
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (292)
صــــــــــ 80 الى صـــــــــــ 86
عرضا فإن كان العرض الذي أخذ قيمة ما له عليه من الدنانير لم يحنث، وإن كان قيمته أقل مما عليه من الدنانير حنث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل لغريمه والله لا أفارقك حتى آخذ حقي فإن كانت نيته حتى لا يبقى عليك من حقي شيء، فأخذ منه عرضا يسوى، أو لا يسوى برئ ولم يحنث؛ لأنه قد أخذ شيئا ورضيه من حقه وبرئ الغريم من حقه، وكذلك إن كانت نيته حتى أستوفي ما أرضى به من جميع حقي، وكذلك إن قال رجل لرجل والله لأقضينك حقك فوهب صاحب الحق حقه للحالف، أو تصدق به عليه، أو دفع به إليه سلعة لم يحنث إن كانت نيته حين حلف أن لا يبقى علي شيء من حقك؛ لأنه دفع إليه شيئا رضيه فقد استوفى فإن لم تكن له نية فلا يبرأ أبدا إلا بأن يأخذ حقه ما كان، إن كانت دنانير فدنانير، أو دراهم فدراهم؛ لأن ذلك حقه، ولو أخذ فيه أضعاف ثمنه لم يبرأ؛ لأن ذلك غير حقه، وحد الفراق أن يتفرقا من مقامهما الذي كانا فيه ومجلسهما.
[من حلف أن لا يتكفل بمال فتكفل بنفس رجل]
(قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل إنه إن استثنى في حمالته أن لا مال عليه فلا حنث عليه، وإن لم يستثن ذلك فعليه المال وهو حانث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل لم يحنث؛ لأن النفس غير المال قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة أبدا فتكفل لوكيل له بكفالة عن رجل ولم يعلم أنه وكيل الذي حلف عليه فإنه إذا لم يكن علم بذلك ولم يكن ذلك الرجل من وكلائه وحشمه ولم يعلم أنه من سببه فلا حنث عليه، وإن كان ممن علم ذلك منه فإنه حانث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة يكون له عليه فيها سبيل لنفسه فإن نوى هذا فكفل لوكيل له في مال للمحلوف حنث، وإن كان كفل في غير مال المحلوف لم يحنث، وكذلك إن كفل لوالده، أو زوجته، أو ابنه لم يحنث.
[من حلف في أمر أن لا يفعله غدا ففعله اليوم]
(قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول في رجل قال لرجل والله لأقضينك حقك غدا فقضاه اليوم إنه لا حنث عليه؛ لأنه لم يرد بيمينه الغد إنما أراد وجه القضاء، فإذا خرج الغد عنه وليس عليه فقد بر وهو قول مالك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال لرجل والله لأقضينك حقك غدا فعجل له حقه اليوم فإن لم تكن له نية حنث من قبل أن قضاء غد غير قضائه اليوم كما يقول: والله لأكلمنك غدا فكلمه اليوم لم يبر، وإن كانت نيته حين عقد اليمين أن لا يخرج غد حتى أقضيك حقك فقضاه اليوم بر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال والله لآكلن هذا الرغيف اليوم، فأكل بعضه اليوم وبعضه غدا إنه حانث؛ لأنه لم يأكله كله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والبساط محال وإنما يقال السبب بساط اليمين عند أصحاب مالك كأنه حلف أن لا يلبس من غزل امرأته فباعت الغزل واشترت طعاما، فأكله فهو عندهم حانث؛ لأن بساط اليمين عندهم أن لا ينتفع بشيء من غزلها فإذا أكل منه فقد انتفع به وهو عند الشافعي محال (قال الربيع) قد خرق الشافعي البساط وحرقه بالنار
قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل فقال والله لآكلن هذا الطعام غدا أو لألبسن هذه الثياب غدا، أو لأركبن هذه الدواب غدا فماتت الدواب وسرق الطعام والثياب قبل الغد، فمن ذهب إلى طرح الإكراه عن الناس طرح هذا قياسا على الإكراه فإن قيل فما يشبهه من الإكراه؟ قيل لما وضع الله عز وجل عن الناس أعظم ما قال أحد الكفر به أنهم إذا أكرهوا عليه فجعل قولهم الكفر مغفورا لهم مرفوعا عنهم في الدنيا، والآخرة، وذلك قول الله عز وجل {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره} [النحل: ١٠٦] الآية، وكان المعنى الذي عقلنا أن قول المكره كما لم يقل في الحكم وعقلنا أن الإكراه هو أن يغلب بغير فعل منه فإذا تلف ما حلف ليفعلن فيه شيئا فقد غلب بغير فعل منه وهذا في أكثر من معنى الإكراه ومن ألزم المكره يمينه ولم يرفعها عنه كان حانثا في هذا كله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكذلك لو حلف ليعطينه حقه غدا فمات من الغد بعلمه، أو بغير علمه لم يحنث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكذلك الأيمان بالطلاق، والعتاق، والأيمان كلها مثل اليمين بالله (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أصل ما أذهب إليه أن يمين المكره غير ثابتة عليه لما احتججت به من الكتاب والسنة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف ليقضين رجلا حقه إلى أجل يسميه إلا أن يشاء أن يؤخره فمات صاحب الحق إنه لا حنث عليه ولا يمين عليه لورثة الميت من قبل أن الحنث لم يكن حتى مات المحلوف ليقضينه، وكذلك لو حلف ليقضينه حقه إلى أجل سماه إلا أن يشاء فلان فمات الذي جعل المشيئة إليه، قال فإنا نقول فيمن حلف ليقضين فلانا ماله رأس الشهر، أو عند رأس الشهر، أو إذا استهل الشهر، أو إلى استهلال الهلال إن له ليلة يهل الهلال ويومها حتى تغرب الشمس، وكذلك الذي يقول: إلى رمضان له ليلة الهلال ويومه، وكذلك إذا قال إلى رمضان، أو إلى هلال شهر كذا، وكذا فله حتى يهل هلال ذلك الشهر فإن قال له إلى أن يهل الهلال فله ليلة الهلال ويومه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف ليقضينه حقه إلى رأس الشهر، أو عند رأس الشهر، أو إلى استهلال الهلال، أو عند استهلال الهلال وجب عليه أن يقضيه حين يهل الهلال فإن حلف ليقضينه ليلة يهل الهلال فخرجت الليلة التي يهل فيها الهلال حنث كما يحنث لو حلف ليقضينه حقه يوم الاثنين فغابت الشمس يوم الاثنين حنث وليس حكم الليلة حكم اليوم ولا حكم اليوم حكم الليلة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال والله لأقضينك حقك إلى رمضان فلم يقضه حقه حتى يهل هلال رمضان حنث، وذلك أنه حد بالهلال كما تقول في ذكر حق فلان على فلان كذا، وكذا إلى هلال كذا، وكذا فإذا هل الهلال فقد حل الحق قال فإنا نقول فيمن قال والله لأقضينك حقك إلى حين، أو إلى زمان، أو إلى دهر إن ذلك كله سواء وإن ذلك سنة سنة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال والله لأقضينك حقك إلى حين فليس في الحين وقت معلوم يبر به ولا يحنث، وذلك أن الحين يكون مدة الدنيا كلها وما هو أقل منها إلى القيامة الفتيا لمن قال هذا أن يقال له إنما حلفت على ما لا تعلم ولا نعلم فنصيرك إلى علمنا، والورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم؛ لأن الحين يقع عليه من حين حلفت ولا تحنث أبدا؛ لأنه ليس للحين غاية، وكذلك الزمان، وكذلك الدهر، وكذا كل كلمة منفردة ليس لها ظاهر يدل عليها، وكذلك الأحقاب.
[من حلف على شيء أن لا يفعله فأمر غيره ففعله]
(قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول فيمن حلف أن لا يشتري عبدا، فأمر غيره فاشترى له
عبدا إنه حانث لأنه هو المشتري إذا أمر من يشتري له إلا أن يكون له في ذلك نية، أو يكون يمينه على أمر قد عرف وجهها أنه إنما أراد أن لا يشتريه هو لأنه قد غبن غير مرة في اشترائه فإذا كان كذلك فليس بحانث، وإذا كان إنما كره شراء العبد أصلا، فأراه حانثا وإن أمر غيره، وكذلك لو حلف أن لا يبيع سلعة، فأمر غيره فباعها إنه يحنث إلا أن تكون له نية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف أن لا يشتري عبدا، فأمر غيره فاشترى له عبدا لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يشتريه ولا يشتري له؛ لأنه لم يكن ولي عقدة شرائه والذي ولي عقدة شرائه غيره وعليه العهدة ألا ترى أن الذي ولي عقد شرائه لو زاد في ثمنه على ما يباع به مثله ما لا يتغابن الناس فيه، أو برئ من عيب لزمه البيع، وكان للآمر أن لا يأخذ لشراء غيره غير شرائه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يطلق امرأته فجعل أمرها بيدها فطلقت نفسها لم يحنث إلا أن يكون جعل إليها طلاقها، وكذلك لو جعل أمرها إلى غيرها فطلقها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف ليضربن عبده، فأمر غيره فضربه لم يبر إلا أن يكون نوى ليضربن بأمره وهكذا لو حلف أن لا يضربه، فأمر غيره فضربه لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يأمر غيره بضربه (قال الربيع) للشافعي في مثل هذا قول في موضع آخر فإذا حلف ليضربن عبده فإن كان مما يلي الأشياء بيده فلا يبر حتى يضربه بيده فإن كان مثل الوالي، أو ممن لا يلي الأشياء بيده فالأغلب أنه إنما يأمر؛ فإذا أمر فضرب فقد بر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل لا يبيع لرجل شيئا فدفع المحلوف عليه سلعة إلى رجل فدفع ذلك الرجل السلعة إلى الحالف فباعها لم يحنث؛ لأنه لم يبعها للذي حلف أن لا يبيعها له إلا أن يكون نوى أن لا يبيع سلعة يملكها فلان فيحنث فلو حلف أن لا يبيع له رجل سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفع ذلك الغير إلى الذي حلف أن لا يبيع له السلعة لم يحنث الحالف من قبل أن بيع الثالث غير جائز؛ لأنه إذا وكل رجلا يبيع له فليس له أن يوكل بالبيع غيره، ولو كان حين وكله أجاز له أن يوكل من رآه فدفعها إليه فباعها فإن كان نوى أن لا يبيع لي بأمري لم يحنث وإن كان نوى أن لا يبيعها بحال حنث؛ لأنه قد باعها.
[من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، ثم قال لها قبل أن تسأله الإذن، أو بعد ما سألته إياه قد أذنت لك فخرجت لم يحنث، ولو كانت المسألة بحالها، فأذن لها ولم تعلم وأشهد على ذلك لم يحنث؛ لأنه قد خرجت بإذنه فإن لم تعلم، فأحب إلي في الورع أن لو حنث نفسه من قبل أنها عاصية عند نفسها حين خرجت بغير إذنه وإن كان قد أذن لها فإن قال قائل كيف لم تحنثه وهي عاصية ولا تجعله بارا إلا أن يكون خروجها بعلمها بإذنه؟ قيل أرأيت رجلا غصب رجلا حقا، أو كان له عليه دين فحلله الرجل، والغاصب المحلل لا يعلم أما يبرأ من ذلك أرأيت أنه لو مات وعليه دين فحلله الرجل بعد الموت أما يبرأ؟ قال فإنا نقول فيمن قال لامرأته إن خرجت إلى موضع إلا بإذني فأنت طالق، ثم قال لها اخرجي حيث شئت فخرجت ولم يعلم فإنه سواء قال لها في يمينه إن خرجت إلى موضع إلا بإذني، أو لم يقل لها إلى موضع فهو سواء ولا حنث عليه؛ لأنه إذا قال إن خرجت ولم يقل إلى موضع فإنما هو إلى موضع، وإن لم يقله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : مثل ذلك كله أقول لا حنث عليه قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يأذن لامرأته أن تخرج إلا في عيادة مريض، فأذن لها في عيادة مريض، ثم عرضت لها حاجة غير العيادة وهي عند المريض فذهبت فيها فإنه إذا أذن لها إلى عيادة
مريض فخرجت إلى غير ذلك لم يحنث؛ لأنها ذهبت إلى غير المريض بغير إذنه فلا حنث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : مثل ذلك أقول إنه لا حنث عليه قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يأذن لامرأته بالخروج إلا لعيادة مريض فخرجت من غير أن يأذن لها إلى حمام، أو غير ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، أو إن خرجت إلى مكان، أو إلى موضع إلا بإذني فاليمين على مرة فإن أذن لها مرة فخرجت، ثم عادت فخرجت لم يحنث لأنه قد بر مرة فلا يحنث ثانية، وكذلك إن قال لها أنت طالق إن خرجت إلا أن آذن لك، فأذن لها فخرجت، ثم عادت فخرجت لم يحنث ولكنه لو قال لها أنت طالق كلما خرجت إلا بإذني، أو طالق في كل وقت خرجت إلا بإذني كان هذا على كل خرجة، فأي خرجة خرجتها بغير إذنه فهو حانث، ولو قال لها أنت طالق متى خرجت كان هذا على مرة واحدة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يدخل دار فلان إلا أن يأذن له فمات الذي حلف على إذنه فدخلها حنث، ولو لم يمت، والمسألة بحالها، فأذن له، ثم رجع عن الإذن فدخل بعد رجوعه لم يحنث؛ لأنه قد أذن له مرة
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف بعتق غلامه ليضربنه إنه يحال بينه وبين بيعه؛ لأنه على حنث حتى يضربه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يبيعه إن شاء ولا يحال بينه وبين بيعه؛ لأنه على بر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : من حنث بعتق وله مكاتبون وأمهات أولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد يحنث فيهم كلهم إلا في المكاتب فلا يحنث فيه إلا بأن ينويه في مماليكه؛ لأن الظاهر من الحكم أن مكاتبه خارج عن ملكه بمعنى داخل فيه بمعنى فهو يحال بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه فلا يكون عليه زكاة مال المكاتب ولا يكون عليه زكاة الفطر فيه وليس هكذا أم ولده ولا مدبروه كل أولئك داخل في ملكه له أخذ أموالهم وله أخذ أرش الجناية عليهم وتكون عليه الزكاة في أموالهم لأنه ماله فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم فإنما يعني عبدا في حال دون حال؛ لأنه لو كان عبدا بكل حال كان مسلطا على بيعه وأخذ ماله وما وصفت من أنه يحال بينه وبينه منه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل بعتق غلامه ليضربنه غدا فباعه اليوم فلما مضى غد اشتراه فلا يحنث؛ لأن الحنث إذا وقع مرة لم يعد ثانية وهذا قد وقع حنثه مرة فهو لا يعتق عليه ولا يعود عليه الحنث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يأكل الرءوس وأكل رءوس الحيتان، أو رءوس الجراد، أو رءوس الطير، أو رءوس شيء يخالف رءوس البقر، أو الغنم، أو الإبل لم يحنث من قبل أن الذي يعرف الناس إذا خوطبوا بأكل الرءوس أنها الرءوس التي تعمل متميزة من الأجساد يكون لها سوق كما يكون للحم سوق فإن كانت بلاد لها صيد ويكثر كما يكثر لحم الأنعام ويميز لحمها من رءوسها فتعمل كما تعمل رءوس الأنعام فيكون لها سوق على حدة وللحمها سوق على حدة فحلف حنث بها وهكذا إن كان ذلك يصنع بالحيتان، والجواب في هذا إذا لم يكن للحالف نية فإذا كان له نية حنث وبر على نيته، والورع أن يحنث بأي رأس ما كان، والبيض كما وصفت هو بيض الدجاج، والإوز والنعام، فأما بيض الحيتان فلا يحنث به إلا بنية؛ لأن البيض الذي يعرف هو الذي يزايل بائضه فيكون مأكولا وبائضه حيا، فأما بيض الحيتان فلا يكون هكذا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا إذا حلف الرجل أن لا يأكل لحما حنث بلحم الإبل، والبقر، والغنم، والوحوش والطير كله لأنه كله لحم ليس له اسم دون اللحم ولا
يحنث في الحكم بلحم الحيتان؛ لأن اسمه غير اسمه فالأغلب عليه الحوت، وإن كان يدخل في اللحم ويحنث في الورع به
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا نذر حلف أن لا يشرب سويقا، فأكله، أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه لم يحنث؛ لأنه لم يفعل الذي حلف أن لا يفعله واللبن مثله، وكذلك إن حلف أن لا يأكله فشربه، أو لا يشربه، فأكله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يأكل سمنا، فأكل السمن بالخبز، أو بالعصيدة، أو بالسويق حنث؛ لأن السمن هكذا لا يؤكل إنما يؤكل بغيره ولا يكون مأكولا إلا بغيره إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا منفردا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يأكل هذه التمرة فوقعت في التمر، فأكل التمر كله حنث؛ لأنه قد أكلها، وإن بقي من التمر كله واحدة، أو هلكت من التمر كله واحدة لم يحنث إلا أن يكون يستيقن أنها فيما أكل وهذا في الحكم، والورع أن لا يأكل منه شيئا إلا حنث نفسه إن أكله وإن حلف أن لا يأكل هذا الدقيق ولا هذه الحنطة، فأكله حنطة، أو دقيقا حنث، وإذا خبز الدقيق، أو عصده، فأكله، أو طحن الحنطة، أو خبزها أو قلاها فجعلها سويقا لم يحنث؛ لأن هذا لم يأكل دقيقا ولا حنطة إنما أكل شيئا قد حال عنهما بصنعة حتى لا يقع عليه اسم واحد منهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يأكل لحما، فأكل شحما، أو لا يأكل شحما، فأكل لحما لم يحنث في واحد منهما لأن كل واحد منهما غير صاحبه.
وكذلك إن حلف أن لا يأكل رطبا، فأكل تمرا، أو لا يأكل بسرا، فأكل رطبا، أو لا يأكل بلحا، فأكل بسرا، أو لا يأكل طلعا، فأكل بلحا لأن كل واحد من هذا غير صاحبه، وإن كان أصله واحدا وهكذا إن قال لا آكل زبدا، فأكل لبنا، أو قال لا آكل خلا، فأكل مرقا فيه خل فلا حنث عليه لأن الخل مستهلك فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يشرب شيئا فذاقه ودخل بطنه لم يحنث بالذوق؛ لأن الذوق غير الشرب (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يكلم فلانا فسلم على قوم وهو فيهم لم يحنث إلا بأن ينويه فيمن سلم عليهم قال الربيع وله قول آخر فيما أعلم إنه يحنث إلا أن يعزله بقلبه في أن لا يسلم عليه خاصة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا مر عليه فسلم عليه وهو عامد للسلام عليه وهو لا يعرفه ففيها قولان، فأما قول عطاء فلا يحنثه فإنه يذهب إلى أن الله جل وعز وضع عن الأمة الخطأ والنسيان وفي قول غيره يحنث فإذا حلف أن لا يكلم رجلا، فأرسل إليه رسولا، أو كتب إليه كتابا فالورع أن يحنث ولا يبين لي أن يحنث؛ لأن الرسول والكتاب غير الكلام، وإن كان يكون كلاما في حال ومن حنثه ذهب إلى أن الله عز وجل قال {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: ٥١] الآية وقال إن الله عز وجل يقول في المنافقين {قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم} [التوبة: ٩٤] وإنما نبأهم بأخبارهم بالوحي الذي ينزل به جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بوحي الله ومن قال لا يحنث قال إن كلام الآدميين لا يشبه كلام الله تعالى كلام الآدميين بالمواجهة، ألا ترى لو هجر رجل رجلا كانت الهجرة محرمة عليه فوق ثلاث فكتب إليه، أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من هجرته التي يأثم بها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل لقاض أن لا يرى كذا، وكذا إلا رفعه إليه فمات ذلك القاضي فرأى ذلك الشيء بعد موته لم يحنث؛ لأنه ليس ثم أحد يرفعه إليه، ولو رآه قبل موته فلم يرفعه إليه حتى مات حنث، ولو أن قاضيا بعده ولي فرفعه إليه لم يبر؛ لأنه لم يرفعه إلى القاضي الذي أحلفه ليرفعه إليه، وكذلك إذا عزل ذلك القاضي لم يكن عليه أن يرفعه إلى القاضي الذي خلف بعده؛ لأنه غير المحلوف عليه، ولو عزل ذلك القاضي فإن كانت نيته ليرفعنه إليه إن كان قاضيا فرأى ذلك
الشيء وهو غير قاض لم يكن عليه أن يرفعه إليه، ولو لم تكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه، وإن رآه فعجل ليرفعه ساعة أمكنه رفعه فمات لم يحنث ولا يحنث إلا بأن يمكنه رفعه فيفرط حتى يموت، وإن علماه جميعا فعليه أن يخبره، وإن كان ذلك مجلسا واحدا، وإذا حلف الرجل ما له مال وله عرض، أو دين، أو هما حنث لأن هذا مال إلا أن يكون نوى شيئا فلا يحنث إلا على نيته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها فقد بر، وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر، وإن كان العلم مغيبا قد تماسه ولا تماسه فضربه بها ضربة لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع فإن قال قائل فما الحجة في هذا؟ قيل معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة، أو غير مجموعة، وقد قال الله عز وجل {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} [ص: ٤٤] وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا نضوا في الزنا بأثكال النخل وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة ولم يقل ضربا شديدا، فأي ضرب ضربه إياه خفيفا أو شديدا لم يحنث لأنه ضاربه في هذا كله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل لئن فعل عبده كذا ليضربنه ففعل ذلك العبد وضربه السيد، ثم عاد ففعله لم يحنث ولا يكون الحنث إلا مرة واحدة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل لا يهب رجلا هبة فتصدق عليه بصدقة فهي هبة وهو حانث، وكذلك لو نحله فالنحل هبة، وكذلك إن أعمره لأنها هبة، فأما إن أسكنه فلا يحنث إنما السكنى عارية لم يملكه إياها وله متى شاء أن يرجع فيها، وكذلك إن حبس عليه لم يحنث؛ لأنه لم يملكه ما حبس عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث، وإن حلف أن لا يركب دابة العبد فركب دابة العبد لم يحنث؛ لأنها ليست للعبد، ألا ترى أنه إنما اسمها مضاف إليه كما يضاف اسمها إلى سائسها، وإن كان حرا، أو يضاف الغلمان إلى المعلم وهم أحرار فيقال غلمان فلان وتضاف الدار إلى القيم عليها وإن كانت لغيره (قال الربيع) قلت أنا ويضاف اللجام إلى الدابة والسرج إلى الدابة فيقال لجام الحمار وسرج الحمار وليس يملك الدابة اللجام ولا السرج
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف العبد بالله فحنث، أو أذن له سيده فحج، فأصاب شيئا مما عليه فيه فدية، أو تظاهر، أو آلى فحنث فلا يجزيه في هذا كله أن يتصدق، ولو أذن له سيده من قبل أنه لا يكون مالكا للمال وأن لمالكه أن يخرجه من يديه وهو مخالف للحر يوهب له الشيء فيتصدق به؛ لأن الحر يملكه قبل أن يتصدق به وعليه الصيام في هذا كله فإن كان هذا شيء منه بإذن مولاه فليس له أن يمنعه منه، وإن كان منه بغير إذن مولاه فإن كان الصوم يضر بعمل المولى كان له أن يمنعه فإن صام بغير إذن مولاه في الحال التي له أن يمنعه فيها أجزأه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يحنث الناس في الحكم على الظاهر من أيمانهم، وكذلك أمرنا الله تعالى أن نحكم عليهم بما ظهر، وكذلك أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك أحكام الله وأحكام رسوله في الدنيا، فأما السرائر فلا يعلمها إلا الله فهو يدين بها ويجزي ولا يعلمها دونه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ألا ترى أن حكم الله تعالى في المنافقين أنه يعلمهم مشركين فأوجب عليهم في الآخرة جهنم فقال عز وجل {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: ١٤٥] وحكم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحكام الإسلام بما أظهروا منه فلم يسفك لهم دما ولم يأخذ لهم مالا ولم يمنعهم أن يناكحوا
المسلمين وينكحوهم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرفهم بأعيانهم يأتيه الوحي ويسمع ذلك منهم ويبلغه عنهم فيظهرون التوبة، والوحي يأتيه بأنهم كاذبون بالتوبة، ومثل ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع الناس «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» ، وكذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحدود، فأقام على رجل حدا، ثم قام خطيبا فقال «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» وروي عنه أنه قال «تولى الله منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات» وحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» «ولاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين العجلاني وامرأته وقذفها برجل بعينه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصروها فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه وإن جاءت به كذا فلا أراه إلا قد كذب عليها فجاءت به على النعت المكروه» ، وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «إن أمره لبين لولا ما حكم الله» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو كان لأحد من الخلق أن يحكم على خلاف الظاهر ما كان ذلك لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يأتيه به الوحي وبما جعل الله تعالى فيه مما لم يجعل في غيره من التوفيق فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتول أن يقضي إلا على الظاهر، والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه ما لا يعرف غيره فغيره أولى أن لا يحكم إلا على الظاهر وإنما جوابنا في هذه الأيمان كلها إذا حلف الرجل لا نية له، فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى قيل للربيع كل ما كان في هذا الكتاب فإنا نقول فهو قول مالك؟ قال نعم والله أعلم.
[تابع الشهادة]
[باب الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} [النساء: ٦] الآية (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ففي هذه الآية معنيان أحدهما الأمر بالإشهاد وهو في مثل معنى الآية قبله والله تعالى أعلم من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتما وفي قول الله عز وجل {وكفى بالله حسيبا} [النساء: ٦] كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد؛ لأن الله عز وجل يقول {وكفى بالله حسيبا} [النساء: ٦] أي إن لم تشهدوا والله تعالى أعلم، والمعنى الثاني أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله، والإشهاد به عليه يبرأ بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره، أو يكون مأمورا بالإشهاد عليه على الدلالة، وقد يبرأ بغير شهادة إذا صدقه اليتيم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والآية محتملة المعنيين معا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وليس في واحدة من هاتين الآيتين تسمية شهود وتسمية الشهود في غيرهما وتلك التسمية تدل على ما يجوز فيهما وفي غيرهما وتدل معهما السنة، ثم ما لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه. وفي ذكر الله عز وجل
