عرض مشاركة واحدة
  #421  
قديم 02-11-2024, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,035
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ... ﴾


قوله الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 267 - 273].

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾.

بيَّن عز وجل في الآيات السابقة فضل الإنفاق في سبيل الله وعظم أجره ومضاعفته، ونهى المؤمنين عن إبطال صدقاتهم بالمن والأذى، كحال الذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، ثم أمرهم في هذه الآية بالإنفاق من كسبهم، ومما أخرج الله لهم من الأرض، ونهاهم أن يتيمَّموا الخبيث منه ينفقون.

ســبب النــزول:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾، قال: نزلت فينا معشر الأنصار، كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو، فضربه بعصاه، فيسقط البسر والتمر فيأكل، وكان أناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف، وبالقنو قد انكسر، فيعلقه، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾، قالوا: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض، أو حياء، قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده»[1].

قوله: ﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ «الطيب» يطلق على الحلال وعلى الجيد وعلى الطاهر ونحو ذلك.

و«ما» موصولة أو مصدرية، والمعنى: ابذلوا وتصدقوا من حلال وجيد الذي كسبتموه، أو كسبكم، أي: الذي حصلتم عليه بالمعاملة بالبيع والشراء، والإجارة أو غير ذلك بتيسير الله تعالى لكم ذلك.

وقال هنا: ﴿ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ بينما قال بعده: ﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾، والكل منه سبحانه؛ لأن الكسب بالتعامل بالبيع والشراء ونحو ذلك فِعْلُ العبد فيه ظاهر، بخلاف الخارج من الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾ [الواقعة: 63، 64].

﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ الواو: عاطفة، و«ما»: موصولة، أي: ومن الذي ﴿ أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ من الحبوب والثمار والفواكه والمعادن وغير ذلك.

والعطف على «ما» في قوله: ﴿ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أي: ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض.

ويحتمل أن يكون العطف على ﴿ طَيِّبَاتِ ﴾؛ أي: أنفقوا من طيبات ما كسبتم، وأنفقوا مما أخرجنا لكم من الأرض؛ لأن ما أخرج الله تعالى لنا من الأرض كله طيب حلال لنا، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، وهذا أولى.

قال ابن القيم[2]: «أضاف سبحانه الكسب إليهم، وإن كان هو الخالق لأفعالهم؛ لأنه فعلهم القائم بهم، وأسند الإخراج إليه؛ لأنه ليس فعلًا لهم، ولا هو مقدورًا لهم، فأضاف مقدورهم إليهم، وأضاف مفعوله الذي لا قدرة لهم عليه إليه، ففي ضمنه الرد على من سوى بين النوعين وسلب قدرة العبد وفعله وتأثيره بالكلية».

والأمر في الآية يدخل فيه الفرض والنفل، فيشمل زكاة النقدين، وعروض التجارة، وزكاة الخارج من الأرض، والنفقات الواجبة والصدقات.

و«من» في قوله: ﴿ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾، وفي قوله: ﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ للتبعيض؛ أي: أنفقوا بعض طيبات ما كسبتم، وبعض ما أخرجنا لكم من الأرض، ويجوز كون «من» لبيان الجنس، فيجوز أن ينفق الإنسان كل ماله.

﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ الجملة معطوفة على قوله: ﴿ أَنْفِقُوا ﴾ والتيمم في اللغة القصد، قال تعالى: ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [النساء: 43].

قال الأعشى[3]:
تيمَّمت قيسًا وكم دونه
من الأرض من مهمه ذا شَزَن




أي: ولا تقصدوا وتتعمدوا الخبيث.

والمراد بـ«الخبيث» هنا: الرديء، ضد الطيب الجيد، أي: ولا تقصدوا الرديء ﴿ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾.

وقوله: ﴿ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾: حال من الفاعل في ﴿ تَيَمَّمُوا ﴾؛ أي: منفقين منه، أو حال من المفعول «الخبيث»؛ أي: منفقًا منه، وقدَّم «منه» على متعلقه للحصر.

﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ الضمير يعود إلى ﴿ الخبيث ﴾؛ أي: ولستم بقابلي هذا الرديء لو كان الحق لكم ﴿ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ «إلا»: أداة حصر.

﴿ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ الإغماض: أخذ الشيء على استحياء مع كراهته، كأنه أغمض عينيه كراهية أن يراه فلا يملأ عينه منه، بل يغض من بصره، ويغمض عنه بعض نظره كراهية له؛ أي: لو كنتم أنتم المستحقين له وبُذل لكم لم تأخذوه في حقوقكم إلا أن تتسامحوا في أخذه وتترخصوا فيه، من قولهم: أغمض فلان عن بعض حقه.

أي فكيف تبذلون لله ما لا ترضون بذله لكم، ولا يرضى أحدكم من صاحبه أن يهديه له؟ والله تعالى أحق من يختار له خيار الأشياء، وكيف تجعلون له ما تكرهون لأنفسكم وهو سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبًا؟

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾؛ أي: واعلموا أن الله غني عنكم وعن جميع خلقه، فله خزائن السموات والأرض، كما قال عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [المنافقون: 7]، وإنما دعا عز وجل عباده إلى الإنفاق ليجازيهم ويثيبهم أعظم الجزاء.

﴿ حميد ﴾ أي: محمود- سبحانه وتعالى- في غناه يحمده جميع خلقه لعظيم كرمه وواسع جوده وعطائه، كما أنه عز وجل ﴿ حميد ﴾ يحمد ويثني على من يستحق الحمد والثناء، ولهذا أثنى على أنبيائه ورسله والصالحين من عباده.

وفي الجمع بين وصفي «الغني» و«الحميد» بيان أنه عز وجل هو المحمود على غناه، بخلاف من أعطاه الله تعالى الغنى من الخلق فبخل به فإنه لا يحمد على غناه بل ويذم.

كما أن غناه وحمده يأبيان قبول الرديء، فإن قَابِلَ الرديء الخبيث إما أن يقبله لحاجته إليه، وإما أن نفسه لا تأباه لعدم كمالها وشرفها، وأما الغني عنه الشريف القدر الكامل الأوصاف فإنه لا يقبله.

قوله تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.

بيَّن عز وجل في الآيات السابقة فضل الإنفاق في سبيله وأمر المؤمنين بالإنفاق من طيب ما كسبوه، ومما أخرج الله لهم من الأرض، ونهاهم عن قصد الخبيث للإنفاق منه، ثم أتبع ذلك ببيان أن الشيطان يعدهم الفقر ويخوِّفهم منه إن أنفقوا، ويأمرهم بالفحشاء من البخل والمن والأذى، وغير ذلك من المعاصي، والله يعدهم مغفرةً وفضلًا، وفي ذلك تحذير من البخل والمن والأذى، وترغيب في الإنفاق بلا منٍّ ولا أذى.

قوله: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ: «الشيطان» اسم لكل متمرد عاتٍ خارج عن طاعة الله تعالى من الإنس والجن والحيوان، والمراد به هنا إبليس لعنه الله.

﴿ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ﴾ الوعد غالبًا يكون في الخير، وقد يكون في الشر كما في هذه الآية، وكما في قوله: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج: 47].

ومعنى ﴿ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ﴾، أي: يخوفكم الفقر والحاجة والعيلة بسبب الإنفاق.

فيأتي للإنسان ويقول له: لا تنفق، وأمسك عليك مالك، فأنت محتاج إليه، فيحمله بوعده الكاذب وغروره على إساءة الظن بربه، ويحرمه من أجر المنفقين، وقد أحسن القائل:
دلاهم بغرور ثم أوردهم
إن الخبيث لمن ولاه غرار[4]




﴿ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾؛ أي: بالبخل، الذي هو من أقبح الفواحش، والفحشاء في الأصل تعم كل ما قبح وفحش في الشرع وعُرْفِ المسلمين.

وفي الحديث: «إن للشيطان للمَّة بابن آدم، وللملك لمَّة، فأما لمَّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان، ثم قرأ: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ﴾»[5].

﴿ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ ﴾؛ أي: والله يعدكم بوعده الذي لا يخلف، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 9]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج: 47]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111].

﴿ مَغْفِرَةً مِنْهُ ﴾ أي: مغفرة منه واسعة لذنوبكم بالستر لها، والتجاوز عن العقوبة عليها، وهذا في مقابل أمر الشيطان بالفحشاء.

وفي قوله: ﴿ منه ﴾ تعظيم لمغفرته عز وجل، أي: مغفرة عظيمة واسعة لجميع الذنوب، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم: 32]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

بل إنه عز وجل يبدل السيئات حسنات؛ كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].

﴿ وفضلًا ﴾؛ أي: ويعدكم فضلًا عظيمًا منه، وهذا في مقابل وعد الشيطان لكم بالفقر؛ أي: وزيادة منه بالخلف على المنفق في الدنيا أضعاف ما أنفق، وزيادة منه في الآخرة بمضاعفة الحسنات وثواب الصدقات، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

كما قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، وقال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 265]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39].

وفي الحديث: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا»[6].

فهذا وعد الله، وذلك وعد الشيطان، فلينظر البخيل والمنفق، أي الوعدين أوثق، وإلى أيهما يطمئن قلبه وتسكن نفسه، وشتان ما بين الثرى والثريا، كما قال ابن القيم[7]:
شتان بين الحالتين فإن ترد
جمعًا فما الضدان يجتمعان




قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.

ذكر الله عز وجل في الآيات السابقة فضل الإنفاق في سبيل الله لمن منَّ الله عز وجل عليهم بالأموال، ثم أتبع ذلك بذكر ما هو أفضل من الأموال وهو: الحكمة والعلم والرشد، ممتنًا بذلك على من آتاه الله تعالى ذلك، وقدره قدره وأدى حقه.

قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴾؛ أي: يعطي الحكمة الذي يشاء من عباده، والحكمة: العلم والرشد والمعرفة بالله تعالى وكتابه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها»[8].

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار»[9].

ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴾ يعني: المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله[10].

قال ابن القيم[11]: «الحكمة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي».

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]