
03-09-2024, 08:44 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,313
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (487)
صــ 471 إلى صــ 485
القول في تأويل قوله ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ( 52 ) )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : أولئك هؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم أوتوا نصيبا من الكتاب وهم يؤمنون بالجبت والطاغوت ، هم الذين لعنهم الله ، يقول : أخزاهم الله فأبعدهم من رحمته بإيمانهم بالجبت والطاغوت ، وكفرهم بالله ورسوله عنادا منهم لله ولرسوله ، وبقولهم للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، " ومن يلعن الله " يقول : ومن يخزه الله فيبعده من رحمته " فلن تجد له نصيرا " ، يقول : فلن تجد له يا محمد ناصرا ينصره من عقوبة الله ولعنته التي تحل به ، فيدفع ذلك عنه كما : -
9795 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 472 ] قتادة قال : قال كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ما قالا : يعني من قولهما : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، وهما يعلمان أنهما كاذبان ، فأنزل الله : أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا " .
القول في تأويل قوله ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ( 53 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : أم لهم نصيب من الملك : أم لهم حظ من الملك ، يقول : ليس لهم حظ من الملك كما : -
9796 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أم لهم نصيب من الملك ، يقول : لو كان لهم نصيب من الملك إذا لم يؤتوا محمدا نقيرا .
9797 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج : قال الله : أم لهم نصيب من الملك قال : فليس لهم نصيب من الملك ، [ لم يؤتوا الناس نقيرا ] فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ، ولو كان لهم نصيب وحظ من الملك لم يكونوا إذا يعطون الناس نقيرا من بخلهم .
واختلف أهل التأويل في معنى : النقير .
فقال بعضهم : هو النقطة التي في ظهر النواة . [ ص: 473 ]
ذكر من قال ذلك :
9798 - حدثني المثنى قال : حدثني عبد الله قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : نقيرا ، يقول : النقطة التي في ظهر النواة .
9799 - حدثني سليمان بن عبد الجبار قال : حدثنا محمد بن الصلت قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : النقير الذي في ظهر النواة .
9800 - حدثني جعفر بن محمد الكوفي المروزي قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : النقير وسط النواة .
9801 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فإذا لا يؤتون الناس نقيرا " ، النقير نقير النواة : وسطها .
9802 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ، يقول : لو كان لهم نصيب من الملك إذا لم يؤتوا محمدا نقيرا والنقير : النكتة التي في وسط النواة .
9803 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني طلحة بن عمرو : أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول : النقير الذي في ظهر النواة . [ ص: 474 ]
9804 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك قال : النقير : النقرة التي تكون في ظهر النواة .
9805 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك قال : النقير : الذي في ظهر النواة .
وقال آخرون : النقير : الحبة التي تكون في وسط النواة .
ذكر من قال ذلك :
9806 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : نقيرا قال : النقير : حبة النواة التي في وسطها .
9807 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ، قال : النقير : حبة النواة التي في وسطها .
9808 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن منصور ، عن مجاهد قال : النقير : في النوى .
9809 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول : النقير : نقير النواة الذي في وسطها .
9810 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : النقير : نقير النواة الذي يكون في وسط النواة . [ ص: 475 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : نقر الرجل الشيء بطرف أصابعه .
ذكر من قال ذلك :
9811 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن درهم أبي العلاء قال : سمعت أبا العالية : ووضع ابن عباس طرف الإبهام على ظهر السبابة ، ثم رفعهما وقال : هذا النقير .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله وصف هؤلاء الفرقة من أهل الكتاب بالبخل باليسير من الشيء الذي لا خطر له ، ولو كانوا ملوكا وأهل قدرة على الأشياء الجليلة الأقدار . فإذ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بمعنى النقير أن يكون أصغر ما يكون من النقر . وإذا كان ذلك أولى به ، فالنقرة التي في ظهر النواة من صغار النقر ، وقد يدخل في ذلك كل ما شاكلها من النقر . ورفع قوله : لا يؤتون الناس ولم ينصب ب " إذن " ، ومن حكمها أن تنصب الأفعال المستقبلة إذا ابتدئ الكلام بها ؛ لأن معها " فاء " . ومن حكمها إذا دخل فيها بعض حروف العطف أن توجه إلى الابتداء بها مرة ، وإلى النقل عنها إلى غيرها أخرى . وهذا الموضع مما أريد ب " الفاء " فيه النقل عن " إذن " إلى ما بعدها ، وأن يكون معنى الكلام : أم لهم نصيب ، فلا يؤتون الناس نقيرا إذن .
القول في تأويل قوله ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : أم يحسدون الناس : أم يحسد هؤلاء الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود كما : -
9812 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : أم يحسدون الناس ، قال : يهود .
9813 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
9814 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مثله .
وأما قوله : الناس ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عنى الله به .
فقال بعضهم : عنى الله بذلك محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاصة .
ذكر من قال ذلك :
9815 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط قال : أخبرنا هشيم ، عن خالد ، عن عكرمة في قوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله قال : الناس في هذا الموضع النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .
9816 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله : يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 477 ]
9817 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس مثله .
9818 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله قال : الناس : محمد - صلى الله عليه وسلم - .
9819 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول ، فذكر نحوه .
وقال آخرون : بل عنى الله به العرب .
ذكر من قال ذلك :
9820 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله : أولئك اليهود ، حسدوا هذا الحي من العرب على ما آتاهم الله من فضله .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله عاتب اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، فقال لهم في قيلهم للمشركين من عبدة الأوثان إنهم أهدى من محمد وأصحابه سبيلا على علم منهم بأنهم في قيلهم ما قالوا من ذلك كذبة : أتحسدون محمدا وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ؛ لأن ما قبل قوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله : مضى بذم القائلين من اليهود للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، فإلحاق قوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله بذمهم على ذلك ، وتقريظ الذين آمنوا الذين قيل فيهم ما قيل أشبه [ ص: 478 ] وأولى ، ما لم تأت دلالة على انصراف معناه عن معنى ذلك .
واختلف أهل التأويل في تأويل الفضل الذي أخبر الله أنه آتى الذين ذكرهم في قوله : " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " . فقال بعضهم : ذلك الفضل هو النبوة .
ذكر من قال ذلك :
9821 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله : حسدوا هذا الحي من العرب على ما آتاهم الله من فضله ، بعث الله منهم نبيا فحسدوهم على ذلك .
9822 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : على ما آتاهم الله من فضله ، قال : النبوة .
وقال آخرون : بل ذلك الفضل الذي ذكر الله أنه آتاهموه ، هو إباحته ما أباح لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - من النساء ينكح منهن ما شاء بغير عدد . قالوا : وإنما يعني : ب " الناس " ، محمدا - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكرت قبل .
ذكر من قال ذلك :
9823 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " الآية ، وذلك أن أهل الكتاب قالوا : زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع ، وله تسع نسوة ، ليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا ؟ ! فقال الله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " .
9824 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 479 ] أسباط ، عن السدي : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله : يعني : محمدا ، أن ينكح ما شاء من النساء .
9825 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله : وذلك أن اليهود قالوا : ما شأن محمد أعطي النبوة كما يزعم ، وهو جائع عار ، وليس له هم إلا نكاح النساء ؟ . فحسدوه على تزويج الأزواج ، وأحل الله لمحمد أن ينكح منهن ما شاء أن ينكح .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول قتادة وابن جريج الذي ذكرناه قبل ، أن معنى الفضل في هذا الموضع : النبوة التي فضل الله بها محمدا ، وشرف بها العرب ، إذ آتاها رجلا منهم دون غيرهم ؛ لما ذكرنا من أن دلالة ظاهر هذه الآية تدل على أنها تقريظ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رحمة الله عليهم - على ما قد بينا قبل . وليس النكاح وتزويج النساء - وإن كان من فضل الله جل ثناؤه الذي آتاه عباده - بتقريظ لهم ومدح .
القول في تأويل قوله ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ( 54 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أم يحسد هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآيات الناس على ما آتاهم الله من فضله من أجل أنهم ليسوا منهم ؟ فكيف لا يحسدون آل إبراهيم فقد آتيناهم الكتاب ، ويعني بقوله : فقد آتينا آل إبراهيم : فقد أعطينا آل إبراهيم ، يعني : أهله وأتباعه على دينه " الكتاب " يعني كتاب الله الذي أوحاه إليهم ، وذلك كصحف إبراهيم وموسى والزبور ، وسائر ما آتاهم من الكتب .
وأما " الحكمة " فما أوحى إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا " وآتيناهم ملكا عظيما " .
واختلف أهل التأويل في معنى " الملك العظيم " الذي عناه الله في هذه الآية .
فقال بعضهم : هو النبوة .
ذكر من قال ذلك :
9826 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : أم يحسدون الناس ، قال : يهود " على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب وليسوا منهم ، والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما : قال : النبوة . [ ص: 481 ]
9827 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله إلا أنه قال : ملكا : النبوة .
وقال آخرون : بل ذلك تحليل النساء . قالوا : وإنما عنى الله بذلك : " أم يحسدون محمدا على ما أحل الله له من النساء ، فقد أحل الله مثل الذي أحله له منهن ، لداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء ، فكيف لم يحسدوهم على ذلك ، وحسدوا محمدا - عليه السلام - ؟
ذكر من قال ذلك :
9828 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فقد آتينا آل إبراهيم " : سليمان وداود " الحكمة : يعني النبوة ، "وآتيناهم ملكا عظيما " في النساء ، فما باله حل لأولئك وهم أنبياء : أن ينكح داود تسعا وتسعين امرأة ، وينكح سليمان مئة ، ولا يحل لمحمد أن ينكح كما نكحوا ؟
وقال آخرون : بل معنى قوله : " وآتيناهم ملكا عظيما " الذي آتى سليمان بن داود .
ذكر من قال ذلك :
9829 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وآتيناهم ملكا عظيما " يعني ملك سليمان .
وقال آخرون : بل كانوا أيدوا بالملائكة .
ذكر من قال ذلك :
9830 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا [ ص: 482 ] إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن همام بن الحارث : " وآتيناهم ملكا عظيما " قال : أيدوا بالملائكة والجنود .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية وهي قوله : " وآتيناهم ملكا عظيما " القول الذي روي عن ابن عباس أنه قال : يعني ملك سليمان ؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، دون الذي قال إنه ملك النبوة ، ودون قول من قال : إنه تحليل النساء والملك عليهن ؛ لأن كلام الله الذي خوطب به العرب غير جائز توجيهه إلا إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه ، إلا أن تأتي دلالة أو تقوم حجة على أن ذلك بخلاف ذلك يجب التسليم لها .
القول في تأويل قوله - عز وجل - ( فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ( 55 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - فمن الذين أوتوا الكتاب من يهود بني إسرائيل الذين قال لهم - جل ثناؤه - : " آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " " من آمن به " يقول : من صدق بما أنزلنا على محمد - صلى الله عليه وسلم - مصدقا لما معهم ، " ومنهم من صد عنه " ومنهم من أعرض عن التصديق به كما : -
9831 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمنهم من آمن به " قال : بما أنزل على محمد من يهود ، " ومنهم من صد عنه " . [ ص: 483 ]
9832 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
قال أبو جعفر : وفي هذه الآية دلالة على أن الذين صدوا عما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - من يهود بني إسرائيل الذين كانوا حوالي مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما رفع عنهم وعيد الله الذي توعدهم به في قوله : " ( آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا " ) في الدنيا ، وأخرت عقوبتهم إلى يوم القيامة ؛ لإيمان من آمن منهم ، وأن الوعيد لهم من الله بتعجيل العقوبة في الدنيا إنما كان على مقام جميعهم على الكفر بما أنزل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما آمن بعضهم خرجوا من الوعيد الذي توعده في عاجل الدنيا ، وأخرت عقوبة المقيمين على التكذيب إلى الآخرة ، فقال لهم : كفاكم بجهنم سعيرا .
ويعني بقوله : " وكفى بجهنم سعيرا " وحسبكم أيها المكذبون بما أنزلت على محمد نبيي ورسولي بجهنم سعيرا يعني : بنار جهنم تسعر عليكم أي : توقد عليكم .
وقيل : " سعيرا " أصله " مسعورا " من " سعرت " تسعر فهي مسعورة ، كما قال الله : ( وإذا الجحيم سعرت ) [ سورة التكوير : 12 ] ، ولكنها صرفت إلى " فعيل " كما قيل : كف خضيب ، ولحية دهين ، بمعنى : مخضوبة ومدهونة - والسعير : الوقود .
[ ص: 484 ] القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب )
قال أبو جعفر : هذا وعيد من الله - جل ثناؤه - للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار وبرسوله . يقول الله لهم : إن الذين جحدوا ما أنزلت على رسولي محمد - صلى الله عليه وسلم - من آياتي يعني : من آيات تنزيله ، ووحي كتابه وهي دلالاته وحججه على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به : " سوف نصليهم نارا " يقول : سوف ننضجهم في نار يصلون فيها أي يشوون فيها : " كلما نضجت جلودهم "يقول : كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت " بدلناهم جلودا غيرها " يعني : غير الجلود التي قد نضجت فانشوت كما : -
9833 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن ثوير ، عن ابن عمر : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال : إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضا أمثال القراطيس .
9834 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها : [ ص: 485 ] يقول : كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها .
9835 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " كلما نضجت جلودهم " قال : سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأول : جلد أحدهم أربعون ذراعا ، وسنه سبعون ذراعا ، وبطنه لو وضع فيه جبل وسعه . فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها .
9836 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك قال : بلغني عن الحسن : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال : ننضجهم في اليوم سبعين ألف مرة .
9837 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن قوله : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال : تنضج النار كل يوم سبعين ألف جلد . قال : وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعا ، والله أعلم بأي ذراع .
قال أبو جعفر : فإن سأل سائل فقال : وما معنى قوله - جل ثناؤه - : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ؟ وهل يجوز أن يبدلوا جلودا غير جلودهم التي كانت لهم في الدنيا ، فيعذبوا فيها ؟ فإن جاز ذلك عندك فأجز أن يبدلوا أجساما وأرواحا غير أجسامهم وأرواحهم التي كانت لهم في الدنيا فتعذب ، وإن أجزت ذلك لزمك أن يكون المعذبون في الآخرة بالنار غير الذين أوعدهم الله العقاب على كفرهم به ومعصيتهم إياه ، وأن يكون الكفار قد ارتفع عنهم العذاب [ ص: 486 ]

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|