
08-09-2024, 11:21 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,504
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (293)
صــــــــــ 87 الى صـــــــــــ 93
الشهادات دلالة على أن للشهادات حكما وحكمها والله تعالى أعلم أن يقطع بها بين المتنازعين بدلالة كتاب الله تعالى، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إجماع سنذكره في موضعه، قال الله عز وجل {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا} [النساء: ١٥] الآية فسمى الله في الشهادة في الفاحشة، والفاحشة ها هنا - والله تعالى أعلم - الزنا وفي الزنا أربعة شهود ولا تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم لأن الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء ودلت السنة على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من أنهم رجال محصنون فإن قال قائل الفاحشة تحتمل الزنا وغيره فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره؟ قيل كتاب الله، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم ما لا أعلم عالما خالف فيه في قول الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم يمسكن حتى يجعل الله لهن سبيلا، ثم نزلت {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: ٢] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» ودل الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم لم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم فإن قال قائل ما دل على أن لا يقطع الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء؟ قيل له: الآيتان من كتاب الله عز وجل يدلان على ذلك، قال الله عز وجل في القذفة {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور: ١٣] يقول: لولا جاءوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا وقول الله عز وجل {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: ٤] ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل السنة، ثم الأثر، ثم الإجماع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي؛ قال أخبرنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رحمه الله تعالى - «أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فقال إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع فحد الثلاثة ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء.
[باب ما جاء في قول الله عز وجل واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم]
[النساء: ١٥] حتى ما يفعل بهن من الحبس، والأذى قال الله جل ثناؤه {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت} [النساء: ١٥] فيه دلالة على أمور منها أن الله عز وجل سماهن من نساء المؤمنين؛ لأن المؤمنين المخاطبون بالفرائض يجمع هذا إن لم يقطع العصمة بين أزواجهن وبينهم في الزنا وفي هذه الآية دلالة على أن قول الله عز اسمه {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: ٣] كما قال ابن المسيب إن شاء الله تعالى منسوخة.
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال قال ابن المسيب نسختها {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: ٣٢] فهن من أيامى المسلمين وقال الله عز وجل {فأمسكوهن في البيوت} [النساء: ١٥] يشبه عندي والله تعالى أعلم أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا
فالموارثة بأحكام الإسلام ثابتة عليها وإن زنت ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا لا بأس أن ينكح امرأة، وإن زنت أن ذلك لو كان يحرم نكاحها قطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها وبينه وأمر الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا منسوخ بقول الله عز وجل {الزانية والزاني} [النور: ٢] في كتاب الله، ثم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن قال قائل فأين ما وصفت من ذلك؟ قيل إن شاء الله تعالى أرأيت إذا أمر الله في اللاتي يأتين الفاحشة أن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا أليس بينا أن هذا أول ما أمر به في الزانية؟ فإن قال هذا، وإن كان هكذا عندي فقد يحتمل أن يكون عندي حد الزنا في القرآن قبل هذا، ثم خفف وجعل هذا مكانه إلا أن يدل عليه غير هذا قيل له: إن شاء الله تعالى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن عبادة بن الصامت في هذه الآية {حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: ١٥] قال كانوا يمسكوهن حتى نزلت آية الحدود فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فلا أدري أسقط من كتابي حطان الرقاشي أم لا؟ فإن الحسن حدثه عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت، وقد حدثنيه غير واحد من أهل العلم عن الثقة عن الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهذا حديث يقطع الشك ويبين أن حد الزانيين كان الحبس، أو الحبس، والأذى فكان الأذى بعد الحبس، أو قبله وأن أول ما حد الله به الزانيين من العقوبة في أبدانهما بعد هذا عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» ، والجلد على الزانيين الثيبين منسوخ «بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعز بن مالك ولم يجلده ورجم المرأة التي بعث إليها أنيسا ولم يجلدها، وكانا ثيبين» فإن قال قائل ما دل على أن هذا منسوخ؟ قيل له: أرأيت إذا كان أول ما حد الله به الزانيين الحبس، أو الحبس، والأذى، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة والتغريب والثيب بالثيب الجلد والرجم» أليس في هذا دلالة على أن أول ما حدهما الله به من العقوبة في أبدانهما الحبس، والأذى؟ فإن قال بلى قيل فإذا كان هذا أولا فلا نجد ثانيا أبدا إلا بعد الأول فإذا حد ثان بعد الأول فخفف من حد الأول شيء فذلك دلالة على ما خفف الأول منسوخ عن الزاني.
[باب الشهادة في الطلاق]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: ٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأمر الله عز وجل في الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة على الطلاق والرجعة شاهدان فإذا كان ذلك كمالها لم يجز فيها شهادة أقل من شاهدين؛ لأن ما كان دون الكمال مما يؤخذ به الحق لبعض الناس من بعض فهو غير ما أمر بالأخذ به ولا يجوز أن يؤخذ بغير ما
أمرنا بالأخذ به، وكذلك يدل على ما دل عليه ما قبله من نفي أن يجوز فيه إلا ذلك رجال لا نساء معهم لأن شاهدين لا يحتمل بحال أن يكونا إلا رجلين فاحتمل أمر الله عز وجل بالإشهاد في الطلاق والرجعة ما احتمل أمره بالإشهاد في البيوع ودل ما وصفت من أني لم ألق مخالفا حفظت عنه من أهل العلم أن حراما أن يطلق بغير بينة على أنه والله تعالى أعلم دلالة اختيار لا فرض يعصي به من تركه ويكون عليه أداؤه إن فات في موضعه واحتملت الشهادة على الرجعة من هذا ما احتمل الطلاق ويشبه أن تكون في مثل معناه؛ لأنهما إذا تصادقا على الرجعة في العدة تثبت الرجعة وإن أنكرت المرأة فالقول قولها كما إذا تصادقا على الطلاق يثبت، وإن أنكر الرجل فالقول قوله والاختيار في هذا وفي غيره مما أمر فيه بالشهادة والذي ليس في النفس منه شيء الإشهاد.
[باب الشهادة في الدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: ٢٨٢] الآية والتي بعدها وقال في سياقها {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: ٢٨٢] الآية فذكر الله عز وجل شهود الزنا وذكر شهود الطلاق والرجعة.
وذكر شهود الوصية فلم يذكر معهم امرأة فوجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال وشهود الطلاق والرجعة يشهدون على تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال في واحد منهما، وذكر شهود الوصية ولا مال للمشهود له أنه وصى، ثم لم أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن لا يجوز في الزنا إلا الرجال وعلمت أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية، وكان ما حكيت من أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية، وكان ما حكيت من أقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر كتاب الله عز وجل، وكان أولى الأمور أن يصار إليه ويقاس عليه وذكر الله شهود الدين فذكر فيهم النساء، وكان الدين أخذ مال من المشهود عليه، والأمر على ما فرق الله بينه من الأحكام في الشهادات أن ينظر كل ما شهد به على أحد فكان لا يؤخذ منه بالشهادة نفسها مال، وكان إنما يلزم بها حق غير مال، أو شهد به لرجل، وكان لا يستحق به مالا لنفسه إنما يستحق به غير مال مثل الوصية، والوكالة، والقصاص، والحد وما أشبهه فلا يجوز فيه إلا شهادة الرجال لا يجوز فيه امرأة وينظر كل ما شهد به مما أخذ به المشهود له من المشهود عليه مالا فتجوز فيه شهادة النساء مع الرجال، لأنه في معنى الموضع الذي أجازهن الله فيه، فيجوز قياسا لا يختلف هذا القول فلا يجوز غيره والله تعالى أعلم، ومن خالف هذا الأصل ترك عندي ما ينبغي أن يلزمه من معنى القرآن، ولا أعلم لأحد خالفه حجة فيه بقياس ولا خبر لازم، وفي قول الله عز وجل {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: ٢٨٢] دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث نجيزهن إلا مع رجل ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعدا؛ لأن الله عز وجل لم يسم منهن أقل من اثنتين ولم يأمر بهن الله إلا مع رجل.
[باب الخلاف في شهادة النساء]
باب الخلاف في هذا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن خالفنا أحد فقال إن شهدت امرأتان لرجل حلف معهما فقد
خالفه عدد أحفظ عنهم ذلك من أهل المدينة وغيرهم وهذا أجاز النساء بغير رجل ويلزمه في أصل مذهبه أن يجيز أربعا فيعطي بهن حقا على مذهبه فيكون خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب فإن قال إني إنما أجزت شهادتهما أنهما مع يمين رجل فينبغي أن لا يحلف امرأة إن أقامت شاهدا والذي يستحق به الرجل هو الذي تستحق به المرأة الحق لا فرق بينهما وهكذا ينبغي أن لا يحلف مشرك ولا عبد ولا حر غير عدل مع أنه خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب والله تعالى أعلم وهذا قول لا يجوز لأحد أن يغلط إليه فإن قال إني أعطي باليمين كما أعطي بشاهد فذلك بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لزمنا أن نقول بما حكم به لا أنه من جهة الشهادات، ولو كانت من جهة الشهادات ما أحلفنا الرجل وهو شاهد ولا أجزنا شهادته لنفسه، ولو جاز هذا ما جاز لغير عدل ولا جاز أن تحلف امرأة ولا عبد ولا كافر ولا غير عدل فإن قال قائل فما هي؟ قيل يمين أعطى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطينا بها كما كانت يمينا في المتلاعنين وللنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة في المدعى عليه، فأحلفنا في ذلك المرأة والرجل، والحر العدل وغير العدل، والعبد، والكافر لا أنها من الشهادات بسبيل.
[باب اليمين مع الشاهد]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد حكيت مما ذكر الله عز وجل في كتابه من الشهادات، وكان الكتاب كالدليل على أنها يحكم بها على ما فرض الله بغير يمين على من كانت له تلك الشهادات، وكانت على ذلك دلالة السنة، ثم الآثار وما لا أعلم بين أحد لقيته فحفظت عنه من أهل العلم في ذلك مخالفا قال وذكر الله عز وجل في الزنا أربعة وذكر في الطلاق والرجعة، والوصية اثنين، ثم كان القتل، والجراح من الحقوق التي لم يذكر فيها عدد الشهود الذين يقطع بهم فاحتمل أن تقاس على شهود الزنا وأن تقاس على شهود الطلاق وما سمينا معه فلما احتمل المعنيين معا، ثم لم أعلم مخالفا لقيته من أهل العلم إلا واحدا في أنه يجوز فيما سوى الزنا شاهدان فكان الذي عليه أكثر من لقيت من أهل العلم أولى أن يقال به مما انفرد به واحد لا أعرف له متقدما إذا احتمل القياس خلاف قوله وإن احتمل القياس قوله، وكذلك شهادة الشهود على الخمر وغير ذلك، وكذلك الشهادة على القذف فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول في القذفة {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور: ١٣] الآية وقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: ٤] قيل له: هذا كما قال الله عز وجل؛ لأن الله حكم في الزنا بأربعة فإذا قذف رجل رجلا بالزنا لم يخرجه من الحد إلا أن يقيم عليه بينة بأنه زان ولا يكون عليه بينة تقطع أقل من أربعة وما لم يتموا أربعة فهو قاذف يحد وإنما أريد بالأربعة أن يثبت عليه الزنا فيخرج من ذلك القاذف ويحد المشهود عليه المقذوف وحكمهم معا حكم شهود الزنا لأنهن شهادات على الزنا لا على القذف فإذا قام على رجل شاهدان بأنه قذف رجلا حد؛ لأنه لم يذكر عدد شهود القذف فكان قياسا على الطلاق وغيره مما وصفت ولا يخرج من أن يحد له إلا بأربعة شهداء يثبتون الزنا على المقذوف فيحد ويكون هذا صادقا في الظاهر والله تعالى الموفق.
اليمين مع الشاهد
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) : فأكثر ما جعل الله عز وجل من الشهود في الزنا أربعة وفي
الدين رجلان أو رجل وامرأتان فكان تفريق الله عز وجل بين الشهادات على ما حكم الله عز وجل من أنها مفترقة واحتمل إذا كان أقل ما ذكر الله من الشهادات شاهدين، أو شاهدا وامرأتين أن يكون أراد ما تتم به الشهادة بمعنى لا يكون على المشهود له يمين إذا أتى بكمال الشهادة فيعطى بالشهادة دون يمينه لا أن الله عز وجل حتم أن لا يعطى أحد بأقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين؛ لأنه لم يحرم أن يجوز أقل من ذلك نصا في كتاب الله عز وجل (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نقول؛ لأن عليه دلالة السنة، ثم الآثار وبعض الإجماع، والقياس فقلنا يقضى باليمين مع الشاهد فسألنا سائل ما رويت منها؟ فقلنا: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» قال عمرو في الأموال (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماه لا أحفظ اسمه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي أقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد؟ قال نعم وقضى بها علي - رضي الله عنه - بين أظهركم قال مسلم وقال جعفر في حديثه في الدين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فحكمنا باليمين مع الشاهد في الأموال دون ما سواها وما حكمنا فيه باليمين مع الشاهد أجزنا فيه شهادة النساء مع الرجال وما لم نحكم فيه باليمين مع الشاهد لم نجز فيه شهادة النساء مع الرجال استدلالا بمعنى كتاب الله عز وجل الذي وصفت في شهادتهن قبل هذا.
[باب الخلاف في اليمين مع الشاهد]
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فخالفنا بعض الناس في اليمين مع الشاهد خلافا أسرف فيه على نفسه فقال أرد حكم من حكم بها لأنها خلاف القرآن فقلت لأعلى من لقيت ممن خالفنا فيها علما: أمر الله بشاهدين أو شاهد وامرأتين؟ فقال نعم فقلت ففيه أن حتما من الله عز وجل أن لا يجوز أقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين فقال فإن قلته؟ قلت له فقله فقال فقد قلته فقلت وتجد من الشاهدان اللذان أمر الله عز وجل بهما فقال حران مسلمان بالغان عدلان قلت ومن حكم بدون ما قلت خالف حكم الله؟ قال نعم قلت له إن كان كما زعمت فقد خالفت حكم الله عز وجل قال وأين؟ قلت إذ أجزت شهادة أهل الذمة وهم غير الذين شرط الله جل وعز أن تجوز شهادتهم وأجزت شهادة القابلة وحدها على الولادة وهذان وجهان أعطيت بهما من جهة الشهادة، ثم أعطيت بغير شهادة في القسامة وغيرها قال فتقول ماذا؟ قلت أقول إن القضاء باليمين مع الشاهد ليس بخلاف حكم الله عز وجل، بل بحكم الله حكمت باليمين مع الشاهد ففرض الله طاعة رسوله فاتبعت رسوله فعن الله قبلت كما قبلت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المعنى الذي وصفت من أن اتباع أمره فرض ولهذا كتاب طويل هذا مختصر منه قد قالوا فيه وقلنا وأكثرنا. قال: أفتوجدني لها نظيرا في القرآن؟ قلت: نعم أمر الله عز وجل في الوضوء بغسل القدمين، أو مسحهما فمسحنا ومسحت على الخفين بالسنة. وقول الله عز وجل {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما} [الأنعام: ١٤٥] فحرمنا نحن وأنت كل ذي ناب من السباع بالسنة. وقول الله عز وجل {كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: ٢٤] فحرمنا نحن وأنت أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين
المرأة وخالتها بالسنة. قال الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: ٣٨] وقال {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: ٢] ودلت السنة على أنه إنما يقطع بعض السراق دون بعض ويجلد مائة بعض الزناة دون بعض فقلنا نحن وأنت به، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد خاصا وعاما فكذلك اليمين مع الشاهد تلزمك من حيث لزمك هذا فإن كنت مصيبا باتباع ما وصفنا من السنة مع القرآن لم تسلم من أن تكون مخطئا بترك اليمين مع الشاهد وإن كنت مصيبا بترك اليمين مع الشاهد لم تسلم من أن يكون عليك ترك المسح على الخفين وترك تحريم كل ذي ناب من السباع وقطع كل سارق فقد خالفك في هذا كله بعض أهل العلم ووافقنا في اليمين مع الشاهد عوام من أصحابنا.
ومنهم من خالف أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أثبت من اليمين مع الشاهد، وإن كانت اليمين ثابتة لعلة أضعف من كل علة اعتل بها من رد اليمين مع الشاهد فإن كانت لنا وله بهذا حجة على من خالفنا كانت عليه فيما خالف من الأحاديث.
[باب شهادة النساء لا رجل معهن]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الولاد وعيوب النساء مما لم أعلم مخالفا لقيته في أن شهادة النساء فيه جائزة لا رجل معهن وهذا حجة على من زعم أن في القرآن دلالة على أن لا يجوز أقل من شاهدين، أو شاهد واحد وامرأتين؛ لأنه لا يجوز على جماعة أهل العلم أن يخالفوا الله حكما ولا يجهلوه ففيه دلالة على أن أمر الله بشاهدين، أو شاهد وامرأتين حكم لا يمين على من جاء به مع الشاهد، والحكم باليمين مع الشاهد حكم بالسنة لا مخالف للشاهدين؛ لأنه غيرهما، ثم اختلفوا في شهادة النساء (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا يجوز في شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نأخذ فإن قال قائل فكيف أخذت به؟ قلت لما ذكر الله عز وجل شهادة النساء فجعل امرأتين يقومان مقام رجل في الموضع الذي أجازهما الله تعالى فيه، وكان أقل ما انتهى إليه من عدد الرجال رجلين في الشهادات التي تثبت بها الحقوق ولا يحلف معها المشهود له شاهدين، أو شاهدا وامرأتين لم يجز والله تعالى أعلم إذا أجاز المسلمون شهادة النساء في موضع أن يجوز منهن إلا أربع عدول؛ لأن ذلك معنى حكم الله عز وجل
[الخلاف في إجازة أقل من أربع من النساء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقال بعض الناس تجوز شهادة امرأة وحدها كما يجوز في الخبر شهادة واحد عدل وليس من قبل الشهادات أجزتها، وإن كان من قبل الشهادات أجزتها لم أجز إلا ما ذكرت من أربع، أو شاهد وامرأتين فقيل لبعض من يقول هذا القول وأين الخبر من الشهادة؟ قال وأين يفترقان؟ قلت تقبل في الخبر كما قلت امرأة واحدة ورجلا واحدا وتقول فيه أخبرنا فلان عن فلان أفتقبل هذا في الشهادات؟ فقال لا قلت: والخبر هو ما استوى فيه المخبر، والمخبر، والعامة من حلال وحرام؟ قال نعم قلت والشهادة ما كان الشاهد منها خليا، والعامة وإنما تلزم المشهود عليه قال نعم قلت أفترى هذا يشبه هذا؟ قال أما في هذا فلا قلت أفرأيت لو قال لك قائل إذا قبلت في الخبر فلانا عن
فلان، فاقبل في أن تخبرك امرأة عن امرأة أن امرأة رجل ولدت هذا الولد؟ قال ولا أقبل هذا حتى أقف التي شهدت، أو يشهد عليها من تجوز شهادته بأمر قاطع قلت وأنزلته منزلة الخبر؟ قال أما في هذا فلا قلت ففي أي شيء أنزلته منزلة الخبر؟ هل عدوت بهذا أن قلت هو بمنزلة الخبر ولم تقسه في شيء غير الأصل الذي قلت؟ فأسمعك إذا تضع الأصول لنفسك قال فمن أصحابك من قال لا يجوز أقل من شهادة امرأتين قلت له هل رأيتني أذكر لك قولا لا تقول به؟ .
قال لا قلت فكيف ذكرت لي ما لا أقول به؟ قال فإلى أي شيء ذهب من ذهب إلى ما ذهبنا إليه من أنه خبر لا شهادة ولا إلى ما ذهبت إليه من أن تقول به على معنى كتاب الله وما أعرف له متقدما يلزم قوله فقلت له أن تنتقل عن قولك الذي يلزمك فيه عندي أن تنتقل عنه أولى بك من ذكر قول غيرك فهذا أمر لم نكلفه نحن ولا أنت، ولولا عرضك بترفيع قولك وتخطئة من خالفك كنا شبيها أن ندع حكاية قولك قال فإن شهد على شيء من ذلك رجلان، أو رجل وامرأتان قلت أجيز الشهادة وتكون أوثق عندي من شهادة النساء لا رجل معهن قال وكيف لم تعدهم بالشهادة فساقا ولا تجيز شهادتهم؟ قلت الشهادة غير الفسق قال فادللني على ما وصفت قلت قال الله عز وجل {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء: ١٥] «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد حين قال له أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال نعم» والشهود على الزنا نظروا من المرأة إلى محرم ومن الرجل إلى محرم فلو كان النظر لغير إقامة شهادة كان حراما فلما كان لإقامة شهادة لم يجز أن يأمر الله عز وجل، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بمباح لا بمحرم فكل من نظر ليثبت شهادته لله، أو للناس فليس بجرح ومن نظر للتلذذ وغير شهادة عامدا كان جرحا إلا أن يعفو الله عنه.
[باب شرط الذين تقبل شهادتهم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {اثنان ذوا عدل منكم} [المائدة: ١٠٦] وقال عز وجل {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: ٢٨٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكان الذي يعرف من خوطب بهذا أنه أريد به الأحرار المرضيون المسلمون من قبل أن رجالنا ومن نرضاه أهل ديننا لا المشركون لقطع الله الولاية بيننا وبينهم بالدين ورجالنا أحرارنا والذين نرضى أحرارنا لا مماليكنا الذين يغلبهم من يملكهم على كثير من أمورهم وأنا لا نرضى أهل الفسق منا وأن الرضا إنما يقع على العدل منا ولا يقع إلا على البالغين لأنه إنما خوطب بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه يقطع بمن لم يبلغ أكثر الفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه يقطع بمن لم يبلغ أكثر الفرائض فإذا لم يلزمه أكثر الفرائض في نفسه لم يلزم غيره فرضا بشهادته ولم أعلم مخالفا لقيته في أنه أريد بها الأحرار العدول في كل شهادة على مسلم غير أن من أصحابنا من ذهب إلى أن يجيز شهادة الصبيان في الجراح ما لم يتفرقوا فإذا تفرقوا لم تجز شهادتهم عنده.
وقول الله

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|