عرض مشاركة واحدة
  #297  
قديم 09-09-2024, 01:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (297)
صــــــــــ 115 الى صـــــــــــ 121





فيه شفعة إنما هذا نكاح أرأيت لو طلقها قبل أن يدخل بها كم للشفيع منها وبم يأخذ بالقيمة، أو بالمهر، وكذلك إذا اختلعت بشقص من دار في قولهما جميعا
(قال الشافعي) : وإذا تزوج الرجل المرأة بنصيب من دار غير مقسومة فأراد شريك المتزوج الشفعة أخذها بقيمة مهر مثلها، ولو طلقها قبل أن يدخل بها كانت الشفعة تامة كان للزوج الرجوع بنصف ثمن الشفعة، وكذلك لو اختلعت بشقص من دار ولا يجوز أن يتزوجها بشقص إلا أن يكون معلوما محسوبا فيتزوجها بما قد علمت من الصداق فإن تزوجها على شقص غير محسوب ولا معلوم كان لها صداق مثلها ولم يكن فيه شفعة؛ لأنه مهر مجهول فيثبت النكاح وينفسخ المهر ويرد إلى ربه ويكون لها صداق مثلها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل دارا وبنى فيها بناء، ثم جاء الشفيع يطلبها بالشفعة فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول يأخذ الشفيع الدار ويأخذ صاحب البناء النقض وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يجعل الدار ولا بناء للشفيع ويجعل عليه قيمة البناء وثمن الدار الذي اشتراها به صاحب البناء وإلا فلا شفعة له.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا اشترى الرجل نصيبا من دار، ثم قاسم فيه وبنى، ثم طلبه الشفيع بالشفعة قيل له: إن شئت فأد الثمن الذي اشتراه به وقيمة البناء اليوم وإن شئت فدع الشفعة لا يكون له إلا هذا؛ لأنه بنى غير متعد فلا يكون عليه هدم ما بنى، وإذا اشترى الرجل أرضا، أو دارا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لصاحب الشفعة الشفعة حين علم فإن طلب الشفعة وإلا فلا شفعة له وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو بالخيار ثلاثة أيام بعد علمه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا بيع شقص من الدار والشفيع حاضر عالم فطلب مكانه فله الشفعة وإن أخر الطلب فذكر عذرا من مرض، أو امتناع من وصول إلى السلطان، أو حبس سلطان، أو ما أشبهه من العذر كان على شفعته ولا وقت في ذلك إلا أن يمكنه وعليه اليمين ما ترك ذلك رضي بالتسليم للشفعة ولا تركا لحقه فيه فإن كان غائبا فالقول فيه كهو في معنى الحاضر إذا أمكنه الخروج، أو التوكيل ولم يكن له حابس فإن ترك ذلك انقطعت شفعته، وإذا أخذ الرجل الدار بالشفعة من المشتري ونقده الثمن فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول العهدة على المشتري الذي أخذ المال وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول العهدة على البائع؛ لأن الشفعة وقعت يوم اشترى المشتري للشفيع (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - فإذا أخذ الرجل الشقص بالشفعة من المشتري فعهدته على المشتري الذي أخذ منه وعهدة المشتري على بائعه إنما تكون العهدة على من قبض المال وقبض منه المبيع، ألا ترى أن البائع الأول ليس بمالك، ولو أبرأ الآخذ بالشفعة من الثمن لم يبرأ، ولو كان تبرأ إلى المشتري منه من عيب لم يعلم به المستشفع فإن علم المستشفع بعد أخذه بالشفعة كان له رده
وإذا كانت الشفعة لليتيم فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول له الشفعة فإن كان له وصي أخذها بالشفعة وإن لم يكن له وصي كان على شفعته إذا أدرك فإن لم يطلب الوصي الشفعة بعد علمه فليس لليتيم شفعة إذا أدرك، وكذلك الغلام إذا كان أبوه حيا وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا شفعة للصغير وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - الشفعة للشريك الذي لم يقاسم وهي بعده للشريك الذي قاسم والطريق واحدة بينهما وهي بعده للجار الملاصق، وإذا اجتمع الجيران، وكان التصاقهم سواء فهم شركاء في الشفعة، وكان ابن أبي ليلى يقول بقول أبي حنيفة حتى كتب إليه أبو العباس أمير المؤمنين يأمره أن لا يقضي بالشفعة إلا للشريك الذي لم يقاسم فأخذ بذلك، وكان لا يقضي إلا للشريك الذي لم يقاسم وهذا قول أهل الحجاز، وكذلك بلغنا عن علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
(قال الشافعي) :

رضي الله تعالى عنه - وإذا بيع الشقص من الدار ولليتيم فيه شفعة، أو الغلام في حجر أبيه فلولي اليتيم، والأب أن يأخذا للذي يليان بالشفعة إن كانت غبطة فإن لم يفعلا فإذا بلغا أن يليا أموالهما كان لهما الأخذ بالشفعة فإذا علما بعد البلوغ فتركا الترك الذي لو أحدث البيع في تلك الحال فتركاه انقطعت شفعتهما فقد انقطعت شفعتهما ولا شفعة إلا فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
، وكذلك لو اقتسموا الدار، والأرض وتركوا بينهم طريقا، أو تركوا بينهم مشربا لم تكن شفعة ولا نوجب الشفعة فيما قسم بشرك في طريق ولا ماء، وقد ذهب بعض أهل البصرة إلى جملة قولنا فقالوا لا شفعة إلا فيما بين القوم الشركاء فإذا بقيت بين القوم طريق مملوكة لهم، أو مشرب مملوك لهم فإن كانت الدار، والأرض مقسومة ففيها شفعة لأنهم شركاء في شيء من الملك ورووا حديثا عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيها بهذا المعنى أحسبه يحتمل شبيها بهذا المعنى ويحتمل خلافه قال «الجار أحق بسقبه إذا كانت الطريق واحدة» وإنما منعنا من القول بهذا أن أبا سلمة وأبا الزبير سمعا جابرا وأن بعض حجازيينا يروي عن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفعة شيئا ليس فيه هذا وفيه خلافه، وكان اثنان إذا اجتمعا على الرواية عن جابر، وكان الثالث يوافقهما أولى بالتثبت في الحديث إذا اختلف عن الثالث، وكان المعنى الذي به منعنا الشفعة فيما قسم قائما في هذا المقسوم ألا ترى أن الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة» ولا يجد أحد قال بهذا القول مخرجا من أن يكون قد جعل الشفعة فيما وقعت فيه الحدود فإن قال فإني إنما جعلتها فيما وقعت فيه الحدود لأنه قد بقي من الملك شيء لم تقع فيه الحدود قيل فيحتمل ذلك الباقي أن يجعل فيه الشفعة فإن احتمل فاجعلها فيه ولا تجعلها فيما وقعت فيه الحدود فتكون قد اتبعت الخبر وإن لم يحتمل فلا تجعل الشفعة في غيره وقال بعض المشرقيين الشفعة للجار وللشريك إذا كان الجار ملاصقا، أو كانت بين الدار المبيعة والدار التي له فيها الشفعة رحبة ما كانت إذا لم يكن فيها طريق نافذة وإن كان فيها طريق نافذة وإن ضاقت فلا شفعة للجار قلنا لبعض من يقول هذا القول على أي شيء اعتمدتم؟ قال على الأثر أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «الجار أحق بسقبه» فقيل له فهذا لا يخالف حديثنا ولكن هذا جملة وحديثنا مفسر قال وكيف لا يخالف حديثكم؟ قلنا الشريك الذي لم يقاسم يسمى جارا ويسمى المقاسم ويسمى من بينك وبينه أربعون دارا فلم يجز في هذا الحديث إلا ما قلنا من أنه على بعض الجيران دون بعض فإذا قلناه لم يجز ذلك لنا على غيرنا إلا بدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة» دل هذا على أن قوله في الجملة «الجار أحق بسقبه» على بعض الجيران دون بعض وأنه الجار الذي لم يقاسم، فإن قال وتسمي العرب الشريك جارا قيل نعم كل من قارب بدنه بدن صاحبه قيل له: جار قال فادللني على هذا قيل له قال
حمل بن مالك بن النابغة «كنت بين جارتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة» وقال الأعشى لامرأته:
أجارتنا بيني فإنك طالقه
فقيل له فأنت إذا قلت هو خاص على بعض الجيران دون بعض لم تأت فيه بدلالة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تجعله على من لزمه اسم الجوار وحديث إبراهيم بن ميسرة لا يحتمل إلا أحد المعنيين، وقد خالفتهما معا، ثم زعمت أن الدار تباع وبينها وبين دار الرجل رحبة فيها ألف ذراع فأكثر إذا لم يكن فيها طريق نافذة فيكون فيها الشفعة وإن كانت بينهما طريق نافذة عرضها ذراع لم تجعل فيها الشفعة فجعلت الشفعة لأبعد الجارين ومنعتها أقربهما وزعمت أن من أوصى لجيرانه قسمت وصيته على من كان بين داره وداره أربعون دارا فكيف لم تجعل الشفعة على ما قسمت عليه الوصية إذا خالفت حديثنا وحديث إبراهيم بن ميسرة الذي احتججت به؟ قال فهل قال بقولكم أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قلنا نعم ولا يضرنا بعد إذ ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقول به أحد قال، فمن قال به؟ قيل عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وعثمان - رضي الله تعالى عنه - وقال بعض التابعين عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - عليه وغيره.
وإذا اشترى الرجل الدار وسمى أكثر مما أخذها به فسلم ذلك الشفيع، ثم علم بعد ذلك أنه أخذها بدون ذلك فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هو على شفعته؛ لأنه إنما سلم بأكثر من الثمن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول لا شفعة له؛ لأنه قد سلم ورضي أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس، وعن الحكم عن يحيى عن علي أنهما قالا لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الجار أحق بسقبه ما كان» أبو حنيفة عن أبي أمية عن المسور بن مخرمة، أو عن سعد بن مالك قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الجار أحق بسقبه»
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : واذا اشترى الرجل النصيب من الدار فقال أخذته بمائة فسلم ذلك الشفيع، ثم علم الشفيع بعد أنه أخذه بأقل من المائة فله حينئذ الشفعة وليس تسليمه بقاطع شفعته إنما سلمه على ثمن فلما علم ما هو دونه كان له الأخذ بالشفعة، ولو علم بعد أن الثمن أكثر من الذي سلمه به لم يكن له شفعة من قبل أنه إذا سلمه بالأقل كان الأكثر أولى أن يسلمه به.
[باب المزارعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أعطى الرجل الرجل أرضا مزارعة بالنصف، أو الثلث، أو الربع، أو أعطى نخلا، أو شجرا معاملة بالنصف، أو أقل من ذلك، أو أكثر فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هذا كله باطل لأنه استأجره بشيء مجهول يقول أرأيت لو لم يخرج من ذلك شيء أليس كان عمله ذلك بغير أجر، وكان ابن أبي ليلى يقول ذلك كله جائز بلغنا «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أعطى خيبر بالنصف» فكانت كذلك حتى قبض وخلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - وعامة خلافة عمر وبه يأخذ وإنما قياس هذا عندنا مع الأثر، ألا ترى أن الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة بالنصف ولا
بأس بذلك، وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -، وعن عبد الله بن مسعود، وعن عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - أنهم أعطوا مالا مضاربة وبلغنا عن سعد بن أبي وقاص، وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنهما - أنهما كانا يعطيان أرضهما بالربع والثلث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا دفع الرجل إلى الرجل النخل، أو العنب يعمل فيه على أن للعامل نصف الثمرة، أو ثلثها، أو ما تشارطا عليه من جزء منها فهذه المساقاة الحلال التي عامل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر
، وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوعة إليه فما أخرج الله منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة، والمخابرة، والمزارعة التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحللنا المعاملة في النخل خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرمنا المعاملة في الأرض البيضاء خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن تحريم ما حرمنا بأوجب علينا من إحلال ما أحللنا ولم يكن لنا أن نطرح بإحدى سنتيه الأخرى ولا نحرم بما حرم ما أحل كما لا نحل بما أحل ما حرم ولم أر بعض الناس سلم من خلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - من واحد من الأمرين لا الذي أحلهما جميعا ولا الذي حرمهما جميعا فأما ما روي عن سعد وابن مسعود أنهما دفعا أرضهما مزارعة فما لا يثبت هو مثله ولا أهل الحديث، ولو ثبت ما كان في أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة وأما قياسه وما أجاز من النخل، والأرض على المضاربة فعهدنا بأهل الفقه يقيسون ما جاء عمن دون النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما أن يقاس سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على خبر واحد من الصحابة كأنه يلتمس أن يثبتها بأن توافق الخبر عن أصحابه فهذا جهل إنما جعل الله عز وجل للخلق كلهم الحاجة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أيضا يغلط في القياس، إنما أجزنا نحن المضاربة، وقد جاءت عن عمر وعثمان أنها كانت قياسا على المعاملة في النخل فكانت تبعا قياسا لا متبوعة مقيسا عليها، فإن قال قائل فكيف تشبه المضاربة المساقاة؟ قيل النخل قائمة لرب المال دفعها على أن يعمل فيها المساقي عملا يرجى به صلاح ثمرها على أن له بعضها فلما كان المال المدفوع قائما لرب المال في يدي من دفع إليه يعمل فيه عملا يرجو به الفضل جاز له أن يكون له بعض ذلك الفضل على ما تشارطا عليه، وكان في مثل المساقاة فإن قال فلم لا يكون هذا في الأرض؟ قيل الأرض ليست بالتي تصلح فيؤخذ منه الفضل إنما يصلح فيها شيء من غيرها وليس بشيء قائم يباع ويؤخذ فضله كالمضاربة ولا شيء مثمر بالغ فيؤخذ ثمره كالنخل وإنما هو شيء يحدث فيها، ثم بتصرف لا في معنى واحد من هذين فلا يجوز أن يكون قياسا عليها وهو مفارق لها في المبتدإ، والمتعقب، ولو جاز أن يكون قياسا ما جاز أن يقاس شيء نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحل به شيء حرمه كما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المفسد للصوم بالجماع رقبة فلم يقس عليها المفسد للصلاة بالجماع وكل أفسد فرضا بالجماع.
[باب الدعوى والصلح]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ادعى الرجل الدعوى قبل رجل في دار، أو دين، أو غير ذلك فأنكر ذلك المدعى عليه الدعوى، ثم صالحه من الدعوى وهو منكر لذلك فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول في هذا جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى لا يجيز الصلح على الإنكار، وكان أبو حنيفة يقول كيف لا يجوز هذا وأجوز ما يكون الصلح على الإنكار، وإذا وقع الإقرار لم يقع الصلح
(قال الشافعي) :

رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى فأنكر المدعى عليه، ثم صالح المدعي من دعواه على شيء وهو منكر فالقياس أن يكون الصلح باطلا من قبل أنا لا نجيز الصلح إلا بما تجوز به البيوع من الأثمان الحلال المعروفة فإذا كان هذا هكذا عندنا وعند من أجاز الصلح على الإنكار كان هذا عوضا، والعوض كله ثمن ولا يصلح أن يكون العوض إلا بما تصادقا عليه المعوض، والمعوض إلا أن يكون في هذا أثر يلزم فيكون الأثر أولى من القياس ولست أعلم فيه أثرا يلزم مثله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبه أقول، وإذا صالح الرجل الطالب عن المطلوب، والمطلوب متغيب فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول الصلح جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الصلح مردود لأن المطلوب متغيب عن الطالب، وكذلك لو أخر عنه دينا عليه وهو متغيب كان قولهما جميعا على ما وصفت لك.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه -، وإذا صالح الرجل عن الرجل، والمصالح عنه غائب، أو أنظره صاحب الحق وهو غائب فذلك كله جائز ولا أبطل بالتغيب شيئا أجيزه في الحضور؛ لأن هذا ليس من معاني الإكراه الذي أرده
وإذا صالح الرجل الرجل، أو باع بيعا، أو أقر بدين فأقام البينة أن الطالب أكرهه على ذلك فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ذلك كله جائز ولا أقبل منه بينة أنه أكرهه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل البينة على الإكراه وأرد ذلك عليه وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا كان الإكراه في موضع أبطل فيه الدم قبلت البينة على الإكراه وتفسير ذلك أن رجلا لو شهر على رجل سيفا فقال لتقرن، أو لأقتلنك فقال أقبل منه البينة على الإكراه وأبطل عنه ذلك الإقرار
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أكره الرجل الرجل على بيع، أو إقرار، أو صدقة، ثم أقام المكره البينة أنه فعل ذلك كله وهو مكره أبطلت هذا كله عنه، والإكراه ممن كان أقوى من المكره في الحال التي يكرهه فيها التي لا مانع له فيها من إكراهه ولا يمتنع هو بنفسه سلطانا كان، أو لصا، أو خارجيا، أو رجلا في صحراء، أو في بيت مغلق على من هو أقوى منه، وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما بحق صاحب بعدما قاما من عند القاضي وقامت عليه بذلك بينة وهو يجحد ذلك فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ذلك جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا إقرار لمن خاصم إلا عندي ولا صلح لهما إلا عندي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما عند القاضي في مجلس الحكم، أو غير مجلسه، أو علم القاضي فإن ثبت لأحدهما على الآخر حق قبل الحكم، أو بعده فالقول فيه واحد من قولين من قال يقضي القاضي بعلمه؛ لأنه إنما يقضي بشاهدين على أنه عالم في الظاهر أن ما شهدا به كما شهدا قضى بهذا، وكان علمه أولى من شهادة شاهدين وشهود كثيرة؛ لأنه لا يشك في علمه ويشك في شهادة الشاهدين ومن قال القاضي كرجل من الناس قال إن حكم بينهما لم يكن شاهدا وكلف الخصم شاهدين غيره، وكان حكمه كحكم من لم يسمع شيئا ولم يعلمه وهذا قول شريح قد جاءه رجل يعلم له حقا فسأله أن يقضي له به فقال ائتني بشاهدين إن كنت تريد أن أقضي لك قال أنت تعلم حقي قال فاذهب إلى الأمير فاشهد لك ومن قال هذا قال إن الله عز وجل تعبد الخلق بأن تؤخذ منهم الحقوق إذا تجاحدوا بعدد بينة فلا تؤخذ بأقل منها ولا تبطل إذا جاءوا بها وليس الحاكم على يقين من أن ما شهدت به البينة كما شهدت، وقد يكون ما هو أقل منها عددا أزكى فلا يقبل وما تم العدد أنقص من الزكاة فيقبلون إذا وقع عليهم أدنى اسم العدل ولم يجعل للحاكم أن يأخذ بعلمه كما لم يجعل له أن يأخذ بعلم واحد غيره ولا أن يكون شاهدا حاكما في أمر واحد كما لم يكن له أن يحكم لنفسه لو علم أن حقه حق (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي أنه يحكم بعلمه؛ لأن علمه أكبر من تأدية
الشاهدين الشهادة إليه وإنما كره إظهار ذلك لئلا يكون القاضي غير عدل فيذهب بأموال الناس.
وإذا اصطلح الرجلان على حكم يحكم بينهما فقضى بينهما بقضاء مخالف لرأي القاضي فارتفعا إلى ذلك القاضي فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ينبغي لذلك القاضي أن يبطل حكمه ويستقبل الحكم بينهما وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول حكمه عليهما جائز
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اصطلح الرجلان على أن يحكم الرجل بينهما في شيء يتنازعان فيه فحكم لأحدهما على الآخر فارتفعنا إلى القاضي فرأى خلاف ما يرى الحكم بينهما فلا يجوز في هذا إلا واحد من قولين إما أن يكون إذا اصطلحا جميعا على حكمه ثبت القضاء وافق ذلك قضاء القاضي، أو خالفه فلا يكون للقاضي أن يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم القاضي غيره من خلاف كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو شيء داخل في معناه وإما أن يكون حكمه بينهما كالفتيا فلا يلزم واحدا منهما شيء فيبتدئ القاضي النظر بينهما كما يبتدئه بين من لم يحاكم إلى أحد
[باب الصدقة والهبة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة، أو تصدقت، أو تركت له من مهرها، ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا أقبل بينتها وأمضي عليها ما فعلت من ذلك، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشيء، أو وضعت له من مهرها، أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله، وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوب له وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة، أو كانت جارية صغيرة فأصلحها، أو صنعها حتى شبت وأدركت فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا يرجع الواهب في شيء من ذلك ولا في كل هبة زادت عند صاحبها خيرا
، ألا ترى أنه قد حدث فيها في ملك الموهوبة له شيء لم يكن في ملك الواهب؟ أرأيت إن ولدت الجارية ولدا كان للواهب أن يرجع فيه ولم يهبه له ولم يملكه قط؟ وبهذا يأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع في ذلك كله وفي الولد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل للرجل جارية، أو دارا فزادت الجارية في يديه، أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر أنه وهب للثواب ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية أي حال ما كانت زادت خيرا، أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها، ثم طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ولا يهدمه ويقال له إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار، والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبني فيها صاحبها ولا يرجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها؛ لأنه مبنيا أكثر قيمة منه غير مبني، ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له؛ لأنه حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج، والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة، ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف الجارية إن أراد ذلك.
وإذا وهب الرجل جارية لابنه وابنه كبير وهو في عياله فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا تجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه وإن كان قد أدرك فهذه الهبة جائزة، وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا
وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله، أو لم يكن، وكذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهم - في البالغين، وعن عثمان أنه رأى أن الأب يحوز لولده ما كانوا صغارا وهذا يدل على أنه لا يحوز لهم إلا في حال الصغر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ولا تتم إلا بقبض المعطى.
وإذا وهب الرجل دارا لرجلين، أو متاعا، وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما منها حصته، وكان ابن أبي ليلى يقول الهبة جائزة وبه يأخذ، وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم، أو طعاما، أو ثيابا، أو عبدا لا ينقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع، وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم، أو لا تنقسم، أو عبدا لرجل وقبض جازت الهبة، وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبه يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أنه نحل عائشة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها - جذاذ عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة لأنها لم تكن قبضته، وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة، وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ولا يفسد الهبة أنها كانت لاثنين وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة، والقبض أن تكون كانت في يدي الواهب فصارت في يدي الموهوبة له لا وكيل معه فيها، أو يسلمها ربها ويخلي بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا، والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة.
وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا، أو أرضا، ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ذلك جائز ولا يكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء، وكان ابن أبي ليلى يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل الرجل شقصا من دار فقبضه، ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها لثواب كان فيها الشفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة، وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شيء وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا، وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شيء وهبه وهو معنى قول الشافعي.
وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول: الهبة في هذا باطلة لا تجوز وبه يأخذ (قال) : ولا تكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصيته، وكان ابن أبي ليلى يقول هي جائزة من
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]