عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-11-2024, 09:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,912
الدولة : Egypt
افتراضي نظام الوراثة في الإسلام

نظام الوراثة في الإسلام

الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 ـ 71]، أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخيرُ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين، اقتضت حكمةُ الله جل وعلا أن مَن عاش من بني آدم فلابد له من موت وفناء، إنه قضاءٌ وقدر.

كل ابن أنثى وإن طالت سلامتُه
يومًا على آلةٍ حَدباء محمولُ




فقد حكم الله علينا جميعًا بالفناء والإبادة، فقال الله: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26].

وقال: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185].

لكلِّ شيءٍ إذا ما تَمَّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسانُ
هي الحياةُ كما شاهدتها دولٌ
مَن سرَّه زمن ساءَته أزمانُ


هذه حقيقة يجب علينا أن نتأمَّلها، وأن نكون مُدركين لها، وليس الحديث عن المصرع الأخير، ومَثوى المؤمن الانتقال من هذه الدار إلى دار الجزاء، وإنما أردت ذلك توطئةً وتمهيدًا؛ ليكون الكلام على أمرٍ آخر، وهو ما يتعلق بنظام الميراث في الإسلام، هذا أمرٌ من الأهمية بمكان، ففيه قوامُ الأُسر والمجتمعات، وفيه إزالةُ الضغائن والأحقاد أردت أن أبيِّن أن العبد إن انتقل من الدنيا يكون قد وَرِث العبد منهم ميراثًا، وخلَّف ثروةً هائلة لطالَما جمعها، فلا بد أن يكون تاركًا لها؛ كما قال الله: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]، فهذا المتروك الذي يتركه العبد يوم أن يَفِدَ إلى الله وحيدًا فريدًا كما قيل:
تجرَّد من الدنيا فإنك إنما
خرجتَ إلى الدنيا وأنت مُجَرَّدُ




وهكذا يعود العبد مجردًا اللهم إلا قطعة من القماش الأبيض، وربما كان صدقة من المحسنين، كما قد حصل لكثير من الناس الذين كانوا يمتلكون الثراء والملك، ولكنهم لم ينتفعوا به آخر المطاف، فلابد أن يكون ترك شيئًا، فهذا المتروك كيف يكون تقسيمه، وكيف يكون الأمر فيه؟ هل للعباد أن يدخلوا في ذلك بالأهواء، أو أن يكون ذلك راجعًا إلى الأمزجة، أو على حسب ما يريده الناس، كل هذا لا واحد يَصلُح لذلك، فلقد بيَّن الله جل وعلا وفصل في ذلك أيما تفصيل يوم أن بعث محمدًا سيد الأولين والآخرين، بعَثه بشريعة غرَّاء وبمنهاج مفصل؛ قال الله: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴾ [الإسراء: 12]، فصَّله الله وبيَّنه أعظم بيان، وقال سبحانه: ﴿ إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9] قبل أن يكون هذا التفصيل والبيان كان الناس قبل الإسلام يعيشون في وباء وشقاء في كل المستويات، ومن ذلك فيما يتعلق بتوزيع الثروة والمال، فكان القوي هو الذي يأخذ التركة، وتُحرم المرأة والأطفال، فلا يعطون من الميراث شيئًا، وإن كانوا مستحقين، لذلك يعيش الأطفال فقراءَ أيتامًا، وتعيش المرأة أرملة مستعبدة من قِبَل الأقوياء، فإنهم كانوا يقرؤون في قواميسهم الجاهلية أن من كان قويًّا عزيزًا كان له استحقاق في المال، من أقرى الضيف ونازل الأبطال، هو الذي يحوز المال على حد قولهم:

لا يَندبون أخاهم حين يَطلُبهم
في النائبات إلى ما قال برهانًا




فمن كان من الأقوياء أخذ المال وترك الآخرين يعيش في فقرٍ وضَعف ومَهانة وذِلَّة، فجاء الإسلام وقضى على هذه الجاهلية الجهلاء، وبيَّن الله أن ذلك من الضلالة بمكان، فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

كانوا يعيشون في ضلالات كثيرة، ومن تلك الضلالات والجهالات: عدم إعطاء أهل الحقوق حقوقَهم، وقد يُعذرون للقرون المتفاضلة بين زمن المسيح عيسى ابن مريم وبَعثة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن ما هو عذر المسلمين وهم يعيشون بعد البَعثة النبوية، وقد تجاسَر الكثير، أو تجاهَل الكثير يدخلون في ذلك ظالمين لأرحامهم، فيما يتعلق بالميراث والله جل وعلا أرحمُ بعباده من أنفسهم، وهو أرحم بالأبناء من الآباء وبالآباء من الأبناء؛ يقول الله: ﴿ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ﴾ [النساء: 11].

فالله هو الذي يعلم أنت لا تعلم أيها المسلم، فالله بيَّن وفصَّل في ذلك تفصيلًا، وجعله نظامًا تولَّى قسمته من السماء السابعة.

علمُ الفرائض علمٌ لا نظيرَ له
يَكفيك أن قد توَّلى قسمه الله
وبيَّن الحظ تبيانًا لوارثه
فقال سبحانه يُوصيكم الله
وفي الكلالة فَتوى الله منزلة
فبان تشريفُ ما أفتى به الله


كانت الشريعة كلها وحيًا يوحى مِن قِبَل الأمين جبريل إلى أمين أهل الدنيا محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من التشريعات، إلا ما يتعلق بالحقوق، فبيَّن الله ذلك كله، وجعله في ثلاث آيات من القرآن الكريم، اشتملت على كل الفرائض، فبيَّن الله ميراث الأبوين وميراث الزوجة أو الزوجات، وميراث البنت أو البنات، وميراث الأخت والإخوة والصغار والكبار، وأشار إلى ما يتعلق بالعصبات، كلُّ ذلك في كتاب الله، لا يجوز لمسلم أن يردَّ أمرًا قضاه الله، ولذلك كانت المحاكم والقضاة، فما كان القُضاة يديرون القضاء والأحكام في محاكمهم إلا بهذا البيان الذي عناه الله بقوله: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11]، ثم بيَّن الله ميراث الزوجة أو الزوجات، فقال: ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 12].

فهذه هي آيات المواريث اجتمع فيها كلُّ الأنصبة، وما يتعلق بتوريث الآباء والأبناء والبنات والأخوات، هذا أمرٌ قضاه الله خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية.

روى الإمام الترمذي في جامعه وأبو داود في سننه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن سعد بن الربيع قُتل معك يوم أحد شهيدًا، وخلف ابنتين، وإن عمهما أخذا ميراثهما، ولا ينكحان إلا بمال، بمعنى أن المرأة يكون لها حُظوة إن كان لها شيء من المال، فقالت: ولا ينكحان إلا بمال، فقال الرسول لتلك المرأة: (اذهبي حتى يقضي الله في أمرك شيئًا)، فذهبت المرأة، فإذا الآية الكريمة ينزلها الله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11].

فيستدعي الرسول امرأةَ سعد بن الربيع وعم البنتين، فيقول الرسول لذلك العم: (أعطِ امرأة سعد بن الربيع الثمن، وأعطِ البنتين الثلثين، وخُذ ما بَقِيَ من المال)، فجعل العم عصبة لقوله: (ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بَقِيَ فلأَولى رجلٍ ذكرٍ)، وقد كان هذا العم آخذًا كلَّ المال بناءً على ما كان عليه الناس قبل الإسلام.

فيا أمة العقيدة والتوحيد، هذا النظام العظيم يتولى الله قسمته، وإن كثيرًا من دول الكفر بعد أن عانقوا الكفر أكثر من سبعين عامًا، لم يستطيعوا أن يوصلوا الحقوق إلى ذويهم، فمن ذلك المذهب الشيوعي الاشتراكي في بلاد روسيا يوم أن استمرَّ أكثر من سبعين عامًا وهم يحاربون الملكية الفردية، ويقولون بتأميم الأموال، فكسل الناس عن العمل؛ لأن أموالهم يأخذها الحزب، وبعد ذلك أباح التعددية وأباح الملكية الفردية، لكن إذا مات الميت أخذ الحزب أمواله، فضاق الأبناء وضجَّت الزوجات، أنكون فقراءَ بعد أن يتوفَّى الزوج أو الأب، فإنه لابد من حلول، فإذا بحكومة تلك البلاد ترسل وفدًا من روسيا إلى القاهرة إلى الأزهر، من أجل أن يتعلموا قانون الوراثة على ضوء الإسلام؛ لأنه أعدل القوانين وأعظم القوانين، فالذي قنَّنها هو الله سبحانه: ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]