
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (183)
صـ 91 إلى صـ 98
يكون فعله حكمة محمودة، وإن جوز المجوز أن يحصل النفع بدون ذلك: كاكتساب الأموال وغيرها من المطالب بالأسباب المقتضية لذلك في العادة، فإنه ليس سفها، وإن جاز أن يحصل المال بغير (1) سعي كالميراث.
الوجه الخامس: قوله: " لأنه يفعل لا لغرض " (2) قد تقدم جوابه، وبينا أن أكثر أهل السنة يقولون: (3) إنه يفعل لحكمة وهو مراد هذا بالغرض، [وبعض أهل السنة يصرح بأنه يفعل لغرض] (4) ، ومن قال من المثبتين للقدر: إنه يفعل لا لحكمة، فإنه يقول: وإن كان يفعل ما يشاء فقد يعلم ما يشاؤه (5) مما لا يشاؤه: إما باطراد العادة، وإما بإخبار الصادق، وإما بعلم ضروري يجعله في قلوبنا، وإما بغير ذلك.
[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لا يتمكن أحد من تصديق أحد من الأنبياء]
(فصل) قال [الرافضي] (6) : " ومنها أنه لا يتمكن أحد من تصديق أحد من الأنبياء، لأن التوصل إلى ذلك والدليل عليه إنما يتم (7) بمقدمتين: إحداهما: أن الله [تعالى] فعل المعجز على يد النبي [صلى الله عليه وسلم] (8) لأجل التصديق. والثانية: أن
_________
(1) بغير: ساقطة من (ع) .
(2) م فقط: لأنه لا يفعل إلا لغرض.
(3) أ، ب: أهل السنة أنهم يقولون. . . إلخ.
(4) ما بين المعقوفتين في (ع) فقط.
(5) ع، ن، م: ما شاءه.
(6) الرافضي في (ع) فقط، والكلام التالي في (ك) 1/86 (م) 87 (م) .
(7) إنما يتم: ساقطة من (ع) ، (م) .
(8) الله تعالى. . . . . . . . النبي صلى الله عليه وسلم: كذا في (ع) ، (ك) إلا أنه في (ك) : النبي عليه السلام، وفي (ن) : أن الله فعل المعجزة على يد النبي، م، أ، ب: أن الله فعل المعجزة على يد النبي
==============================
كل من صدقه (1) الله فهو صادق، وكلتا (2) المقدمتين لا تتم على قولهم، لأنه إذا استحال أن يفعل لغرض (3) استحال أن يظهر المعجز (4) لأجل التصديق، وإذا كان فاعلا للقبيح ولأنواع الإضلال والمعاصي (5) والكذب وغير ذلك جاز أن يصدق الكذاب، فلا يصح الاستدلال على صدق أحد من الأنبياء ولا المنذرين بشيء من الشرائع والأديان ".
الجواب من وجوه.
[أحدها: أن يقال] (6) : إنه قد (7) تقدم أن أكثر (8) القائلين بخلافة الخلفاء الثلاثة يقولون: إن الله يفعل لحكمة، بل أكثر أهل السنة المثبتين للقدر يقولون بذلك أيضا.
وحينئذ فإن (9) كان هذا القول هو الصواب فهو من أقوال أهل السنة، وإن كان نفيه هو الصواب فهو من أقوال أهل السنة [أيضا] (10) ، فعلى
_________
(1) ن، م: صدق.
(2) وكلتا: كذا في (ك) 1/87 (م) ، وفي سائر النسخ: وكلا وهو خطأ.
(3) ع: لا لغرض، وهو خطأ.
(4) أ، ب: أن يظهر المعجزة ; م: أن يفعل المعجزة.
(5) أ، ب، ع: الضلال والمعاصي ; ن، م: المعاصي والإضلال. والمثبت عن (ك) .
(6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(7) إنه: ساقطة من (ع) ، قد: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(8) أكثر: ساقطة من (ع) .
(9) ن، م: أحدها فإنه، وهو خطأ.
(10) أ، ب: كان من أقوال أهل السنة أيضا، وسقطت أيضا من (ن) ، (م)
============================
التقديرين [لا] (1) يخرج الحق عن قولهم، بل قد يوجد في كل مذهب من المذاهب الأربعة النزاع بين أصحابه في هذا الأصل، مع اتفاقهم على إثبات خلافة الخلفاء [الثلاثة] (2) ، وعلى إثبات القدر وأن الله خالق أفعال العباد، ونزاع أصحاب (3) أحمد في هذا الأصل معروف، وغير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم كابن عقيل والقاضي أبي خازم (4) وغيرهما يثبتون المعجزات بأن الرب حكيم لا يجوز في حكمته (5) إظهار المعجزات على يد الكذاب، وكذلك قال أبو الخطاب (6) وغيره وكذلك أصحاب مالك والشافعي، ولعل أكثر أصحاب أبي حنيفة يقولون بإثبات الحكمة في أفعاله أيضا.
الوجه الثاني: أن يقال: لا نسلم (7) أن تصديق الرسول (8) لا يمكن إلا بطريق الاستدلال بالمعجزات، بل الطرق الدالة (9) على صدقه طرق (10) متعددة غير طريق المعجزات. كما [قد] (11) بسط في غير هذا الموضع. ومن
_________
(1) لا: ساقطة من (ن) .
(2) الثلاثة: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) .
(3) أصحاب: ساقطة من (ع) .
(4) في كل النسخ: أبي حازم. وسبقت ترجمة أبي خازم محمد بن محمد بن الحسين الفراء المتوفى سنة 527: 1/143، 2/286.
(5) أ، ب، م: في حكمه ; ن: في إظهار حكمته.
(6) وهو أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني المتوفى سنة 510 وسبقت ترجمته 1/144.
(7) م فقط: لا يعلم.
(8) ن، م: النبي.
(9) ب: بل طريق الدلالة، أ: بل الطريق الدلالة.
(10) طرق: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(11) قد ساقطة من (ن) ، (م)
==============================
قال: إنه لا طريق إلا ذلك كان عليه الدليل، (1) فإن النافي عليه الدليل كما على المثبت الدليل، (2) وهو لم يذكر دليلا على النفي.
الوجه الثالث: أن يقال: لا نسلم أن دلالة المعجزة على الصدق موقوفة على أنه لا يجوز أن يفعل ما ذكر، بل دلالة المعجزة (3) على الصدق دلالة ضرورية لا تحتاج إلى نظر، فإن اقتران المعجزة (4) بدعوى النبوة يوجب علما ضروريا بأن الله أظهرها لصدقه، كما أن من قال لملك من الملوك: إن كنت أرسلتني إلى هؤلاء فانقض عادتك وقم واقعد ثلاث مرات، ففعل ذلك الملك علم بالضرورة أنه فعل ذلك لأجل تصديقه.
الوجه الرابع: قول من يقول (5) لو لم تدل المعجزة (6) على الصدق للزم عجز البارئ عن تصديق رسوله، والعجز ممتنع عليه لأنه لا طريق إلى التصديق إلا بالمعجزة. وهذه طريقة كثير من أصحاب الأشعري ومن وافقهم، وهي طريقة القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما، والأولى طريقة كثير منهم أيضا، وهي طريقة أبي المعالي ومن اتبعه وكلاهما طريقة للأشعري (7) وعلى هذا فإظهار المعجزة (8) على يد الكذاب المدعي للنبوة: هل هو ممكن مقدور أم لا؟ على القولين.
الوجه الخامس: أن يقال: قوله: إنها موقوفة على أن كل من صدقه
_________
(1) ساقط من (أ) ، (ب) .
(2) ساقط من (أ) ، (ب) .
(3) ع: المعجز.
(4) ع، م: المعجز.
(5) ن: أن قول من يقول ; م: أن قوله من يقول.
(6) ن، م: لو لم يدل المعجز.
(7) ع، ن، م: طريقة الأشعري.
(8) م فقط: المعجز
============================
الله (1) فهو صادق، إنما يصح أن لو كان المعجز (2) بمنزلة التصديق بالقول، وهذا فيه نزاع. فمن الناس من يقول: بل هي بمنزلة إنشاء الرسالة، والإنشاء لا يحتمل (3) التصديق والتكذيب، فقول القائل لغيره: أرسلتك أو وكلتك أو نحو (4) ذلك إنشاء، وإذا كانت دلالة المعجزة على إنشاء الرسالة (5) لم يكن ذلك موقوفا على أنه لا يفعل إلا لغرض، ولا على أنه لا يفعل القبائح، فإن الإنشاء كالأمر والنهي (6) ونحو ذلك.
الوجه السادس: أن يقال: قوله: لأنه إذا استحال أن يفعل لغرض استحال أن يظهر المعجز (7) لأجل التصديق، يجيب عنه من يقول: إنه لا يفعل شيئا لأجل شيء بأنه (8) قد يفعل المتلازمين كما يفعل سائر الأدلة المستلزمة لمدلولاتها، فيفعل (9) المخلوقات الدالة على وجوده وقدرته وعلمه ومشيئته (10) ، وهو قد أراد خلقها وأراد أن تكون مستلزمة لمدلولها دالة عليه لمن نظر فيها، كذلك خلق المعجزة هنا فأراد خلقها (11) وأراد أن تكون
_________
(1) لفظ الجلالة ساقط من (ع) .
(2) ب: إنما يصح لو كانت المعجزة ; أ، م: إنما يصح لو كان المعجز.
(3) أ، ب: والإنسان لا يجهل، وهو تصحيف.
(4) ع، ن، م: ونحو.
(5) أ، ب: وإذا كانت دلالة المعجزة على الإنشاء للرسالة ; ن: فإذا كانت دلالة المعجزة على إنشاء إرساله ; م: فإذا كانت دلالة المعجزة على إنشاء رسالة.
(6) ب: كالإنشاء بالأمر والنهي ; أ: فإن الإنسان كالأمر والنهي.
(7) أ، ب: استحال أن يظهر المعجزة ; م: استحال أن يفعل المعجز.
(8) ن: يجيب عنه من يقول إنه لا يفعل شيئا لأجل آخر، فإنه م: يجب عند من يقول إنه لا يفعل شيئا لأجل آخر بأنه.
(9) أ، ب: لمدلولها ففعل.
(10) ع: ومشيئته وعلمه.
(11) أ، ب: كذلك هنا خلق المعجزة وأراد خلقها ; م: كذلك هنا خلق المعجزة قد أراد خلقها، ن: كذا هاهنا خلق المعجزة وأراد خلقها
=============================
مستلزمة لمدلولها الذي هو صدق الرسول، دالة على ذلك لمن نظر فيها (1) ، وإذا أراد خلقها وأراد هذا التلازم حصل المقصود من دلالتها على الصدق، وإن لم يجعل أحد المرادين (2) لأجل الآخر، إذ المقصود يحصل بإرادتهما (3) جميعا.
فإن قيل: المعجز لا يدل بنفسه وإنما يدل للعلم (4) بأن فاعله أراد به التصديق.
قيل: هذا موضع النزاع. ونحن ليس مقصودنا نصر قول من يقول إنه يفعل لا لحكمة، بل هذا القول مرجوح (5) عندنا، وإنما المقصود (6) أن نبين حجة القائلين بالقول الآخر، وأرباب هذا القول خير من المعتزلة والشيعة.
وأما قوله: " إذا كان فاعلا للقبيح جاز أن يصدق الكذاب "، هذه حجة ثانية (7) ، وجواب ذلك أن يقال: ليس في المسلمين من يقول إن الله يفعل ما هو قبيح منه، ومن قال إنه خالق أفعال العباد، يقول: إن ذلك الفعل قبيح (8) منهم لا منه كما أنه ضار لهم (9) لا له.
ثم منهم من يقول: إنه فاعل ذلك الفعل، والأكثرون يقولون:
_________
(1) فيها: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(2) ن: وإن لم يحصل أحد المرادين ; م: وإن لم يحصل أحد الأمرين.
(3) م: إذا المقصود ويحصل بإزائهما.
(4) أ، ب: العلم.
(5) ع: بل هذا مرجوح ; ن: بل هذا القول مرجوع ; م: بل هذا القول بمرجوح.
(6) أ، ب: والمقصود.
(7) ب: هذه الحجة ثانية ; أ: هذه الحجة ثابتة ; ن: وهذه حجة ثابتة ; م: وهذه حجة ثانية.
(8) أ، ب: القبيح.
(9) أ، ب، ن، م: كما أنه صار لهم
==================================
[إن] (1) ذلك الفعل مفعول له وهو فعل للعبد (2) ، وأما نفس خرق العادة فليست فعلا للعباد (3) حتى يقال: إنها قبيحة منهم، فلو قدر (4) فعل ذلك لكان (5) قبيحا منه لا من العبد، والرب منزه عن فعل القبيح.
فمن قال: إذا خلق الله ما هو ضار للعباد جاز أن يفعل ما هو ضار (6) كان قوله باطلا. كذلك إذا جاز أن يخلق فعل العبد [الذي] (7) هو قبيح من العبد وليس (8) خلقه قبيحا منه، لم يستلزم أن يخلق ما هو قبيح منه لا فعل للعبد فيه.
وتصديق الكذاب إنما يكون بإخبار (9) أنه صادق، سواء كان ذلك بقول أو فعل (10) يجري مجرى القول، وذلك ممتنع منه لأنه صفة نقص، والله سبحانه منزه عن النقائص بالعقل (11) وباتفاق العقلاء.
ومن قال: إنه لا يتصور منه فعل قبيح، بل كل ما يمكن فعله فهو حسن إذا فعله، يقول: إن ما يستلزم سلب صفات الكمال وإثبات النقص له، فهو ممتنع عليه: كالعجز والجهل ونحو ذلك، والكذب صفة نقص
_________
(1) إن: ساقطة من (ن) ، (م) .
(2) ن، م: وهو فعل العبد.
(3) ع، أ،: للعبد، م: لعباده.
(4) قدر: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(5) أ، ب: كان.
(6) ن: ما هو ضارا، م: ما هو ضار لهم.
(7) الذي ساقطة من (ن) ، (م) .
(8) أ، ب، ليس.
(9) ن، م: بإخباره.
(10) ن، م: سواء كان ذلك القول بقول أو عمل.
(11) أ، ب: بالنقل ; م: بالفعل
==============================
بالضرورة، والصدق صفة كمال، وتصديق (1) الكذاب (2) نوع من الكذب، [كما أن تكذيب الصادق نوع من الكذب] (3) ، وإذا كان الكذب صفة نقص امتنع من الله ما هو نقص.
وهذا المقام (4) له بسط مذكور في غير هذا الموضع (5) ، [ونحن لا نقصد تصويب قول كل (6) من انتسب إلى السنة بل نبين الحق، والحق أن أهل السنة لم يتفقوا قط على خطأ، ولم تنفرد الشيعة عنهم قط (7) بصواب، بل كل ما خالفت فيه الشيعة جميع أهل السنة فالشيعة فيه مخطئون، كما أن ما خالفت فيه اليهود والنصارى لجميع المسلمين فهم فيه ضالون، وإن كان كثير من المسلمين قد يخطئ. ومن وافق (8) جهم بن صفوان من المثبتين للقدر على أن الله لا يفعل شيئا لحكمة ولا لسبب، وأنه لا فرق بالنسبة إلى الله بين المأمور والمحظور، ولا يحب بعض الأفعال ويبغض بعضها، فقوله فاسد (9) مخالف للكتاب والسنة واتفاق السلف. وهؤلاء قد يعجزون عن بيان امتناع كثير من النقائص عليه، لا سيما إذا قال من قال منهم: إن تنزيهه عن النقص لا يعلم (10) بالعقل بل بالسمع.
_________
(1) أ: والتصديق.
(2) ن، م، ب: الكاذب ; أ: للكاذب.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(4) المقام: ساقط من (ع) .
(5) الكلام بعد كلمة الموضع ساقط من (ن) ، (م) وسأشير إلى نهايته في موضعه بإذن الله.
(6) كل: ساقطة من (ع) .
(7) قط: ساقطة من (ع) .
(8) أ: ومن وافقهم ; ب: وممن وافقهم.
(9) فاسد: ساقطة من (ع) .
(10) أ، ب: لم يعلم
=====================