
03-11-2024, 02:21 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,591
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (491)
صــ 531 إلى صــ 545
القول في تأويل قوله ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ( 70 ) ( 69 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ومن يطع الله والرسول " بالتسليم لأمرهما ، وإخلاص الرضى بحكمهما ، والانتهاء إلى أمرهما ، والانزجار عما نهيا عنه من معصية الله ، فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه ، وفي الآخرة إذا دخل الجنة " والصديقين " وهم جمع " صديق " .
واختلف في معنى : " الصديقين " .
فقال بعضهم : الصديقون تباع الأنبياء الذين صدقوهم واتبعوا منهاجهم بعدهم حتى لحقوا بهم . فكأن " الصديق " " فعيل " على مذهب قائلي هذه المقالة من " الصدق " كما يقال : رجل سكير من السكر ، إذا كان مدمنا على ذلك ، وشريب ، وخمير . [ ص: 531 ]
وقال آخرون : بل هو " فعيل " من " الصدقة " ، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو تأويل من قال ذلك ، وهو ما : -
9923 - حدثنا به سفيان بن وكيع قال : حدثنا خالد بن مخلد ، عن موسى بن يعقوب قال : أخبرتني عمتي قريبة بنت عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أمها كريمة ابنة المقداد ، عن ضباعة بنت الزبير ، وكانت تحت المقداد ، عن المقداد قال : قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيء سمعته منك شككت فيه ، قال : إذا شك أحدكم في الأمر فليسألني عنه ، قال قلت : قولك في أزواجك : " إني لأرجو لهن من بعدي الصديقين " قال : من تعدون الصديقين ؟ قلت : أولادنا الذين يهلكون صغارا . قال : لا ولكن الصديقين هم المصدقون .
وهذا خبر لو كان إسناده صحيحا لم نستجز أن نعدوه إلى غيره ، ولو كان في إسناده بعض ما فيه . [ ص: 532 ]
فإذ كان ذلك كذلك فالذي هو أولى ب " الصديق " أن يكون معناه : المصدق قوله بفعله . إذ كان " الفعيل " في كلام العرب إنما يأتي إذا كان مأخوذا من الفعل ، بمعنى المبالغة ، إما في المدح ، وإما في الذم ، ومنه قوله - جل ثناؤه - في صفة مريم : ( وأمه صديقة ) [ سورة المائدة : 75 ] .
وإذا كان معنى ذلك ما وصفنا كان داخلا من كان موصوفا بما قلنا في صفة المتصدقين والمصدقين .
" والشهداء " ، وهم جمع " شهيد " ، وهو المقتول في سبيل الله ، سمي بذلك لقيامه بشهادة الحق في جنب الله حتى قتل .
" والصالحين " ، وهم جمع " صالح " ، وهو كل من صلحت سريرته وعلانيته .
وأما قوله - جل ثناؤه - : " وحسن أولئك رفيقا " فإنه يعني : وحسن هؤلاء الذين نعتهم ووصفهم رفقاء في الجنة .
" والرفيق " في لفظ واحد بمعنى الجميع ، كما قال الشاعر : [ ص: 533 ]
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء وهن صديق
بمعنى : وهن صدائق .
وأما نصب الرفيق فإن أهل العربية مختلفون فيه .
فكان بعض نحويي البصرة يرى أنه منصوب على الحال ، ويقول : هو كقول الرجل : كرم زيد رجلا ، ويعدل به عن معنى : نعم الرجل ، ويقول : إن " نعم " لا تقع إلا على اسم فيه ألف ولام ، أو على نكرة .
وكان بعض نحويي الكوفة يرى أنه منصوب على التفسير ، وينكر أن يكون حالا ويستشهد على ذلك بأن العرب تقول : كرم زيد من رجل وحسن أولئك من رفقاء ، ، وأن دخول " من " دلالة على أن " الرفيق " مفسره . قال : وقد حكي عن العرب : نعمتم رجالا ، فدل على أن ذلك نظير قوله : وحسنتم رفقاء .
قال أبو جعفر : وهذا القول أولى بالصواب للعلة التي ذكرنا لقائليه . [ ص: 534 ]
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت لأن قوما حزنوا على فقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذرا أن لا يروه في الآخرة .
ذكر الرواية بذلك :
9924 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل من الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محزون ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا فلان ، مالي أراك محزونا ؟ قال : يا نبي الله ، شيء فكرت فيه ، فقال : ما هو ؟ قال : نحن نغدو عليك ونروح ، ننظر في وجهك ونجالسك ، غدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك ، فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا . فأتاه جبريل - عليه السلام - بهذه الآية : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " . قال : فبعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فبشره .
9925 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا ، فإنك لو قد مت رفعت فوقنا فلم نرك ، فأنزل الله : " ومن يطع الله والرسول " الآية .
9926 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين : ذكر لنا أن رجالا قالوا : هذا نبي الله نراه في الدنيا ، فأما في الآخرة فيرفع فلا نراه ، فأنزل الله : " ومن يطع الله والرسول " إلى قوله : " رفيقا " .
9927 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم " الآية ، قال : قال ناس من الأنصار : يا رسول الله إذا أدخلك الله الجنة فكنت [ ص: 535 ] في أعلاها ، ونحن نشتاق إليك ، فكيف نصنع ؟ فأنزل الله : " ومن يطع الله والرسول " .
9928 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن يطع الله والرسول " الآية ، قال : إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : قد علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - له فضله على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه ، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا ؟ فأنزل الله في ذلك . يقال : إن الأعلين ينحدرون إلى من هم أسفل منهم فيجتمعون في رياضها ، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه ، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به ، فهم في روضه يحبرون ويتنعمون فيه .
وأما قوله : ذلك الفضل من الله ، فإنه يقول : كون من أطاع الله والرسول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " الفضل من الله " يقول : ذلك عطاء الله إياهم وفضله عليهم ، لا باستيجابهم ذلك لسابقة سبقت لهم .
فإن قال قائل : أوليس بالطاعة وصلوا إلى ما وصلوا إليه من فضله ؟
قيل له : إنهم لم يطيعوه في الدنيا إلا بفضله الذي تفضل به عليهم ، فهداهم به لطاعته ، فكل ذلك فضل منه - تعالى ذكره - .
وقوله : " وكفى بالله عليما " يقول : وحسب العباد بالله الذي خلقهم " عليما " [ ص: 536 ] بطاعة المطيع منهم ومعصية العاصي ، فإنه لا يخفى عليه شيء من ذلك ، ولكنه يحصيه عليهم ويحفظه ، حتى يجازي جميعهم جزاء المحسنين منهم بالإحسان ، والمسيئين منهم بالإساءة ، ويعفو عمن شاء من أهل التوحيد .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ( 71 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " يا أيها الذين آمنوا " : صدقوا الله ورسوله " خذوا حذركم " خذوا جنتكم وأسلحتكم التي تتقون بها من عدوكم لغزوهم وحربهم " فانفروا إليهم ثبات " .
وهي جمع " ثبة " ، " والثبة " : العصبة .
ومعنى الكلام : فانفروا إلى عدوكم جماعة بعد جماعة متسلحين .
ومن " الثبة " قول زهير :
وقد أغدوا على ثبة كرام نشاوى واجدين لما نشاء [ ص: 537 ]
وقد تجمع " الثبة " على " ثبين " . .
" أو انفروا جميعا " يقول : أو انفروا جميعا مع نبيكم - صلى الله عليه وسلم - لقتالهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9929 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : خذوا حذركم فانفروا ثبات : يقول : عصبا ، يعني سرايا متفرقين " أو انفروا جميعا " يعني : كلكم .
9930 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " فانفروا ثبات " قال : فرقا قليلا قليلا .
9931 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فانفروا ثبات " قال : الثبات : الفرق .
9932 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
9933 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فانفروا ثبات " فهي العصبة ، وهي الثبة ، " أو انفروا جميعا " مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
9934 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " فانفروا ثبات " يعني : عصبا متفرقين .
[ ص: 538 ] القول في تأويل قوله ( وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ( 72 ) )
قال أبو جعفر : وهذا نعت من الله - تعالى ذكره - للمنافقين نعتهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال : " وإن منكم " - أيها المؤمنون - يعني من عدادكم وقومكم ، ومن يتشبه بكم ويظهر أنه من أهل دعوتكم وملتكم ، وهو منافق يبطئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم " فإن أصابتكم مصيبة " يقول : فإن أصابتكم هزيمة ، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم " قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا " فيصيبني جراح أو ألم أو قتل ، وسره تخلفه عنكم شماتة بكم ؛ لأنه من أهل الشك في وعد الله الذي وعد المؤمنين على ما نالهم في سبيله من الأجر والثواب وفي وعيده . فهو غير راج ثوابا ، ولا خائف عقابا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9935 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة " إلى قوله : " فسوف نؤتيه أجرا عظيما " ما بين ذلك في المنافقين . [ ص: 539 ]
9936 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
9937 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإن منكم لمن ليبطئن " عن الجهاد والغزو في سبيل الله " فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا " قال : هذا قول مكذب .
9938 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج : المنافق يبطئ المسلمين عن الجهاد في سبيل الله . قال الله " فإن أصابتكم مصيبة " قال بقتل العدو من المسلمين " قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا " قال : هذا قول الشامت .
9939 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فإن أصابتكم مصيبة " قال : هزيمة .
ودخلت " اللام " في قوله : لمن وفتحت لأنها اللام التي تدخل توكيدا للخبر مع إن ، كقول القائل : إن في الدار لمن يكرمك . وأما اللام الثانية التي في " ليبطئن " فدخلت لجواب القسم ، كأن معنى الكلام : وإن منكم أيها القوم لمن والله ليبطئن .
[ ص: 540 ] القول في تأويل قوله ( ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ( 73 ) )
قال أبو جعفر : يقول - جل ثناؤه - : " ولئن أصابكم فضل من الله " : ولئن أظفركم الله بعدوكم فأصبتم منهم غنيمة ليقولن هذا المبطئ المسلمين عن الجهاد معكم في سبيل الله المنافق : " كأن لم يكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز " بما أصيب معهم من الغنيمة : " فوزا عظيما " .
وهذا خبر من الله - تعالى ذكره - عن هؤلاء المنافقين أن شهودهم الحرب مع المسلمين إن شهدوها لطلب الغنيمة ، وإن تخلفوا عنها فللشك الذي في قلوبهم ، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابا ، ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابا .
وكان قتادة وابن جريج يقولان : إنما قال من قال من المنافقين إذا كان الظفر للمسلمين " : يا ليتني كنت معهم " حسدا منهم لهم .
9940 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما قال : قول حاسد .
9941 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " ولئن أصابكم فضل من الله " قال : ظهور المسلمين على عدوهم فأصابوا الغنيمة " ليقولن " : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما " ، قال : قول الحاسد .
[ ص: 541 ] القول في تأويل قوله ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( 74 ) )
قال أبو جعفر : وهذا حض من الله المؤمنين على جهاد عدوه من أهل الكفر به على أحايينهم غالبين كانوا أو مغلوبين ، والتهاون بأقوال المنافقين في جهاد من جاهدوا من المشركين ، [ وأن لهم في ] جهادهم إياهم - مغلوبين كانوا أو غالبين - منزلة من الله رفيعة .
يقول الله لهم - جل ثناؤه - : فليقاتل في سبيل الله ، يعني في دين الله والدعاء إليه ، والدخول فيما أمر به أهل الكفر به " الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة " ، يعني الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله أهل طاعته فيها ، وبيعهم إياها بها إنفاقهم أموالهم في طلب رضى الله لجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دينه ، وبذلهم مهجهم له في ذلك .
أخبر - جل ثناؤه - بما لهم في ذلك إذا فعلوه فقال : ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما : يقول : ومن يقاتل - في طلب إقامة دين الله وإعلاء كلمة الله - أعداء الله " فيقتل " يقول : فيقتله أعداء الله ، أو يغلبهم [ ص: 542 ] فيظفر بهم " فسوف نؤتيه أجرا عظيما " يقول : فسوف نعطيه في الآخرة ثوابا وأجرا عظيما . وليس لما سمى - جل ثناؤه - " عظيما " مقدار يعرف مبلغه عباد الله .
وقد دللنا على أن الأغلب على معنى " شريت " في كلام العرب " بعت " بما أغنى [ عن إعادته ]
وقد : -
9942 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة : يقول : يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة .
9943 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، ف " يشري " : يبيع ، " ويشري " : يأخذ ، وإن الحمقى باعوا الآخرة بالدنيا .
القول في تأويل قوله ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ( 75 ) ) [ ص: 543 ]
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " وما لكم " - أيها المؤمنون - " لا تقاتلون في سبيل الله " وفي " المستضعفين " يقول : عن المستضعفين منكم " من الرجال والنساء والولدان " ، فأما من " الرجال " فإنهم كانوا قد أسلموا بمكة ، فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم ، وآذوهم ، ونالوهم بالعذاب والمكاره في أبدانهم ليفتنوهم عن دينهم ، فحض الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار ، فقال لهم : وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله ، وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم الذين قد استضعفهم الكفار فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم وصدهم عن دينهم ؟ من الرجال والنساء والولدان : جمع ولد ، وهم الصبيان " الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها " يعني بذلك أن هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقولون في دعائهم ربهم بأن ينجيهم من فتنة من قد استضعفهم من المشركين : يا ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها .
والعرب تسمي كل مدينة : قرية ، يعني التي قد ظلمتنا وأنفسها أهلها ، وهي في هذا الموضع فيما فسر أهل التأويل مكة " .
وخفض " الظالم " ؛ لأنه من صفة " الأهل " ، وقد عادت " الهاء والألف " اللتان فيه على " القرية " ، وكذلك تفعل العرب إذا تقدمت صفة الاسم الذي معه عائد لاسم قبلها ، أتبعت إعرابها إعراب الاسم الذي قبلها ، كأنها صفة له ، فتقول : مررت بالرجل الكريم أبوه .
" واجعل لنا من لدنك وليا " يعني : أنهم يقولون - أيضا - في دعائهم : يا ربنا واجعل لنا من عندك وليا يلي أمرنا بالكفاية مما نحن فيه من فتنة أهل الكفر بك [ ص: 544 ] " واجعل لنا من لدنك نصيرا " يقولون : واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا من أهل هذه القرية الظالم أهلها ، بصدهم إيانا عن سبيلك ، حتى تظفرنا بهم ، وتعلي دينك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9944 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها قال : أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفي المؤمنين كانوا بمكة .
9945 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان " الصبيان " الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها " : مكة أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفين مؤمنين كانوا بمكة .
9946 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها : يقول : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي المستضعفين وأما " القرية " فمكة .
9947 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين قال : وفي المستضعفين . [ ص: 545 ]
9948 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع محمد بن مسلم بن شهاب يقول : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان قال : في سبيل الله وسبيل المستضعفين .
9949 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، قالا : خرج رجل من القرية الظالمة إلى القرية الصالحة ، فأدركه الموت في الطريق ، فنأى بصدره إلى القرية الصالحة ، فما تلافاه إلا ذلك ، فاحتجت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فأمروا أن يقدروا أقرب القريتين إليه ، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر . وقال بعضهم : قرب الله إليه القرية الصالحة ، فتوفته ملائكة الرحمة .
9950 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان : هم أناس مسلمون كانوا بمكة ، لا يستطيعون أن يخرجوا منها ليهاجروا ، فعذرهم الله ، فهم أولئك . وقوله : ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، فهي مكة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|