
02-11-2024, 11:19 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,035
الدولة :
|
|
رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله
«عون الرحمن في تفسير القرآن»
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
تفسير قوله الله تعالى:﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ.. ﴾
[البقرة: 284 - 286]
قوله الله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 284 - 286].
قوله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
قوله: ﴿ لله ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم؛ لإفادة الحصر، أي: لله وحده ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ خلقًا وملكًا وتدبيرًا، بلا شريك، ولا منازع.
كما قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].
و﴿ مَا ﴾ في قوله: ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾: موصولة تفيد العموم، وكررت مع قوله: ﴿ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ لتأكيد العموم.
والسماوات: جمع سماء، وهي الأجرام العلوية، وهي كالقبة على الأرض، وكل ما كان منها أعلى فهو أوسع، وهي سبع؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [المؤمنون: 86]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 12].
والمراد بالأرض جنس الأرضين، وأفردت في القرآن كله- والله أعلم- لثقل الجمع، وهي سبع أرضين، كما قال تعالى في آية الطلاق: ﴿ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾؛ أي: مثل السماوات في العدد، وفي الحديث: «من ظلم قيد شبر طُوِّقه من سبع أرضين يوم القيامة»[1].
وفيه: «من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين»[2].
فهو - عز وجل - خالق السماوات والأرض، وجميع ما فيهما من العوالم، وما بينهما، وجميع ما في الكون، ومالكه ومدبره.
فالخلق خلقه، والملك ملكه، والأمر أمره، كما قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، وقال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ﴾ [المائدة: 120]، وقال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 49]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].
فله - عز وجل - الخلق والملك والتدبير، وكمال الربوبية، مما يستلزم أن يكون له كمال الألوهية.
﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ الواو: عاطفة، و«إن» شرطية، و﴿ تُبْدُوا ﴾: فعل الشرط، و﴿ ما ﴾ موصولة، أي: وإن تظهروا الذي في صدوركم وقلوبكم من المعتقدات، والمضمرات والسرائر.
﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ معطوف على ﴿ تُبْدُوا ﴾ والضمير يعود إلى ﴿ ما ﴾ الموصولة، أي: أو تسروه وتضمروه.
﴿ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾: جواب الشرط «إن»، والضمير في «به» يعود إلى ﴿ ما ﴾ في قوله: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾.
ومعنى ﴿ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾: يُطلعكم عليه ويخبركم به ويظهره لكم ؛ لأنه- عز وجل- لا تخفى عليه خافية، والسر والعلانية عنده سواء.
كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]، وقال تعالى: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 29].
وقال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7]، وقال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [التغابن: 4]، وقال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [هود: 5].
قال ابن تيمية في كلامه على الآية: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾: «فهذا متضمن لكمال علمه- سبحانه وتعالى- بسرائر عباده وظواهرهم، وأنه لا يخرج شيء من ذلك عن علمه، كما لم يخرج شيء ممن في السماوات والأرض عن ملكه، فعلمه عام، وملكه عام، ثم أخبر تعالى عن محاسبته لهم بذلك، وهي تعريفهم ما أبدوه أو أخفوه، فتضمن ذلك علمه بهم، وتعريفهم إياه»[3].
ولا يلزم من المحاسبة المعاقبة، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾، قرأ ابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب برفع الراء والباء منهما، على الاستئناف، وقرأ الباقون بجزمهما عطفًا على جواب الشرط ﴿ يُحَاسِبْكُمْأي: (فَيَغْفِرُ ﴾ برحمته ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ من عباده المؤمنين.
والمغفرة: ستر الذنب عن الخلق والتجاوز عن العقوبة- كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في تقرير المؤمن بذنوبه وقول الله- عز وجل- له: «أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم»[4].
ومنه سُمي «المغفر» وهو البيضة التي توضع على الرأس حال القتال تستره، وتقيه السهام ونحوها.
﴿ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ من الكفرة والعصاة بعدله، كما قال تعالى: ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286].
وفي قوله تعالى: ﴿ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾، دليل على أن المحاسبة لا تستلزم المعاقبة فإنه - عز وجل - قد يحاسب ويغفر، وقد يحاسب ويعاقب، وعليه يدل حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه - عز وجل - حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف مرتين، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، قال: فيُعطى صحيفة حسناته - أو كتابه - بيمينه، وأما الكفار فينادى بهم على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين»[5].
وهذه الآية كقوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 129].
وقوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 40].
قوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، قدِّم المتعلقين وهما قوله: ﴿ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾ على الخبر ﴿ قدير ﴾ لتأكيد شمول قدرته، وإحاطتها بكل شيء، و«قدير» على وزن «فعيل» صفة مشبهة، يدل على كمال قدرته عز وجل.
فهو - عز وجل - ذو القدرة التامة، وذو القدرة على كل شيء، لا يُعجزه شيء، كما قال عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]، ولا أحد يقدر على كل شيء إلا الله عز وجل.
وناسب ختم الآية بقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾؛ لأن محاسبته - عز وجل - للعباد على ما يبدون وما يخفون، ومغفرته لمن يشاء وتعذيبه لمن يشاء منهم، إنما يحصل ذلك يوم البعث والمعاد الذي هو من أعظم الدلائل على كمال قدرته عز وجل.
قوله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.
ســبب النــزول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم بركوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله، كلِّفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في إثرها: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾.
فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾، قال: نعم، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾، قال: نعم، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾، قال: نعم، ﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ قال: نعم»[6].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما نزلت هذه الآية: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾، قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا» قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾، قال: قد فعلت، ﴿ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ قال: قد فعلت ﴿ وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا ﴾ قال: قد فعلت»[7].
وعن سالم بن عبدالله بن عمر: «أن أباه قرأ: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾، فدمعت عيناه، فبلغ صنيعه ابن عباس، فقال: يرحم الله أبا عبدالرحمن - لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أنزلت، فنسختها الآية التي بعدها: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾»[8].
فضل هاتين الآيتين:
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»[9].
قيل: كفتاه عن قيام الليل، وقيل: كفتاه بركة، وتعوذًا من الشياطين والمضار، وقيل غير ذلك.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة، من كنز تحت العرش، لم يعطهن نبي قبل»[10].
وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة، فإني أعطيتهما من تحت العرش»[11].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل، إذ سمع نقيضًا فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء، فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط. قال: فنزل منه ملك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفًا منهما إلا أوتيته»[12].
قوله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾.
قوله: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ في هذه الآية الكريمة ثناء من الله - عز وجل - على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وامتداح لهم بأنهم صدقوا وأقرُّوا بما أنزل إليهم من ربهم، وانقادوا له بجوارحهم، ظاهرًا وباطنًا.
﴿ الرَّسُولُ ﴾ (أل) للعهد الذهني؛ أي: الرسول المعهود المعروف محمد صلى الله عليه وسلم المرسل من عند الله - عز وجل - قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾ [البقرة: 119]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45].
﴿ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ﴾؛ أي: بالذي أنزل إليه من ربه من الوحي، وهو القرآن الكريم، والسنة المطهرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [النساء: 113]؛ أي: القرآن والسنة.
والمراد بالربوبية هنا أخص الربوبية؛ لأن الربوبية أقسام: الربوبية العامة لجميع الخلق، والربوبية الخاصة للمؤمنين، وربوبية خاصة الخاصة للرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وربوبية خاصة خاصة الخاصة له - صلى الله عليه وسلم من بين الرسل والأنبياء.
والإيمان بالمنزَّل يستلزم الإيمان بالمنزِّل، فآمن صلى الله عليه وسلم بربه - عز وجل - وبما أنزله إليه من القرآن والسنة، وقال صلى الله عليه وسلم- كما في حديث جابر رضي الله عنه: «أشهد أني رسول الله»[13].
وانقاد لذلك صلوات الله وسلامه عليه تبليغًا له، ودعوة إليه، وعملًا به، فبلغ البلاغ المبين، وقام حتى تفطرت قدماه[14].
﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ عطف على الرسول، أي: وآمن المؤمنون الذين حققوا الإيمان بما أُنزل إليه صلى الله عليه وسلم من ربه من الوحي، اتباعًا له صلى الله عليه وسلم فآمنوا بالله - عز وجل - وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل إليه، وانقادوا لذلك ظاهرًا وباطنًا.
﴿ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ الآية.
هذا توكيد وتفصيل؛ لقوله قبله: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾.
﴿ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾؛ أي: كل من الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين آمن بالله وصدق بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
والإيمان بالله ركن من أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره- كما جاء في حديث عمر بن الخطاب وأبي هريرة رضي الله عنهما[15].
﴿ وَمَلَائِكَتِهِ﴾ أي: وآمنوا وصدقوا بملائكة الله- عز وجل- على وجه الإجمال والتفصيل- كما جاء في الكتاب والسنة.
والإيمان بهم ركن من أركان الإيمان الستة، وهم عالم غيبي، خلقهم الله من نور، كما قال صلى الله عليه وسلم: «خلق الله الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»[16].
أعطاهم الله قوة وقدرة على القيام بما يأمرهم الله - عز وجل - بتدبيره من أمر الكون، كما قال تعالى: ﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ [النازعات: 5]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 27]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
يعبدون الله - عز وجل - ويسبحون على الدوام؛ كما قال تعالى: ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 20].
منهم من وُكِّل بالوحي، وهو جبريل - عليه السلام - ومنهم من وكل بالقطر، وهو ميكائيل، ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومنهم إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، ومنهم الموكل بالجبال، ومنهم الموكلون بالرحم والنطف، ومنهم الموكلون بحفظ العباد وأعمالهم، ومنهم الموكلون بالسؤال في القبر، ومنهم الموكلون بالشمس والقمر والأفلاك، ومنهم الموكلون بالجنة، ومنهم الموكلون بالنار، ومنهم الصافون المسبحون، ومنهم حملة العرش، إلى غير ذلك.
﴿ وَكُتُبِهِ ﴾ قرأ حمزة والكسائي وخلف: «وكتابه» بالإفراد، وقرأ الباقون: ﴿ وَكُتُبِهِ ﴾ بالجمع، والقراءتان بمعنى واحد؛ لأن «كتاب» على قراءة الإفراد مفرد مضاف، والمفرد المضاف يعم - أي: وآمنوا وصدقوا بجميع كتب الله - عز وجل - على وجه الإجمال والتفصيل، كما جاء في الكتاب والسنة:
منها: صحف إبراهيم عليه السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19].
ومنها: «التوراة والصحف التي أنزلها الله على موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾ [المائدة: 44]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾.
وأكثر أهل العلم على أن المراد «بصحف موسى» التوراة، وقيل: غيرها.
ومنها: «الإنجيل» الذي أنزله الله - عز وجل- على عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - كما قال تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46].
والمراد بالتوراة والإنجيل الكتابان اللذان أنزلهما الله حقًا، لا ما يوجد اليوم في أيدي اليهود والنصارى مما حرف وبدل.
ومنها: «الزبور» الذي آتاه الله- عز وجل- داود- عليه الصلاة والسلام- كما قال تعالى: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163].
ومنها: «القرآن» الذي أنزله الله - عز وجل - على محمد- عليه الصلاة والسلام- كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113].
كما آمنوا على وجه الإجمال بجميع الكتب التي أنزلها الله على جميع رسله، كما قال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213] وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25].
آمنوا بأن جميع كتب الله- عز وجل- منزلة من عنده حقًّا وصدقًا، وأنها متفقة في الدعوة إلى عبادة الله - عز وجل - وفي أصول الشرائع من الدعوة إلى الخير وفضائل الأعمال، والنهي عن الشر ومساوئ الأعمال، وأن القرآن الكريم مصدق لجميع الكتب المنزلة قبله، ومهيمن عليها، وناسخ لها، فما وافقه من أحكامها قبلناه وما خالفه منها تركناه، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].
وأنه كلام الله - عز وجل - حقًّا المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أخباره صدق، وأحكامه عدل، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115].
﴿ وَرُسُلِهِ ﴾؛ أي: وآمنوا وصدقوا برسله- عز وجل- من لدن آدم- عليه السلام- إلى نبينا محمد- عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، من قصهم الله- عز وجل- في كتابه، ومن لم يقصصهم، كما قال تعالى: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164].
والرسول: هو من أوحى الله إليه بشرع، وأمره بتبليغه، وعدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا، ذكر في القرآن الكريم منهم خمسة وعشرون رسولًا.
منهم ثمانية عشر رسولًا ذكروا في قوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 83 - 86].
ومنهم إدريس، وذو الكفل، وهود، وصالح، وشعيب، ومنهم وأولهم آدم، ومنهم وآخرهم وخاتمهم وأفضلهم محمد- عليه وعليهم الصلاة والسلام.
قال البيجوري[17]:
في تلك حجتنا منهم ثمانية 
من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو
إدريس هود شعيب صالح وكذا 
ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا» قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير». قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: «آدم»، قلت: يا رسول الله، نبي مرسل؟ قال: «نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلًا»، ثم قال: «يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم وشيث، ونوح، وخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بقلم، وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر، وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأول النبيين آدم وآخرهم نبيك»[18].
﴿ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ قرأ يعقوب بالياء «لا يُفَرِّق»، وقرأ الباقون بالنون ﴿ لا نُفَرِّقُ ﴾.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|