إضاءات سلفية(13)
- تكريم الإنسان
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70).
قال الطّبريّ في تفسير هذه الآية: يقول- تعالى ذكره- ولقد كرّمنا بني آدم بتسليطنا إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على ظهور الدّوابّ والمراكب، وفي البحر في الفلك الّتي سخّرناها لهم، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي طيّبات المطاعم والمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا وذلك تمكّنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها، ورفعها بها إلى أفواههم، وذلك غير متيسّر لغيرهم من الخلق» وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية ) أنّ التّفضيل بالعقل.
قال ابن كثير: تكريم الله للإنسان يتجلّى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها وفي أن جعل له سمعا وبصرا وفؤادا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به ويفرّق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّينيّة والدّنيويّة.
عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخّرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع فكنت تظنّ أنّك ملاقي يومك هذا؟ قال: فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني» رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «المؤمن أكرم على الله من ملائكته»
ونظر ابن عمر- رضي الله عنهما- يوما إلى البيت- أو إلى الكعبة- فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك»
(46) حق الجار
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } (النساء: 36).
حق الجار هو امتثال الوصيّة بالجار بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطّاقة. كالهديّة، والسّلام إلى غير ذلك وكفّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسّيّة كانت أو معنويّة
قال ابن حجر: واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصّديق والعدوّ، والغريب والبلديّ، والنّافع والضّارّ، والقريب والأجنبيّ والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصّفات الأول كلّها ثمّ أكثرها وهلمّ جرّا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصّفات الأخرى كذلك، فيعطى كلّ حقّه بحسب حاله.
عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه. ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» رواه مسلم.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره». متفق عليه. وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» متفق عليه.
وعن أبي شريح الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت» رواه مسلم.
ويروى أنّ رجلا جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه- فقال له: إنّ لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيّق عليّ، فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه».
اعداد: وليد دويدار