عرض مشاركة واحدة
  #303  
قديم 29-11-2024, 04:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [167]
الحلقة (198)



شرح سنن أبي داود [167]

(اكلفوا من العمل ما تطيقون) ما أخصرها من عبارة نبوية تجمع أطراف الموضوع، وتحث على عدم الإفراط والتفريط في جميع أنواع الطاعات، وإذا ضمت إليها عبارة (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) عُلمت حقيقة العبارة الأولى.

ما يؤمر به من القصد في الصلاة


شرح حديث (اكلفوا من العمل ما تطيقون...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وكان إذا عمل عملاً أثبته) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، والقصد: هو التوسط والاعتدال، وعدم الإفراط والتفريط، بحيث أن الإنسان لا يكون يقدم على العبادة في وقت من الأوقات فيكثر، ثم يهمل بعد ذلك، بل عليه أن يكون على قصد واعتدال، وأن يكون له صلاة يداوم عليها ولو كانت قليلة، لأن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن العمل القليل الذي يداوم عليه الإنسان خير من الكثير الذي ينقطع عنه الإنسان. ويقولون: (قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه) وذلك أن الإنسان إذا داوم على الشيء ولو كان قليلاً يكون مستمراً على عبادة، وعلى صلة بالله عز وجل، وإذا وافاه الأجل يوافيه وهو على حالة طيبة؛ لأنه مشتغل بالعبادة باستمرار، ولكنه إذا كان يقدم ويكثر من العبادة في أوقات، ثم يهمل في أوقات قد يأتيه الموت في وقت الإهمال، فلا يكون مثل هذا الذي يداوم على العمل وإن كان قليلاً، ولهذا يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، فقوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) معناه: داوموا على الإسلام حتى إذا وافاكم الأجل يوافيكم وأنتم عليه، والإنسان لا يعرف متى يموت حتى يحسن حاله عند الموت، بل الموت يأتي فجأة، ولكن الإنسان إذا داوم على العبادة والفرائض، وداوم على شيء ولو كان قليلاً من النوافل فإن هذا هو الأولى، ولهذا قيل لبشر الحافي : إن أناساً يجتهدون في رمضان، فإذا خرج تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان. الله عز وجل يعبد في كل وقت وفي كل حين، فالإنسان يداوم على الشيء ولو كان قليلاً أولى من الإكثار من العبادة في وقت، ثم الإهمال بعد ذلك، ولهذا أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون)، يعني: اعملوا الشيء الذي تطيقونه ولو كان قليلاً، فإن القليل المداوم عليه فائدته عظيمة، وصلة الإنسان بربه وثيقة، (فإن الله لا يمل حتى تملوا)، ففسر قوله: (فإن الله لا يمل حتى تملوا) بتفسيرات لعل من أقربها: أن الله لا يمل حتى لو مللتم، وقيل في معناه: أنه لا يمل من الثواب حتى تملوا من الأجر، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف ذكره ابن جرير وأورده ابن كثير في تفسيره لسورة المزمل نقلاً عن ابن جرير ، ولكنه حديث ضعيف، الذي فيه التنصيص على ذكر الثواب والعمل، ويبدو والله أعلم أن المقصود منه: أن الله لا يمل ولو حصل منكم الملل، حتى إن مللتم هو لا يمل. (فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) ما كان مداوماً عليه ولو كان قليلاً؛ لأننا عرفنا الفائدة من وراء ديمة العمل، واستمرار العمر، ودوام العمل، وهو أن الإنسان على صلة بالله مستمرة، ولو كانت تلك العبادة قليلة التي هي النوافل، (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) فكان إذا عمل شيئاً أثبته، يعني: داوم عليه، كان عليه الصلاة والسلام يحب أن يداوم على الشيء الذي عمله، لأنه كان إذا عمل شيئاً أثبته، وقد عرفنا فيما مضى قريباً أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن ركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ثم داوم عليهما، أي: على أنه يصلي ركعتين بعد العصر، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (اكلفوا من العمل ما تطيقون...)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث عن ابن عجلان ]. الليث هو: ابن سعد ، ابن عجلان هو: محمد بن عجلان المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد المقبري ]. سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (... فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون رضي الله عنه فجاءه، فقال: يا عثمان ! أرغبت عن سنتي؟ قال: لا والله يا رسول الله! ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان ، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر، وصل ونم) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عن (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون رضي الله عنه، وكان أراد التبتل والانقطاع للعبادة، فقال له: يا عثمان ! أرغبت عن سنتي؟) والسنة هي الطريقة التي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن طريقته الكتاب والسنة، أي: العمل بمقتضى الكتاب والسنة، هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا فيما مضى أن السنة تطلق على أربعة إطلاقات، إطلاقاً عاماً وهو هذا، السنة بمعنى: الطريقة، وتشمل الكتاب والسنة. وقال: (لا والله يا رسول الله! بل سنتك أطلب)، يعني: أنا أريد اتباع سنتك، قال: (أما إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، فاتق الله يا عثمان ، فإن لأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر، وصل ونم) فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى ألا يشدد على نفسه في العبادة، بل يكون معتدلاً متوسطاً، يكون على قصد، فيصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، ويعطي كل ذي حق حقه، ويعطي أهله حقوقهم، ونفسه حقها، وضيفه حقه، ويعطي كل ذي حق حقه، ولا يشتغل عن العبادة بالحقوق، بل يجمع بينها وبين غيرها، وذلك بالاعتدال والتوسط فيها، هذا هو الذي به يكون الإنسان متمكناً من أن يأتي بها، ويأتي بغيرها معاً، وأما إذا اشتغل بها وحدها فإنه يقصر، أو يؤثر ذلك في تقصيره، أو عدم إتيانه بالأمور المطلوبة لأهله ولضيفه ولنفسه. قوله: [ (وإن لضيفك عليك حقاً) ]. يعني: إذا كان صائماً باستمرار فالضيف يحتاج إلى مؤاكلته ومؤانسته يعني: أشياء مطلوبة، وهذا من إكرام الضيف، فإذا كان مشتغلاً بالصيام معناه أن الضيف يأتي ويأكل وحده وهو لا يأكل معه، وأما إذا كان يصوم ويفطر فإنه يتمكن من إكرام الضيف بالأكل معه ومؤانسته، وإدخال السرور عليه، ألا يأكل ضيفه وحده وهو بعيد عنه أو مختف عنه، وإنما يأكل معه ويؤانسه، ويدخل السرور عليه.

تراجم رجال إسناد حديث (... فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء...)

قال: [ حدثنا عبيد الله بن سعد ]. عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عمه ]. عمه يعقوب بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. أبوه سعد بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. ابن إسحاق هو: محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه: عروة بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين وقد مر ذكرها.
شرح حديث (.. كان كل عمله ديمة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: سألت عائشة : كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا، كان كل عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟! ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، عن علقمة أنه سألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يخص شيئاً من الأيام، يعني معناه: أنه يخص شيئاً دون شيء، أو أنه يجتهد في أوقات، فقال: قالت: (كان عمله ديمة)، يعني: يداوم على العمل، (وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟) وهذا فيه إشارة إلى أن المداومة على العمل مطلوبة، لكن المداومة التي فيها قصد واقتصاد، وليس فيها تكلف وتشديد على النفس؛ لأن هذا يؤدي إلى الضعف، ويؤدي إلى الانقطاع عن العبادة، ولكن القليل الذي يداوم عليه الإنسان هذا هو الذي يستمر عليه الإنسان، ويبقى مع الإنسان، ويكون الإنسان معه نشيطاً. وأما التشديد على النفس فهذا يؤدي إلى الترك، وإلى الضعف، وإلى الفتور، وإلى كون الإنسان لا يؤدي الحقوق الأخرى التي تكون عليه لغيره.
تراجم رجال إسناد حديث(... كان كل عمله ديمة...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. علقمة وهو: ابن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين، وقد مر ذكرها، والرجال كلهم كوفيون إلا عائشة .
ما جاء في قيام شهر رمضان


شرح حديث (...من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه…)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب شهر رمضان. باب في قيام شهر رمضان. حدثنا الحسن بن علي و محمد بن المتوكل قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال الحسن في حديثه : ومالك بن أنس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه) ]. أورد أبو داود رحمه الله تفريع أبواب شهر رمضان، والمقصود من ذلك كما هو معلوم ذكر الأبواب المتعلقة بقيام شهر رمضان، وما يتعلق في ذلك من ليلة القدر، وأورد أبو داود ترجمة: باب قيام رمضان، أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، يعني: أنه كان يرغبهم ولكنه لم يعزم عليهم، يعني: لم يوجبه عليهم، وإنما كان مرغباً لهم، يرغبهم فيه، وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يفرض عليه، ولهذا صلى بهم بعض الليالي ثم ترك، وبين أنه ترك خشية أن يفترض عليهم. ولكنه بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى زمن التشريع، وبقيت الشريعة مستقرة، فليس هناك وحي ينزل من السماء على أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى الوحي بوفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد كملت الشريعة، واستقرت الأحكام، وقد علم أن صلاة الليل مرغب فيها، فرجع الناس إليها في عهد عمر ؛ لأن المحذور قد زاد، وهو خشية الفرض، فرجعوا إلى إظهاره، وإلى الإتيان به جماعة، فجمع عمر الناس على ذلك بعد مضي صدر من خلافته، فهو مندوب ومستحب ومرغب فيه، وهو من الصلوات النوافل التي تشرع لها الجماعة، والإنسان يحرص على أن يصلي تلك الصلاة جماعة مع المسلمين في المساجد؛ لأنها صلاة تشرع لها الجماعة، ففعلها في المساجد أولى من فعلها في البيوت؛ لأنها تشرع لها الجماعة، فكان الحكم أن الندب موجود، والترغيب موجود، والذي يخشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فقد، بكونه توفي عليه الصلاة والسلام ولم يفرض. فإذاً: أعاد عمر رضي الله عنه الناس إلى ذلك الذي فعله بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صلى بهم ليالي، ولكنه تركه خشية أن يفرض، فرجع الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبوة. إذاً: فالتراويح، أو صلاة الليل، أو قيام الليل جماعة في المساجد سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغب فيها، وفعلها بالناس عدة ليالي، وتركها خشية أن تفرض، وبعد ذلك أعيد الناس إلى ما كانوا فعلوه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. (إيماناً) تصديقاً بما جاء عن الله وبأمر الله، وبوعد الله، (واحتساباً) أي: احتساب الأجر عند الله، يعني: فعل ذلك محتسباً مخلصاً في قصده، يرجو ثواب ربه على ذلك العمل الذي شرعه الله عز وجل، فجزاؤه على ذلك أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، وهذا يكون بالنسبة للصغائر، وأما الكبائر فإن تطهيرها يحتاج إلى توبة منها، وندم عليها، وعزيمة على ألا يعود إليها، وأما الصغائر فإنها تكفر بالأعمال الصالحة التي منها قيام رمضان. وجاء في بعض الروايات: (ما تأخر) لكن ما صح في ذلك شيء، لكن الذي جاء في الصحيح وفي غيره هو هذا الذي معنا: (ما تقدم).

تراجم رجال إسناد حديث (.. من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ ومحمد بن المتوكل ]. ومحمد بن المتوكل ، صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود . [ قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ]. عبد الرزاق و معمر قد مر ذكرهما. [ قال الحسن في حديثه : ومالك بن أنس ]. قال الحسن في حديثه يعني: الشيخ الأول، ومالك بن أنس يعني: بالإضافة إلى معمر ، وأما محمد بن المتوكل فهو يروي عن معمر وحده، ومعنى هذا أن أبا داود له شيخان أحدهما يروي في إسناده عنه عن شيخين، يعني: اتفقا على معمر وانفرد الحسن بمالك بن أنس ، ومالك بن أنس مر ذكره. [ عن الزهري ]. الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. أبو سلمة مر ذكره، وأبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
رواية حديث (من قام رمضان) من طريق أخرى

[ قال أبو داود : وكذا رواه عقيل و يونس و أبو أويس : (من قام رمضان) ]. يعني: مثلما رواه في الإسناد المتقدم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً)، خاص بذكر القيام، يعني: هؤلاء الثلاثة رووه كما رواه الذين رووه في الإسناد المتقدم: (من قام رمضان) وليس معه ذكر الصيام. [ وروى عقيل : (من صام رمضان وقامه) ]. يعني: جمع بين الصيام والقيام، معناه أن عقيلاً جاء عنه القيام وحده، وجاء أيضاً عن غيره، وعقيل جاء عنه أيضاً الجمع بين الصيام والقيام، يعني: (من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً). قوله: [ وكذا رواه عقيل ]. عقيل هو: عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويونس ]. يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأبو أويس ]. أبو أويس هو: عبد الله بن عبد الله بن أويس ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد و ابن أبي خلف المعنى قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى: وفيه: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسباباً غفر له ما تقدم من ذنبه)،وليلة القدر هي ليلة من ليالي رمضان، وقد جاء ذلك في الصيام، وجاء ذلك في القيام، وجاء ذلك في ليلة القدر، وهو أن من فعل تلك الأشياء إيمانا ًواحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

تراجم رجال إسناد حديث (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه...)


قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ، هو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ و ابن أبي خلف ]. ابن أبي خلف هو: محمد بن أحمد بن أبي خلف ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ قالا: حدثنا سفيان عن الزهري ]. سفيان هو: ابن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والزهري مر ذكره. [ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. أبو سلمة و أبو هريرة قد مر ذكرهما. [ قال أبو داود : وكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة و محمد بن عمرو عن أبي سلمة ]. يعني: لما تقدم من ذكر الصيام وليلة القدر، و يحيى بن أبي كثير هو اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و محمد بن عمرو هو: ابن وقاص الليثي ، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (أن النبي صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في ليلة من ليالي رمضان يعني: في آخر الشهر في العشر الأواخر، فصلى وصلى أناس بصلاته، ثم في الليلة التي تليها علم بعض الناس فكثروا فصلى بهم، ولما جاء في الليلة الثالثة لم يخرج عليهم، وقد اكتظ المسجد؛ لأن الذين صلوا حضروا وأخبروا من لم يصل، فكثر الناس، فلم يخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك أخبرهم قال: إني علمت مكانكم، ولكني خشيت أن يفرض عليكم -يعني: قيام رمضان- فهذا يبين لنا السبب الذي من أجله لم يواصل بهم صلى الله عليه وسلم الصلاة؛ خشية أن يفرض عليهم، وهذا من رحمته بأمته وشفقته عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد وصفه الله بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة ]. وقد مر ذكرهم جميعاً.
شرح حديث (... أيها الناس أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعاً، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت له حصيراً فصلى عليه، بهذه القصة قالت فيه: قال -تعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: أيها الناس! أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً، ولا خفي علي مكانكم) ]. أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو أنه أمر عائشة بأن تضرب له حصيراً، فصلى وصلى الناس بصلاته، يعني: في الليلة الأولى، ثم الليلة الثانية، وفي الثالثة لم يخرج عليهم، ولما أصبح قال: (أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً، ولا خفي علي مكانكم) يعني: بل هو مستيقظ وعلى علم، ولكنه لم يفعل، لم يخرج عليهم ليصلي بهم كما صلى بهم في الليلتين الماضيتين؛ خشية أن يفترض عليهم قيام رمضان، فيكون في ذلك مشقة عليهم، فأراد أن يكون من قبيل المندوب، وألا يكون من قبيل الواجب عليهم، فحقق ما أراده صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي خشيه لم يحصل؛ لأنه توفي عليه الصلاة والسلام ولم يفرض عليهم قيام رمضان، فبقي الندب على ما هو عليه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]