شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [171]
الحلقة (202)
شرح سنن أبي داود [171]
إذا قرأ القارئ للقرآن آية فيها سجدة تلاوة فيسن له أن يسجد، وإذا كان يستمع لقراءته أحد سن له أن يسجد، وسجود التلاوة مستحب في كل سجدات التلاوة في القرآن، ويدعو بالدعاء الوارد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في السجود في (ص)
شرح حديث: (ليس (ص) من عزائم السجود)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السجود في (ص). حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليس (ص) من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها). ]. ذكر رحمه الله فيما مضى عدة أحاديث تتعلق بالسجود في بعض سجدات القرآن، مثل سجدات المفصل، وسجدتي الحج، وذكرت فيما مضى أن العلماء أجمعوا على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، وذكرت أن عشراً من تلك السجدات أو تلك المواضع مجمع عليها بين العلماء، وأن خمساً فيها خلاف، والخمس التي فيها خلاف هي الثلاث التي في المفصل، وسجدة (ص)، والسجدة الثانية من الحج، وقد مر حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، والحديث فيه عبد الله بن لهيعة . وأضيف أن الحاكم في المستدرك لما ذكر الحديث من طريق ابن لهيعة قال: وقد صح عن عمر وابنه وابن مسعود و أبي موسى و أبي الدرداء واثنين من الصحابة -نسيتهما- ثم ذكر أسانيده إلى هؤلاء السبعة، فقد جاء عن سبعة من الصحابة أنهم كانوا يسجدون في سجدتي في الحج، كما ذكر ذلك الحاكم في المستدرك. والباب الذي معنا فيه السجود في (ص)، وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليست (ص) من عزائم السجود)، يعني: ليس السجود في (ص) من عزائم السجود، (وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها)، فهذا فيه أنها من المواضع أو من السجدات التي سجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن في الحديث أنها ليست من عزائم السجود، وكأن السجدات بعضها متأكد، وبعضها دون ذلك، وكلها يسجد فيها؛ لأن ابن عباس لما قال هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: رأيته يسجد فيها، فدل ذلك على أنها من مواضع السجود، وأنه يسجد فيها، وهي من الأماكن التي اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال: يسجد فيها، ومنهم من قال: لا يسجد فيها، ولكن حيث سجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما جاء في هذا الحديث وفي غيره- فإن السجود فيها سنة، ويستحب للقارئ أن يسجد في هذا الموضع من مواضع السجود.
تراجم رجال إسناد حديث: (ليس (ص) من عزائم السجود)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (قرأ رسول الله وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر (ص)، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود، فنزل فسجد، وسجدوا) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة (ص) وهو على المنبر، فلما جاء عند السجدة نزل من المنبر وسجد، وسجد الناس معه صلى الله عليه وسلم، ثم إنه قرأها مرة أخرى فرآهم تشزنوا، أي: تهيأوا واستعدوا واحفوفزوا لأن يسجدوا؛ لأنهم قد عرفوا السجدة قبل ذلك؛ لأنه كان على المنبر ونزل وسجد، وهذه المرة هو على المنبر أيضاً، فعلى العادة التي يعرفونها وأخذوها عنه صلى الله عليه وسلم تهيئوا لأن يفعلوا مثل ما فعلوا في المرة السابقة. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إنها توبة نبي، وإنني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل وسجد)، فهذا يدل على ما دل عليه الحديث الذي قبله، وأنها ليست من عزائم السجود، ولكن السجود فيها سنة، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يُسجد فيها، وأنها إذا تركت في بعض الأحيان فلا بأس بذلك؛ لأنها ليست واجبة، وكذلك سجدات القرآن كلها ليست بواجبة، من سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، كما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فالحديث أيضاً يدل على ما دل عليه الحديث السابق من أن (ص) فيها سجدة، وأن الإنسان يشرع له أن يسجد فيها عندما يأتي إليها، وإن لم يسجد فلا حرج عليه ولا بأس بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (قرأ رسول الله وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - ]. عمرو بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي هلال ]. ابن أبي هلال هو سعيد بن أبي هلال ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عياض بن عبد الله ]. هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
في الرجل يسمع السجدة وهو راكب في غير الصلاة
شرح حديث: (أن رسول الله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب في غير الصلاة. حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدة، فسجد الناس كلهم: منهم الراكب، والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده). ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب]، الراكب عندما يكون قارئاً للقرآن فإنه يسجد، ويكون سجوده بالإيماء وهو على راحلته؛ لأن سجود التلاوة منوط بالتلاوة، فإذا جاءت سجدة وأراد أن يسجد فله أن يسجد، وإن لم يسجد فلا شيء عليه، وإن سجد وهو راكب فلا بأس بذلك، ولكنه إذا كان يقود سيارة فليس له أن يسجد إلا إذا كان متمكناً ومطمئناً إلى عدم إخلاله بقيادة السيارة، وهو متيقظ ومتنبه للطريق، ولا يعمل عملاً تترتب عليه مضره له ولغيره، لا يجوز له ذلك، وهي كما عرفنا مستحبة، من فعلها فقد أصاب، ومن لم يفعلها فلا إثم عليه، كما جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس معه منهم الراكب والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده)، معناه: أنه يجعل يده على السرج فيسجد عليها حتى تتمكن جبهته منها. والحديث في إسناده مصعب بن ثابت ، وهو لين الحديث، لا يحتج به، فالحديث لا يصح، ولكن كون الإنسان يسجد وهو راكب لا بأس بذلك، لكن إذا كان يقود سيارة لابد من أن يطمئن إلى عدم ترتب ضرر على ذلك، وإذا كان راكباً بعيراً فإنه يسجد بالإيماء، وإن لم يسجد لا حرج عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم...)
قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ]. محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ثقة أخرج له أبي داود و ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد -]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ]. مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا السورة فيسجد ونسجد معه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد ح وحدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا ابن نمير المعنى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة -قال ابن نمير : في غير الصلاة، ثم اتفقا- فيسجد ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته). ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن ويكون عنده أصحابه، فيسجد ويسجدون معه، يعني: كانوا جالسين ومتحلقين حوله، ثم عندما يسجد يسجدون، فيكون المكان ضيقاً لا يستوعب السجود كما ينبغي، قال: (فيسجد ونسجد معه، حتى إن الواحد لا يجد مكاناً ليضع فيه جبهته)؛ لأنهم كانوا متقاربين، وعندما تحولوا إلى السجود لم يتسع المقام لهم كما كان يتسع لهم في حال الجلوس. وهذا يدل على سجود التلاوة، وعلى أن المستمع يسجد كما يسجد التالي، ولكن المستمع يسجد تبعاً للقارئ؛ لأنه إمامهم، فإذا سجد يسجدون معه، وإن لم يسجد لا يسجدون.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا السورة فيسجد ونسجد معه...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما.
شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه). قال عبد الرزاق : وكان الثوري يعجبه هذا الحديث. قال أبو داود : يعجبه لأنه كبر. ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن، ويكبر عندما يسجد ويسجدون معه، وهذا مثل الذي قبله أنه كان يسجد ويسجدون معه، وفيه زيادة التكبير، فما سوى التكبير موجود في الحديث الذي قبله. هذا الحديث في إسناده عبد الله بن عمر المكبر، وهو أخو عبيد الله بن عمر الذي مر ذكره في الإسناد السابق، والمصغر عبيد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأما المكبر فهو ضعيف أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله ولم يرو له منفرداً، وأخرج له أصحاب السنن، وأخوه ثقة متفق على ثقته رحمه الله، وأما هو فهو ضعيف. إذاً: الحديث بهذا الإسناد لا يصح، لكن الحاكم أخرجه من طريق عبيد الله ، وفيه ذكر التكبير، ذكر هذا الحافظ ابن حجر في التلخيص، وتبعه بعض أهل العلم، ولكن ذكر الشيخ الألباني رحمه الله أن المستدرك ليس فيه ذكر التكبير، وإنما فيه ذكر السجود، وأن الصنعاني و الشوكاني وغيرهما من العلماء تابعوا الحافظ على ذكر التكبير، وعلى هذا إذا لم يكن إلا هذا الحديث الذي هو حديث ابن عمر الذي فيه عبد الله بن عمر المكبر، فالتكبير لا يكون ثابتاً، لكن لعل الحافظ ابن حجر اطلع على نسخة فيها ذكر التكبير، والطبعة الموجودة من المستدرك فيها أخطاء كثيرة، فينبغي أن يُرجع إلى مخطوطات المستدرك ليتحقق من وجود ذكر التكبير أو عدم وجوده، فإن الحافظ ابن حجر قال ذلك عن اطلاع وعلم، وإن كانت خالية وليس فيها ذكر التكبير فيكون ذلك وهماً منه، وعلى هذا فالأمر غير متبين حتى ينظر في النسخ المخطوطة للمستدرك. وإذا لم يكن ذلك ثابتاً في المستدرك ولا في غيره فإن الأصل هو عدم التكبير حتى يأتي ما يدل عليه، وجمهور أهل العلم على القول بالتكبير عند السجود. ومن أهل العلم من قال: إن سجود التلاوة صلاة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وعلى هذا فبعض أهل العلم يستدل بهذا الحديث، لكن كون سجود التلاوة صلاة ليس محل اتفاق، بل فيه خلاف؛ لأن من أهل العلم من قال: يصح أن يسجد على غير طهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على كل أحواله، والصحابة يكونون مجتمعين معه، ويسجد ويسجدون معه، ولا يلزم أن يكونوا كلهم متطهرين، فقد يكون بعضهم غير متطهر، لا سيما المجامع التي تجمع الناس، والأماكن التي يسجدون فيها حتى لا يجد أحد مكاناً يضع جبهته فيه لكثرتهم، قالوا: فهذا يفيد أن اشتراط الطهارة في سجود التلاوة ليس بلازم. ومثل ذلك سجود الشكر؛ لأن سجود الشكر يحصل عند الخبر المفاجئ، وقد يكون الإنسان غير متطهر فيسجد لله شكراً. وبعض أهل العلم استدل بحديث: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، واستحب أيضاً أن يسلم منه، لكن كثير من العلماء ما ذكروا التسليم، وإنما ذكروا التكبير فقط. أما إذا كان الإنسان في الصلاة فالأمر في ذلك واضح، يكبر عند السجود، ويكبر عند القيام؛ لعموم ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة)، وهذا من الخفض والرفع في الصلاة، ولكن الشأن في خارج الصلاة، فهذا هو الذي يحتاج إلى أن يتحقق فيه من نسخ المستدرك. فعلى فرضية أنه إذا ثبت هذا الحديث فيؤخذ به لثبوته، وأما القيام فلم يثبت فيه شيء فلا يكبر، لكن بعض أهل العلم يقول: يكبر عند السجود، ويكبر عند القيام، ويتشهد ويسلم، وبعضهم يقول: يسلم بلا تشهد.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه)
قوله: [ حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ]. أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المكبر وهو ضعيف، أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. [ قال عبد الرزاق : وكان الثوري يعجبه هذا الحديث ]. يعني: من أجل أن فيه ذكر التكبير، كما قال: أبو داود . والألباني ذكر الحديث في إرواء الغليل، وذكره عنه الشيخ عبد العزيز السدحان وله رسالة قيمة بعنوان: التبيان في سجدات القرآن، يعني: أتى بالأحاديث والآثار التي وردت فيما يتعلق بالسجدات، وذكر عن الشيخ عبد العريز بن باز رحمه الله أنه كان يقول بالتكبير عند السجود، وأنه جاء في إسناد جيد، وأنه أحاله على الحاكم ، ولعله تبع ابن حجر ، ثم قال: إن الحافظ في التلخيص ذكر كذا، وذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل أن الشوكاني و الصنعاني تابعوا ابن حجر ، والحديث ليس فيه ذكر التكبير عند المستدرك، وإنما فيه ذكر السجود، وأنهم سجدوا معه صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر التكبير. فأنا أقول: الأمر يحتاج إلى معرفة ذكر التكبير في الكتب المخطوطة للمستدرك، حتى يعرف هل الحافظ ابن حجر استند على شيء، أو أنه وهم منه لا سيما والمستدرك المطبوع فيه خطأ كثير.
ما يقول إذا سجد
شرح حديث: (كان رسول الله يقول في سجود القرآن بالليل...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول إذا سجد. حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا خالد الحذاء عن رجل عن أبي العالية عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل، يقول في السجدة مراراً: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته). ]. أورد أبو داود باب ما يقول إذا سجد في التلاوة، وأورد حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل -يعني: إذا سجد وهو يتلو القرآن في صلاة الليل- (سجد وجهي لله الذي خلقه، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته) ويقول ذلك مراراً. فهذا الحديث يدل على أنه يؤتى بهذا الذكر في سجود التلاوة، ويؤتى كذلك أيضاً بدعاء السجود الذي هو ذكر السجود: سبحان ربي الأعلى، ولكن يأتي مع هذا بهذا الذكر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ (وشق سمعه وبصره) ] أضاف ذلك إلى الوجه؛ لأنه متصل به، وإلا فإن: (الأذنان من الرأس)، كما جاء ذلك في الحديث، وذلك باعتبار المسح، فهما ممسوحان لا مغسولان، فقوله هنا: (وشق سمعه وبصره) يعني: ذكر السمع مضافاً إلى الوجه، ولعل ذلك لاتصاله به وقربه منه، ثم الرأس يطلق على ما فوق العنق، ويطلق على غير الوجه الذي يمسح عليه مثل قوله: (وحلق رأسه) يعني: يحلق شعر رأسه.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول في سجود القرآن بالليل..)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو ابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن أبي العالية ]. وهو هنا غير مذكور، ولكنه جاء عند الترمذي عن خالد عن أبي العالية ، وقال: صحيح، وعلى هذا فالرجل هنا مبهم، ولكنه جاء متصلاً عن خالد الحذاء إلى أبي العالية ، والحديث صحيح. [ عن أبي العالية ]. أبو العالية هو رفيع الرياحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.