عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-11-2024, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,350
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات في بعض آيات سورة النازعات

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد الأولين والآخرين، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أنكم في دار الأعمال والإمهال، والفرصة بيننا يا عباد الله، فالسعيد من اتَّعظ بغيره، ألا وإن أمير المؤمنين عليًّا كان يقول: (ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة ترحلت مُقبلة، فمنذ أن خلق الله الدنيا وهي في إدبار، ومنذ أن خلق الله الآخرة وهي في إقبال، ألا وإن لكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل).

يا عباد الله، ما أحوجنا إلى أن نعظِّم الله في قلوبنا؛ لنعظم شعائره وأوامره، وأن يكون في قلوبنا خوفٌ من الله تعالى، إن من كان في قلبه خوف من الله، لهو والله أفضل من أن يكون في قلبه أمن فقط، فإن كثيرًا من الناس ربما كانوا من المسلمين، قد أعطوا لأنفسهم الشعاع الأخضر فلا مراقبة ولا محاسبة، وقد قال رجل للحسن البصري رحمه الله: إني أجالس أقوامًا يخوفونني بالله فهل أجالسهم؟ فقال له أبو سعيد: والله لأن تجالس أقوامًا يخوفونك حتى تدرك الأمان، خير لك من أن تجالس أقوامًا يؤمنونك حتى تكون في خوف.

فالمؤمن يا عباد الله لابد أن يجمع بين الخوف والرجاء، فلا ينبغي له أن يكون يائسًا من رحمة الله، بل لابد أن يرجوه، ولابد أن يخافه خوفًا يَمنعه عن المعصية، ورجاء يدرأ به اليأس والقنوط؛ فإن الله يقول: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، إلا في حالتين اثنتين لابد أن تغلب جانب الخوف، وكذلك الرجاء، فمن أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي والموبقات، فلابد أن يخاف الله كثيرًا.

فإن الله يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].

ففي هذه الحيثية يجب على مَن أسرف على نفسه بالمعصية أن يكثر الخوف من الله – سبحانه وتعالى – وهكذا أيضًا إن شعر بدُنوِّ أجله وبخروجه من هذه الدنيا، لابد أن يغلب جانب الرجاء على جانب الخوف؛ يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا يَموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله)، ويَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»، لكن هذا في آخر المطاف، أما وأنت على هذه الحال، فلا تغلب جانب الخوف، لا سيما إن كنت قد أسرفت على نفسك بالمعصية، ولا ينبغي للمخلوق أن يتكبر على الله، فإنك مخلوق ضعيف تحتاج إلى الله – سبحانه وتعالى - يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [فاطر: 16]، فلا ينبغي لصاحب الثراء ولا لصاحب المنصب والجاه أن يغترَّ بذلك كله، فإنما هو أمر زائل.
لا يأمَن الدهرَ ذو بغي ولا ملكَا
جنوده ضاق عنه السهلُ والجبل




وهكذا قال بعضهم:
لا سابغات ولا جأْواء باسلة
تقي المنون لدى استيفاء آجال




فلا ينبغي لشخصٍ أن يغتر بهذه الدنيا، فإنه عما قريب يفارقها؛ يقول تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، ويقول سبحانه: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26]، ويقول: ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [القصص: 60].

فمن كان في ذمَّته أو في بطنه مظالم لعباد الله، فليتحلل منها اليوم قبل الغد، فإنه في وقت إمهال، فمن السهل أن يعيدها، لكن إذا جمعه الله مع خصومه ماذا يقول له في ذلك اليوم؟ وهذه حجة قد أُقيمت على كواهلنا، وأعظم أمانة، وأبرزها أمانة هذا الدين الذي كلفنا الله به، بل نحن برَزنا له يوم تبرَّأت السماوات والأرض والجبال إشفاقًا ليس عصيانًا، فبرز لهذه الأمانة هذا الإنسان، فما فعلنا بهذه الأمانة أمانة القرآن والسنة التي يقول الله فيها: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنكم مسؤولون عني فماذا أنتم قائلون) لربنا غدًا في هذه الأمانة التي يجب علينا أن نهتم بها أكثر من أمانة الأموال والأولاد.
الدين رأسُ الأمر فاستمسِك به
فضياعُه من أعظم الخسران




اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أصلح الرعاة والرعية، وأصلح ولاة أمر المسلمين، وقضاة المسلمين وعلماء المسلمين، ودعاة المسلمين صلاحًا لا فساد بعده، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.20%)]