله أعلم، أحدكما كاذب) إما الرجل كاذب وإما المرأة، فأصبحت القضية من حكومة الدنيا إلى حكومة الآخرة، فانتقل حكمها إلى الله عز وجل، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (انظروا إليه -انظروا إلى الولد الذي ستأتي به- فإن جاءت به خدلج الساقين ... )، إلى آخر الحديث، فذكر الصفات (فهو له) يعني: الزوج وهو كاذب (وإن جاءت به على صفة كذا وكذا فهو للذي ذكر)، فجاءت به على صفة الرجل الزاني والعياذ بالله، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (لو كنت راجماً أحداً من غير بينة لرجمت هذه)، مع أن القرينة واضحة على أنها زانية، ولكن لم يحكم بها ولم يستبح دمها ولم يحكم بالجناية؛ لأن الشرع أمرنا أن نقف عند حدود معينة.
وبناءً على ذلك فالقرائن لو فتح بابها لاسترسل القضاة في العمل بهذه القرائن، لكن قد تكون القرائن في بعض الأحيان مدخلاً للقاضي أن يحلف المتهم، وأن يشدد عليه في الاعتراف إذا تعلق به حقٌ للغير، فالكتابات التي ذكرت والتي عليها الختم في بعض الأحيان يعمل بها كما في كتاب القاضي إلى القاضي، ويعمل بها في سجلات الحقوق، ويعمل بها في سجلات التجار في إثبات الدين على التاجر إذا مات ووجد بخطه أن لفلانٍ عليه ونحو ذلك، لكن لا تكون بينة من كل وجه يعني: لا تأخذ حكم البينات من كل وجه، وإنما يجب الاقتصار على الأدلة التي ثبتت النصوص بها، وباعتبارها، والزائد على هذا يرجع إلى حكمة القاضي، فيتعامل معه في حدود معينة، ونطاق معين يليق بالقرآن والحكم بها واعتبارها، والله تعالى أعلم
‌‌حكم تحويل المبالغ المالية من بلد إلى آخر

‌‌السؤال
أردت إرسال مبلغٍ من المال إلى أهلي فقال لي أحدهم: أنا آخذ منك هذا المبلغ وأحيلك في بلدك على شخصٍ يعطيك بدلاً منه بعملة بلدك، فهل هذه المعاملة جائزةٌ شرعاً؟


‌‌الجواب
هذه المعاملة فيها ربا النسيئة، عندما تقول له مثلاً: خذ مائة ألف ريال وحولها، على شريطة أن تعطي أهلي عشرة آلاف دولار أو عشرة آلاف جنيه، فأصبح العقد يشتمل على عقدين: العقد الأول: عقد الصرف وهو تحويل العملة من الريالات إلى الدولارات أو إلى جنيهات أو غيرها.
العقد الثاني: عقد التحويل، فالواجب شرعاً أولاً أن تصرف العملة ثم تقبضها؛ لأنه إذا اختلف الذهب بفضة أو فضة بذهب فإنه يجب أن يكون يداً بيد، فتصرفها ولا تحول إلا بعد الصرف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.06%)]