
16-11-2024, 11:18 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,251
الدولة :
|
|
فضل المساجد وواجبنا تجاهها
فضل المساجد وواجبنا تجاهها
د. خالد بن حسن المالكي
الخطبة الأولى فضل المساجد ومكانتها:
الحمد لله الذي جعل المساجد بيوته في الأرض، وأحب البقاع إليه، نحمده سبحانه ونشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجي قائلها يوم الدين، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
أيها الأحبة، حديثنا اليوم عن المساجد، تلك البيوت التي أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ البلادِ إلى الله مساجدُها"؛ [رواه مسلم]. إنها أماكن تجمع بين عظمة العبادة وروحانية التواصل مع الله، وهي كذلك مدرسة للأخلاق، ومركز للعبادة والتربية، ومنطلق لنهضة الأمة، فالمساجد ليست مجرد أماكن الصلاة، بل هي قلاع للإيمان، ومنارات تهدي الحائرين إلى طريق الحق؛ ولذا جعل الله بناء المساجد من أعظم القربات وأحب الأعمال إليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدًا لله، بنى الله له في الجنة مثله"؛ [متفق عليه]، ولو كان البناء صغيرًا، فإن الله لا ينظر إلى حجم البناء؛ بل إلى النية الخالصة التي تصاحبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدًا لله كمفحص قطاة، أو أصغر، بنى الله له بيتًا في الجنة"؛ [صححه الألباني]. فانظروا -رحمكم الله- إلى عظيم فضل الله وسعة كرمه.
أيها المسلمون، إن المساجد كانت وما زالت مركزًا حضاريًّا ومؤسسة تربوية تجمع بين العبادة والتعليم. ففي المسجد يتعلم المسلم أدب الحوار ومكارم الأخلاق، وفيه يجتمع الناس على حب الله، ويتآخون فيما بينهم. وقد شهدت المساجد أعظم لحظات التاريخ الإسلامي، حيث كانت منطلقًا للجهاد، ومقرًّا للتشاور بين المسلمين، ومنصة للعلماء والدعاة.
وقد شهد الله لعُمَّار المساجد بالإيمان والصلاح، فقال: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [التوبة: 18]. ومن تعلق قلبه بالمسجد كان في ظل الرحمن يوم القيامة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"؛ [متفق عليه].
أيها الأحبة، المساجد هي مصدر النور الذي يضيء دروب الحياة. إنها ملجأ القلوب الحائرة، ودواء النفوس المريضة. في المسجد يجد المسلم راحته، وفيه تُرفع الدعوات، وتتنزل الرحمات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ علَى صَلَاتِهِ في بَيْتِهِ وصَلَاتِهِ في سُوقِهِ خَمْسًا وعِشْرِينَ دَرَجَةً، فإنَّ أحَدَكُمْ إذَا تَوَضَّأَ فأحْسَنَ، وأَتَى المَسْجِدَ، لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عنْه خَطِيئَةً، حتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وإذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كانَ في صَلَاةٍ ما كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وتُصَلِّي - يَعْنِي عليه المَلَائِكَةُ - ما دَامَ في مَجْلِسِهِ الذي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ"؛ [أخرجه البخاري ومسلم].
فلنحرص - أيها الإخوة - على أن تكون المساجد جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولنغرس حبها في قلوب أبنائنا، ولنكن من عمار المساجد الذين يعمرونها بالصلاة والذكر والعلم، ويحرصون على نظافتها وصيانتها، ولنتذكر أن عمارة المساجد لا تقتصر على بنائها فحسب، بل تشمل المحافظة عليها، واحترام قدسيتها، وإحياءها بكل عمل صالح.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية واجبنا تجاه المساجد وآدابها:
الحمد لله الذي أذن برفع بيوته وإعلاء ذكره فيها، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن للمساجد حقوقًا عظيمة علينا. فهي بيوت الله التي أذن أن ترفع، وهي مكان يجتمع فيه المسلمون لعبادة الله وحده، بعيدًا عن صخب الحياة وضوضائها؛ ولأجل هذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على احترام المساجد وتنزيهها عن كل ما لا يليق بها.
أيها المسلمون، من حقوق المساجد علينا أن نلتزم بآدابها، وأول هذه الآداب هو الإخلاص لله فيها، يقول الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]. كما ينبغي أن نتجمل عند الذهاب إلى المساجد، فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، وهذا يشمل حسن الهيئة ونظافة الجسد والثياب، حتى يكون المصلون في أبهى صورة أمام الله.
ومن آداب المساجد صلاة ركعتين تحية للمسجد عند دخوله، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس"؛ [متفق عليه]. وينبغي علينا أن نحرص على تنظيف المساجد وتطييبها، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب"؛ [رواه الترمذي].
أيها المسلمون، إن من واجبنا تجاه المساجد أن نحافظ على قدسيتها، وألا ندخلها بما يسبب أذًى للمصلين؛ كالروائح الكريهة أو الملابس غير اللائقة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أكلَ من هذه البَقْلَةِ: الثومِ والبصَلِ والكُرَّاثِ، فلا يَقربْنا في مساجِدِنا؛ فإنَّ الملائكةَ تتأَذَّى مِمّا تتأذَّى مِنهُ بنُو آدَمَ"؛ [صححه الألباني]. كذلك ينبغي أن نمتنع عن البيع والشراء داخلها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك"؛ [رواه الترمذي].
ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض استخدام المساجد كممرَّات دون الصلاة فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلي فيه ركعتين"؛ [رواه ابن خزيمة]، فلنتجنب هذه التصرفات، ولنحرص على إحياء بيوت الله بكل عمل صالح.
أيها الأحبة، إن المساجد ليست مكانًا للعبادة فقط، بل هي مراكز إشعاع تربوي واجتماعي؛ فلنحرص على أن تكون بيوتنا امتدادًا لها، فيصلي كل منا صلاة النافلة في بيته ويُعلِّم أبناءه حب العبادة، ولنغرس في نفوس الأجيال القادمة أن المسجد هو مكان للتقرب إلى الله، وهو رمز للوحدة والأخوة.
نسأل الله أن يجعلنا من عمار بيوته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، كما أمركم بذلك ربكم فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|