الموضوع: الصالون الأدبي
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-12-2024, 03:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,270
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصالون الأدبي

الصَّالون الأدبي (مع عُقَابِ العربيّةِ: الأستاذ محمود محمد شاكر) (22)









كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن كُنّا لا نَنسى لِمحمود شاكر صنائعَ مَعرُوفِه في تاريخِ أُمَّتِنَا الثَّقافِيّ، فإنّنا كذلك لا نَنسى لِعبدِ القاهر الجرجانيّ أياديَه البِيضَ على محمود شاكر؛ إذ قد بَلَغَ به أعلى درجاتِ التَّذَوُّقِ في قراءةِ الشِّعْرِ وغَيْرِه، فكان هذا التَّذَوُّقُ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ في تاريخِنا الثَّقافِيّ.

فتَأمَّلْ ذَوْقَ عبدِ القاهر المُرْهَفَ لمّا يَصِلُ به في بيانِه إلى درجةٍ مِن التَّذَوُّقِ تُضَاهِي تَذَوُّقَ الشَّاعِرِ، إن لَم تَفُقْهُ أحيانًا!

قال عبدُ القاهر الجرجانيّ في "دلائل الإعجاز" (ج 1/ ص 162، 163) (القول في الحذف / القول في حذف المفعول به): (قول البُحتُريّ: إِذَا بَعُدَتْ أَبْلَتْ، وإِنْ قَرُبَتْ شَفَتْ.. فَهِجْرَانُهَا يُبْلِي، ولُقْيَانُهَا يَشْفِي. قد عُلِمَ أنَّ المَعنَى: إذا بَعُدَتْ عَنِّي أَبْلَتْنِي، وإنْ قَرُبَتْ مِنِّي شَفَتْنِي؛ إلَّا أَنَّكَ تَجِدُ الشِّعْرَ يَأبَى ذِكْرَ ذلك، ويُوجِبُ اطِّرَاحَه، وذاك لأَنَّه أراد أن يَجْعلَ البِلَى كأنّه واجِبٌ في بِعادِها أن يُوجِبَه ويَجْلِبَه، وكأنّه كالطَّبيعةِ فيه، وكذلك حالُ الشِّفَاءِ مع القُرْبِ، حتَّى كأنّه قال: أَتَدْرِي ما بِعادُها؟ هو الدَّاءُ المُضْنِي، وما قُرْبُها؟ هو الشِّفَاءُ والبُرْءُ مِن كُلِّ داءٍ. ولا سبيلَ لك إلى هذه اللَّطِيفَةِ وهذه النُّكْتَةِ، إلا بحذفِ المفعولِ البَتَّة، فاعْرفْه.


وليس لِنَتائجِ هذا الحذفِ -أَعْنِي حَذْفَ المَفعُولِ- نهايةٌ، فإنّه طريقٌ إلى ضُرُوبٍ مِن الصَّنْعَةِ، وإلى لَطَائِفَ لا تُحصَى) (انتهى).

فتَأمَّلْ -عزيزيَ المُتَذَوِّقَ- قولَ الجرجانيّ: (إلَّا أَنَّكَ تَجِدُ الشِّعْرَ يَأبَى ذِكْرَ ذلك، ويُوجِبُ اطِّرَاحَه)؛ فلَم يَقُلْ: (الشَّاعِرُ يَأبَى ذِكْرَ ذلك)، بل قال: (الشِّعْرُ يَأبَى ذِكْرَ ذلك)، وكأنّ الذي يَضَعُ أحكامَ الشِّعْرِ ويُعَلِّمُ تَذَوُّقَ بيانِه هو الشِّعْرُ نَفْسُه!

والبُحتُري قال: (إِذَا بَعُدَتْ أَبْلَتْ، وإِنْ قَرُبَتْ شَفَتْ)، ولَم يَقُلْ: (إِذَا بَعُدَتْ عَنِّي أَبْلَتْنِي، وإِنْ قَرُبَتْ مِنِّي شَفَتْنِي)؛ فقد حَذَفَ المَفعُولَ لِتَحْصُلَ اللَّطائِفُ التي ذَكَرَهَا لك الجرجانيّ، والتي لا سبيلَ إليها إلا بحذفِ هذا المَفعُولِ، وكأنّ الشِّعْرَ يَستَغِيثُ بك ألَّا تُقَدِّرَ المَحذُوفَ فَتَظْلِمَهُ وتُفْسِدَه!

وباللهِ التَّوفِيق.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.04%)]