تحريم نسبة السَّهو أو النِّسْيان إلى الله تبارك وتعالى
فواز بن علي بن عباس السليماني
قال الله تعالى: ﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئًا، ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم:64]؛ رواه البزار في «مسنده» برقم (123)، وقال: إسناده صالح؛ اهـ.
ورواه الحاكم في «المستدرك» (2/ 375)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه؛ اهـ، ووافقه الذهبي:[1].
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض فرائض، فلا تضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم أشياءَ، فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها»؛ رواه الدارقطني في «سننه» برقم (4396) وغيرُه[2].
فصلٌ: في معنى قوله تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67]، ونظائرها من الآيات:
قال الله تعالى: ﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67].
قال المفسر الكبير ابن جرير الطبري في «تفسيره» (1/ 9): قال جل ثناؤه: ﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ تركوا طاعة الله، فتركهم الله من ثوابه؛ اهـ.
وقال الإمام البغوي في «تفسيره» (2/ 367): قوله: ﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾: تركوا طاعة الله فتركهم من توفيقه وهدايته في الدنيا، ومن رحمته في الآخرة، وتركهم في عذابه؛ اهـ.
وقال الإمام القرطبي في «تفسيره» (11/ 178): والنسيان الترك؛ قال الله تعالى:﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾، و﴿ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [الحشر:19]، سواء كان مع ذهول أو لم يكن؛ لأن الله تعالى لا ينسى، وإنما معناه تركهم؛ اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/ 152):﴿ نَسُوا اللهَ ﴾؛ أي: نسوا ذكر الله، ﴿ فَنَسِيَهُمْ ﴾؛ أي: عاملهم معاملة مَن نَسِيَهم؛ كقوله تعالى: ﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ [الجاثية:34]؛ اهـ، وقال تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا ﴾ [الأعراف: 51].
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (3/ 381)؛ أي: يعاملهم معاملة من نسيهم؛ لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه؛ كما قال تعالى: ﴿ فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 52]، وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة؛ كقوله: ﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67].
وقال: ﴿ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 126].
وقال تعالى: ﴿ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾ [الجاثية: 34].
وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا ﴾: قال: نَسِيَهم الله من الخير، ولم يَنسَهم من الشر.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا.
وقال مجاهد: نتركهم في النار.
وقال السدي: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
وفي «الصحيح[3]»: أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: (ألم أزوِّجك؟ ألم أُكرمك؟، ألم أسخِّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول الله تعالى: فاليوم أنساك كما نسيتني)؛ اهـ.
قلت: فعُلِمَ أن النسيان في حق الله تبارك وتعالى، يُراد به الترك اتفاقًا، لا الذهول، والله أعلم وأحكم وهو اللطيف الخبير.
==================================
[1] حسنٌ: راجع: «مجمع الزوائد» (1/ 171)، و«الصحيحة» برقم (2256).
[2] قال الإمام النووي: في «الأربعين النووية» ـ عقب ذكره له برقم (30)ـ: حديث حسن؛ اهـ،
وقال الحافظ ابن رجب: في «جامع العلوم والحكم» (2/ 150): هذا الحديث من رواية مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، وله علتان:
إحداهما: أن مكحولًا لم يصح له السماع من أبي ثعلبة، قاله: أبو مسهر الدمشقي، وأبو نعيم الحافظ، وغيرهما.
والثانية: أنه اختُلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدارقطني: الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر، ثم قال ابن رجب: وقد حسَّن الشيخ: ـ أي: النووي ـ هذا الحديث، وكذلك حسنه قبله الحافظ أبو بكر بن السمعاني في «أماليه»؛ اهـ.
قلت: وقد رُوِيَ الحديث عن جمعٍ من الصحابة رضي الله عنهم ذكر الحافظ ابن رجب في جامعه بعضًا منهم، وحكم على أسانيدها، كما استفادها منه: الدكتور/ سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد، في «تحقيقه لتفسير سعيد بن منصور المذكور في سننه» (2/ 328)، فذكرها وزاد عليها، مع بيان حالها، ولولا طلب الاختصار؛ لسقتها، والله المستعان، وهو أعلم.
وقال العلامة الألباني في «تحقيق الإيمان» لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص44): حديث حسن بشاهده؛ اهـ.
[3] «صحيح مسلم» برقم (2968)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.