عرض مشاركة واحدة
  #294  
قديم 08-09-2024, 11:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,574
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (294)
صــــــــــ 94 الى صـــــــــــ 100



تبارك وتعالى {من رجالكم} [البقرة: ٢٨٢] يدل على أن لا تجوز شهادة الصبيان - والله أعلم - في شيء فإن قال قائل أجازها ابن الزبير قيل فإن ابن عباس ردها (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في شهادة الصبيان لا تجوز وزاد ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس؛ لأن الله عز وجل قال {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: ٢٨٢] قال ومعنى الكتاب مع ابن عباس والله تعالى أعلم، فإن قال أردت أن تكون دلالة قيل وكيف تكون الدلالة بقول صبيان منفردين إذا تفرقوا لم يقبلوا؟ إنما تكون الدلالة بقول البالغين الذين يقبلون بكل حال، فأشبه ما وصفت أن يكون دليلا على أن حكم الله فيمن تجوز شهادته هو من وصفت ممن يشبه أن تكون الآية دلت على صفته ولا تجوز شهادة مملوك في شيء وإن قل ولا شهادة غير عدل.
[باب شهادة القاذف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون - إلا الذين تابوا} [النور: ٤ - ٥] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأمر الله عز وجل أن يضرب القاذف ثمانين ولا تقبل له شهادة أبدا وسماه فاسقا إلا أن يتوب فقلنا يلزم أن يضرب ثمانين وأن لا تقبل له شهادة وأن يكون عندنا في حال من سمي بالفسق إلا أن يتوب فإذا تاب قبلت شهادته وخرج من أن يكون في حال من سمي بالفسق قال وتوبته إكذابه نفسه فإن قال قائل فكيف تكون التوبة الإكذاب؟ قيل له: إنما كان في حد المذنبين بأن نطق بالقذف، وترك الذنب هو أن يقول القذف باطل وتكون التوبة بذلك، وكذلك يكون الذنب في الردة بالقول بها والتوبة الرجوع عنها بالقول فيها بالإيمان الذي ترك فإن قال قائل فهل من دليل على هذا؟ ففيما وصفت كفاية وفي ذلك دليل عن عمر سنذكره في موضعه فإن كان القاذف يوم قذف ممن تجوز شهادته فحد قيل له مكانه إن تبت قبلت شهادتك فإذا أكذب نفسه قبلت شهادته، وإن لم يفعل لم تقبل حتى يفعل لأن الذنب الذي ردت به شهادته هو القذف فإذا أكذب نفسه فقد تاب وإن قذف وهو ممن لا تجوز شهادته، ثم تاب لم تقبل شهادته من قبل أن ردها كان من وجهين أحدهما سوء حاله قبل أن يقذف، والآخر القذف فإذا خرج من أحد الوجهين لم يخرج من الوجه الآخر ولكن يكون خارجا من أن يكون فيه علة رد الشهادة بالقذف فإذا أكذب نفسه وثبت عليه علة رد الشهادة بسوء الحال حتى تختبر حاله فإذا ظهر منه الحسن قبلت شهادته، وهكذا لو حد مملوك حسن الحال، ثم عتق لم تقبل شهادته إلا بإكذابه نفسه في القذف، وهكذا لو حد ذمي حسن الحال، فأسلم لم تقبل شهادته إلا بإكذابه نفسه في القذف فقال لي قائل: أفتذكر في هذا حديثا فقلت إن الآية لمكتفى بها من الحديث وإن فيه لحديثا (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة قال سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القذف لا تجوز، فأشهد لأخبرني، ثم سمى الذي أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان شككت بعدما سمعت الزهري يسمي الرجل فسألت فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب فقيل لسفيان شككت في خبره فقال لا هو سعيد إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) :؟ - رحمه الله تعالى: وبلغني عن ابن عباس مثل هذا المعنى (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي نجيح أنه قال في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا نقوله فقلت من؟ قال عطاء وطاوس ومجاهد.
[باب الخلاف في إجازة شهادة القاذف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فخالفنا بعض الناس في القاذف فقال إذا ضرب الحد، ثم تاب لم تجز شهادته أبدا، وإن لم يضرب الحد، أو ضربه ولم يوفه جازت شهادته فذكرت له ما ذكرت من معنى القرآن، والآثار فقال فإنا ذهبنا إلى قول الله عز وجل {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون - إلا الذين تابوا} [النور: ٤ - ٥] فقلنا نطرح عنهم اسم الفسق ولا نقبل لهم شهادة فقلت لقائل هذا أوتجد الأحكام عندك فما يستثنى على ما وصفت فيكون مذهبا ذهبتم في اللفظ أم الأحكام عندك في الاستثناء على غير ما وصفت؟ فقال: أوضح هذا لي قلت أرأيت رجلا لو قال والله لا أكلمك أبدا ولا أدخل لك بيتا ولا آكل لك طعاما ولا أخرج معك سفرا وإنك لغير حميد عندي ولا أكسوك ثوبا إن شاء الله تعالى أيكون الاستثناء واقعا على ما بعد قوله "أبدا" ، أو على ما بعد غير حميد عندي، أو على الكلام كله؟ قال، بل على الكلام كله قلت فكيف لم توقع الاستثناء في الآية على الكلام كله وأوقعتها في هذا الذي هو أكثر في اليمين على الكلام كله (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) : قال محمد بن الحسن إن أبا بكرة قال لرجل أراد استشهاده استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني قلت فالرجل الذي وصفت امتنع من أن يتوب من القذف وأقام عليه وهكذا كل من امتنع أن يتوب من القذف، ولو لم يكن لنا في هذا إلا ما رويت كان حجة عليك قال وكيف؟ قلت إن كان الرجل عندك ممن تاب من القذف بالرجوع عنه فقد أخبر عن المسلمين أنهم فسقوه وأنت تزعم أنه إذا تاب سقط عنه اسم الفسق وفيما قال دلالة على أن المسلمين لا يلزمونه اسم الفسق إلا وشهادته غير جائزة قلت ولا يجيزون شهادته إلا وقد أسقطوا عنه اسم الفسق؛ لأنهم لا يفرقون بين إسقاط اسم الفسق عنه بالتوبة وإجازة شهادته بسقوط الاسم عنه كما تفرق بينه، وإذا كنت تقبل شهادة القاتل والزاني، والمستتاب من الردة إذا تاب فكيف خصصت بها القاذف وهو أيسر ذنبا من غيره؟ قال تأولت فيه القرآن قلت تأولك خطأ على لسانك قال قاله شريح قلت أفتجعل شريحا حجة على كتاب الله وقول عمر بن الخطاب وابن عباس ومن سميت وغيرهم، والأكثر من أهل المدينة ومكة؟ وكيف؟ زعمت إن لم يطهر بالحد قبلت شهادته، وإذا طهر بالحد لم تقبل شهادته إذا كان تائبا في الحالين والله تعالى أعلم.
[باب التحفظ في الشهادة]
قال الله عز وجل {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: ٣٦] وقال الله عز وجل {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف: ٨٦] (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) : وحكي أن إخوة يوسف وصفوا أن شهادتهم كما ينبغي لهم فحكي أن كبيرهم قال {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين} [يوسف: ٨١] (قال) : ولا يسع شاهدا أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما
أثبت سمعا من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه وما شهد به رجل على رجل أنه فعله، أو أقر به لم يجز إلا أن يجمع أمرين أحدهما أن يكون يثبته بمعاينة، والآخر أن يكون يثبته سمعا مع إثبات بصر حين يكون الفعل وبهذا قلت لا تجوز شهادة الأعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة، أو معاينة وسمعا، ثم عمي فتجوز شهادته؛ لأن الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد أو القول الذي أثبته سمعا وهو يعرف وجه صاحبه فإذا كان ذلك قبل يعمى، ثم شهد عليه حافظا له بعد العمى جاز، وإذا كان القول، والفعل وهو أعمى لم يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت، وإذا كان هذا هكذا كان الكتاب أحرى أن لا يحل لأحد أن يشهد عليه والشهادة في ملك الرجل الدار أو الثوب على تظاهر الأخبار بأنه مالك الدار وعلى أن لا يرى منازعا له في الدار والثوب فيثبت ذلك في القلب فيسع الشهادة عليه وعلى النسب إذا سمعه ينتسب زمانا، أو سمع غيره ينسبه إلى نسبه ولم يسمع دافعا ولم ير دلالة يرتاب بها، وكذلك يشهد على عين المرأة ونسبها إذا تظاهرت له أخبار من يصدق بأنها فلانة ويراها مرة بعد مرة وهذا كله شهادة بعلم كما وصفت، وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهد وفي رد اليمين وغير ذلك.
والله تعالى الموفق.
[باب الخلاف في شهادة الأعمى]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فخالفنا بعض الناس في شهادة الأعمى فقال لا تجوز حتى يكون بصيرا يوم شهد ويوم رأى وسمع أو رأى، وإن لم يسمع إذا شهد على رؤية فسألناهم فهل من حجة كتاب، أو سنة، أو أثر يلزم فلم يذكروا من ذلك شيئا لنا، وكانت حجتهم فيه أن قالوا إنا احتجنا إلى أن يكون يرى يوم شهد كما احتجنا إلى أن يكون يرى يوم عاين الفعل، أو سمع القول من المشهود عليه ولم تكن واحدة من الحالين أولى به من الأخرى فقلت له أرأيت الشهادة أليست بيوم يكون القول، أو الفعل، وإن يقم بها بعد ذلك بدهر؟ قال بلى قلت فإذا كان القول، والفعل وهو بصير سميع مثبت، ثم شهد به بعد عاقلا أعمى لم تجز شهادته قال، فأقول بغير الأول لا يجوز إلا بأمرين قلت أفيجوز أن يشهد على فعل رجل حي، ثم يموت الرجل فيقوم بالشهادة وهو لا يرى الرجل ويقوم بالشهادة على آخر وهو غائب لا يراه؟ قال نعم قلت فما علمتك تثبت لنفسك حجة إلا خالفتها، ولو كنت لا تجيزها إذا أثبتها بصيرا وشهد بها أعمى؛ لأنه لا يعاين المشهود عليه؛ لأن ذلك حق عندك لزمك أن لا تجيزها بصيرا على ميت ولا غائب؛ لأنه لا يعاين واحدا منهما أما الميت فلا يعاينه في الدنيا وأما الغائب ببلد فأنت تجيزها وهو لا يراه قال فإن رجعت في الغائب فقلت لا أجيزها عليه فقلت أفترجع في الميت وهو أشد عليك من الغائب؟ قال لا قال فإن من أصحابك من يجيز شهادة الأعمى بكل حال إذا أثبت كما يثبت أهله فقلت إن كان هذا صوابا فهو أبعد لك من الصواب قال فلم لم تقل به؟ .
قلت ليس فيه أثر يلزم، فأتبعه ومعنا القرآن، والمعقول بما وصفت من أن الشهادة فيما لا يكون إلا بعيان، أو عيان وإثبات سمع ولا يجوز أن تجوز شهادة من لا يثبت بعيان؛ لأن الصوت يشبه الصوت قال ويخالفونك في الكتاب قلت، وذلك أبعد من أن تجوز الشهادة عليه وقولهم فيه متناقض ويزعمون أنه لا يحل لي لو عرفت كتابي ولم أذكر الشهادة أن أشهد إلا وأنا ذاكر ويزعمون أني إن عرفت كتاب ميت حل لي أن أشهد عليه وكتابي كان
أولى أن أشهد عليه من كتاب غيري، ولو جاز أن أفرق بينهما جاز أن أشهد على كتابي ولا أشهد على كتاب غيري ولا يجوز واحد منهما لما وصفت من معنى كتاب الله عز وجل.
قال: فإنا نحتج عليك في أنك تعطي بالقسامة وتحلف الرجل مع شاهده على ما غاب بأنهم قد يحلفون على ما لا يعلمون قلت يحلفون على ما يعلمون من أحد الوجوه الثلاثة التي وصفت لك قلت فإن قال لا يكون إلا من المعاينة والسماع فقلت له اترك هذا القول إذا سئلت قال فاذكر ذلك قلت أرأيت الشهادة على النسب، والملك أتقبلهما من الوجوه التي قبلناها منها؟ قال: نعم قلت، وقد يمكن أن ينتسب الرجل إلى غير نسبه لم ير أباه يقر به ويمكن أن تكون الدار في يدي الرجل وهو لا يملكها قد غصبها، أو أعاره إياها غائب ويمكن ذلك في الثوب، والعبد قال: فقد أجمع الناس على إجازة هذا قلنا وإن كانوا أجمعوا ففيه دلالة لك على أن القول كما قلنا دون ما قلت أورأيت عبدا ابن خمسين ومائة سنة ابتاعه ابن خمس عشرة سنة، ثم باعه وأبق عند المشتري فخاصمه فيه فقال: أحلفه لقد باعه إياه بريا من الإباق فقلت وقال لك هذا ولد بالمشرق وأنا بالمغرب ولا تمكنني المسألة عنه؛ لأنه ليس ها هنا أحد من أهل بلده أثق به قال: يحلف على البت وإنما يرجع في ذلك إلى علمه قلت ويسعك ذلك ويسع القاضي؟ قال: نعم قلت أرأيت قوما قتل أبوهم فأمكنهم أن يعترفوا القاتل، أو يعاينوه أو يخبرهم من عاينه ممن مات، أو غاب ممن يصدق عندهم ولا تجوز شهادتهم عندي أليسوا أولى أن يقسموا من صاحب العبد الذي وصفها أن يحلف؟ والله تعالى أعلم:
[باب ما يجب على المرء من القيام بشهادته]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: ٨] وقال {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء} [النساء: ١٣٥] إلى آخر الآية وقال: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} [الأنعام: ١٥٢] وقال {والذين هم بشهاداتهم قائمون} [المعارج: ٣٣] وقال عز وجل {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم} [البقرة: ٢٨٣] وقال {وأقيموا الشهادة لله} [الطلاق: ٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد، وقد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والديه وولده، والقريب، والبعيد وللبغيض القريب، والبعيد ولا يكتم عن أحد ولا يحابي بها ولا يمنعها أحدا قال ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم ولهذا كتاب غير هذا.
[باب ما على من دعي يشهد بشهادة قبل أن يسألها]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل} [البقرة: ٢٨٢] إلى قوله {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة: ٢٨٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : في قول الله عز وجل {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} [البقرة: ٢٨٢] دلالة على أن عليه فيما علمه الله من الكتاب حقا في منفعة المسلمين ويحتمل ذلك الحق أن يكون كلما دعي لحق كتبه لا بد ويحتمل أن يكون عليه وعلى من هو في مثل حاله أن يقوم منهم من يكفي حتى لا تكون الحقوق معطلة لا يوجد
لها في الابتداء من يقوم بكفايتها والشهادة عليها فيكون فرضا لازما على الكفاية فإذا قام بها من يكفي أخرج من يتخلف من المأثم، والفضل للكافي على المتخلف فإذا لم يقم به كان حرج جميع من دعي إليه فتخلف بلا عذر كما كان الجهاد والصلاة على الجنائز ورد السلام فرضا على الكفاية لا يحرج المتخلف إذا كان فيمن يقوم بذلك كفاية فلما احتمل هذين المعنيين معا، وكان في سياق الآية {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة: ٢٨٢] كان فيها كالدليل على أنه نهي الشهداء المدعوون كلهم أن يأبوا قال {ولا يضار كاتب ولا شهيد} [البقرة: ٢٨٢] ، فأشبه أن يكون يحرج من ترك ذلك ضرارا، وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية وهذا يشبه والله تعالى أعلم ما وصفت من الجهاد، والجنائز ورد السلام، وقد حفظت عن بعض أهل العلم قريبا من هذا المعنى ولم أحفظ خلافه عن أحد أذكره منهم.
الدعوى والبينات (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي» .
[باب في الأقضية]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص: ٢٦] وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكتاب {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: ٤٢] إلى {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} [المائدة: ٤٢] وقال {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة: ٤٩] وقال {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء: ٥٨] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن فرضا عليه وعلى من قبله والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل اتباع حكمه المنزل قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: ٤٩] ووضع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من دينه وأهل دينه موضع الإبانة عن كتاب الله عز وجل معنى ما أراد الله وفرض طاعته فقال {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: ٨٠] وقال {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: ٦٥] الآية.
وقال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: ٦٣] الآية.
فعلم أن الحق كتاب الله، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فليس لمفت ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالما بهما ولا أن يخالفهما ولا واحدا منهما بحال فإذا خالفهما فهو عاص لله عز وجل وحكمه مردود فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد بأن يطلبا كما يطلب الاجتهاد بأن يتوجه إلى البيت وليس لأحد أن يقول مستحسنا على غير الاجتهاد كما ليس لأحد إذا غاب البيت عنه أن يصلي حيث أحب ولكنه يجتهد في التوجه إلى البيت.
وهذا موضوع بكماله في كتاب جماع علم الكتاب، ثم السنة.
[باب في اجتهاد الحاكم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين - ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩]
قال الحسن بن أبي الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده (أخبرنا الربيع) قال: (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بشر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» قال يزيد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة ومن أمر أن يجتهد على مغيب فإنما كلف الاجتهاد ويسعه فيه الاختلاف فيكون فرضا على المجتهد أن يجتهد برأي نفسه لا برأي غيره، وبين أنه ليس لأحد أن يقلد أحدا من أهل زمانه كما لا يكون لأحد له علم بالتوجه إلى القبلة يرى أنها في موضع أن يقلد غيره إن رأى أنها في غير ذلك الموضع، وإذا كلفوا الاجتهاد فبين أن الاستحسان بغير قياس لا يجوز كلف لأحد (قال) : والقياس قياسان: أحدهما: يكون في مثل معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه، ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء من الأصل، والشيء من الأصل غيره، فيشبه هذا بهذا الأصل، ويشبه غيره بالأصل غيره (قال الشافعي) : وموضع الصواب فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن ينظر، فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه إن أشبه أحدهما في خصلتين، والآخر في خصلة ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين ومن اجتهد من الحكام، ثم رأى أن اجتهاده خطأ، أو قد خالف كتابا أو سنة، أو إجماعا، أو شيئا في مثل معنى هذا رده ولا يسعه غير ذلك، وإن كان مما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده من ذلك أن على من اجتهد على مغيب فاستيقن الخطأ كان عليه الرجوع، ولو صلى على جبل من جبال مكة ليلا فتأخى البيت، ثم أبصر فرأى البيت في غير الجهة التي صلى إليها أعاد وإن كان بموضع لا يراه لم يعد من قبل أنه رجع في المرة الأولى من مغيب إلى يقين وهو في هذه المرة يرجع من مغيب إلى مغيب وهذا موضوع في كتاب "جماع العلم من الكتاب والسنة" وكتاب القضاء، والحق في الناس كلهم واحد ولا يحل أن يترك الناس يحكمون بحكم بلدانهم إذا كانوا يختلفون فيما فيه كتاب، أو سنة، أو شيء في مثل معناهما حتى يكون حكمهم واحدا إنما يتفرقون في الاجتهاد إذا احتمل كل واحد منهم الاجتهاد، وأن يكون له وجه.
[باب التثبيت في الحكم]
وغيره (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} [الحجرات: ٦] الآية وقال {إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} [النساء: ٩٤] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأمر الله من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون مستبينا قبل أن يمضيه، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحكم خاصة أن لا يحكم الحاكم وهو غضبان لأن الغضبان مخوف على أمرين.
أحدهما قلة التثبت، والآخر أن الغضب قد يتغير معه العقل ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه لو لم يكن غضب (أخبرنا الربيع) قال: (أخبرنا الشافعي) قال: أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يحكم الحاكم، أو لا يقضي القاضي بين
اثنين وهو غضبان» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومعقول في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا تغير خلقه ولا عقله، والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير خلقه، أو عقله انبغى له أن لا يقضي حتى تذهب وأي حال صيرت إليه سكون الطبيعة واجتماع العقل انبغى له أن يتعاهدها فيكون حاكما عندها، وقد روي عن الشعبي، وكان قاضيا أنه رئي أنه يأكل خبزا بجبن فقيل له: فقال آخذ حكمي كأنه يريد أن الطعام يسكن حر الطبيعة وأن الجوع يحرك حرها وتتوق النفس إلى المأكل فيشتغل عن الحكم، وإذا كان مريضا شقيحا، أو تعبا شقيحا فكل هذا في حال الغضب في بعض أمره، أو أشد يتوقى الحكم ويتوقاه على الملالة فإن العقل يكل مع الملالة وجماعه ما وصفت.
[باب المشاورة]
(قال الشافعي) : قال الله تبارك وتعالى {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: ١٥٩] (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري قال: قال أبو هريرة «ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وقال الله عز وجل {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: ٣٨] (قال الشافعي) : قال الحسن إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لغنيا عن مشاورتهم ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده إذا نزل بالحاكم الأمر يحتمل وجوها، أو مشكل انبغى له أن يشاور ولا ينبغي له أن يشاور جاهلا لأنه لا معنى لمشاورته ولا عالما غير أمين فإنه ربما أضل من يشاوره ولكنه يشاور من جمع العلم، والأمانة وفي المشاورة رضا الخصم، والحجة عليه.
[باب أخذ الولي بالولي]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {أم لم ينبأ بما في صحف موسى} [النجم: ٣٦] {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: ٣٧] {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: ٣٨] (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن أبجر عن أبان بن لقيط عن أبي رمثة قال: «دخلت مع أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا؟ قال ابني يا رسول الله أشهد به فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله عز وجل {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: ٣٧] {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: ٣٨] (قال الشافعي) : - رحمه الله: والذي سمعت والله أعلم في قول الله تعالى {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: ٣٨] أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وذلك في بدنه دون ماله وإن قتل، أو كان حدا لم يقتل به غيره ولم يؤخذ ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين الله تعالى لأن الله جل وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم وعاقبهم عليها، وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في ماله إلا حيث خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن جناية الخطإ من الحر على الآدميين على عاقلته فأما ما سواها فأموالهم ممنوعة من أن تؤخذ بجناية غيرهم وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة وغير ذلك وليس من وجه الجناية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]