
08-09-2024, 11:35 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (295)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ 107
[باب ما يجب فيه اليمين]
(قال الشافعي) : كل من ادعى على امرئ شيئا ما كان من مال وقصاص وطلاق وعتق وغيره أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعي فإن حلف استحق وإن لم يحلف لم يستحق ما ادعى ولا يقوم النكول مقام إقرار في شيء حتى يكون مع النكول يمين المدعي فإن قال قائل فكيف أحلفت في الحدود والطلاق والنسب، والأموال وجعلت الأيمان كلها تجب على المدعى عليه وتجعلها كلها ترد على المدعي؟ قيل له: إن شاء الله تعالى قلت استدلالا بكتاب الله، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فإن قال وأين الدلالة من الكتاب؟ قيل له: إن شاء الله قال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: ٤] فحد الرامي بالزنا ثمانين وقال في الزوج {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} [النور: ٦] إلى قوله {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: ٩] فحكم الله عز وجل على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجا منه إلا بأن يأتي بأربعة شهداء وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة ويسقط عنه الحد ويلزمها إن لم تخرج أربعة أيمان، والتعانها وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفي الولد، والتعانه وسن بينهما الفرقة ودرأ الله تعالى عنها الحد بالأيمان مع التعانه، وكانت أحكام الزوجين إذا خالفت أحكام الأجنبيين في شيء فهي مجامعة له في غيره، وذلك أن اليمين فيه قد جمعت درء الحد عن الرجل والمرأة وفرقة ونفي ولد فكان الحد والطلاق والنفي معا داخلا فيها ولا يحق الحد على المرأة حين يقذفها إلا بيمين الزوج وتنكل عن اليمين، ألا ترى أن الزوج لو لم يلتعن حد بالقذف وترك الخروج باليمين منه ولم يكن على المرأة حد ولم تلتعن، أولا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصاريين «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» فلما لم يحلفوا رد الأيمان على اليهود ليبرءوا بها فلما لم يقبلها الأنصاريون تركوا حقهم، أو لا ترى أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - بدأ بالأيمان على المدعى عليهم فلما لم يحلفوا ردها على المدعين والله أعلم.
هذا كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى عن أبي يوسف رحمهم الله تعالى (قال) : إذا أسلم الرجل إلى الخياط ثوبا فخاطه قباء فقال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتني بقباء فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول القول قول رب الثوب ويضمن الخياط قيمة الثوب وبه يأخذ يعني أبا يوسف، وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول الخياط في ذلك "، ولو أن الثوب ضاع من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب، والخياط في عمله فإن أبا حنيفة قال لا ضمان عليه ولا على القصار والصباغ وما أشبه ذلك من العمال إلا فيما جنت أيديهم وبلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال لا ضمان عليهم، وكان ابن أبي ليلى يقول هم ضامنون لما هلك عندهم وإن لم تجن أيديهم فيه."
قال أبو يوسف هم ضامنون إلا أن يجيء شيء غالب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا ضاع الثوب عند الخياط، أو الغسال، أو الصباغ، أو أجير أمر ببيعه، أو حمال استؤجر على تبليغه وصاحبه معه، أو تبليغه وليس صاحبه معه من غرق، أو حرق، أو سرق ولم يجن فيه واحد من الأجراء شيئا، أو غير ذلك من وجوه الضيعة فسواء ذلك كله فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن من أخذ أجرا على شيء ضمنه ومن قال هذا قاسه على العارية تضمن وقال إنما ضمنت العارية لمنفعة فيها للمستعير فهو ضامن لها حتى يؤديها بالسلامة وهي كالسلف، وقد يدخل على قائل هذا أن يقال له إن العارية مأذون لك في الانتفاع بها بلا عوض أخذه منك المعير وهي كالسلف وهذا كله غير مأذون لك في الانتفاع به وإنما منفعتك في شيء تعمله فيه فلا يشبه هذا العارية، وقد وجدتك تعطي الدابة بكراء فتنتفع منها بعوض يؤخذ منك فلا تضمن إن عطبت في يديك، وقد ذهب إلى تضمين القصار شريح فضمن قصارا احترق بيته فقال تضمنني، وقد احترق بيتي؟ فقال شريح أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرتك؟ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا عنه ابن عيينة بهذا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا يجوز إذا ضمن الصناع إلا هذا وأن يضمن كل من أخذ على شيء أجرا ولا يخلو ما أخذ عليه الأجر من أن يكون مضمونا، والمضمون ضامن بكل حال، والقول الآخر أن لا يكون مضمونا فلا يضمن بحال كما لا تضمن الوديعة بحال، وقد يروى من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ضمن الغسال والصباغ وقال لا يصلح الناس إلا ذلك أخبرنا بذلك إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا - رضي الله تعالى عنه - قال ذلك ويروى عن عمر تضمين بعض الصناع من وجه أضعف من هذا ولم نعلم واحدا منهما يثبت، وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان لا يضمن أحدا من الأجراء من وجه لا يثبت مثله.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وثابت عن عطاء بن أبي رباح أنه قال لا ضمان على صانع ولا على أجير فأما ما جنت أيدي الأجراء والصناع فلا مسألة فيه وهم ضامنون كما يضمن المستودع ما جنت يده، والجناية لا تبطل عن أحد، وكذلك لو تعدوا ضمنوا (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي فيما رأيته أنه لا ضمان على الصناع إلا ما جنت أيديهم ولم يكن يبوح بذلك خوفا من الصناع.
[باب الغصب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اغتصب الرجل الجارية فباعها وأعتقها المشتري فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول البيع، والعتق فيها باطل لا يجوز؛ لأنه باع ما لا يملك وأعتق ما لا يملك وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اغتصب الرجل الجارية فأعتقها، أو باعها ممن أعتقها، أو اشتراها شراء فاسدا فأعتقها، أو باعها ممن أعتقها فالبيع باطل، وإذا بطل البيع لم يجز عتق المبتاع؛ لأنه غير مالك وهي مملوكة للمالك الأول البائع بيعا فاسدا، ولو تناسخها ثلاثون مشتريا فأكثر وأعتقها أيهم شاء إذا لم يعتقها البائع الأول فالبيع كله باطل ويترادون؛ لأنه إذا كان بيع المالك الأول الصحيح الملك فاسدا فباعها الذي لا يملكها فلا يجوز بيعه فيها بحال ولا بيع من باع بالملك عنه، والبيع إذا كان فاسدا لم يملك به ومن أعتق ما لا يملك لم يجز عتقه.
، وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها، ثم اطلع المشتري على عيب كان بها دلسه البائع له فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ليس له أن يردها بعد الوطء، وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب
-
رضي الله عنه - قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ولكنه يقول يرجع عليه بفضل ما بين الصحة، والعيب من الثمن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول يردها ويرد معها مهر مثلها، والمهر فيه قوله يأخذ العشر من قيمتها ونصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك.
ولو أن المشتري لم يطأ الجارية ولكنه حدث بها عيب عنده لم يكن له أن يردها في قول أبي حنيفة ولكنه يرجع بفضل ما بين العيب والصحة وبه يأخذ صاحبه، وكان ابن أبي ليلى يقول يردها ويرد ما نقصها العيب الذي حدث عنده
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الجارية ثيبا فأصابها، ثم ظهر منها على عيب كان عند البائع كان له ردها لأن الوطء لا ينقصها شيئا وإنما ردها بمثل الحال التي أخذها بها، وإذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخراج بالضمان ورأينا الخدمة كذلك كان الوطء أقل ضررا عليها من خدمة، أو خراج لو أدته بالضمان وإن كانت بكرا فأصابها فيما دون الفرج ولم يفتضها فكذلك وإن افتضها لم يكن له ردها من قبل أنه قد نقصها بذهاب العذرة فلا يجوز له أن يردها ناقصة كما لم يكن يجوز عليه أن يأخذها ناقصة ويرجع بما نقصها العيب الذي دلس له من أصل الثمن الذي أعطى فيها إلا أن يشاء البائع أن يأخذها ناقصة فيكون ذلك له إلا أن يشاء المشتري أن يحبسها معيبة ولا يرجع بشيء من العيب ولا نعلمه ثبت عن عمر ولا علي ولا خلافهما أنه قال خلاف هذا القول.
وإذا اشترى الجارية فوطئها فاستحقها رجل فقضى له بها القاضي فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول على الواطئ مهر مثلها على مثل ما يتزوج به الرجل مثلها يحكم به ذوا عدل ويرجع بالثمن على الذي باعه ولا يرجع بالمهر وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول على الواطئ المهر على ما ذكرت لك من قوله ويرجع على البائع بالثمن، والمهر؛ لأنه قد غره منها فأدخل عليه بعضهم فقال وكيف يرجع عليه في قول ابن أبي ليلى بما أحدث وهو الذي وطئ؟ أرأيت لو باعه ثوبا فخرقه، أو أهلكه فاستحقه رجل وضمنه بالقيمة أليس إنما يرجع على البائع بالثمن وإن كانت القيمة أكثر منه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها، ثم استحقها رجل أخذها ومهر مثلها من الواطئ ولا وقت لمهر مثلها إلا ما ينكح به مثلها ويرجع المشتري على البائع بثمن الجارية الذي قبض منه ولا يرجع بالمهر الذي أخذه رب الجارية منه؛ لأنه كشيء استهلكه هو فإن قال قائل من أين قلت هذا؟ قيل له لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرأة تزوج بغير إذن وليها أن نكاحها باطل وأن لها إن أصيبت المهر كانت الإصابة بشبهة توجب المهر ولا يكون للمصيب الرجوع على من غره؛ لأنه هو الآخذ للإصابة، ولو كان يرجع به على من غره لم يكن للمرأة عليه مهر؛ لأنها قد تكون غارة له فلا يجب لها ما يرجع به عليها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الجارية قد دلس له فيها بعيب علمه البائع، أو لم يعلمه فسواء في الحكم، والبائع أثم في التدليس إن كان عالما فإن حدث بها عند المشتري عيب، ثم اطلع على العيب الذي دلس له لم يكن له ردها وإن كان العيب الذي حدث بها عنده أقل عيوب الرقيق، وإذا كان مشتريا فكان له أن يردها بأقل العيوب؛ لأن البيع لا يلزمه في معيب إلا أن يشاء فكذلك عليه للبائع مثل ما كان له على البائع ولا يكون له أن يرد على البائع بعد العيب الذي حدث في ملكه كما لم يكن للبائع أن يلزمه البيع وفيه عيب كان في ملكه وهذا معنى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه «قضى أن يرد العبد بالعيب وللمشتري إذا حدث العيب عنده» أن يرجع بما نقصها العيب الذي دلس له البائع ورجوعه به كما أصف لك أن تقوم الجارية سالمة من العيب فيقال قيمتها مائة، ثم تقوم
وبها العيب فيقال قيمتها تسعون وقيمتها يوم قبضها المشتري من البائع؛ لأنه يومئذ تم البيع، ثم يقال له ارجع بعشر ثمنها على البائع كائنا ما كان قل، أو كثر فإن اشتراها بمائتين رجع بعشرين وإن كان اشتراها بخمسين رجع بخمسة إلا أن يشاء البائع أن يأخذها معيبة بلا شيء يأخذه من المشتري فيقال للمشتري سلمها إن شئت وإن شئت فأمسكها ولا ترجع بشيء.
، وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضي أحدهما بالعيب ولم يرض الآخر فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ليس لواحد منهما أن يرد حتى يجتمعا على الرد جميعا، وكان ابن أبي ليلى يقول لأحدهما أن يرد حصته وإن رضي الآخر بالعيب وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجلان الجارية صفقة واحدة من رجل فوجدا بها عيبا فأراد أحدهما الرد، والآخر التمسك فللذي أراد الرد الرد وللذي أراد التمسك التمسك؛ لأن موجودا في بيع الاثنين أنه باع كل واحد منهما النصف فالنصف لكل واحد كالكل لو باعه كما لو باع لأحدهما نصفها وللآخر نصفها، ثم وجدا بها عيبا كان لكل واحد منها رد النصف والرجوع بالثمن الذي أخذ منه، وكان لكل واحد منهما أن يمسك وإن رد صاحبه.
، وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نخل وفيه ثمر ولم يشترط شيئا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول الثمر للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري.
وكذلك بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول «من اشترى نخلا له ثمر مؤبر فثمره للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري ومن اشترى عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري» وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الثمرة للمشتري وإن لم يشترط لأن ثمرة النخل من النخل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل من الرجل النخل قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط ذلك المبتاع وإن كانت لم تؤبر فثمرتها للمشتري؛ لأن ثمرها غير منكشف إلا في وقت الإبار، والإبار حين يبدو الانكشاف وما لم يبد الانكشاف في الثمر فهو كالجنين في بطن أمه يملكه من ملك أمه، وإذا بدا منه الانكشاف كان كالجنين قد زايل أمه وهذا كله في معنى السنة فإن اشترى عنبا، أو تينا، أو ثمرا أي ثمر ما كان بعدما طلع صغيرا كان، أو كبيرا فالثمرة للبائع، وذلك أنها منكشفة لا حائل دونها في مثل معنى النخل المؤبر، وهكذا إذا باع عبدا له مال فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع وهذا كله مثل السنة نصا، أو شبيه بمعناها لا يخالفه
[مسائل في البيع]
[باب الاختلاف في العيب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية، أو الدابة، أو الثوب، أو غير ذلك فوجد المشتري به عيبا وقال بعتني وهذا العيب به فأنكر ذلك البائع فعلى المشتري البينة فإن لم تكن له بينة فعلى البائع اليمين بالله لقد باعه وما هذا العيب به فإن قال البائع أنا أرد اليمين عليه فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا أرد اليمين عليه ولا يحولها عن الموضع الذي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول مثل قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - إلا أنه إذا اتهم المدعي رد اليمين عليه فيقال احلف وردها فإن أبى أن يحلف لم يقبل منه وقضى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الدابة، أو الثوب، أو أي بيع ما كان فوجد المشتري به عيبا فاختلف المشتري، والبائع فقال البائع حدث عندك وقال المشتري، بل عندك فإن كان عيبا يحدث مثله بحال فالقول قول البائع مع يمينه على البت بالله لقد باعه وما هذا العيب به إلا أن يأتي المشتري على
دعواه ببينة، فتكون البينة أولى من اليمين وإن نكل البائع رددنا اليمين على المشتري اتهمناه، أو لم نتهمه فإن حلف رددنا على السلعة بالعيب وإن نكل عن اليمين لم نرددها عليه ولم نعطه بنكول صاحبه فقط إنما نعطيه بالنكول إذا كان مع النكول يمينه، فإن قال قائل ما دل على ما ذكرت؟ قيل قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصاريين بالأيمان يستحقون بها دم صاحبهم فنكلوا ورد الأيمان على يهود يبرءون بها، ثم رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الأيمان على المدعى عليهم الدم يبرءون بها فنكلوا فردها على المدعين ولم يعطهم بالنكول شيئا حتى رد الأيمان وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النص المفسرة تدل على سنته الجملة، وكذلك قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» ، ثم قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذلك جملة دل عليها نص حكم كل واحدة منهما والذي قال لا يعدو باليمين المدعى عليهم يخالف هذا فيكثر ويحمل الحديث ما ليس فيه، وقد وضعنا هذا في كتاب الأقضية، واليمين بين المتبايعين على البت فيما تبايعا فيه.
، وإذا باع الرجل بيعا فبرئ من كل عيب فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول البراءة من كل ذلك جائزة ولا يستطيع المشتري أن يرده بعيب كائنا ما كان، ألا ترى أنه لو أبرأه من الشجاج برئ من كل شجة، ولو أبرأه من القروح برئ من كل قرحة وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يبرأ من ذلك حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها ولم يذكر أن يضع يده عليها.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا باع الرجل العبد، أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب فالذي نذهب إليه - والله تعالى أعلم - قضاء عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - أنه برئ من كل عيب لم يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه ولم يسمه البائع ويقفه عليه وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا وأن فيه معنى من المعاني يفارق فيه الحيوان ما سواه، وذلك أن ما كانت فيه الحياة فكان يتغذى بالصحة والسقم وتحول طبائعه قلما يبرأ من عيب يخفى، أو يظهر فإذا خفى على البائع أبرئه ببرئه منه فإذا لم يخف عليه فقد وقع اسم العيوب على ما نقصه يقل ويكثر ويصغر ويكبر وتقع التسمية على ذلك فلا يبرئه منه إلا أن يقفه عليه وإن أصح في القياس لولا التقليد وما وصفنا من تفريق الحيوان غيره لأن لا يبرأ من عيب كان به لم يره صاحبه ولكن التقليد وما وصفنا أولى بما وصفناه.
، وإذا اشترى الرجل دابة، أو خادما، أو دارا، أو ثوبا، أو غير ذلك فادعى فيه رجل دعوى ولم يكن للمدعي على دعواه بينة فأراد أن يستحلف المشتري الذي في يديه ذلك المتاع على دعواه فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول اليمين عليه ألبتة بالله ما لهذا فيه حق وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول عليه أن يحلف بالله ما يعلم أن لهذا فيه حقا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : اليمين عليه بالبت ما لهذا فيه حق ويسعه ذلك إذا لم يكن يعلم لهذا فيه حقا وهكذا عامة الأيمان والشهادات.
، وإذا اشترى المشتري بيعا على أن البائع بالخيار شهرا، أو على أن المشتري بالخيار شهرا فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول البيع فاسد ولا يكون الخيار فوق ثلاثة أيام بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول «من اشترى شاة محفلة فهو بخير النظرين ثلاثة أيام إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر، أو صاعا من شعير» فجعل الخيار كله على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابن أبي ليلى يقول الخيار جائز شهرا كان، أو سنة وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل العبد، أو أي سلعة ما اشترى على أن البائع بالخيار، أو المشتري، أو هما معا إلى مدة يصفانها فإن كانت المدة ثلاثا، أو أقل فالبيع جائز وإن كانت أكثر من ذلك بطرفة عين فأكثر فالبيع منتقض فإن قال قائل وكيف جاز الخيار ثلاثا ولم يجز أكثر من ثلاث؟ قيل لولا الخبر عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاز أن يكون الخيار بعد تفرق المتبايعين ساعة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل لهما الخيار إلى أن يتفرقا، وذلك أن رجلا لا يجوز أن يدفع ماله إلى البائع ويدفع البائع جاريته للمشتري فلا يكون للبائع الانتفاع بثمن سلعته ولا للمشتري أن ينتفع بجاريته، ولو زعمنا أن لهما أن ينتفعا زعمنا أن عليهما إن شاء أحدهما أن يرد رد فإذا كان من أصل مذهبنا أنه لا يجوز أن أبيع الجارية على أن لا يبيعها صاحبها لأني إذا شرطت عليه هذا فقد نقصته من الملك شيئا ولا يصلح أن أملكه بعوض آخذه منه إلا ما ملكه عليه تام فقد نقصته بشرط الخيار كل الملك حتى حظرته عليه وأصل البيع على الخيار لولا الخبر كان ينبغي أن يكون فاسدا؛ لأنا نفسد البيع بأقل منه مما ذكرت فلما شرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «في المصراة خيار ثلاث بعد البيع» وروي عنه - عليه الصلاة والسلام - «أنه جعل لحبان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع» انتهينا إلى ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخيار ولم نجاوزه إذا لم يجاوزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولك أن أمره به يشبه أن يكون كالحد لغايته من قبل أن المصراة قد تعرف تصريتها بعد أول حلبة في يوم وليلة وفي يومين حتى لا يشك فيها فلو كان الخيار إنما هو ليعلم استبانة عيب التصرية أشبه أن يقال له الخيار حتى يعلم أنها مصراة طال ذلك، أو قصر كما يكون له الخيار في العيب إذا علمه بلا وقت طال ذلك، أو قصر، ولو كان خيار حبان إنما كان لاستشارة غيره أمكنه أن يستشيره في مقامه وبعده بساعة وأمكن فيه أن يدع الاستشارة دهرا فكان الخبر دل على أن خيار ثلاث أقصى غاية الخيار فلم يجز لنا أن نجاوزه ومن جاوزه كان عندنا مشترطا بيعا فاسدا
(قال) : وإذا اشترى الرجل بيعا على أن البائع بالخيار يوما وقبضه المشتري فهلك عنده فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول المشتري ضامن بالقيمة لأنه أخذه على بيع وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو أمين في ذلك لا شيء عليه فيه، ولو أن الخيار كان للمشتري فهلك عنده فهو عليه بثمنه الذي اشتراه به في قولهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا باع الرجل العبد بالخيار ثلاثا، أو أقل وقبضه فمات العبد في يدي المشتري فهو ضامن لقيمته وإنما منعنا أن نضمنه ثمنه أن البيع لم يتم فيه ومنعنا أن نطرح الضمان عنه أنه لم يأخذه إلا على بيع يأخذ من المشتري به عوضا فلا نجعل البيع إلا مضمونا ولا وجه لأن يكون أمينا فيه إنما يكون الرجل أمينا فيما لا يملك ولا ينتفع به منفعة عاجلة ولا آجلة وإنما يمسكه لمنفعة ربه لا لمنفعة نفسه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وسواء في ذلك كان الخيار للبائع، أو المشتري؛ لأن البيع لم يتم فيه حتى مات.
وإذا اشترى الرجل الجارية فباع نصفها ولم يبع النصف الآخر، ثم وجد بها عيبا قد كان البائع دلسه له فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا يستطيع أن يرد ما بقي منها ولا يرجع بما نقصها العيب، ويقول رد الجارية كلها كما أخذتها وإلا فلا حق لك وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول يرد ما في يده منها على البائع بقدر ثمنها، وكذلك قولهما في الثياب وفي كل بيع
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه -، وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية، أو الثوب، أو السلعة فباع نصفها من رجل، ثم ظهر منها على عيب دلسه البائع لم يكن له أن يرد النصف بحصته من الثمن على البائع ولا يرجع عليه بشيء من نقص العيب من أصل الثمن ويقال له ردها كما هي، أو احبس وإنما يكون له أن يرجع بنقص العيب إذا ماتت الجارية، أو أعتقت
فصارت لا ترد بحال، أو حدث بها عنده عيب فصار ليس له أن يردها عليه بحال فأما إذا باعها، أو باع بعضها فقد يمكن أن يردها، وإذا أمكن أن يردها فيلزم ذلك البائع لم يكن له أن يردها ويرجع بنقص العيب كما لا يكون له أن يمسكها بيده ويرجع بنقص العيب
(قال) : وإذا اشترى الرجل عبدا واشترط فيه شرطا أن يبيعه من فلان، أو يهبه لفلان، أو على أن يعتقه فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول البيع في هذا فاسد وبه يأخذ، وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - نحو من ذلك، وكان ابن أبي ليلى يقول البيع جائز والشرط باطل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا باع الرجل الرجل العبد على أن لا يبيعه من فلان، أو على أن لا يستخدمه، أو على أن ينفق عليه كذا، أو على أن يخارجه فالبيع فيه كله فاسد؛ لأن هذا كله غير تمام ملك ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ولفراق العتق لما سواه فنقول إن اشتراه منه على أن يعتقه فأعتقه فالبيع جائز فإن قال رجل ما فرق بين العتق وغيره قيل قد يكون لي نصف العبد فأهبه وأبيعه وأصنع فيه ما شئت غير العتق فلا يلزمني ضمان نصيب شريكي فيه ولا يخرج نصيب شريكي من يده لأن كلا مالك لما ملك فإن أعتقته وأنا موسر عتق على نصيب شريكي الذي لا أملك ولم أعتق وضمنت قيمته وخرج من يدي شريكي بغير أمره وأعتق الحمل فتلده لأقل من ستة أشهر فيقع عليه العتق، ولو بعته لم يجز البيع مع خلافه لغيره في هذا وفي أم الولد، والمكاتب وما سواهما
(قال) : وإذا كان لرجل على رجل مال من بيع فحل المال فأخره عنه إلى أجل آخر فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول تأخيره جائز وهو إلى الأجل الآخر الذي أخره عنه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح منهما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان للرجل على الرجل مال حال من سلف، أو من بيع، أو أي وجه كان فأنظره صاحب المال بالمال إلى مدة من المدد كان له أن يرجع في النظرة متى شاء، وذلك أنها ليست بإخراج شيء من ملكه إلى الذي عليه الدين ولا شيئا أخذ منه به عوضا فنلزمه إياه للعوض الذي يأخذه منه، أو نفسده ويرد العوض ولا فرق بين السلف وبين البيع إلا أن يتفاسخا في البيع، والمبيع قائم فيجعلانه بيعا غيره بنظرة، أو يتداعيان فيه دعوى فيصيرانه بيعا مستأنفا إلى أجل فيلزمهما البيع الذي أحدثاه.
ولو أن رجلا كان له على رجل مال فتغيب عنه المطلوب حتى حط عنه بعض ذلك المال على أن يعطيه بعضه، ثم ظهر له بعد فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ما حط عنه من ذلك المال فهو جائز.
وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع فيما حط عنه لأنه تغيب عنه وبه يأخذ، ولو أن الطالب قال إن ظهر لي فله مما عليه كذا، وكذا لم يكن قوله هذا يوجب عليه شيئا في قولهم جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تغيب الرجل عليه الدين من الرجل فحط عنه وهو متغيب شيئا وأخذ منه البقية، ثم قال إنما حططت عنه للتغيب فليس له أن يرجع فيما حط
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|