عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-10-2024, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,816
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة مختصرة لكتاب "الدفاع عن الإسلام بين المنهجية والهمجية"

قراءة مختصرة لكتاب "الدفاع عن الإسلام بين المنهجية والهمجية" (2)


لمؤلفه/ أحمد الداري

مركز جنات للدراسات


معالِمُ الخِطاب القرآنيِّ في الحِجَاج عن الدعوة: قبل أن نَشْرَع في بيان الخِطَاب القرآني في الحِجَاج عن الدعوة، يجب أن ننتبه إلى أن أسلوب القرآن في الردِّ على الشبهات يختلف من مَقامٍ إلى مقام؛ باختلاف: المُخاطَب، ونوع الشُّبهة، وظروفها؛ ولكن تبقى سِمَاتٌ وخصائِصُ مشترَكة، تتوفَّر في كل ما ورد في القرآن من آيات الحِجَاج.

لِتَكُن الشبهة هي شبهةَ تقطيع المسلمين للنَّخل وتحريقه يوم بني النَّضير، وهي التي ردَّدها أعداءُ الدعوة؛ لِيُثيروا بها الشُّكوك في قلوب المسلمين، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الحشر: 5]، ليُطَمئن طائفتي المؤمنين: الذين قطَعوا، والذين ترَكوا.

والمقصد الآن أن نتأمَّل: كيف تولَّى القرآنُ الدِّفاعَ عمَّا يُثار من شُبهات، ولا يتمُّ ذلك إلاَّ بِنَظرة سريعةٍ للتناول الكُلِّي لسورة "الحشر"، وهي التي أسماها ابنُ عبَّاس سورةَ "بني النَّضير"؛ مِمَّا يدلِّل لنا على كليَّةِ وحْدَتِها.

تبدأ السُّورة بالتسبيح: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 1]، وتنتهي كذلك بالتسبيح: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24]، فأضفى ذلك على النَّفس شعورًا بالإجلال والإكبارِ لأوامر الله تعالى وأفعاله.

ثم قرَنَ تعالى بين اسم "العزيز" واسم "الحكيم"؛ لينسجم مع التَّنْزيه المُطْلَق.

وبعد توجيهاتٍ وتعقيبات ومفاهيمَ امتلأت بها السُّورة، جاء قوله تعالى: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ... ﴾ [الحشر: 5].

ومن خلال هذا العرض نستطيع أن نتفهَّم معالِمَ المنهج القرآنيِّ في الحِجَاج عن الدعوة إجماليًّا:
توجيه الخطاب في المقام الأول إلى الفئة المؤمِنة: بحيث جاء الخطاب القرآنيُّ موجَّهًا للمؤمنين بصورٍ شتَّى في السورة.

عرض الردِّ في قالبٍ عقَدِي: بحيث يربط السُّلوك بالتصوُّر، يتَّضِح هذا في جَعْل تقطيع النخيل بِقَدَرِ الله وإِذْنه.

انتقال السِّياق القرآني من إطار الخصوصيَّة إلى العمومية: بحيث يُتاح للمتلقي مجالٌ أرحَبُ وأوسع.

ليس الدِّفاعُ الوارد في السورة مجرَّدَ ردِّ فعل، وتنَزَّه القرآن عن ذلك؛ لتنَزُّهِه عن النقص، فالقرآن كتاب هدايةٍ وإرشاد، وليس كتابًا في الدِّفاع؛ وإنما الدفاع فيه يأتي وفْقَ منهجه العامِّ في تبيين الحقِّ.

عدم الاستغراق في دفع الشُّبهة: ففي سورةٍ عددُ آياتها أربع وعشرون آية، تتناول في مجمَلِها واقعة بني النضير، لم يَشْغَل الردُّ على الشبهة غيرَ آيةٍ واحدة.

الدَّعوة والتنازُلات: قد يَدْفع العملُ الدَّعويُّ بعضَ أصحابه، ولا سيَّما إذا كانوا من المُدافعين، إلى التَّنازُل عن بعض جزئيات المنهج؛ جريًا وراء مصالِحَ يرونها، ونحن هنا معنيُّون ببيان موقف الدعوة الصحيحة من هذه التَّنازلات.

ما على الرَّسول إلا البلاغ: لبيان الموقف الدعويِّ الصحيح من التنازلات؛ لا بدَّ أولاً أن يسبقه بيانُ وظيفة الدُّعاة، من خلال تتبُّعِ قصص الأنبياء والمرسلين؛ وذلك لأنَّهم خيرُ مَن قام بالدعوة على وجْهِها، وبعد هذا يَظهر لنا بجلاءٍ أنَّ طبيعة وظيفتهم هي "البلاغ".

قال الله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 19]، وجاء في تفسيرها: "تكفَّل الله له أن يَجْمعه في صدرِه، وأن ييسِّره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبيِّنه له ويفسِّرَه ويوضِّحه"؛ "تفسير ابن كثير".

ووَعْدُ اللهِ لنبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك إنَّما هو دليلٌ على عنايته سبحانه بِمَرحلة البلاغ، وما قبلها من جمع الوحي وحِفظه، وما بعدها من التبيين والتوضيح؛ ليكون البلاغُ كما أراد تعالى، دون زيادةٍ أو نقصان.

ثم تأتي السُّنة النبوية لتؤكِّد هذا المعنى، حين يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نضَّرَ الله امرأً سمع منا شيئًا فبلَّغَه كما سمع؛ فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع))؛ أحمد والترمذيُّ وغيرهما من حديث ابن مسعود.

فلم تكتَفِ السُّنة بمجرد الحثِّ على التبليغ؛ أيًّا كان وصْفُه وحالُه، بل أكَّدَت على أن يكون البلاغُ موافقًا لمصدر التلقِّي، وتأتي لفظة ((شيئًا)) نكرةً؛ لتفيد العموم، سواء كان هذا المبلَّغ كثيرًا أم قليلاً، مهمًّا في نظر المبلِّغ أم لا، الأمر الذي يعمِّق دور المُحاكاة في القيام بوظيفة البلاغ.

ميزان الشَّرع وميزان النَّفس: يجب علينا ونحن نعالج قضية التَّنازلات ألاَّ نَغْفل عن العامل النفسيِّ الذي يلحُّ على الداعي إلى الله؛ ليجعله أحد المتورِّطين في تلك القضية؛ ذلك أنَّ الداعية إذا رأى الناس حوله في ضلالتهم، فإنه يظلُّ مشغولاً بحاله، قَلِقًا على مآلِهم، ولا غُبار على هذا كلِّه، بل هذا الواجب على الدَّاعية، ولكنَّ المشكلة أن يدفَعَه ذلك إلى تقديم تنازُلٍ يَحْسبه ييسِّر على المدعويِّن هدايتَهم، ويظنُّ أن المصلحة تبيح له ذلك.

على أنَّ المصلحة الحقيقيَّة هي التي يُقِرُّها الشرع، لا التي تقرُّها العاطفة المضطَرِبة التي لا يَقرُّ لها قرار، ولا يعني ذلك أن ينخلع من عواطفه ومشاعره، أو أن يقيم بينها وبين الشرع صراعًا، بل معناه أن يصطحب عاطفته في تلك الرحلة؛ لتأخذ من الشريعة ما يهذِّب طباعها، ويسكِّن تقلُّباتها.

جعفر وجماعته "دراسة في آليات الدِّفاع المنهجي": إنَّ ما نَخْشاه ليس هو أن تَفْقه الدعوة الواقع، أو أن تقدِّم الظُّروف المحيطة بها، ولكن ما نخشاه أن تظنَّ أنَّ وظيفتها هي محاولةُ العيش مع هذه الظروف السيِّئة جنبًا إلى جنب، لا تغيِّرُ فيها ولا تفكِّر في التغيير، حتَّى تصير يومًا ما - كقطعة العجين - ليِّنةَ الجانب، ليست تدري كيف تتشكَّل، فتترك لخبَّازها القيامَ بتشكيلها.

كما نحذِّر من أن تظنَّ الدعوة أن وظيفتها الرَّئيسة هي الدِّفاع عن الحق ضدَّ الشبهات المثارة، وتظلَّ حبيسة قفص الاتِّهام كثيرًا، وتتغافل بذلك عن بقيَّة أدوارها الحيويَّة، والتي يأتي على رأسها دورُ البيان والبلاغ، وتلك الأدوار التي تأتي غيرَ مرهونةٍ بِمَوقف دفاعيٍّ، أو ناشئة عن اتِّهام مستفزّ.

ولقد بلغ أذى المشركين للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه مبلغًا عظيمًا، وحالوا بينه وبين إتمام دعوته، فوجَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صحابته إلى الحبشة؛ بوصفها محصنًا مؤقتًا للدعوة وأصحابها، فهاجر جماعةٌ من المسلمين من مكَّة إلى الحبَشة، وعلى الرغم من رحيلهم، فإنَّ مشركي قريش لم يَهْنَأ لهم بال؛ لأنَّ القضية أكبر من رحيلهم؛ فالكفر لا يَقْبل منَّا سوى الكُفر.

ائتمَرَت قريشٌ أن تبعث إلى النَّجاشي رجُلينِ؛ ليكلِّماه في شأن تسليم المهاجرين إلى أهليهم من قريش، فأتيا النجاشيَّ، فقالا: "إنه قد صبا إلى بلدك منَّا غلمان سُفَهاء، فارقوا دينَ قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدينٍ مبتدَع، فقال النجاشيُّ: لا أسلمهم إليهما، حتَّى أدعُوَهم فأسألَهم".

والمسلمون بالفعل فارقوا دينَ قومهم، ولم يدخلوا في دين النجاشيِّ، "قال بعضُهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتُموه؟".

إنه سؤال - على قلَّة حروفه - يجسِّدُ لك النَّزعات الداخلية المتقابلة في النَّفس الإنسانية، لكن الإجابة لم تتأخَّرْ عن السؤال إلاَّ قدر حسو الطائر، ولم تكن إلاَّ تعبيرًا عن البديهيَّات والمُسَلَّمات التي يتلقَّاها المرء عند أول عتبات الإسلام، فقالوا: "نقول - واللهِ - ما علَّمَنا وما أمرَنا به نبيُّنا - صلى الله عليه وسلَّم - كائنٌ في ذلك ما هو كائن"؛ الحديث رواه أحمدُ وغيره.

بِهذه الإجابة البديهيَّةِ تكون الجماعةُ قد انتقلت إلى طورٍ جديد من أطوار حركتِها، معتَمِدة على المواجهة والصِّدام وعدم الرِّضا بأنصاف الحلول.

لم يقف أمرُ قائد الجماعة على الجهر بما تَحْمِلُه جماعته من الحقِّ، بل لقد ألقى بها بين ظهرانَي النَّصارى، فقرأ على النَّجاشي صدرَ سورة مريم حتَّى بكى النجاشيُّ!

لا عجب من القرار الذي اتَّخذَتْه الجماعة المؤمنة، لا عجب من موقفها الصَّارم العنيد، لا عجب من رفضها للتنازُلات، لا عجب من استعلائها فوقَ لغة الدِّفاع المَهِين، فقد أعلنَت الدعوةُ من قبل عن مبادئها، وعبَّرَت بموقف عمَلِيٍّ يصدِّق قولَها... فالعجب لا يكون ممن يتَّخِذ موقفًا ثم يظلُّ ثابتًا عليه؛ لأنَّ الموقف الشامخ الراسخ لا تزيده النائباتُ والنوازل إلا شموخًا ورسوخًا، ولكن العجب كلَّ العجب مِمَّن يُعْلِن عن قضيَّتِه، ثم يتخلَّى عنها، ومن يتَّخِذ موقفًا ثم ينفَلِت منه.

انتهى، والكتاب من توزيع مكتبة النور - المنصورة بمصر.

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]