عرض مشاركة واحدة
  #485  
قديم 03-09-2024, 08:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,389
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (485)
صــ 441 إلى صــ 455





ذكر من قال ذلك :

9713 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثنا عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا " إلى قوله من قبل أن نطمس وجوها : وطمسها أن تعمى فنردها على أدبارها " يقول أن نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ونجعل لأحدهم عينين في قفاه . [ ص: 441 ]

9714 - حدثني أبو العالية إسماعيل بن الهيثم العبدي قال حدثنا أبو قتيبة عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي في قوله من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها قال نجعلها في أقفائها فتمشي على أعقابها القهقرى

9715 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية ، بنحوه إلا أنه قال : طمسها أن يردها على أقفائها

9716 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة : فنردها على أدبارها قال نحول وجوهها قبل ظهورها .

وقال آخرون بل معنى ذلك من قبل أن نعمي قوما عن الحق فنردها على أدبارها في الضلالة والكفر .

ذكر من قال ذلك :

9717 - حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها : فنردها عن الصراط عن الحق " فنردها على أدبارها قال في الضلالة

9718 - حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : أن نطمس وجوها " عن صراط الحق " فنردها على أدبارها : في الضلالة .

9719 - حدثني المثنى قال حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك قراءة عن ابن جريج عن مجاهد مثله [ ص: 442 ]

9720 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال الحسن : نطمس وجوها : يقول نطمسها عن الحق " فنردها على أدبارها : على ضلالتها .

9721 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال حدثنا أسباط عن السدي : يا أيها الذين أوتوا الكتاب " إلى قوله كما لعنا أصحاب السبت قال نزلت في مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد بن التابوت من بني قينقاع . أما أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " يقول فنعميها عن الحق ونرجعها كفارا

9722 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها يعني أن نردهم عن الهدى والبصيرة فقد ردهم على أدبارهم فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به .

وقال آخرون معنى ذلك من قبل أن نمحو آثارهم من وجوههم التي هم بها وناحيتهم التي هم بها فنردها على أدبارها من حيث جاءوا منه بديا من الشام .

ذكر من قال ذلك

9723 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها قال كان أبي يقول إلى الشأم .

وقال آخرون معنى ذلك من قبل أن نطمس وجوها فنمحو أثارها [ ص: 443 ] ونسويها فنردها على أدبارها بأن نجعل الوجوه منابت الشعر كما وجوه القردة منابت للشعر لأن شعور بني آدم في أدبار وجوههم . فقالوا إذا أنبت الشعر في وجوههم فقد ردها على أدبارها بتصييره إياها كالأقفاء وأدبار الوجوه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معنى قوله من قبل أن نطمس وجوها من قبل أن نطمس أبصارها ونمحو آثارها فنسويها كالأقفاء فنردها على أدبارها فنجعل أبصارها في أدبارها يعني بذلك فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه فيكون معناه فنحول الوجوه أقفاء والأقفاء وجوها فيمشون القهقرى كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن الله جل ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهود الذين وصف صفتهم بقوله ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ثم حذرهم جل ثناؤه بقوله : يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها الآية بأسه وسطوته وتعجيل عقابه لهم إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به ولا شك أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارا .

وإذ كان ذلك كذلك فبين فساد قول من قال تأويل ذلك أن نعميها عن الحق فنردها في الضلالة فما وجه رد من هو في الضلالة فيها وإنما يرد في الشيء من كان خارجا منه فأما من هو فيه فلا وجه لأن يقال نرده فيه .

وإذ كان ذلك كذلك وكان صحيحا أن الله قد تهدد للذين ذكرهم في هذه [ ص: 444 ] الآية برده وجوههم على أدبارهم كان بينا فساد تأويل من قال معنى ذلك يهددهم بردهم في ضلالتهم .

وأما الذين قالوا معنى ذلك من قبل أن نجعل الوجوه منابت الشعر كهيئة وجوه القردة فقول لقول أهل التأويل مخالف وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الخالفين على خطئه شاهدا .

وأما قول من قال معناه : من قبل أن نطمس وجوههم التي هم فيها فنردهم إلى الشأم من مساكنهم بالحجاز ونجد فإنه - إن كان قولا له وجه - مما يدل عليه ظاهر التنزيل بعيد وذلك أن المعروف من الوجوه في كلامالعرب التي هي خلاف الأقفاء وكتاب الله يوجه تأويله إلى الأغلب في كلام من نزل بلسانه حتى يدل على أنه معني به غير ذلك من الوجوه الذي يجب التسليم له .

وأما الطمس فهو العفو والدثور في استواء منه يقال طمست أعلام الطريق تطمس طموسا إذا دثرت وتعفت فاندفنت واستوت بالأرض كما قال كعب بن زهير


من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول


يعني طامس الأعلام دائر الأعلام مندفنها ومن ذلك قيل للأعمى الذي [ ص: 445 ] قد تعفى غر ما بين جفني عينيه فدثر أعمى مطموس وطميس كما قال الله جل ثناؤه : ( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ) [ سورة يس 66 ] .

قال أبو جعفر : الغر الشق الذي بين الجفنين .

فإن قال قائل : فإن كان الأمر كما وصفت من تأويل الآية فهل كان ما توعدهم به

قيل لم يكن لأنه آمن منهم جماعة منهم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسد بن سعية وأسد بن عبيد ومخيرق وجماعة غيرهم فدفع عنهم بإيمانهم

ومما يبين أن هذه الآية نزلت في اليهود الذين ذكرنا صفتهم ما

9724 - حدثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة جميعا عن ابن إسحاق قال حدثني محمد بن أبي محمد [ ص: 446 ] مولى زيد بن ثابت قال حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود : منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق . فقالوا ما نعرف ذلك يا محمد . وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر فأنزل الله فيهم يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " الآية

9725 - حدثنا أبو كريب قال حدثنا جابر بن نوح عن عيسى بن المغيرة قال تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال أسلم كعب في زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال يا كعب أسلم قال ألستم تقرأون في كتابكم : ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) [ سورة الجمعة 5 ] وأنا قد حملت التوراة قال : فتركه ثم خرج حتى انتهى إلى حمص قال فسمع رجلا من أهلها حزينا وهو يقول يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها : الآية فقال كعب : يا رب آمنت يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه الآية ثم رجع فأتى أهله باليمن ثم جاء بهم مسلمين .
القول في تأويل قوله ( أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ( 47 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه أو نلعنهم أو نلعنكم فنخزيكم ونجعلكم قردة كما لعنا أصحاب السبت يقول : كما أخزينا الذين اعتدوا في السبت من أسلافكم قيل ذلك على وجه الخطاب في قوله آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم : كما قال : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها ) [ سورة يونس : 22 ]

وقد يحتمل أن يكون معناه : من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها : أو نلعن أصحاب الوجوه فجعل " الهاء والميم في قوله أو نلعنهم من ذكر أصحاب الوجوه إذ كان في الكلام دلالة على ذلك

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل

ذكر من قال ذلك

9726 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله يا أيها الذين أوتوا الكتاب " إلى قوله أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت : أي نحولهم قردة

9727 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن : أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت : يقول أو نجعلهم قردة

9728 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال حدثنا [ ص: 448 ] أسباط عن السدي : أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت : أو نجعلهم قردة .

9729 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت قال هم يهود جميعا نلعن هؤلاء كما لعنا الذين لعنا منهم من أصحاب السبت .

وأما قوله وكان أمر الله مفعولا : فإنه يعني وكان جميع ما أمر الله أن يكون كائنا مخلوقا موجودا لا يمتنع عليه خلق شيء شاء خلقه والأمر في هذا الموضع : المأمور سمي أمر الله لأنه عن أمره كان وبأمره

والمعنى وكان ما أمر الله مفعولا .
القول في تأويل قوله ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم ، وإن الله لا يغفر أن يشرك به فإن الله لا يغفر الشرك به والكفر ، ويغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء من أهل الذنوب والآثام .

وإذ كان ذلك معنى الكلام فإن قوله أن يشرك به في موضع نصب بوقوع يغفر عليها ، وإن شئت بفقد الخافض الذي كان يخفضها لو كان ظاهرا وذلك أن يوجه معناه إلى إن الله لا يغفر أن يشرك به على تأويل الجزاء [ ص: 449 ] كأنه قيل إن الله لا يغفر ذنبا مع شرك أو عن شرك

وعلى هذا التأويل يتوجه أن تكون أن في موضع خفض في قول بعض أهل العربية .

وذكر أن هذه الآية نزلت في أقوام ارتابوا في أمر المشركين حين نزلت ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) [ سورة الزمر 53 ]

ذكر الخبر بذلك

9730 - حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال حدثني مجبر ، عن عبد الله بن عمر : أنه قال لما نزلت : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) الآية قام رجل فقال والشرك يا نبي الله فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم - فقال إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما [ ص: 450 ]

9731 - حدثت عن عمار قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال أخبرني مجبر ، عن عبد الله بن عمر أنه قال لما نزلت هذه الآية ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) الآية قام رجل فقال والشرك يا نبي الله فكره ذلك النبي ، فقال إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "

9732 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال حدثنا آدم قال حدثنا الهيثم بن جماز قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر قال كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وقاطع الرحم حتى نزلت هذه الآية إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء : فأمسكنا عن الشهادة

وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرة شركا بالله .
[ ص: 451 ] القول في تأويل قوله ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ( 48 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه ومن يشرك بالله في عبادته غيره من خلقه فقد افترى إثما عظيما : يقول فقد اختلق إثما عظيما وإنما جعله الله تعالى ذكره مفتريا لأنه قال زورا وإفكا بجحوده وحدانية الله وإقراره بأن لله شريكا من خلقه وصاحبة أو ولدا فقائل ذلك مفتر وكذلك كل كاذب فهو مفتر في كذبه مختلق له .
[ ص: 452 ] القول في تأويل قوله ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ألم تر يا محمد بقلبك الذين يزكون أنفسهم من اليهود فيبرئونها من الذنوب ويطهرونها .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي كانت اليهود تزكي به أنفسها .

فقال بعضهم : كانت تزكيتهم أنفسهم قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه " .

ذكر من قال ذلك :

9733 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا : وهم أعداء الله اليهود ، زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه ، فقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه . وقالوا : لا ذنوب لنا .

9734 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : هم اليهود والنصارى ، قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه . وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " .

9735 - وحدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قال : قالت يهود : ليست لنا ذنوب إلا كذنوب أولادنا يوم يولدون . فإن كانت لهم ذنوب فإن لنا ذنوبا فإنما نحن [ ص: 453 ] مثلهم . قال الله تعالى ذكره : ( انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا )

9736 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : قال أهل الكتاب : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى : وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه " ، وقالوا : نحن على الذي يحب الله " . فقال تبارك وتعالى : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء : حين زعموا أنهم يدخلون الجنة ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه وأهل طاعته .

9737 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا : نزلت في اليهود ، قالوا : إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا ، فلا تكون لهم ذنوب ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا ، ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل " .

وقال آخرون : بل كانت تزكيتهم أنفسهم تقديمهم أطفالهم لإمامتهم في صلاتهم زعما منهم أنهم لا ذنوب لهم .

ذكر من قال ذلك :

9738 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " يزكون أنفسهم " قال : يهود ، كانوا يقدمون صبيانهم في الصلاة فيؤمونهم ، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم . فتلك التزكية .

9739 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

9740 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الأعرج ، عن مجاهد قال : كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في [ ص: 454 ] الدعاء والصلاة يؤمونهم ، ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم ، فتلك تزكية . قال ابن جريج : هم اليهود والنصارى .

9741 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حصين ، عن أبي مالك في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : نزلت في اليهود ، كانوا يقدمون صبيانهم يقولون : ليست لهم ذنوب " .

9742 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : كان أهل الكتاب يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث يصلون بهم ، يقولون : ليس لهم ذنوب فأنزل الله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية .

وقال آخرون : بل تزكيتهم أنفسهم كانت قولهم : إن أبناءنا سيشفعون لنا ويزكوننا " .

ذكر من قال ذلك :

9743 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم : وذلك أن اليهود قالوا : إن أبناءنا قد توفوا ، وهم لنا قربة عند الله ، وسيشفعون ويزكوننا . فقال الله لمحمد : " ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم " إلى " ولا يظلمون فتيلا " .

وقال آخرون : بل ذلك كان منهم تزكية من بعضهم لبعض .

ذكر من قال ذلك :

9744 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، [ ص: 455 ] عن الأعمش ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : قال عبد الله : إن الرجل ليغدو بدينه ، ثم يرجع وما معه منه شيء ، يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرا فيقول : والله إنك لذيت وذيت ، ولعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء ، وقد أسخط الله عليه . ثم قرأ : " ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم " الآية .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى تزكية القوم الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم وصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا ، وأنهم لله أبناء وأحباء ، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه ؛ لأن ذلك هو أظهر معانيه لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها .

وأما الذين قالوا : معنى ذلك : تقديمهم أطفالهم للصلاة فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم .

وأما قوله - جل ثناؤه - : " بل الله يزكي من يشاء " فإنه تكذيب من الله المزكين أنفسهم من اليهود والنصارى ، المبرئيها من الذنوب . يقول الله لهم : ما الأمر كما [ ص: 456 ] زعمتم أنه لا ذنوب لكم ولا خطايا ، وأنكم برآء مما يكرهه الله ، ولكنكم أهل فرية وكذب على الله ، وليس المزكى من زكى نفسه ، ولكنه الذي يزكيه الله ، والله يزكي من يشاء من خلقه فيطهره ويبرئه من الذنوب بتوفيقه لاجتناب ما يكرهه من معاصيه إلى ما يرضاه من طاعته .

وإنما قلنا إن ذلك كذلك ؛ لقوله - جل ثناؤه - : " انظر كيف يفترون على الله الكذب " وأخبر أنهم يفترون على الله الكذب بدعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأن الله قد طهرهم من الذنوب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]