
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (217)
صـ 361 إلى صـ 368
وإنما قال ذلك أهل الكلام المحدث المبتدع المذموم عند السلف والأئمة الذين أحدثوا في الإسلام نفي صفات الله وعلوه على خلقه ورؤيته في الآخرة، وقالوا: إنه (1) لا يتكلم، ثم قالوا: إنه يتكلم بكلام مخلوق منفصل عن الله.
قالوا: وإنما (2) قلنا ذلك ; لأنا استدللنا على حدوث العالم بحدوث الأجسام، وإنما استدللنا على حدوثها بقيام الحوادث بها، وأن ما لا ينفك (3) عن الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول لها. فلو قلنا: إنه تقوم به الصفات والكلام، لزم قيام الحوادث به ; لأن هذه أعراض (4) حادثة.
فقال لهم أهل السنة: أحدثتم بدعا تزعمون (5) أنكم تنصرون بها الإسلام، فلا للإسلام نصرتم (6) ولا لعدوه كسرتم، بل سلطتم عليكم أهل الشرع والعقل، فالعالمون (7) بنصوص المرسلين يعلمون أنكم خالفتموها، وأنكم أهل بدعة وضلالة، والعالمون بالمعاني المعقولة يعلمون أنكم قلتم ما يخالف المعقول، وأنكم أهل خطأ وجهالة.
_________
(1) إنه: ساقطة من (ن) ، (م) .
(2) أ، ب: وقال إنما.
(3) أ: وأنها لا تنفك، م: وإنما تنفك، وكلاهما خطأ.
(4) أ، ب: الأعراض.
(5) أ: أحدث (ثم بياض) تزعمون. ب: أحدثتم مقالة تزعمون، م: أحدثتم بدعا زعمتم.
(6) أ: فلا الإسلام لها نصرتم، ب: فلا الإسلام بها نصرتم.
(7) أ، ب: فالقائلون
===========================
والفلاسفة الذين زعمتم أنكم تحتجون عليهم (1) بهذه الطريق تسلطوا (2) عليكم بها، ورأوا أنكم خالفتم (3) صريح العقل. والفلاسفة أجهل منكم بالشرع [والعقل في الإلهيات، لكن لما ظنوا أن ما جئتم به هو الشرع، وقد رأوه يخالف العقل - صاروا أبعد عن الشرع والعقل منكم] (4) لكن (5) عارضوكم بأدلة عقلية - بل وشرعية - ظهر (6) بها عجزكم في هذا الباب عن بيان حقيقة الصواب.
وكان ذلك مما زادهم ضلالا في أنفسهم وتسلطا عليكم، ولو سلكتم معهم طريق (7) العارفين بحقيقة المعقول والمنقول، لكان ذلك أنصر لكم وأتبع لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - (8) ولكنكم كنتم بمنزلة من جاهد الكفار بنوع من الكذب والعدوان، وأوهمهم (9) أن هذا يدخل في حقيقة الإيمان، فصار ما عرفه أولئك من كذب هؤلاء وعدوانهم مما يوجب القدح فيما ادعوه من إيمانهم، ولما رأى أولئك في الملك (10) والرياسة والمال، من جنس هذه المخادعة والمحال - سلكوا
_________
(1) عليهم: ساقطة من (أ) .
(2) أ، ب: سلطوا.
(3) أ: تخالفوا، ب: تخالفون.
(4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(5) أ، ب: ولكن.
(6) ن، م: وظهر.
(7) أ، ب: طريقة.
(8) صلى الله عليه وسلم: زيادة في (أ) ، (ب) .
(9) أ، ب: وأوهمتهم.
(10) ن: ولما رأوا أنه في الملك، م: ولما رأوا في الملك
==============================
طريقا أبلغ في المخادعة (1) والمحال من طرق أولئك المبتدعين الضالين (2) ، فسلطوا عليهم عقوبة لهم على خروجهم عن الدين.
قال الله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165] وقال: (3) : {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} [آل عمران: 155] وقال: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين} ] (4) [آل عمران: 166] .
فما جاء به الرسول حق محض يتصادق عليه صريح المعقول وصحيح المنقول، والأقوال المخالفة لذلك وإن كان كثير من أصحابها (5) مجتهدين مغفورا لهم خطؤهم، فلا يملكون (6) نصرها بالأدلة العلمية، ولا الجواب عما يقدح فيها بالأجوبة العلمية، فإن الأدلة العقلية (7) الصحيحة لا تدل إلا على القول الحق، والأجوبة الصحيحة المفسدة (8) لحجة الخصم لا تفسدها إلا إذا كانت باطلة، فإن ما هو باطل (9) لا يقوم عليه دليل صحيح، وما هو حق لا يمكن دفعه بحجة صحيحة.
_________
(1) ن، م: سلكوا طرقا في المخادعة.
(2) أ، ب: الظالمين.
(3) ب فقط: وقال الله تعالى.
(4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(5) أ، ن: أصحابنا، وهو تحريف.
(6) ن، م: فلا يمكنهم.
(7) العقلية: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (م) .
(8) ن، م: المفيدة.
(9) أ، ب: فإن ما بطل
=============================
والمقصود هنا أن من قال: قولا أصاب فيه من وجه، وأخطأ فيه من وجه آخر حتى تناقض في ذلك القول، بحيث جمع فيه (1) بين أمرين متناقضين، يقول [لمن يناقضه بمقدمة جدلية سلمها له] (2) : تناقضي (3) إنما (4) يدل على خطئي في أحد القولين: إما القول الذي سلمته لك، وإما القول الذي ألزمتني بالتزامه (5) وهذا لا يدل على صحة قولك، بل يمكن أن يكون القول الآخر هو الصواب.
فالأشعرية (6) العارفون بأن كلام الله غير مخلوق، وبأن هذا قول السلف والأئمة، وبما دل (7) على ذلك من الأدلة الشرعية والعقلية إذا قيل لهم: القول بقدم القرآن ممتنع، أمكنهم أن يقولوا: هنا قولان آخران لمن يقول: إنه غير مخلوق كما تقدم، ولا يلزم واحدا من القولين لازم (8) إلا ولازم قول من يقول إنه مخلوق أعظم فسادا.
فالعاقل لا يكون مستجيرا من الرمضاء بالنار، بل إذا انتقل ينتقل من قول مرجوح (9) إلى راجح، والذين قالوا: إنه (10) يتكلم بمشيئته وقدرته
_________
(1) ن، م: به.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، وسقطت لمن من (أ) .
(3) أ، ب: سأقضي، وهو تحريف.
(4) ب فقط: أن ما.
(5) أ، ب: ألزمتني التزامه.
(6) ن، م: والأشعرية.
(7) ن، م، أ: وما دل.
(8) م، أ: ولا يلزم واحد من القولين لازم.
(9) ن: بل إذا انتقل من مرجوح، م: بل إذا انتقل انتقل من مرجوح.
(10) إنه: ساقطة من (أ) ، (ب)
=============================
بعد أن لم يكن متكلما، لا حجة للمعتزلة ونحوهم عليهم، إلا حجة نفي الصفات، وهي حجة داحضة، ولا حجة للكلابية عليهم، إلا أن ذلك يستلزم (1) دوام الحوادث ; لأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن (2) ضده؛ ولأن القابلية للحوادث تكون من لوازم ذاته.
وهذه الحجج (3) مما قد التزم هؤلاء ما هو (4) أضعف منها كما قد بسط في مواضعه (5) ، واعترف حذاقهم بضعف (6) جميع هذه (7) الحجج العقلية في هذا الباب، وأما السمعيات فهي مع المثبتة لا مع النفاة.
والقول بدوام كونه متكلما إذا شاء وأن الكلام لازم لذات الرب، معه من الحجج (8) ما يضيق هذا الموضع عن استقصائها، وأي القولين صح أمكن الانتقال إليه.
والرازي وغيره يقولون: إن جميع طوائف (9) العقلاء يلزمهم القول بقيام الحوادث به، فإن صح هذا أمكن القول بأنه يتكلم بمشيئته وقدرته. وقد بسطنا الكلام على نهايات عقول العقلاء في هذه المسائل، [وما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة] (10) في كتاب " درء تعارض العقل والنقل " (11) وغير ذلك.
_________
(1) ن، م: مستلزم.
(2) ب فقط: أو عن.
(3) ب فقط: وهذه الحجة.
(4) ما هو ساقطة من (ن) ، (م) .
(5) ن، م: في موضعه.
(6) أ: تضعيف، وهو تحريف.
(7) هذه: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(8) ن، م: في الحجج.
(9) أ، ب: الطوائف.
(10) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(11) أ: درء تعارض العقل والنقل، ب: رد تعارض العقل والنقل ; ن: ردء يعارض العقل والشرع، م: ذكره تعارض الشرع والعقل
=======================
وبالجملة فما ذكر من الحجة مبني على أن السكون أمر وجودي (1) ، (2 وعلى أن الله يصير فاعلا بعد أن لم يكن كذلك، فتكون الحوادث غير دائمة 2) (2) ، ومن المعلوم أن فساد (3) هذين القولين ليس ظاهرا، لا سيما وعند التحقيق يظهر صحتهما (4) أو صحة أحدهما، وأيهما صح (5) أمكن معه القول بأن الله يتكلم بكلام يقوم به بمشيئته وقدرته.
قال (6) الأشعرية: وإذا كان هذا هو الحق فنحن إذا قلنا: إن كلامه يقوم به، فليس متعلقا بمشيئته وقدرته، قلنا ببعض الحق وتناقضنا، فكان (7) هذا خيرا ممن يقول: إنه ليس لله كلام إلا ما يخلقه في غيره؛ لما في هذا القول من مخالفة الشرع والعقل.
الوجه الرابع: أن يقال: الخطاب لمعدوم لم يوجد بعد بشرط وجوده أقرب إلى العقل من متكلم لا يقوم به كلامه، ومن كون الرب مسلوب صفات الكمال لا يتكلم، ومن أن (8) يخلق كلاما في غيره فيكون ذلك ليس كلاما لمن خلقه فيه (9) بل لخالقه، وهو إذا خلق في غيره حركة كانت الحركة حركة للمحل المخلوقة فيه (10) لا للخالق لها، وكذلك سائر
_________
(1) أ: على كون السكون أمرا وجوديا، ب: على كون السكوت أمرا وجوديا.
(2) (2 - 2) في (أ) ، (ب) بدلا من هذه العبارات: وأن الله تعالى يقوم به ما يكون بمشيئته بعد أن لم يكن كذلك، فتكون كلماته إذا كانت بمشيئته غير دائمة.
(3) أ، ب: أن نقيض.
(4) أ، م: صحتها.
(5) أ، ب: وأيهما يصح.
(6) ن، م: وقالت.
(7) أ، ب: وكان.
(8) أ، ب: ومن أين.
(9) أ، ب: لمن خلق فيه.
(10) ن، م: حركة المحل المخلوق فيه
============================
الأعراض، فما خلق الله من عرض في جسم (1) إلا كان صفة لذلك الجسم لا لله تعالى.
وأما خطاب من لم يوجد (2) بشرط وجوده، فإن الموصي قد يوصي بأشياء ويقول: أنا آمر الوصي بعد موتي أن يعمل كذا ويعمل كذا، فإذا بلغ ولدي فلان (3) يكون هو الوصي وأنا آمره بكذا وكذا، بل يقف وقفا يبقى سنين، ويأمر الناظر الذي يخلفه بعد بأشياء (4) .
وأما القائل: يا " سالم " ويا " غانم " فإن قصد به خطاب حاضر ليس بموجود، فهذا قبيح بالاتفاق (5) ، وأما إن (6) قصد به خطاب من سيكون، مثل أن يقول: قد أخبرني الصادق أن أمتي تلد غلاما ويسمى غانما، فإذا ولدته فهو حر، وقد جعلته وصيا على أولادي وأنا آمرك يا غانم بكذا وكذا (7) لم يكن هذا ممتنعا.
وذلك لأن (8) الخطاب هنا هو لحاضر في العلم، وإن كان مفقودا في العين، والإنسان يخاطب من يستحضره في نفسه، ويتذكر (9) أشخاصا قد أمرهم بأشياء، فيقول: يا فلان أما قلت لك كذا.
_________
(1) ن، م: سائر المخلوقات فما خلق الله عرضا في جسم.
(2) أ: من لم يريده، ب: من لم يره.
(3) فلان: ساقطة من (ن) ، (م) .
(4) ن: الناظر الذي لم يخلق بعد بأشياء، م: الناظر الذي لم يخلق بعدنا شيئا.
(5) أ: فهذا فسخ بالأعيان ; ب: فهذا نسخ بالأعيان.
(6) ن، م: وإن.
(7) وكذا ساقطة من (أ) ، (ب) .
(8) أ، ب: أن.
(9) ن، م: ويذكر
=============================
والشيعة والسنية يروون عن علي - رضي الله عنه - أنه لما مر بكربلاء قال: صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله، يخاطب الحسين لعلمه بأنه سيقتل، وهذا قبل أن يحضر الحسين بكربلاء ويطلب قتله.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال وخروجه وأنه قال: " «يا عباد الله اثبتوا» " (1) وبعد لم يوجد عباد الله أولئك.
والمسلمون يقولون في صلاتهم: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " وليس هو حاضرا عندهم ولكنه حاضر في قلوبهم.
وقد قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [سورة يس: 82] وهذا عند أكثر العلماء هو خطاب يكون (2) لمن يعلمه الرب تعالى في نفسه، وإن لم يوجد بعد. ومن قال: إنه عبارة عن شرعة التكوين فقد خالف مفهوم الخطاب، وحمل الآية على ذلك يستدعي استعمال الخطاب في مثل هذا المعنى، وأن هذا من اللغة التي نزل بها القرآن، وإلا فليس لأحد أن يحمل خطاب الله ورسوله على ما يخطر له.
_________
(1) هذه العبارة جزء من حديث طويل عن النواس بن سمعان الكلابي - رضي الله عنه - في: سنن ابن ماجه 2 - 1356، 1359 كتاب الفتن باب فتنة الدجال، وأوله: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال الغداة، فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه في طائفة النخل، فلما رحنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرف ذلك فينا، فقال: وما شأنكم؟ . . . الحديث، وفيه: إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله اثبتوا، ووردت هذه العبارة في حديث آخر عن الدجال عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - في سنن ابن ماجه 2 - 1359، 1363 الكتاب والباب السابقان في ص 1360.
(2) ن، م: تكوين، وهو تحريف
===========================