
09-09-2024, 01:40 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,861
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (298)
صــــــــــ 122 الى صـــــــــــ 128
الثلث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات لم يكن للموهوبة له شيء، وكانت للورثة الحجاج بن أرطاة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة
الأعمش عن إبراهيم قال: الصدقة إذا علمت جازت، والهبة لا تجوز إلا مقبوضة، وكان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يأخذ بقول ابن عباس في الصدقة وهو قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وليس للواهب أن يرجع في الهبة إلا قبض منها عوضا قل، أو كثر
[باب في الوديعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فالقول قول رب الوديعة، والمستودع ضامن وبهذا يأخذ يعني أبا يوسف، وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه اليمين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فتصادقا عليها، ثم قال المستودع أمرتني أن أدفع الوديعة إلى رجل فدفعتها إليه وأنكر ذلك رب الوديعة فالقول قول رب الوديعة وعلى المستودع البينة بما ادعى، وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه فقال المستودع لا أدري أيكما استودعني هذه الوديعة وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما بينة فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول يعطيهما تلك الوديعة بينهما نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما؛ لأنه أتلف ما استودع بجهالته.
ألا ترى أنه لو قال هذا استودعنيها، ثم قال أخطأت، بل هو هذا كان عليه أن يدفع الوديعة إلى الذي أقر له بها أولا ويضمن للآخر مثل ذلك؛ لأن قوله أتلفه، وكذلك الأول إنما أتلفه هو بجهله وبهذا يأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول في الأول ليس عليه شيء، الوديعة، والمضاربة بينهما نصفان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت في يدي الرجل وديعة فادعاها رجلان كلاهما يزعم أنها له وهي مما يعرف بعينه مثل العبد، والبعير والدار فقال هي لأحدكما ولا أدري أيكما هو قيل لهما هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه؟ فإن قالا لا وقال كل واحد منهما هو لي أحلف بالله لا يدري لأيهما هو ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه، أو يقيم كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه له دونه، أو يحلفا فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له وإن نكلا معا فهو موقوف بينهما.
وفيها قول آخر يحتمل وهو أن يحلف الذي في يديه الوديعة، ثم تخرج من يديه ولا شيء عليه غير ذلك فتوقف لهما حتى يصطلحا عليه ومن قال هذا القول قال هذا شيء ليس في أيديهما فأقسمه بينهما والذي هو في يديه يزعم أنه لأحدهما لا لهما.
وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول هو ضامن لأنه خالف وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا، أودع الرجل الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن إن تلفت؛ لأن المستودع رضي بأمانته لا أمانة غيره ولم يسلطه على أن يودعها غيره، وكان متعديا ضامنا إن تلفت.
وإذا مات الرجل وعليه دين معروف وقبله وديعة بغير عينها فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول جميع ما ترك بين الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي للغرماء وليس لصاحب الوديعة؛ لأن الوديعة شيء مجهول ليس بشيء بعينه وقال أبو حنيفة فإن كانت الوديعة بعينها فهي لصاحب
الوديعة إذا علم ذلك، وكذلك قال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يموت وعنده الوديعة وعليه دين أنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة.
الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر وعطاء مثل ذلك.
الحجاج عن الحكم عن إبراهيم مثله.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر الوديعة بعينها، أو قامت عليه بينة وعليه دين محيط بماله كانت الوديعة لصاحبها فإن لم تعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت وعرف لها عدد، أو قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء.
[باب في الرهن]
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدي عدل برضا صاحبه فهلك من عند العدل وقيمته والدين سواء فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول الرهن بما فيه، وقد بطل الدين وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الدين على الراهن كما هو والرهن من ماله؛ لأنه لم يكن في يدي المرتهن إنما كان موضوعا على يدي غيره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا رهن الرجل الرهن فقبضه منه، أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يديه، أو في يدي العدل فسواء الرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شيء، وقد كتبنا في هذا كتابا طويلا.
وإذا مات الراهن وعليه دين والرهن على يدي عدل فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول المرتهن أحق بهذا الرهن من الغرماء وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الرهن بين الغرماء، والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم، وإذا كان الرهن في يدي المرتهن فهو أحق بها من الغرماء وقولهما جميعا فيه واحد
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا مات الراهن وعليه دين، وقد رهن رهنا على يدي صاحب الدين، أو يدي غيره فسواء، والمرتهن أحق بثمن هذا الرهن حتى يستوفي حقه منه فإن فضل فيه فضل كان الغرماء شرعا فيه وإن نقص عن الدين حاص أهل الدين بما يبقى له في مال الميت.
وإذا رهن الرجل الرجل دارا، ثم استحق منها شقص، وقد قبضها المرتهن فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول الرهن باطل لا يجوز وبهذا يأخذ حفظي عنه في كل رهن فاسد وقع فاسدا فصاحب المال أحق به حتى يستوفي ماله يباع لدينه، وكان ابن أبي ليلى يقول ما بقي من الدار فهو رهن بالحق وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا رهن الرجل الرجل دارا فقبضها المرتهن، ثم استحق من الدار شيء كان ما يبقى من الدار رهنا بجميع الدين الذي كانت الدار به رهنا، ولو ابتدأ نصيب شقص معلوم مشاع جاز ما جاز أن يكون بيعا جاز أن يكون رهنا، والقبض في الرهن مثل القبض في البيع لا يختلفان وهذا مكتوب في كتاب الرهن.
وإذا وضع الرجل الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الأجل، ثم مات الراهن فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول للعدل أن يبيع الرهن، ولو كان موت الراهن يبطل بيعه لأبطل الرهن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس له أن يبيع، وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء وللمسلط أن يبيعه في مرض الراهن ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وضع الراهن الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الحق فهو فيه وكيل فإذا حل الحق كان له أن يبيعه ما كان الراهن حيا فإذا مات لم يكن له البيع إلا بأمر السلطان، أو برضا الوارث؛ لأن الميت وإن رضي بأمانته في بيع
الرهن فقد تحول ملك الرهن لغيره من الورثة الذين لم يرضوا أمانته والرهن بحاله لا ينفسخ من قبل أن الورثة إنما ملكوا من الرهن ما كان له الراهن مالكا فإذا كان الراهن ليس له أن يفسخه كان كذلك الوارث، والوكالة ببيعه غير الرهن الوكالة لو بطلت لم يبطل الرهن.
وإذا ارتهن الرجل دارا، ثم أجرها بإذن الراهن فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول قد خرجت من الرهن حين أذن له أن يؤجرها وصارت بمنزلة العارية وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي رهن على حالها، والغلة للمرتهن قضاء من حقه
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا رهن الرجل الرجل دارا ودفعها إلى المرتهن، أو عدل وأذن بكرائها فأكريت كان الكراء للراهن؛ لأنه مالك الدار ولا تخرج بهذا من الرهن وإنما منعنا أن نجعل الكراء رهنا، أو قصاصا من الدين أن الكراء سكن والسكن ليس هو المرهون، ألا ترى أنه لو باعه دارا فسكنها، أو استغلها، ثم ردها بعيب كان السكن، والغلة للمشتري، ولو أخذ من أصل الدار شيئا لم يكن له أن يردها لأن ما أخذ من الدار من أصل البيع، والكراء، والغلة ليس أصل البيع فلما كان الراهن إنما رهن رقبة الدار، وكانت رقبة الدار للراهن إلا أنه شرط للمرتهن فيها حقا لم يجز أن يكون النماء من الكراء والسكن إلا للراهن المالك الرقبة كما كان الكراء والسكن للمشتري المالك الرقبة في حينه ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ارتهن الرجل ثلث دار، أو ربعها وقبض الرهن فالرهن جائز. ما جاز أن يكون بيعا وقبضا في البيع جاز أن يكون رهنا وقبضا في الرهن، وإذا رهن الرجل الرجل دارا، أو دابة فقبضها المرتهن فأذن له رب الدابة، أو الدار أن ينتفع بالدار، أو الدابة فانتفع بها لم يكن هذا إخراجا له من الرهن وما لهذا وإخراجه من الرهن وإنما هذا منفعة للراهن ليست في أصل الرهن؛ لأنه شيء يملكه الراهن دون المرتهن، وإذا كان شيء لم يدخل في الرهن فقبض المرتهن الأصل، ثم أذن له في الانتفاع بما لم يرهن لم ينفسخ الرهن، ألا ترى أن كراء الدار وخراج العبد للراهن.
[باب الحوالة والكفالة في الدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ الذي أحاله؛ لأنه قد أبرأه وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس له أن يأخذ الذي عليه الأصل فيهما جميعا؛ لأنه حيث قبل منه الكفيل فقد أبرأه من المال إلا أن يكون المال قد توى قبل الكفيل فيرجع به على الذي عليه الأصل وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما شاء في قولهما جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل به آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفي مالا إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له، ولو كانت حوالة فالحوالة معقول فيها أنها تحول حق على رجل إلى غيره فإذا تحولت عن رجل لم يجز أن يعود عليه ما تحول عنه إلا بتجديد عودته عليه ويأخذ المحال عليه دون المحيل بكل حال.
وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه، ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول هما كفيلان جميعا وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول قد برئ الكفيل الأول حين أخذ الكفيل الآخر
(قال الشافعي) : وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه، ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرئ الأول
فكلاهما كفيل بنفسه، وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هو له ضامن وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز عليه الضمان في ذلك؛ لأنه ضمن شيئا مجهولا غير مسمى وهو أن يقول الرجل للرجل أضمن ما قضى لك به القاضي عليه من شيء وما كان لك عليه من حق وما شهد لك به الشهود وما أشبه هذا فهو مجهول
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به القاضي على فلان، أو شهد لك به عليه شهود، أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن لم يكن ضامنا لشيء من قبل أنه قد يقضى له ولا يقضى له ويشهد له ولا يشهد له فلا يلزمه شيء مما شهد له بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة.
وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا شيئا ولا قليلا ولا كثيرا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا ضمان على الكفيل؛ لأن الدين قد توى، وكان ابن أبي ليلى يقول الكفيل ضامن وبه يأخذ وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: إن ترك شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا، أو لم يترك.
وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول كفالته باطلة؛ لأنها معروف وليس يجوز له المعروف وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول كفالته جائزة لأنها من التجارة.
وإذا أفلس المحتال عليه فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يرجع على الذي أحاله حتى يموت المحتال عليه ولا يترك مالا، وكان ابن أبي ليلى يقول له: أن يرجع إذا أفلس وبهذا يأخذ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الحوالة تحويل حق فليس له أن يرجع
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة بكفالة فالكفالة باطلة؛ لأن الكفالة استهلاك مال لا كسب مال، وإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل، أو كثر فكذلك نمنعه أن يتكفل فيغرم من ماله شيئا قل، أو كثر.
وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فأراد الوكيل أن يوكل بذلك غيره فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ليس له ذلك إلا أن يكون صاحبه أمره أن يوكل بذلك غيره وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب، أو مرض فأما إذا كان صحيحا حاضرا فلا قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - وكيف يكون له أن يوكل غيره ولم يرض صاحبه بخصومة غيره وإنما رضي بخصومته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن يوكل غيره مرض الوكيل، أو أراد الغيبة، أو لم يردها؛ لأن الموكل له رضي بوكالته ولم يرض بوكالة غيره فإن قال وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل.
وإذا وكل رجل رجلا بخصومة وأثبت الوكالة عند القاضي، ثم أقر على صاحبه الذي وكله أن تلك الخصومة حق لصاحبه الذي يخاصمه أقر به عند القاضي فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول إقراره جائز وبه يأخذ قال وإن أقر عند غير القاضي وشهد عليه الشهود فإقراره باطل ويخرج من الخصومة وقال أبو يوسف إقراره عند القاضي وعند غيره جائز عليه، وكان ابن أبي ليلى يقول إقراره باطل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة ولم يقل في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ولا يصالح ولا يبرئ ولا يهب فليس له أن يقر ولا يبرئ ولا يهب ولا يصالح فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل؛ لأنه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله.
وإذا وكل رجل رجلا في قصاص، أو حد فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا تقبل في ذلك وكالة وبه يأخذ وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة قال أقبل من الوكيل البينة في الدعوى في الحد، والقصاص ولا أقيم الحد ولا القصاص حتى يحضر
المدعي وقال أبو يوسف لا أقبل البينة إلا من المدعي ولا أقبل في ذلك وكيلا، وكان ابن أبي ليلى يقول تقبل في ذلك الوكالة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له، أو قصاص له على رجل قبلت الوكالة على تثبيت البينة، وإذا حضر الحد، والقصاص لم أحده ولم أقتص حتى يحضر المحدود له، والمقتص له من قبل أنه قد يقر له فيبطل الحق ويكذب البينة فيبطل القصاص ويعفو.
وإذا كانت في يدي رجل دار فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه وكلني بها فلان لرجل غائب أقوم له عليها فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول: لا أصدقه إلا أن يأتي على ذلك ببينة وأجعله خصما وبه يأخذ، وقال أبو يوسف - رحمه الله - بعد أن كان متهما أيضا لم أقبل منه بينة وجعلته خصما إلا أن يأتي بشهود أعرفهم، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل منه وأصدقه ولا نجعل بينهما خصومة، وكان ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول إذا اتهمته سألته البينة على الوكالة فإن لم يقم البينة جعلته خصما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن كانت الدار في يدي رجل فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه ليست لي هي في يدي وديعة، أو هي علي بكراء، أو أنا فيها وكيل، فمن قضى على الغائب سمع من المدعي البينة وأحضر الذي هي في يديه فإن أثبت وكالته قضى عليه وإن لم يثبتها قضى بها للذي أقام عليها البينة وكتب في القضاء إني قضيت بها ولم يحضرني فيها خصم وزعم فلان أنها ليست له ومن لم يقض على الغائب سأل الذي هي في يديه البينة على ما يقول فإن جاء بها على أنها في يديه بكراء، أو وديعة لم يجعله خصما فإن جاء بالبينة على الوكالة جعلته خصما.
(قال الربيع) وحفظي عن الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه يقضي على الغائب.
قال، وإذا كان للرجل على الرجل مال فجاء رجل فقال قد وكلني بقبضه منك فلان فقال الذي عليه المال صدقت، فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول أجبره على أن يعطيه إياه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا أجبره على ذلك إلا أن يقيم بينة عليه وأقول أنت أعلم فإن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان للرجل على الرجل مال وهو عنده فجاءه رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فإن دفعه لم يبرأ من المال إلا أن يقر رب المال بأنه وكله، أو تقوم عليه بينة بذلك، وكذلك لو ادعى هذا الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال على أن يعطيه إياه، وذلك أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره فلا يجوز إقراره على غيره.
وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا تثبت وكالته إلا أن يأتي معه بخصم وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول نقبل بينته على الوكالة ونثبتها له وليس معه خصم، وقد كان أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا جاءه رجل قد عرفه يريد أن يغيب فقال هذا وكيلي في كل حق لي يخاصم فيه قبل ذلك وأثبت وكالته، وإذا تغيب الخصم وكل له وكيلا وقضى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل عند القاضي بشيء أثبت القاضي بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه خصم، أو لم يحضر وليس الخصم من هذا بسبيل وإنما أثبت له الوكالة على الموكل، وقد تثبت له الوكالة ولا يلزم الخصم شيء، وقد يقضي للخصم على الموكل فتكون تلك الشهادة إنما هي شهادة للخصم تثبت له حقا على الموكل.
وإذا وكل رجل رجلا بكل قليل وكثير فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يجوز بيعه لأنه لم يوكله بالبيع إلا أن يقول ما صنعت من شيء فهو جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا وكله في كل قليل وكثير فباع دارا، أو غير ذلك كان جائزا
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له لم يزد على هذا فالوكالة على هذا غير جائزة من قبل أنه قد يوكله ببيع القليل
والكثير ويوكله بحفظ القليل والكثير لا غيره ويوكله بدفع القليل والكثير لا غيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع، أو شراء، أو وديعة، أو خصومة، أو عمارة، أو غير ذلك.
وإذا وكلت المرأة وكيلا بالخصومة وهي حاضرة فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول لا أقبل إلا أن يرضى الخصم، وكان ابن أبي ليلى يقول نقبل ذلك ونجيزه وبه يأخذ (قال الشافعي) : - رحمه الله - وأقبل الوكالة من الحاضر من النساء والرجال في العذر وغيره، وقد كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب حاضر فقبل ذلك عثمان - رضي الله عنه - وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب ولا أحسبه أنه كان يوكله إلا عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولعل عند أبي بكر - رضي الله عنه - (قال الشافعي) : - رحمه الله - وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها.
[باب في الدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان على الرجل دين، وكان عنده وديعة غير معلومة بعينها فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ما ترك الرجل فهو بين الغرماء وأصحاب الوديعة بالحصص وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس لصاحب الوديعة شيء لا أن يعرف وديعته بعينها فتكون له خاصة وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - هي دين في ماله ما لم يقل قبل الموت قد هلكت، ألا ترى أنه لم يعلم لها سبيل ذهبت فيه، وكذلك كل مال أصله أمانة وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان عند الرجل وديعة بعينها، وكانت عليه ديون فالوديعة لرب الوديعة لا تدخل عليه الغرماء فيها، ولو كانت بغير عينها مثل دنانير ودراهم وما لا يعرف بعينه حاص رب الوديعة الغرماء إلا أن يقول المستودع الميت قبل أن يموت قد هلكت الوديعة فيكون القول قولك؛ لأنه أمين، وإذا أقر الرجل في مرضه الذي مات فيه بدين وعليه دين بشهود في صحته وليس له وفاء فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول يبدأ بالدين المعروف الذي في صحته فإن فضل عنهم شيء كان للذين أقر لهم في المرض بالحصص، ألا ترى أنه حين مرض أنه ليس يملك من ماله شيئا ولا تجوز وصيته فيه لما عليه من الدين فكذلك إقراره له وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو مصدق فيما أقر به والذي أقر له في الصحة، والمرض سواء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت على الرجل ديون معروفة من بيوع، أو جنايات، أو شيء استهلكه، أو شيء أقر به وهذا كله في الصحة، ثم مرض فأقر بحق لإنسان فذلك كله سواء ويتحاصون معا لا يقدم واحد على الآخر ولا يجوز أن يقال فيه إلا هذا والله تعالى أعلم، أو أن يقول رجل إذا مرض فإقراره باطل كإقرار المحجور عليه فأما أن يزعم أن إقراره يلزمه، ثم لا يحاص به غرماؤه فهذا تحكم، وذلك أن يبدأ بدين الصحة وإقرار الصحة فإن كان عليه دين في المرض ببينة حاص وإن لم يكن ببينة لم يحاص، وإذا فرع الرجل أهل دين الصحة ودين المرض بالبينة لم تجز له وصية ولم يورث حتى يأخذ هذا حقه فهذا دين مرة يبدأ على المواريث، والوصايا وغير دين إذا صار لا يحاص به.
وإذا استدانت المرأة وزوجها غائب فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول أفرض لها على زوجها نفقة مثلها في غيبته، ثم رجع عن ذلك فقال لا شيء لها وهي متطوعة فيما أنفقت والدين عليها خاصة، وكان ابن أبي ليلى لا يفرض لها نفقة إلا فيما يستقبل، وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا غاب الرجل
عن امرأته فلم ينفق عليها فرضت عليه النفقة لما مضى منذ ترك النفقة عليها إلى أن أنفق ولا يجوز أن يكون لو كان حاضرا ألزمناه نفقتها وبعنا لها في ماله، ثم يغيب عنها، أو يمنعها النفقة ولا نجعل لها عليه دينا؛ لأن الظلم إذا يقطع الحق الثابت والظلم لا يقطع حقا والذي يزعم أنه يفرض عليه نفقتها في الغيبة يزعم أنه لا يقضي على غائب إلا زوجها فإنه يفرض عليه نفقتها وهو غائب فيخرجها من ماله فيدفعها إليها فيجعلها، أوكد من حقوق الناس مرة في هذا، ثم يطرحها بغيبته إن لم تقم عليه وهو لا يطرح حقا بترك صاحبه القيام عليه ويعجب من قول أصحابنا في الحيازة ويقول الحق جديد والترك غير خروج من الحق، ثم يجعل الحيازة في النفقة.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن يأخذوهم بأن ينفقوا، أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا.
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وهم يزعمون أنهم لا يخالفون الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خالفوا حكم عمر ويزعمون أنهم لا يقبلون من أحد ترك القياس، وقد تركوه وقالوا فيه قولا متناقضا.
وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول هو قصاص وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يكون قصاصا إلا أن يتراضيا به فإن كان لأحدهما على صاحبه مال مخالف لذلك لم يكن ذلك قصاصا في قولهما جميعا
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله لا يختلفان في وزن ولا عدد، وكانا حالين معا فهو قصاص فإن كانا مختلفين لم يكن قصاص إلا بتراض ولم يكن التراضي جائزا إلا بما تحل به البيوع
وإذا أقر وارث بدين وفي نصيبه وفاء بذلك الدين فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول يستوفي الغريم من ذلك الوارث المقر جميع ماله من نصيبه؛ لأنه لا ميراث له حتى يقضي الدين وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إنما يدخل عليه من الدين بقدر نصيبه من الميراث فإن كان هو وأخ له دخل عليه النصف وإن كانوا ثلاثة دخل عليه الثلث والشاهد عنده منهم وحده بمنزلة المقر وإن كانا اثنين جازت شهادتهما في جميع الميراث في قولهما جميعا إذا كانا عدلين فإن لم يكونا عدلين كان ذلك في أنصبائهما على ما فسرنا من قول أبي حنيفة وابن أبي ليلى
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - إذا مات الرجل وترك ابنين غير عدلين فأقر أحدهما على أبيه بدين فقد قال بعض أصحابنا للغريم المقر له أن يأخذ من المقر مثل الذي كان يصيبه مما في يديه لو أقر به الآخر، وذلك النصف من دينه مما في يديه وقال غيرهم يأخذ جميع ماله من هذا فمتى أقر له الآخر رجع المأخوذ من يديه على الوارث معه فيقاسمه حتى يكونا في الميراث سواء.
وإذا كتب الرجل بقرض في ذكر حق، ثم أقام بينة أن أصله كان مضاربة فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول آخذه به وإقراره على نفسه بالقرض أصدق من دعواه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أبطله عنه وأجعله عليه مضاربة وهو فيه أمين
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا أقر الرجل أن للرجل عليه ألف درهم سلفا، ثم جاء بالبينة أنها مقارضة سئل الذي له السلف فإن قال نعم هي مقارضة أردت أن يكون له ضامنا أبطلنا عنه السلف وجعلناها مقارضة وإن لم يقر بهذا رب المال وادعاه المشهود له أحلفناه فإن حلف كانت له عليه دينا، وكان إقراره على نفسه أولى من شهود شهدوا له بأمر قد يمكن أن يكونوا صدقوا فيه ويكون أصلها مقارضة تعدى فيها فضمن، أو يكونوا كذبوا.
وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بمال في ذكر حق من شيء جائز فأقام الذي عليه الدين البينة أنه من ربا وأنه قد أقر أنه قد كتب ذكر حق من شيء جائز فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا أقبل منه
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|