شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [154]
الحلقة (185)
شرح سنن أبي داود [154]
صلاة الخوف من الصلوات التي شرعها الله عز وجل رحمة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبأمته، فإذا وجد الخوف في الجهاد فإنها تشرع إقامة صلاة الخوف، ولها عدة كيفيات وصفات حسب أحوال الناس في المعركة، فيصلون بالكيفية التي تناسب مقامهم وحالهم، وتكون أقرب إلى سلامتهم.
الكيفية الخامسة من كيفيات صلاة الخوف
شرح حديث ابن عمر في بيان صفة صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ثم يسلم فيقوم كل صف فيصلون لأنفسهم ركعة. حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم، ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وفيها أنه يصلي بكل طائفة ركعة، ثم تصلي كل من الطائفة الأولى والثانية ركعة ركعة، يعني: أن الطائفة الأولى تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة وتذهب وهي في الصلاة، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي معه ركعة، ثم يسلم بالطائفة الثانية، ثم تصلي كل من الطائفة الأولى والثانية ركعة ركعة، يعني: أنهم يقضون جميعاً بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الباقية، فهذه كيفية من كيفيات صلاة الخوف.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في بيان صفة صلاة الخوف
قوله: [حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : وكذلك رواه نافع و خالد بن معدان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أي: وكذلك رواه نافع كرواية سالم ، فرواه نافع و خالد بن معدان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
رواية ابن عباس لصلاة الخوف
[ وكذلك قول مسروق و يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما ]. مسروق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ و يوسف بن مهران ]. يوسف بن مهران لين الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و الترمذي . [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعل أبي موسى لصلاة الخوف على الصفة التي رواها ابن عمر
[ وكذلك روى يونس عن الحسن عن أبي موسى أنه فعله ]. قوله: [ روى يونس ]. يونس هو ابن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي موسى ]. هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [أنه فعله]. أي من فعل أبي موسى .
كلمة توجيهية في بيان أهمية صلاة الجماعة
هذه الكيفيات لصلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوضح الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة واجبة؛ لأنها لو سقطت لسقطت في هذه الحالات في شدة الخوف، فلما حافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحافظ عليها المسلمون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ دل ذلك على أن صلاة الجماعة واجبة، وأنه لا يسوغ للإنسان أن يتهاون بها، وأن يتساهل بها، بل هذا من أوضح الأدلة الدالة على ذلك، فكون الناس في خوف شديد ومع ذلك يصلون جماعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم أصحابه قسمين: قسم يصلون معه، وقسم في جهة العدو، ولو كانت صلاة الجماعة ليست واجبة لما حصل شيء من ذلك، ولما احتيج إلى شيء من ذلك، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب صلاة الجماعة، ومنها حديث الرجل الأعمى الذي جاء إليه وقال: إني شاسع الدار، وليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، وطلب منه أن يرخص له أن يصلي في بيته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب). فإذا كان عليه الصلاة والسلام لم يرخص لرجل أعمى أن يتخلف عن الجماعة فكيف بمن يكون صحيحاً معافى سليم العينين والرجلين والأعضاء، متعه الله بالصحة والعافية، ثم يتهاون في الجماعة ويتكاسل في شهودها؟ وعدم ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الأعمى في ترك الجماعة مع ضعفه، وطول المسافة بينه وبين المسجد، وعدم وجود قائد يلائمه؛ يدل على وجوب صلاة الجماعة. ومما يدلنا على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)، فكونه صلى الله عليه وسلم هم بتحريق بعض البيوت على أصحابها؛ لأنهم متخلفون عن صلاة الجماعة في الوقت الذي يصلي الناس فيه جماعة؛ دل أنهم متلبسون بمعصية، فهمه صلى الله عليه وسلم بهذه العقوبة الشديدة يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وهو إن لم يفعل لكن مجرد الهم واضح الدلالة، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه لم يحرف بيوتهم لما فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم الجماعة، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام، ويهم بهذا الهم، دليل واضح على وجوب صلاة الجماعة. ومما يدل على وجوبها أيضاً: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) فبين عليه الصلاة والسلام أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين، ولكن العشاء والفجر أثقلهما عليهم؛ لأن قوله: (أثقل) يدلنا على أن الصلاة كلها ثقيلة، ولكن هاتين الصلاتين أثقل، وذلك أن صلاة العشاء تكون في أول الليل حيث يكون الناس قد كدحوا في النهار وهم بحاجة إلى الراحة، فالذي لا يبالي بشأن الصلاة ينام بعد المغرب، ويأتي وقت العشاء وهو نائم، وكذلك وقت الفجر يكون في الوقت الذي يكون فيه التمكن في النوم، وطيب الفراش، والتلذذ بالنوم. فالمنافقون لا تهمهم صلاة الجماعة، وإنما يهمهم مصالح أنفسهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) ثم قال: (والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) لو كان في المسجد طعام يسير جداً لبادر هؤلاء المنافقون إلى المسجد من أجل أن يحصلوا نصيبهم من الدنيا؛ لأن همهم الدنيا وليس همهم الآخرة، ولما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك وعلى خلاف ذلك كان الواحد منهم يصيبه المرض ثم لا تسمح نفسه أن يصلي في بيته وهو معذور، بل يأتي يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يلقى الله غداً مؤمناً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) من شدة المرض لا يستطيع أن يمشي بمفرده، بل يحتاج إلى من يعضده عن يمينه وشماله حتى يؤتى به إلى المسجد، فهذه أحوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما المنافقون فقد قال عنهم الرسول: (لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمون ما في صلاة الجماعة من الأجر؛ فيأتون إليها وهم مرض يهادون بين الرجال، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه. يعني: بالنفاق، إذا وجدوا إنساناً لا يصلي العشاء ولا يأتي المسجد في صلاة العشاء يتهمونه بالنفاق، فهي علامة المنافقين. كل هذه الأدلة تدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وأن الإنسان يجب عليه أن يحافظ عليها وأن يحرص عليها. ثم ما معنى المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح أي: تعالوا، هذا هو معنى الأذان، والمساجد بنيت لإقامة الصلاة جماعة، والمؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح من أجل أن يأتي الناس إلى المسجد للصلاة، لا من أجل أن يصلوا في بيوتهم.
الأسئلة
كيفية التوسل بالعمل الصالح
السؤال: كيف يتوسل الإنسان بالعمل الصالح؛ هل يتوسل بالعمل كله أو ببعضه؟
الجواب: يمكن أن يتوسل الإنسان بعمله كله أو بعضه، فيمكن أن يقول: اللهم بإيماني بنبيك واتباعي لنبيك؛ لأن الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم يشمل كل الأعمال، فهي إنما تكون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
الكيفية السادسة من كيفيات صلاة الخوف
شرح حديث عبد الله بن مسعود في صفة صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم فيقوم الذين خلفه فيصلون ركعة، ثم يجيء الآخرون إلى مقام هؤلاء فيصلون ركعة. حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل حدثنا خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقاموا صفاً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصف مستقبل العدو، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا) ]. هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فيه بيان كيفية من كيفيات صلاة الخوف التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيفية هذه الصلاة أنه جعل الجيش مجموعتين صف وراءه يصلون، وصف وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا ووقفوا في وجه العدو، وجاءت المجموعة الثانية فصلى بهم الركعة الثانية ثم سلم، وبعدما سلم قضوا لأنفسهم -أي: المجموعة الثانية- فصارت الركعتان للطائفة الثانية متواليتان، ثم بعد أن سلمت المجموعة الثانية ذهبت إلى مصاف المجموعة الأولى، ثم رجعت الأولى وقضت لنفسها ركعة، فكان الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى صلوا ما بقي عليهم آخراً بعدما فرغت المجموعة الثانية من ركعتيها، الركعة الأولى صلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والركعة الثانية بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم، والمجموعة الثانية ركعتاها متواليتان الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهي الثانية للرسول صلى الله عليه وسلم، والثانية قضتها بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ذهبت هذه المجموعة وجاءت المجموعة الأولى التي صلت معه الركعة الأولى وأتمت ركعتها يعني: وكل من هاتين المجموعتين قضى لنفسه ركعة بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: أنهم يصلون معه ركعة ويقضون ركعة، ولكن هذا القضاء المجموعة الثانية ركعتاها متواليتان، والمجموعة الأولى ركعتاها متفرقتان؛ لأنهم صلوا الركعة الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم، والركعة الثانية صلوها بعد أن فرغت المجموعة الثانية من ركعتيها، هذه هي الكيفية التي جاءت في حديث ابن مسعود ، ولكن هذه الكيفية لم تصح لأن الراوي عن ابن مسعود ابنه أبو عبيدة وهو لم يسمع منه، فهو منقطع، فهذه الكيفية التي جاءت بهذا الإسناد غير صحيحة.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في صفة صلاة الخوف
قوله: [حدثنا عمران بن ميسرة ]. عمران بن ميسرة ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود . [ حدثنا ابن فضيل ]. ابن فضيل هو: محمد بن فضيل بن غزوان ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خصيف ]. خصيف هو ابن عبد الرحمن ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي عبيدة ]. أبو عبيدة هو: ابن عبد الله بن مسعود ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن مسعود]. هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث فيه انقطاع، وفيه الكلام الذي في خصيف .
شرح أثر خصيف في بيان بعض زيادات صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا تميم بن المنتصر أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف عن شريك عن خصيف بإسناده ومعناه، قال: (فكبر نبي الله صلى الله عليه وسلم وكبر الصفان جميعاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وهو بمعناه، إلا أنه قال: كبرت الطائفتان مع النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً أي: الذين كانوا معه والذين كانوا وجاه العدو كبروا معاً، إلا أن الطائفة الثانية ذهبت والطائفة الأولى كبرت وهي وجاه العدو، ثم جاءت وصلت معه الركعة الثانية وأتمت لنفسها بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم حديث ابن عمر الذي فيه أنهم قضوا، ولكن ما فيه أنهم قضوا جميعاً، فيحتمل أن يكونوا صلوا جميعاً مع بعض في آن واحد، وفي هذه الحالة يبقى الإمام هو الذي يحرس، والاحتمال الثاني: أن المجموعة الأولى تصلي ثم تصلي المجموعة الأخرى.
تراجم رجال إسناد أثر خصيف في بيان بعض زيادات صلاة الخوف
قوله: [حدثنا تميم بن المنتصر ]. تميم بن المنتصر ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا إسحاق يعني: ابن يوسف ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك ]. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق، اختلط وساء حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن خصيف ] خصيف مر ذكره.
صلاة عبد الرحمن بن سمرة لصلاة الخوف بكيفية أخرى
[ قال أبو داود : رواه الثوري بهذا المعنى عن خصيف ، وصلى عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه هكذا إلا أن الطائفة التي صلى بهم ركعة ثم سلم مضوا إلى مقام أصحابهم، وجاء هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم رجعوا إلى مقام أولئك فصلوا لأنفسهم ركعة ]. هذه الكيفية قريبة من الكيفية السابقة، إلا أن الكيفية السابقة فيها أن الطائفة الثانية ركعتاها متواليتان، وهذه الكيفية بخلاف ذلك؛ لأنه بعد ما سلم عبد الرحمن بن سمرة ذهبت الطائفة الثانية ووقفت مقام الذين ذهبوا أولاً، فرجعت الطائفة الأولى التي ذهبت وأتمت الركعة، ثم الطائفة الثانية أتمت بعدها، يعني: فتختلف هذه الطريقة عن الطريقة السابقة؛ لأن الطريقة السابقة الطائفة الثانية ركعتاها متواليتان، وهذا ما فيه توالي لا من الأولى ولا من الثانية؛ لأن الطائفة الأولى قضت أولاً، فبعدما سلم الإمام بالطائفة الثانية ذهبت الطائفة الثانية للحراسة وجاءت الأولى وصلت التمام، ثم بعد ذلك الطائفة الثانية صلت بعد الطائفة الأولى، فهذا هو الفرق بين هذه الطريقة والطريقة السابقة. وهذه الطريقة هي نفسها التي جاءت عن ابن عمر ؛ لأنه قال: هؤلاء وهؤلاء، ما قال: هؤلاء وأولئك، فهو يحتمل أن يكونوا قضوا جميعاً أو أن الأولين قضوا ثم الآخرون أو الآخرون ثم الأولون. قوله: [ (إلا أن الطائفة التي صلى بهم ركعة ثم سلم مضوا إلى مقام أصحابهم) ]، يعني: ما أتموا كما حصل في الرواية السابقة التي قبلها، بل ذهبوا إلى مكان الذين صلوا الركعة الأولى وذهبوا للحراسة. قوله: [ (وجاء هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم رجعوا) ]. فهي تختلف عن الصفة التي قبلها، فييها أن الطائفة الثانية بعد أن سلم الرسول صلى الله عليه وسلم سلموا.
تراجم رجال إسناد أثر عبد الرحمن بن سمرة في صلاة الخوف
[ قال أبو داود : حدثنا بذلك مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن حبيب قال: أخبرني أبي: أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه كابل فصلى بنا صلاة الخوف ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و عبد الصمد بن حبيب ضعفه الإمام أحمد ، وقال ابن معين : لا بأس به، أخرج حديثه أبو داود . و حبيب بن عبد الله بن سعد الأزدي مجهول، أخرج حديثه أبو داود . عبد الرحمن بن سمرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده حبيب بن عبد الله الذي هو والد عبد الصمد ، وهو مجهول، فالإسناد ضعيف. وهذه الرواية التي أوردها أبو داود هنا ذكر الإسناد بعد المتن على خلاف طريقته، وطريقته المألوفة أنه يقدم الإسناد على المتن، و البخاري رحمه الله أورد أثراً عن ابن عباس في أول تفسير سورة حم فصلت، أنه جاءه رجل وسأله عن أمور قال: إنها تشتبه علي في القرآن، فبعد أن ذكرها أجابه ابن عباس عنها، ثم بعد ذلك أورد البخاري الإسناد بعد أن ذكر الأثر عن ابن عباس عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس ، وذكر أثراً طويلاً، فيه أسئلة عن آيات مشتبهة، فما ظاهره فيه تعارض، فأجابه عنها ابن عباس ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وصنيع البخاري -يعني: في إيراد هذا الإسناد- على خلاف عادته، وصنيعه يشهد بأنه ليس على شرطه. يعني: كونه قدم الأثر على الإسناد فهو ليس على شرطه، ثم قال: إن ابن خزيمة في صحيحه يفعل هذا في مواضع عديدة فيما ليس على شرطه، قال: وقد صرح ابن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح، وأن ما يورده بهذه الكيفية ليس على شرط صحيحه، وحرّج على من يغير هذه الصيغة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئاً على هذه الكيفية. وأنا ذكرت هذه الفائدة في الفوائد المنتقاة رقم: مائتين وخمسة وثلاثين، وأذكر أن البخاري ذكر أثراً آخر في كتاب العلم وهو أثر علي : (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟)، وبعد أن ساقه قال: حدثنا به فلان عن فلان.. إلى آخره، فجعل المتن أولاً والإسناد آخراً، وفي إسناده معروف بن خربوذ .