عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 21-11-2024, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,549
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الْشعراء
المجلد الثالث عشر
صـ 4605 الى صـ 4620
الحلقة (478)



القول في تأويل قوله تعالى:

[4] إن نشأ ننـزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين

إن نشأ ننـزل عليهم من السماء آية أي: ملجئة لهم إلى الإيمان، قاسرة عليه: فظلت [ ص: 4606 ] أعناقهم لها خاضعين أي: منقادين، والجملة مستأنفة لتعليل ما يفهم من الكلام من النهي عن التحسر المذكور، ببيان أن إيمانهم ليس مما تعلقت به مشيئة الله تعالى حتما، فلا وجه للطمع فيه، والتألم من فواته. قاله أبو السعود.
القول في تأويل قوله تعالى:

[5] وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين

وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين أي: مكذبين، استهزاء وإصرار على ما كانوا عليه من الكفر. وتقدم نظير الآية في أول سورة الأنبياء، وتحقيق معنى قوله تعالى: "محدث" فتذكر.
القول في تأويل قوله تعالى:

[6] فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون

فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون أي: أحواله الباهرة وشؤونه القاهرة، وظهور أعلامه، وبقاء أيامه، وفيه وعيد لهم بحلول الذل بهم، ونزول الصغار وقتئذ بدارهم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[7] أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم .

أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم أي: صنف مرضي كثير المنافع.
القول في تأويل قوله تعالى:

[8] إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين

[ ص: 4607 ] إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين لصرفهم اختيارهم إلى جانب الكفر، في هذه الآيات.
القول في تأويل قوله تعالى:

[9] وإن ربك لهو العزيز الرحيم

وإن ربك لهو العزيز الرحيم أي: فهو القادر على الانتقام منهم بلا ممانع، والرحيم بإمهاله وحلمه عنهم، فلينتبهوا قبل أن يحل بهم ما حل بفرعون وقومه، ولذا استأنف نبأ موسى عليه السلام معه، بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

[10 - 13] وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون

وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني أي: في أداء الرسالة، في بسطة من المقال: فأرسل إلى هارون أي: ليوازرني ويشد به عضدي. والمفعول محذوف، أي: ملكا أو جبريل.
القول في تأويل قوله تعالى:

[14 - 15] ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون

[ ص: 4608 ] ولهم علي ذنب وهو قتل القبطي، المبسوط في غير هذه السورة: فأخاف أن يقتلون قال كلا أي: لا تخف إنك من الآمنين: فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون مزيد تسلية لهما، بكمال الحفظ والنصرة.

قال أبو السعود: مثل حاله تعالى بحال ذي شوكة قد حضر مجادلة قوم يستمع ما يجري بينهم، ليمد أولياءه ويظهرهم على أعدائهم، مبالغة في الوعيد بالإعانة. انتهى.

ولو قيل هو كناية عن ذلك، كان أولى. لجواز بقاء المعنى الحقيقي معها، وهو هنا كذلك فهو تعالى مستمع لهما وحافظ وناصر.
القول في تأويل قوله تعالى:

[16 - 17] فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل

فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل ليتحرروا من عبوديتك وعذابك المهين.
القول في تأويل قوله تعالى:

[18 - 19] قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين .

قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت يعني قتل القبطي وأنت من الكافرين أي: بنعمتي.
القول في تأويل قوله تعالى:

[20] قال فعلتها إذا وأنا من الضالين

[ ص: 4609 ] قال فعلتها إذا وأنا من الضالين أي: الجاهلين بكون الوكزة مفضية إلى القتل. أو الذاهبين عن صواب الحلم والعفو والدفع بالأحسن.
القول في تأويل قوله تعالى:

[21] ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين

ففررت منكم لما خفتكم أي: تقتلوني على القتل الخطأ، فنجاني الله منكم، وزادني إنعاما: فوهب لي ربي حكما أي: حكمة أو نبوة: وجعلني من المرسلين أي: لإبطال دعواك الربوبية، واستئصال شبه ما عليه قومك من الوثنية. وطلب إرسال قومي إلى مواطنهم الأصلية، وقوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

[22] وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل

وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل إبطال لمنته عليه في التربية، ببيان أنها في الحقيقة نقمة. لأنه كان اتخذ بني إسرائيل عبيدا مسخرين في شؤونه، مذللين لأموره، مقهورين لعسفه. وموسى عليه السلام، وإن لم ينله من ذلك ما نالهم، إلا أنه لما كان منهم، فكأنه وصل إليه، وحل به، كما قيل: (وظلم الجار إذلال المجير) أي: لا يفي إحسانك إلى رجل منهم بما أسأت إلى مجموعهم، وما أنا إلا عضو منهم. وفي فحواها تقريعه بالكبرياء المتناهية، والقسوة البالغة، والسلطة الغالية التي من ورائها الفرج القريب، والمخرج العجيب.
القول في تأويل قوله تعالى:

[23 - 25] قال فرعون وما رب العالمين [ ص: 4610 ] قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون

قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون أي: لهذا النبأ العجيب، وهو توحيد المعبود.

وإنما عده جديرا بأن يتعجبوا منه، لنهم، على ما حققه المؤرخون، غلوا في عبادة الأصنام وتعديد الآلهة غلوا أربوا على كل من سواهم في الضلال. فكانوا يسجدون للشمس والقمر، والنجوم، والأشخاص البشرية، والحيوانات، حتى الهوام، وأدنى حشرات الأرض.
القول في تأويل قوله تعالى:

[26 - 28] قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون

قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون أي: لكونه يدعو إلى خلاف ما عقل عن الآباء.

قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون أي: شيئا ما، أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن الأمر كما قلته. وفيه إيذان بغاية وضوح الأمر، بحيث لا يشتبه على من له عقل في الجملة، وتلويح بأنهم بمعزل من دائرة العقل، وإنهم المتصفون بما رموه عليه السلام به من الجنون.

تنبيه:

ذهب بعض المفسرين إلى أن فرعون كان من المعطلة، لا يقر بخالق، ولا يعترف بمعبود [ ص: 4611 ] لظاهر قوله: ما علمت لكم من إله غيري وأن قومه كانوا لا يؤلهون سواه.

قال ابن كثير : ومن زعم من أهل المنطق أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط. فإنه لم يكن مقرا بالصانع، حتى يسأل عن الماهية، بل كان جاحدا له بالكلية فيما يظهر. انتهى.

وقدمنا أنه حقق الاكتشاف الصحيح والتاريخ الوثيق، أنه كان من الوثنيين الغالين. وأن له ولقومه عدة معبودين علويين وسفليين.

وعليه فمعنى قوله: ما علمت لكم من إله غيري أي: مطاع عظيم، وكانوا لا يتحاشون من إطلاق الإله على الجبار المسيطر. فبقي سؤاله بما يحتمل أن يكون على نهج القاعدة المنطقية، من طلب الاكتناه، وتعجبه من جوابه، ثم رميه بالجنون، ثانيا، لعدوله عن الكنه إلى الأثر. ويحتمل أن يكون لتعرفه من جهة وحدته في ربوبيته التي ادعاها موسى، وأن تعجبه لما شاهد من الجد في الدعوة والثبات عليها، والصدع بما يؤلم عظمته، ويغمز جبروته; وهذا هو الذي أذهب إليه، فإن القوم بمعزل عن أن يعجبوا لكون الجواب كان بالرسم لا بالحد، إذ هو اصطلاح لفئة خاصة، ومع هذا فالنظم يحتمله ولا يأباه. وقد عول عليه كثير من أهل النظر، ولا بأس بأن نأثر شيئا من لطائفهم فيه.

قال الرازي: السؤال بـ(ما) طلب لتعريف حقيقة الشيء. وتعريف حقيقة الشيء إما أن يكون بنفس تلك الحقيقة، أو بشيء من أجزائها، أو بأمر خارج عنها، أو بما يتركب من الداخل والخارج. أما تعريفها بنفسها فمحال; لأن المعرف معلوم قبل المعرف. فلو عرف الشيء بنفسه لزم أن يكون معلوما قبل أن يكون معلوما، وهو محال. وأما تعريفها بالأمور الداخلية فيها، فهاهنا في حق واجب الوجود محال، لأن التعريف بالأمور الداخلة، لا يمكن إلا إذا كان المعرف مركبا، وواجب الوجود يستحيل أن يكون مركبا; لأن كل مركب، فهو محتاج إلى كل واحد من أجزائه. وكل واحد من أجزائه فهو غيره; فكل مركب محتاج إلى غيره. وكل ما احتاج إلى غيره فهو ممكن لذاته. وكل مركب فهو ممكن، فما ليس بممكن يستحيل أن [ ص: 4612 ] يكون مركبا. فواجب الوجود ليس بمركب، وإذا لم يكن مركبا استحال تعريفه بأجزائه. ولما بطل هذان القسمان، ثبت أنه لا يمكن تعريف ماهية واجب الوجود، إلا بلوازمه وآثاره.

ثم إن اللوازم قد تكون خفية، وقد تكون جلية. ولا يجوز تعريف الماهية باللوازم الخفية، بل لا بد من تعريفها باللوازم الجلية. وأظهر آثار ذات واجب الوجود وهو هذا العالم المحسوس، وهو السماوات والأرض وما بينهما.

فقد ثبت أنه لا جواب البتة لقول فرعون: وما رب العالمين إلا ما قاله موسى عليه السلام، وهو أنه رب السماوات والأرض وما بينهما. فأما قوله: إن كنتم موقنين فمعناه إن كنتم موقنين باستناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود، فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفه إلا بما ذكرته. لأنكم لما سلمتم انتهاء هذه المحسوسات إلى الواجب لذاته، وثبت أن الواجب لذاته فرد مطلق، وثبت أن الفرد المطلق لا يمكن تعريفه إلا بآثاره. وثبت أن تلك الآثار لا بد وأن تكون أظهر آثاره وأبعدها عن الخفاء، وما ذاك إلا السماوات والأرض وما بينهما. فإن أيقنتم بذلك لزمكم أن تقطعوا بأنه لا جواب عن ذلك السؤال، إلا هذا الجواب.

ولما ذكر موسى عليه السلام هذا الجواب الحق، قال فرعون لمن حوله: ألا تستمعون وإنما ذكر ذلك على سبيل التعجب من جواب موسى، يعني أنا أطلب منه الماهية، وخصوصية الحقيقة، وهو يجيبني بالفاعلية والمؤثرية.

وتمام الإشكال أن تعريف الماهية بلوازمها، لا يفيد الوقوف على نفس تلك الماهية، وذلك لأنا إذا قلنا في الشيء أنه الذي يلزمه اللازم الفلاني، فهذا المذكور، إما أن يكون معرفا لمجرد كونه أمرا ما يلزمه ذلك اللازم. أو لخصوصية تلك الماهية التي عرضت لها هذه الملزومية والأول محال. لأن كونه أمرا يلزمه ذلك اللازم جعلناه كاشفا. فلو كان المكشوف هو هذا القدر لزم كون الشيء معرفا لنفسه، وهو محال. والثاني محال، لأن العلم بأنه أمر ما، يلزمه اللازم الفلاني، لا يفيد العلم بخصوصية تلك الماهية الملزمة، لأنه لا يمتنع في العقل اشتراك [ ص: 4613 ] الماهيات المختلفة في لوازم متساوية. فثبت أن التعريف بالوصف الخارجي، لا يفيد معرفة نفس الحقيقة فلم يكن كونه ربا للسموات والأرض وما بينهما جوابا عن قوله: وما رب العالمين فأجاب موسى عليه السلام بأن قال: قال ربكم ورب آبائكم الأولين وكأنه عدل عن التعريف بخالقية السماء والأرض، إلى التعريف بكونه تعالى خالقا لنا ولآبائنا. وذلك لأنه لا يمتنع أن يعتقد أحد أن السماوات والأرضين، واجبة لذواتها، فهي غنية عن الخالق والمؤثر. ولكن لا يمكن أن يعتقد العاقل في نفسه وأبيه وأجداده، كونهم واجبين لذواتهم. لما أن المشاهدة دلت على أنهم وجدوا بعد العدم، ثم عدموا بعد الوجود، وما كان كذلك استحال أن يكون واجبا لذاته. وما لم يكن واجبا لذاته، استحال وجوده إلا لمؤثر. فكان التعريف بهذا الأثر أظهر، فلهذا عدل موسى عليه السلام من الكلام الأول، إليه. فقال فرعون: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون يعني المقصود من سؤال (ما) طلب الماهية، وخصوصية الحقيقة. والتعريف بهذه الآثار الخارجية لا يفيد البتة تلك الخصوصية، فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون، لا يفهم السؤال فضلا عن أن يجيب عنه.

فقال موسى عليه السلام: قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون فعدل إلى طريق ثالث أوضح من الثاني، وذلك لأنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وظهور النهار، وأراد بالمغرب غروب الشمس وزوال النهار، والأمر ظاهر في أن هذا التدبير المستمر على الوجه العجيب، لا يتم إلا بتدبير مدبر، وأما قوله: إن كنتم تعقلون فكأنه عليه السلام قال: إن كنت من العقلاء، عرفت أنه لا جواب عن سؤالك، إلا ما ذكرت، لأنك طلبت مني تعريف حقيقته بنفس حقيقته. وقد ثبت أنه لا يمكن تعريف حقيقته بنفس حقيقته ولا بأجزاء حقيقته. فلم يبق إلا أن أعرف حقيقته بآثار حقيقته. وأنا قد عرفت حقيقته بآثار حقيقته، فقد ثبت أن كل من كان عاقلا، يقطع بأنه لا جواب عن هذا السؤال إلا ما ذكرته.

ثم قال الرازي: وقد بينا في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى: وهو القاهر [ ص: 4614 ] فوق عباده أن حقيقة الإله سبحانه من حيث هي هي غير معقولة للبشر، انتهى.

وقال الإمام ابن حزم في (الملل والنحل) في الكلام في المائية: ذهب طوائف من المعتزلة إلى أن الله تعالى لا مائية له. وذهب أهل السنة وضرار بن عمرو ، إلى أن لله تعالى مائية. قال ضرار: لا يعلمها غيره. قال ابن حزم: والذي نقول به، وبالله تعالى التوفيق، أن له مائية هي إنيته نفسها، وإنه لا جواب لمن سأل: ما هو البارئ، إلا ما أجاب به موسى عليه السلام; إذ سأله فرعون: وما رب العالمين ونقول إنه لا جواب هاهنا لا في علم الله تعالى ولا عندنا، إلا ما أجاب به موسى عليه السلام. لأن الله تعالى حمد ذلك منه وصدق فيه. ولو لم يكن جوابا صحيحا تاما لا نقص فيه، لما حمده الله تعالى.

ثم قال: ههنا نقف ولا نعلم أكثر. ولا ههنا أيضا شيء غير هذا، إلا ما علمنا ربنا تعالى، من سائر أسمائه، كالعليم والقدير والمؤمن والمهيمن وسائر أسمائه.

قال تعالى: ولا يحيطون به علما إذ كل ما أحاط به العلم فهو متناه محدود وهذا منفي عن الله عز وجل، وواجب في غيره، لوقوع العدد المحاط به في أعراض كل ما دونه تعالى، ولا يحاط بما لا حدود له ولا عدد له. فصح يقينا أننا نعلم الله عز وجل حقا، ولا نحيط به علما. انتهى ملخصا.

ولما سمع فرعون تلك المقالات المبنية على أساس الحكم البالغة، وشاهد شدة حزم موسى عليه السلام وقوة عزمه على دعوته، عدل عن خطة الإنصاف إلى الاعتساف، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

[29 - 39] قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين [ ص: 4615 ] فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونـزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون

قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونـزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه قرئ بهمز وبدونه، وهما لغتان. يقال أرجأته وأرجيته إذا أخرته. والمعنى أخرهما ومناظرتهما لوقت اجتماع السحرة: وابعث في المدائن حاشرين أي: شرطا يحشرون السحرة، أي: يجمعونهم عندك: يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون أي: لرؤية ما يعارض معجزة موسى. وكان خامر فؤادهم عجب منها واندهاش. والاستفهام مجاز عن الحث والاستعجال.
[ ص: 4616 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[40 - 46] لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقي السحرة ساجدين .

لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون أي: تبتلع ما موهوا به إفكا وزورا: فألقي السحرة ساجدين أي: على وجوههم منقادين له بالإيمان، لعلمهم بأن مثله لا يتأتى بالسحر. وفيه دليل على أن منتهى السحر تمويه وتزويق يخيل شيئا لا حقيقة له، التبحر في كل فن نافع وإن لم يكن من العلوم الشرعية، فإن هؤلاء السحرة لتبحرهم في علم السحر، علموا حقيقة ما أتى به موسى عليه السلام، وأنه معجزة. فانتقلوا بزيادة علمهم الذي أداهم إلى الاعتراف بالحق والإيمان، لفرقهم بين المعجزة والسحر. قاله القاضي شهاب.
[ ص: 4617 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[47 - 51] قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين

قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر أي: فعلمكم شيئا دون شيء، ولذلك غلبكم. أو فواعدكم ذلك وتواطأتم عليه. أراد به التلبيس على قومه; كي لا يعتقدوا أنهم آمنوا على بصيرة وظهور حق.

فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف أي: جانبين متخالفين: ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون أي: لا ضرر علينا في ذلك، بل لنا فيه أعظم النفع، لأنا بفعلك هذا وصبرنا عليه، شهادة على حقيته، إلى ثوابه ورحمته راجعون، فننقلب خير منقلب، شهداء سعداء: إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن أي: لأن: كنا أول المؤمنين أي: من أظهر الإيمان كفاحا، مجاهرة بالحق بلا تقية. ثم أشار تعالى إلى خروج موسى بقومه من مصر بإيحائه إليه. وكان إذن فرعون له بذلك بعد ما أراه الآيات البينات ثم ندم عليه، فأتاه الإذن الإلهي به، كما قال تعالى:
[ ص: 4618 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[52] وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون .

وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون أي: سر بهم ليلا، فإنه إذا وصل خبر سيركم إلى فرعون، لا بد أن يتبعكم بجنوده لإرجاعكم، إلا أنكم تتقدمونه ولا يدرككم.
القول في تأويل قوله تعالى:

[53] فأرسل فرعون في المدائن حاشرين .

فأرسل فرعون أي: حين أخبر بسراهم: في المدائن حاشرين أي: جامعين لعسكره، قائلين ما يقلل به الأعداء في أعين الجنود:
القول في تأويل قوله تعالى:

[54 - 58] إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم .

إن هؤلاء أي: بني إسرائيل الخارجين: لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون أي: يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذن منا: وإنا لجميع حاذرون أي: من مكرهم وسعيهم بالفساد في الأرض: فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم يعني: المنازل الحسنة والمجالس البهية.
[ ص: 4619 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[59] كذلك وأورثناها بني إسرائيل

كذلك إشارة إلى مصدر، أي: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم، فهو في محل نصب صفة لمصدر مقدر، أو هو خبر محذوف، أي: كذلك.

قال الشهاب: وإذا قدر الأمر كذلك فالمراد تقريره وتحقيقه، والجملة معترضة حينئذ كالتي بعدها وأورثناها بني إسرائيل قال الشهاب: هو استعارة; أي: ملكناها لهم تمليك الإرث بعد زمان. وكأن العاقبة، لما كانت لهم، صاروا كأنهم ملكوها حين خروج أربابها منها.
القول في تأويل قوله تعالى:

[60] فأتبعوهم مشرقين

فأتبعوهم مشرقين أي: لحقوهم وقت شروق الشمس.
القول في تأويل قوله تعالى:

[61 - 63] فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم

فلما تراءى الجمعان أي: تقاربا رأى واحد منهما الآخر: قال أصحاب موسى إنا لمدركون أي: لملحقون: قال كلا أي: لن يدركوكم فإن الله وعدكم بالخلاص منهم: إن معي ربي سيهدين أي: لطريق النجاة منهم فأوحينا إلى موسى أن [ ص: 4620 ] اضرب بعصاك البحر فانفلق أي: فضربه فانفلق: فكان كل فرق كالطود العظيم أي: كل جزء متفرق منه كالجبل الكبير.
القول في تأويل قوله تعالى:

[64 - 68] وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم .

وأزلفنا أي: قربنا: ثم أي: حيث انفلق البحر: الآخرين يعني فرعون، أي: قدمناهم إلى البحر حتى دخلوا على أثر بني إسرائيل: وأنجينا موسى ومن معه أجمعين أي: بحفظ البحر على تلك الهيئة إلى أن عبروا ثم أغرقنا الآخرين أي: بإطباقه عليهم: إن في ذلك لآية أي: لعبرة: وما كان أكثرهم مؤمنين أي: مع مشاهدة هذه الآية العظمى التي توجب تصديقه بعدها في كل ما جاء به. منهم من بقي على كفره كبقية القبط. ومنهم من عصاه واقترح عليه ما اقترح كبعض بني إسرائيل. وفيه تسلية للنبي صلوات الله عليه. ووعد له ووعيد لمن عصاه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]